السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد

د. عبد الخالق حسين في الثلاثاء ٠٤ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من المؤكد أن الإرهاب الإسلامي المتفشي الآن في العالم بات يشكل خطراً على العالم وعلى الحضارة البشرية. وهذا ما أكده الفيلسوف الأمريكي، دانيال دنيت، في كتابه القيم (Breaking The Spell) أن الحرية والديمقراطية التي تتمتع بها شعوب العالم المتحضر، لم تعد مضمونة اليوم كما كنا نتصور، لأن حضارتنا هذه مهددة بخطر الإرهاب الإسلامي ما لم ينتبه العالم إلى هذا الخطر ويتخذ موقفاً موحداً لمواجهته ودحره.
وهذا صحيح، خاصة وأن الإرهاب الإسلامي صار مدعوماً بمنابر ومؤسسات تعمل على نشر أيديولوجية تحقير الحياة وتمجيد الموت، وقد ونجح في رفد أعداد كبيرة من الشباب المسلمين الذين يتمتعون بإمكانيات علمية وتكنولوجية، إضافة إلى الدعم المالي الهائل الذي يتلقاه من أغنى بلد عربي مسلم، ألا وهو المملكة العربية السعودية، الحاضنة لأهم الأماكن الإسلامية المقدسة، ومنها ولد تنظيم القاعدة.
فلو تتبعنا تاريخ الإرهاب الإسلامي المتفشي الآن، لوجدناه مرتبطاً بالعقيدة الوهابية منذ ولادتها في الجزيرة العربية على يد مؤسسها الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1703-1791). وهذه الحركة هي امتداد لتعاليم ابن تيمية الذي هو بدوره من أتباع المذهب الحنبلي المعروف بالتشدد والتزمت وتقديس العداء للآخر. وقد تبنى أتباع هذه الحركة أساليب بدائية وهمجية شرسة في نشر الرعب والخراب في كل ما وصلت إليه أيديهم، ويبررون جرائمهم هذه بتعاليم دينية ونصوص قرآنية. والمعروف أنه جاء في القرآن نص الآية: "الدين عند الله الإسلام، فمن جاء بغير الإسلام ديناً لن يقبل منه"، وحديث ينسب إلى النبي محمد أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (الجامع لأحكام القرآن، سورة التوبة، الآية 5). وعلى هذه النصوص تعتمد الحركة الوهابية في محاربة غير المسلمين ومن يختلف عنهم حتى من المسلمين.
الوهابية تقدس العداء للآخر
وتبنت الوهابية نشر الحقد والعداء والكراهية ضد غير المسلمين عملاً بتعاليم بن تيمية، الملقب بشيخ الإسلام، والذي يعتبر المرجع الأول للوهابيه قوله: "إذا أَقَمتَ في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". ويقصد بدار الكفر بلاد أي شعب من غير المسلمين، وخاصة المسيحيين. إذ يؤكد هذا في قول آخر له: "من لم يبغض النصارى والكفار ليس مسلماً". ولم يتوقف حقد وبغض بن تيمية على النصارى واليهود فحسب، بل وحتى على الشيعة المسلمين وينكر عليهم إسلامهم، إذ أجاب على سؤال وجه له فيما إذا كان الشيعة كفار في نظره فقال: "من شك في كفرهم [الشيعة] فقد كفر" وهذا هو رأي محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة، والراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي السعودية السابق، وغيرهما من مشايخ الوهابية، وهم لا يخفون هذا الموقف، بل يعلنون عنه وبمنتهى التفاخر. كذلك تناهض الوهابية الثقافة وحرية التعبير والتفكير، فمن أقوال بن تيمية بهذا الخصوص: "من تمنطق فقد تزندق". وقول لمحمد بن عبد الوهاب ضد الفكر عندما صرح في أحد كتبه: "الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف". فتصور كيف يمكن تطوير شعب يحكمه هؤلاء؟
الوهابية والنهب
بدأت الحركة الوهابية في الصحراء العربية القاحلة في الجزيرة العربية، وكان أتباعها من البدو القساة الذين صقلتهم البيئة الصحراوية الحارة والجافة والفقيرة، بقساوتها، فعرفوا بالغلظة والقسوة في التعامل، لذا كان هؤلاء يعيشون على الغزو والنهب. ولما كان الإسلام يجيز غزو غير المسلمين لكسب الغنائم باسم الله، ولعدم وجود غير المسلمين في هذه المنطقة، لذلك لجأت الوهابية إلى تكفير من لا يقرهم على تعاليمهم من المسلمين من المذاهب الأخرى، وذلك لتوفير غطاء ديني لغزواتهم ونهبهم. لذلك لجأت الوهابية إلى اعتبار العقيدة الوهابية هي وحدها العقيدة الإسلامية النقية الصحيحة وأنهم (أي الوهابيون) يسعون لإحياء التعاليم الإسلامية النقية وإعادة الإسلام إلى عهده الأول في زمن الرسول والصحابة. لذلك قامت بتكفير الشيعة والإباضية وغيرهما من المذاهب الإسلامية من أجل توفير ذريعة للغزو. (للإطلاع على تاريخ الوهابية وعلاقتها بالإرهاب، نشير إلى كتاب الدكتور أحمد صبحي منصور، الموسوم (جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية، الرابط في نهاية المقال).
ومن أجل أن تنجح هذه الحركة الإسلامية المتزمتة في تحقيق أغراضها، عقدت الوهابية تحالفاً مع أسرة آل سعود، لقاء مصالح متبادلة. وفي هذا الخصوص نشرت مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor (عدد يونيو يوليو 2007) دراسة تحليلية أكاديمية للسفير الأميريكي السابق لدى كوستاريكا (كورتين وينزر) استعرض فيها "تأريخ نشأة الحركة الوهابية ودور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مزج قوة الدولة بالعقيدة في إطار الخلافة الإسلامية، مشيراً إلى العام 1744م كبداية لنشوء التحالف التاريخي بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآل سعود والذي مكن الأخير من بسط نفوذه، مقابل دعمه لأتباع عبد الوهاب في رسالتهم "لتطهير الأرض من الكفار".
وكان أول ضحية لهم بهذا الخصوص هم شيعة العراق حيث اتخذوا من الاختلاف المذهبي ذريعة للهجمات التي شنوها على المدن العراقية، مثل كربلاء والنجف وسوق الشيوخ وغيرها من المدن العراقية في العهد العثماني وأوائل عهد تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ويقول عثمان بن بشر النجدي في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد" بهذا الصدد أن بن سعود ارتكب مذبحة في كربلاء عام 1801 وسجل النجدي بفخر تلك المذبحة قائلا "أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أهلها، فالحمد لله رب العالمين ولا نعتذر عن ذلك ونقول: وللكافرين أمثالها". واستمر هؤلاء في شن هجماتهم على العراق حتى أوائل القرن العشرين أيام تأسيس الدولة العراقية، ولكن القوات البريطانية المتواجدة آنذاك تصدت لهم وألحقت بهم الهزائم والخسائر إلى أن أوقفتهم عند حدهم.
ويؤكد السفير وينزر في دراسته هذه الهجمات فيقول: " قام محاربو الوهابيه-السعودية في عام 1801م بغزو ما يعرف اليوم بالعراق حيث اجتاحوا مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة ونهبوها وقتلوا 4000 من أبنائها. وبعد سيطرة آل سعود على مكة والمدينة في العشرينيات من القرن الماضي، قاموا بتدمير الأضرحة مثل مقبرة جنات البقيع التي دمرت في عام 1925م وكانت تحوي رفات أربعة من أئمة الشيعة الاثني عشرية".
"وبعد قيام المملكة العربية السعودية في العام 1932م منح رجال الدين الوهابيون اليد الطولى في إدارة الشئون الدينية والتعليمية. وظلت الوهابية محصورة في الجزيرة العربية حتى الستينات من القرن الماضي عندما نزح إليها عدد من الإخوان المسلمين من أتباع سيد قطب هرباً من بطش نظام جمال عبد الناصر. ونشأ حينذاك التحالف السلفي - الوهابي وتبنيه "الجهاد" ضد الحكومات العلمانية "الكافرة". (نفس المصدر).
انتشار الوهابية في البلاد العربية والعالم
يعرف عن أئمة الوهابيين أن سمعتهم سيئة بين المسلمين وذلك بسبب تعصبهم واعتمادهم العنف في فرض تعاليمهم، لذلك اعتمدوا على مثقفين أزهريين في مصر في بادئ الأمر، مثل الشيخ رشيد رضا وحسن البنا أوائل القرن العشرين، وحققوا في ذلك نجاحاً باهراً فكان من ثمار ذلك تأسيس حزب الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا ومن بعده سيد قطب صاحب المؤلفات التحريضية الدعوية في هذا المجال. وكان للإخوان المسلمين دور في الانقلاب العسكري الذي قاده جمال عبد الناصر في 23 يوليو 1952، ومن ثم اصطدم بهم حيث تآمروا عليه وقاموا بمحاولة اغتياله، لذلك تم إعدام زعيمهم سيد قطب.
والمعروف أن الشعب المصري كان من أكثر الشعوب العربية ليبرالية وتسامحاً بين مكوناته، وخاصة التآخي بين المسيحيين والمسلمين. ولكن بدأت المشكلة بتأسيس حزب الإخوان المسلمين (الإخوان الوهابيون) والذي راح ينشر بذور العداء والبغضاء بين المسلمين وتحريضهم ضد الأقباط المسيحيين الذين يواجهون اليوم خطر الاختفاء من بلادهم مصر عن طريق القتل وإرغامهم على الهجرة.
ويقول وينزر "إن التلاقح بين الوهابية المحافظة اجتماعياً وثقافياً بالقطبية (سيد قطب) السياسية الراديكالية أنتج الإسلام السياسي الوهابي المتشدد الذي بدوره أنتج تنظيم القاعدة". ويشير وينزر إلى تميز الوهابية عن باقي الاتجاهات الإسلامية الراديكالية بالتشدد في تطبيق الشريعة وإنكار الحريات الفردية وحقوق المرأة والتكفير والتقليل من أهمية الحياة الإنسانية والتحريض بالعنف ضد "الكفار". (تقرير آفاق، 7/7/2007).
ولم يتوقف تأسيس حزب الإخوان المسلمين على مصر، بل راح يفرخ أحزاباً مماثلة في جميع البلدان العربية، خاصة بعد امتلاك المملكة العربية السعودية ثروة نفطية هائلة، فراحت المملكة تصرف ببذخ عشرات المليارات من الدولارات على نشر التعاليم الوهابية في العالم عن طريق تأسيس الأحزاب الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية، وتقوم هذه الأحزاب باستمالة الجماهير الفقيرة في هذه البلدان عن طريق فتح المؤسسات الإسلامية الخيرية، أسواق ومستشفيات ومصحات لمساعدة الفقراء، حيث استغلت انتشار الفساد الإداري للحكومات العربية شبه العلمانية، وتدهور الوضع الاقتصادي، كل ذلك ساعد على تفشي الوباء الوهابي في البلاد العربية. إضافة إلى تمويل السعودية لفتح عشرات الألوف من المدارس الدينية وبناء مساجد في باكستان ومصر والدول الغربية ومناطق أخرى من العالم وإصرارها على وضع مناهج هذه المدارس وفق التعاليم الوهابية وتعيين أئمة وخطباء المساجد من أتباع المذهب الوهابي.
ويورد وينزر على لسان أليكسي أليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م بأن "السعودية أنفقت 87 مليار دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظراً لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 مليار دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م." (نفس المصدر).
دعم السعودية للإرهاب
واتخذ دور المملكة السعودية في دعم الإرهاب في الوقت الراهن، طوراً جديداً وزخماً كبيراً مع تأسيس منظمة القاعدة التي ولدت من رحم الوهابية إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان وبدعم الاستخبارات السعودية. فقد نشرت صحيفة الـ(واشنطون بوست) دراسة عن دور السعودية في الإرهاب في العراق، واقتبس الباحث قولاً عن صحيفة الوطن السعودية بأن "عدد القتلى من الجهاديين السعوديين بلغ 2000 شخصاً منذ عام 2003م"، وتخلص الدراسة إلى أن السعودية "تميل نحو تشجيع ودعم المتمردين والمجاهدين السنية لخلق حالة اللا استقرار في العراق". (آفاق، السعودية وكابوس العراق) وهذا الواقع يخالف ادعاءات الحكومة السعودية أنها حريصة على استقرار وازدهر العراق".
كما ونشرت صحيفة (لوس انجلس تايمز) الأمريكية دراسة عن دور السعودية في الإرهاب جاء فيها: وكانت السعودية مصدراً للتمويل والمقاتلين في القاعدة حيث أن 15 من أصل الـ 19 من منفذي هجمات سبتمبر كانوا سعوديين. ويضيف المقال "والآن فإن المجموعة التي تسمى تنظيم القاعدة في العراق تعد أكبر خطر على أمن العراق بحسب إفادة الناطق باسم الجيش الأمريكي العميد كيفن بيرجنر يوم الأربعاء الماضي". ونشرت الجريدة مقالاً للصحفي نيد باركر جاء فيه أن 45% من عدد كل المقاتلين الأجانب الذين يهاجمون القوات الأمريكية والمدنيين وأفراد قوات الأمن العراقيين هم من السعودية، بينما يشكل القادمون من سوريا ولبنان 15% ومن شمال أفريقيا 10%، وحوالي نصف الـ 135 محتجزا أجنبيا في العراق هم سعوديون. ويعتقد أن المقاتلين السعوديين قد قاموا بأغلب التفجيرات الانتحارية مقارنة بباقي الجنسيات الأخرى. وهذه هي المرة الأولى التي يدلي فيها مسئول أمريكي بتفاصيل الدور السعودي في العراق وقد طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع.
ويشير المقال أيضاً إلى أن 50% من المقاتلين السعوديين قد قدموا إلى العراق بغرض تفجير أنفسهم، وأنه خلال الستة أشهر الماضية قام هؤلاء بقتل وجرح 4000 عراقي. ويضيف أن هذا الوضع قد جعل الجيش الأمريكي في موقف صعب حول مقاتلة عدو ينتمي لدولة حليفة رئيسية لم تتمكن أجهزتها من منع تسرب المقاتلين إلى العراق لمهاجمة القوات الأمريكية والمدنيين العراقيين".
خلاصة القول
إن المملكة العربية السعودية والحركة الوهابية توأمان سياميان لا ينفصلان. وهما السبب الرئيسي لتفشي الإرهاب الإسلامي في العالم وبالأخص في العراق والبلاد العربية الأخرى، وهما سبب تأليب المسلمين ضد المسيحيين، وحتى ضد المذاهب الإسلامية الأخرى التي تعارض الوهابية. ورغم أن انقلب السحر على الساحر، حيث راحت السعودية نفسها تعاني من الإرهاب القاعدي الآن، وتسمى ما يجري في بلادها بالإرهاب، ولكنها في نفس الوقت تشجعه في العراق وفي البلدان الأخرى وتسميه بالجهاد في سبيل الله والإسلام، وتواصل دعمه بالمال والفتوى ونشر ثقافة الكراهية والموت، حيث ما زالت المملكة تدعم أئمة المساجد من الوهابيين في تحريض الشباب المسلمين الجهلة وتجنيدهم وإرسالهم إلى العراق لقتل أبنائه. لذلك، فالمطلوب من العالم المتحضر، وخاصة أمريكا، أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن لا ينخدعوا بالمواقف المزدوجة للسعودية، فتعلن أنها حليفة لأمريكا في حربها على الإرهاب، ولكنها في نفس الوقت تدعم المنظمات الإرهابية بالسر. يجب على أمريكا أن ترغم السعودية بلجم المؤسسة الوهابية وأن تتوقف عن دعمها للإرهاب ونشر ثقافة الموت، وإلا فالمستقبل قاتم وخطير جداً على البشرية جمعاء.
ــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11
2- The link to the original English version of Curtin Winsor’ study http://www.mideastmonitor.org/issues/0705/0705_2.htm
3- د. أحمد صبحي منصور: كتاب: جذور الإرهاب فى العقيدة الوهابية
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10

اجمالي القراءات 21670