نظرات فى كتاب التحقيق فيما نسب للنبي (ص)من زواجه بزينب بنت جحش

رضا البطاوى البطاوى في الخميس ٢٢ - فبراير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نظرات فى كتاب التحقيق فيما نسب للنبي (ص)من زواجه بزينب بنت جحش
المؤلف أحمد بن عبد العزيز القصير والكتاب يدور حول الروايات التى تتهم النبى(ص) بأنه كان معجبا بزينب محبا لها وهى على ذمة زيد
استهل القصير البحث بذكر آية تزويج النبى(ص) من طليقة متبناه فقال :
"قال الله تعالى : " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا " [الأحزاب:/37] "
وتحدث الكاتب عن سبب النزول عند المفسرين فقال :
"ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية : أن النبي(ص) وقع منه استحسان لزينب بنت جحش، وهي في عصمة زيد بن حارثة ، وأن النبي(ص) كان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو "
كما تحدث عن اعتماد المعادين للإسلام على تلك الروايات فى اتهام النبى(ص) بما لم يحدث منه فقال :
"وقد اتكأ على هذه الرواية عدد من المغرضين ، من مستشرقين ، وملحدين ، وجعلوها أداة للطعن في نبينا الكريم ، والنيل من شخصه الكريم "
وقد قام القصير بجمع الرواية من طرقها المختلفة مبينا كونها كلها ضعيفة السند فقال :
"رويت هذه القصة من ثمانية طرق ، كلها ضعيفة ، وفيما يلي تفصيلها وبيان عللها :
الرواية الأولى : عن أنس بن مالك " قال :« أتى رسول الله (ص)منزل زيد بن حارثة ، فرأى رسول الله (ص)امرأته زينب ، وكأنه دخله " لا أدري من قول حماد ، أو في الحديث " فجاء زيد يشكوها إليه ، فقال له النبي(ص) : أمسك عليك زوجك واتق الله قال : فنزلت : " واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه " إلى قوله : " زوجناكها " يعني زينب »
الرواية الثانية : عن محمد بن يحيى بن حبان: قال : جاء رسول الله (ص)بيت زيد بن حارثة يطلبه ، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد ، فربما فقده رسول الله (ص)الساعة ، فيقول: أين زيد ؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فضلا فأعرض رسول الله (ص)عنها فقالت : ليس هو هاهنا يا رسول الله ، فادخل بأبي أنت وأمي ، فأبى رسول الله (ص)أن يدخل ، وإنما عجلت زينب أن تلبس ، لما قيل لها رسول الله (ص)على الباب فوثبت عجلى ، فأعجبت رسول الله (ص)، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله (ص)أتى منزله فقال زيد : ألا قلت له أن يدخل ؟ قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى قال : فسمعت شيئا ؟ قالت : سمعته حين ولى تكلم بكلام ولا أفهمه وسمعته يقول: سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب فجاء زيد حتى أتى رسول الله (ص)فقال : يا رسول الله : بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لعل زينب أعجبتك فأفارقها فيقول رسول الله (ص): أمسك عليك زوجك فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله (ص)، فيخبره رسول الله : أمسك عليك زوجك فيقول: يا رسول الله ، أفارقها ؟ فيقول رسول الله (ص): احبس عليك زوجك ففارقها زيد ، واعتزلها ، وحلت ، يعني انقضت عدتها ، قال: فبينا رسول الله (ص)جالس يتحدث مع عائشة إلى أن أخذت رسول الله (ص)غشية ، فسري عنه وهو يتبسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء ، وتلا رسول الله (ص): " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك " »
الرواية الثالثة : عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال :« كان النبي(ص) قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمته ، فخرج رسول الله (ص)يوما يريده ، وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر ، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)؛ فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر ، فجاء فقال: يا رسول الله ، إني أريد أن أفارق صاحبتي قال: ما لك؟ أرابك منها شيء ؟ قال: لا والله ، ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرا ، فقال له رسول الله (ص): أمسك عليك زوجك واتق الله فذلك قول الله تعالى:" وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه " تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها »
الرواية الرابعة : عن قتادة قال : جاء زيد إلى النبي(ص) فقال: إن زينب اشتد علي لسانها ، وأنا أريد أن أطلقها فقال له النبي(ص) : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك ، والنبي(ص) يحب أن يطلقها ، ويخشى قالة الناس إن أمره بطلاقها ، فأنزل الله تعالى:" وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس "
الرواية الخامسة : عن مقاتل بن سليمان قال : زوج النبي(ص) زينب بنت جحش من زيد ، فمكثت عنده حينا ، ثم إنه عليه السلام أتى زيدا يوما يطلبه ، فأبصر زينب قائمة ، وكانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش ، فهويها وقال: سبحان الله مقلب القلوب ، فسمعت زينب بالتسبيحة ، فذكرتها لزيد ، ففطن زيد فقال: يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبرا ، تعظم علي وتؤذيني بلسانها ، فقال عليه السلام : أمسك عليك زوجك واتق الله
الرواية السادسة : عن عكرمة قال :« دخل النبي(ص) يوما بيت زيد ، فرأى زينب وهي بنت عمته ، فكأنها وقعت في نفسه ، فأنزل الله : " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه " »
الرواية السابعة : عن الشعبي :« أن رسول الله (ص)رأى زينب بنت جحش فقال: سبحان الله ، مقلب القلوب فقال زيد بن حارثة: ألا أطلقها يا رسول الله ؟ فقال: أمسك عليك زوجك ؛ فأنزل الله عز وجل: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه " »
الرواية الثامنة : عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة :« أن رسول الله (ص)جاء بيت زيد بن حارثة ، فاستأذن، فأذنت له زينب ، ولا خمار عليها ، فألقت كم درعها على رأسها ، فسألها عن زيد ، فقالت: ذهب قريبا يا رسول الله ، فقام رسول الله (ص)وله همهمة ، قالت زينب: فاتبعته ، فسمعته يقول: تبارك مصرف القلوب ، فما زال يقولها حتى تغيب »"
وبعد أن ذكر القصير الروايات تحدث عن اختلاف الفقهاء فيها على مذهبين فالأكثرية رفضتها والأقلية أقرت بها فقال :
"ذكر مذاهب المفسرين والعلماء تجاه هذه الروايات :
اختلف المفسرون ، وأهل الحديث ، تجاه هذه الروايات الواردة في سبب نزول الآية ، على مذهبين :
المذهب الأول : رد هذه الروايات وإنكارها ؛ وذلك لعدم ثبوتها ، ولما فيها من قدح بعصمة النبي (ص)
ويرى أصحاب هذا المذهب : أن الصواب في سبب نزول الآية : أن النبي(ص) كان قد أوحى الله إليه أن زيدا يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها له ، فلما تشكى زيد للنبي (ص)خلق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله (ص)على جهة الأدب والوصية : اتق الله ، أي في أقوالك ، وأمسك عليك زوجك ، وهو يعلم أنه سيفارقها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بالطلاق ، لما علم من أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله (ص)أن يلحقه قول من الناس في أن تزوج زينب بعد زيد وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ؛ فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في أمر قد أباحه الله تعالى له
وهذا المذهب روي عن : علي بن الحسين ، والزهري ، والسدي
وذكر القرطبيان : أن هذا القول هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين
وممن قال به :
أبو بكر الباقلاني ، وبكر بن العلاء القشيري ، وابن حزم ، والبغوي ، وابن العربي ، والثعلبي ، والقاضي عياض ، والواحدي ، وأبو العباس القرطبي ، وأبو عبد الله القرطبي ، والقاضي أبي يعلى ، وابن كثير ، وابن القيم ، وابن حجر ، وابن عادل ، والآلوسي ، والقاسمي ، ورحمة الله بن خليل الرحمن الهندي ، وابن عاشور ، والشنقيطي ، وابن عثيمين
قال القاضي عياض :« اعلم ـ أكرمك الله ، ولا تسترب في تنزيه النبي(ص) عن هذا الظاهر ، وأن يأمر زيدا بإمساكها ، وهو يحب تطليقه إياها ، كما ذكر عن جماعة من المفسرين ، وأصح ما في هذا : ما حكاه أهل التفسير ، عن علي بن حسين : أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها »
وقال أبو العباس القرطبي :« وقد اجترأ بعض المفسرين في تفسير هذه الآية ، ونسب إلى رسول الله (ص)ما لا يليق به ويستحيل عليه ، إذ قد عصمه الله منه ونزهه عن مثله ، وهذا القول إنما يصدر عن جاهل بعصمته عليه الصلاة والسلام ، عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته ، والذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين : أن ذلك القول الشنيع ليس بصحيح ، ولا يليق بذوي المروءات ، فأحرى بخير البريات ، وأن تلك الآية إنما تفسيرها ما حكي عن علي بن حسين »"
ولعد أن ذكر رأى الفقهاء فى إنكار الروايات ذكر أدلتهم وهى أدلة مقنعة فقال :
"أدلة هذا المذهب :
استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه ، بأدلة منها :
الدليل الأول : أن الله تعالى أخبر أنه مظهر ما كان يخفيه النبي (ص)، فقال : " وتخفي في نفسك ما الله مبديه " ، ولم يظهر سبحانه غير تزويجها منه ، حيث قال : " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " ، فلو كان الذي أضمره رسول الله (ص)محبتها أو إرادة طلاقها ؛ لأظهر الله تعالى ذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره ، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله إياه : أنها ستكون زوجة له ، لا ما ادعاه هؤلاء أنه أحبها ، ولو كان هذا هو الذي أخفاه لأظهره الله تعالى كما وعد
الدليل الثاني : أن الله تعالى قال بعد هذه الآية : " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله " [الأحزاب:38] وهذه الآية تدل على أنه " لم يكن عليه حرج في زواجه من زينب، ولو كان على ما روي من أنه أحبها وتمنى طلاق زيد لها ، لكان فيه أعظم الحرج ؛ لأنه لا يليق به مد عينيه إلى نساء الغير ، وقد نهي عن ذلك في قوله تعالى : " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " [الحجر:88]
الدليل الثالث : أن زينب تعتبر بنت عمة النبي(ص)ص)ولم يزل يراها منذ ولدت، وكان معها في كل وقت وموضع ، ولم يكن حينئذ حجاب ، وهو الذي زوجها لمولاه زيد ، فكيف تنشأ معه ، وينشأ معها ، ويلحظها في كل ساعة ، ولا تقع في قلبه إلا بعد أن تزوجها زيد، وقد كانت وهبت نفسها للنبي " وكرهت غيره ، فلم تخطر بباله " ، فكيف يتجدد لها هوى لم يكن ، حاشاه " من ذلك ، وهذا كله يدل على بطلان القصة ، وأنها مختلقة موضوعة عليه "
الدليل الرابع : أن الله تعالى بين الحكمة من زواجه بزينب ، فقال : " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا " ، وهذا تعليل صريح بأن الحكمة هي قطع تحريم أزواج الأدعياء ، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة ، صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها ، التي كانت سببا في طلاق زيد لها ، كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى : " فلما قضى زيد منها وطرا " ؛ لأنه يدل على أن زيدا قضى وطره منها ، ولم تبق له بها حاجة ، فطلقها باختياره "
وأما مذهب الذين قبلوا الروايات فتحدث عنه فقال :
"المذهب الثاني : قبول هذه الروايات واعتمادها ، وجعلها سببا في نزول الآية
ويرى أصحاب هذا المذهب : أن النبي (ص)وقع منه استحسان لزينب ، وهي في عصمة زيد ، وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ، ثم إن زيدا لما أخبره أنه يريد فراقها ، ويشكو منها غلظة قول ، وعصيان أمر ، وأذى باللسان ، وتعظما بالشرف ، قال له : اتق الله فيما تقول عنها ، و أمسك عليك زوجك وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها ، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه ، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف ، قالوا : وخشي النبي(ص) قالة الناس في ذلك ، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا
وهذا المذهب روي عن : قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وعكرمة ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، ومقاتل ، والشعبي ، وابن جريج
وهو اختيار : ابن جرير الطبري ، والزمخشري ، والبيضاوي ، وأبي السعود ، وابن جزي ، والعيني ، والسيوطي
قال ابن جرير الطبري :« ذكر أن النبي (ص)رأى زينب بنت جحش فأعجبته ، وهي في حبال مولاه ، فألقي في نفس زيد كراهتها ، لما علم الله مما وقع في نفس نبيه " ما وقع ، فأراد فراقها ، فذكر ذلك لرسول الله (ص)، فقال له رسول الله (ص): أمسك عليك زوجك ، وهو " يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها ، واتق الله ، وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ، " وتخفي في نفسك ما الله مبديه " يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها ، لتتزوجها إن هو فارقها ، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ، " وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " يقول تعالى ذكره : وتخاف أن يقول الناس أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها ، والله أحق أن تخشاه من الناس »"
وأما أدلة رأى هؤلاء فإنها الروايات التى ذكر القصير ضعفها وروايات أخرى تم تفسيرها على الهوى فقال
"أدلة هذا المذهب :
استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه ، بأدلة منها :
الدليل الأول : الروايات الواردة في سبب نزول الآية ، والتي فيها التصريح بما قلنا
واعترض : بأن هذه الروايات ضعيفة ، وليس فيها شيء يصح
الدليل الثاني : أنه قد روي عن عائشة ، وأنس أنهما قالا :« لو كان رسول الله (ص)كاتما شيئا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية : " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " »
قالوا : وهذا يدل على أنه (ص)وقع منه حب لزينب ، وأنه كان يخفي ذلك ، حتى أظهره الله تعالى
واعترض : بأن مراد عائشة ، وأنس: أن رغبة النبي (ص) في تزوج زينب ، كان سرا في نفسه لم يطلع عليه أحدا ، إذ لم يؤمر بتبليغه إلى أحد ، وعلى ذلك السر انبنى ما صدر منه لزيد في قوله : " أمسك عليك زوجك " ، ولما طلقها زيد ورام تزوجها ، علم أن المنافقين سيرجفون بالسوء ، فلما أمره الله بذكر ذلك للأمة ، وتبليغ خبره ، بلغه ولم يكتمه ، مع أنه ليس في كتمه تعطيل شرع ، ولا نقص مصلحة ، فلو كان كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية ، التي هي حكاية سر في نفسه ، وبينه وبين ربه تعالى ، ولكنه لما كان وحيا بلغه ؛ لأنه مأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه"
وانتهى القصير إلى أن المذهب الثانى فاسد ولا يليق بمقام النبوة وأن الحكاية التى روتها الروايات مختلقة فقال :
" الترجيح :
الحق أن هذه القصة مختلقة موضوعة على النبي(ص)، وأن الآية لا يصح في سبب نزولها إلا حديث أنس ، وهذا الحديث ليس فيه شيء مما ذكر في هذه القصة ، فيجب الاقتصار عليه ، وطرح ما سواه من الروايات الضعيفة
ومما يدل على وضع هذه القصة :
الدليل الأول : أنها لم تروى بسند متصل صحيح ، وكل الروايات الواردة فيها ، إما أنها مرسلة ، أو أن في أسانيدها ضعفاء ومتروكين
الدليل الثاني : تناقض روايات هذه القصة واضطرابها ، ففي رواية محمد بن يحيى بن حبان : أن النبي(ص) جاء يطلب زيدا في بيته ، وأن زينب خرجت له فضلا متكشفة ، وأما رواية ابن زيد ففيها أن زينب لم تخرج إليه ، وإنما رفعت الريح الستر فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة ، فرآها النبي(ص) ، وتأتي رواية أبي بكر بن أبي حثمة فتخالف هاتين الروايتين وتدعي أن رسول الله (ص)استأذن عليها ، فأذنت له ولا خمار عليها ، وهذا الاضطراب والتناقض بين الروايات يدل دلالة واضحة على أن القصة مختلقة موضوعة
الدليل الثالث : أن هذه الروايات مخالفة للرواية الصحيحة الواردة في سبب نزول الآية ، والتي فيها أن زيدا جاء يشكو للنبي (ص) زينب ، ولم تذكر هذه الرواية شيئا عن سبب شكواه ، وهي صريحة بأنه جاء يشكو شيئا ما ، وأما تلك الروايات الضعيفة فتدعي أن زيدا عرض طلاقها على النبي (ص) نزولا عند رغبته ، لما رأى من تعلقه بها ، وهذا يدل على ضعف هذه الروايات ووضعها
الدليل الرابع : أن هذه الروايات فيها قدح بعصمة النبي(ص) ، ونيل من مقامه الشريف ، فيجب ردها وعدم قبولها ، وتنزيه مقام النبي(ص) عن مثل هذه الأكاذيب المختلقة الموضوعة
الدليل الخامس : أن الآيات النازلة بسبب القصة ليس فيها ما يفيد أن النبي(ص) وقع منه استحسان لزينب، وقد تقدم وجه دلالتها على هذا المعنى ، في أدلة المذهب الأول"
وقطعا الروايات الثمانية متناقضة كالتالى :
التناقض ألأول الدخول وعدم الدخول ففى روايات لم يدخل كقولهم "فأبى رسول الله (ص)أن يدخل"وفى روايات دخل كقولهم " دخل النبي(ص) يوما بيت زيد"
التناقض الثانى الرؤية فمرة خرجت على الباب دون ان تلبس لباس الخروج فى قولهم " وإنما عجلت زينب أن تلبس"ومرة كشفتها الريح وهى داخل حجرتها فى البيت عارية "وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر ، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة" ومرة رآها واقفة كقولهم " فأبصر زينب قائمة ، وكانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش"
التناقض الثالث أن الرسول(ص) من ذهب لبيت زيد فى قولهم" ثم إنه عليه السلام أتى زيدا يوما يطلبه" ومرة زيد هو من ذهب لبيت الرسول(ص) كقولهم" جاء زيد إلى النبي(ص) فقال: إن زينب اشتد علي لسانها"
التناقض الرابع المكشوف من الجسم فمرة كل الجسم كقولهم" ، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة" ومرة راسها وصدرها وهما موضع الخمار كما فى قولهم" فأذنت له زينب ، ولا خمار عليها ، فألقت كم درعها على رأسها"
ونجد خطأ مخالف للقرآن وهو أن الوحى ينزل فى الغشية وهى النوم وهو قولهم :
"فبينا رسول الله (ص)جالس يتحدث مع عائشة إلى أن أخذت رسول الله (ص)غشية ، فسري عنه"
وهو ما يناقض أنه ينزل فى حال الصحو حيث يردد النبى(ص) الآيات خلف جبريل (ص) فنهاه الله والترديد هو دليل الصحو كما قال تعالى :
" ولا تحرك به لسانك لتعجل به "

اجمالي القراءات 1252