كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الخامس : كيف نقيم دولة اسلامية علمانية
الثقافة الإسلامية للتغيير الاصلاحى : حتى يغيّروا ما بأنفسهم

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٢ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

الثقافة الإسلامية للتغيير الاصلاحى : حتى يغيّروا ما بأنفسهم

 كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الخامس  : كيف نقيم دولة اسلامية علمانية 

الفصل الثانى : الثقافة الاسلامية للتغيير الاصلاحى : حتى يغيّروا ما بأنفسهم

أولا  : نوعا الصبر

1 ـ هناك نوعان من الصبر :

1 / 1 : الصبر السلبى المرتبط بالخضوع والخنوع على أنه قدر محتوم لا فكاك منه ، وهذا الصبر راسخ فى الثقافة المصرية ، وتعبّر عنه الأمثال الشعبية والأغانى ، وهم مغرمون بصبر أيوب ، وجعلوه فولكلورا . هذا الصبر السلبى يشجّع الظالم المستبد على مضاعفة الظلم والتطرّف فى الطغيان ، ويجعل المظلوم ظالما لنفسه ، ويجعل صاحبه المظلوم يخسر الدنيا ويخسر الآخر . منهم المستضعفون رافضو الهجرة مع قدرتهم عليها ، هم يموتون كافرين ، لأنهم ظلموا أنفسهم . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء )

 1 / 2  ـ الصبر الايجابى المرتبط بالنضال بإقتناع حُرّ ، يدرك إن حياتنا تنتهى بموت حتمى ، وأن   الكرة الأرضية واسعة لأنها كروية ، أما العُمر فهو قصير ، إنها مثل نملة تسير فوق بطيخة ، مهما سارت النملة فلن تصل الى نهايتها ، ولكن عمرها محدود ومحدد . قال جل وعلا : (  يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)  العنكبوت ). أصحاب الصبر الايجابى لا يضيعون حياتهم القصيرة فى مكان يقهرهم فيه طاغية مستبد ، إمّا أن يقاوموه ويموتون بشرف ـ وهم ميتون على أى حال ـ وإما إن يهاجروا ويهجروا وطنا ليس لهم بل يملكه المستبد .

وفى الحالتين يكون الصبر الايجابى :

1 / 2 / 1 : فى الهجرة ، . قال جل وعلا :

1 / 2 / 1 / 1 :( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل) .

1 / 2 / 1 / 2 : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)  النحل ) .

1 / 2 / 2 : فى النضال والقتال . قال جل وعلا :

1 / 2 / 2 / 1 :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران ).

1 / 2 / 2 / 2 : وضمن صفات المتقين الصادقين : (  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة ).

1 / 2 / 3 :  ولأصحاب الصبر الايجابى أجر هائل ومنزلة عظيمة فى القرآن الكريم ، يكفى   أن الله جل وعلا يحب الصابرين ( آل عمران  (146)،وأنه جل وعلا مع الصابرين :( البقرة 249 ) ( الأنفال 46 ، 66)، وقوله جل وعلا عن جزاء الصابرين وأرضه الواسعة : ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)  الزمر ).  

1 / 3  ـ التحرُّر من الصبر السلبى وتغييره الى صبر إيجابى مرتبط بمشيئة بشرية مثل الهداية  

ثانيا :

 مشيئة الإنسان هي الأصل في الهداية أو العدل مع الله جل وعلا

1 ـ  الدرجة العليا من العدل : العدل مع الخالق جل وعلا : بمعنى الا نظلم الله سبحانه وتعالى في اتخاذ شريك له لأن الشرك ظلم عظيم . قال جل وعلا : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان ) فهو وحده الخالق المسيطر الذي لا يشرك في حكمه احدا. قال جل وعلا :

1 / 1 : ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) الكهف )

1 / 2 :(  الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) الفرقان ) .

2 ـ وهذا العدل يستلزم هداية تبدأ باختيار الإنسان ، وبهذا الاختيار الانساني للهداية يرشده الله سبحانه تعالي الي الهداية ،أي تأتي مشيئة الله للهداية تالية ومؤكدة لمشيئة الانسان واختياره طريق الهداية ،وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى :

2 / 1 : ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ):مريم 76)

2 / 2 : (والذين اهتدوا زادهم هدي وآتاهم تقواهم :محمد 17).

3 ـ والذي يختار الضلال تأتي مشيئة الله جل وعلا تؤكد علي الذي اختاره من ضلال . قال جل وعلا :

3 / 1 : (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا : مريم 75)

3 / 2 : (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا :البقرة 10).

4 ـ وفي الحالتين فان من يشاء  الهداية يشاء الله هدايته ، ومن يشاء الضلالة يشاء الله ضلالته ،يقول الله جل وعلا :

4 / 1 : (فان الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء ) فاطر 8)

4 / 1 : (قل ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب :الرعد 27 ).

5 ـ الحساب على الهداية والضلال فى الدين مؤجل ليوم الدين . أما إقامة القسط فى هذه الدنيا فيحوطها الخوف ، وتستلزم تغييرا حقيقيا فى النفس لقهر هذا الخوف .

ثالثا :

 مشيئة الإنسان هي الأصل أيضا فى ارادة التغيير أو إقامة العدل بين الناس:

1 ـ  كيف يقوم الناس بالقسط دون ارادة ؟ بل لابد للإرادة ان تكون جماعية ،وبقدر تكاتف الجماهير خلف الارادة الجماعية لتحقيق العدل يمكن النجاح في تحقيق العدل بأقل قدر ممكن من الخسائر.

2 ـ ولكن السؤال الهام هنا كيف ينجح الناس علي حمل انفسهم علي المبادرة بالنهوض لتحقيق العدل ضد الظلم السائد ؟ كيف يترك الناس القيم الاجتماعية الهابطة مثل الخنوع والسلبية والتواكل ليستبدلوها بقيم إسلامية سامية هي الايجابية والحرية والشجاعة والحرية والتضحية والفداء وحب الحق والدفاع عن العدل؟

3 ـ ان الاجابة هنا تكمن في تغيير النفسية ،وهذا التغيير يستلزم مشيئة حازمة قادرة فاعلة ، فان شاء الناس تغيير ما بأنفسهم من خنوع وخمول وتواكل وسلبية وقرنوا المشيئة بالعمل نجحوا . وهنا تأتي مشيئة الله تالية لمشيئة الناس وهذا معني قوله سبحانه وتعالى : (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم :الرعد 11)أي هي نفس القاعدة ان اقامة العدل مع الله جل وعلا تستلزم اختيار الانسان للهداية ثم تأتي ارادة الله لتؤكد هذا الاختيار الانساني ، واقامة العدل بين الناس جميعا تستلزم تغييرا في الذهنية يقوم علي اختيار انساني  حازم ، وتأتي مشيئة الله مؤكدة وتالية لهذا الاختيار البشرى ..

وعليه فأن حركة الانسان نحو تحقيق العدل هي اختيار بشري يؤكده اختيار الله تعالي ومشيئته.

رابعا :

  شرعية الحاكم أو شرعية الثورة عليه مرتبطة بإرادة الناس:

1 ـ طالما ارتضى الناس الخضوع لحاكم ظالم فهذا هو اختيارهم وتأتي مشيئة الله لتؤكد علي هذا الاختيار الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالي .

2 ـ ان الله سبحانه وتعالي لا يرضي ان يكفر به عباده . قال جل وعلا : (ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضي لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم  ):الزمر 7) ، ولكن يشاء للكافرين ضلالهم طالما ارتضوا لانفسهم الضلال . قال جل وعلا : (كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء:المدثر 31).

والله سبحانه وتعالي لا يريد الظلم في الارض . قال جل وعلا : (وما الله يريد ظلما للعالمين ):آل عمران 108)(وما الله يريد ظلما للعباد ):غافر31). ولكن طالما ارتضي الناس تحمل الظلم واعترفوا بشرعية الحاكم الظالم ملكا عليهم فان الله تعالي يعترف به حاكما عليهم .

ومن هنا ارسل الله سبحانه وتعالي موسي وهارون رسولين الي فرعون ، وأوصاهما بأن يقولا له : ( قولا لينا لعله يتذكر او يخشي ) (طه 44) ، ووصف الله سبحانه وتعالي بعض الحكام بأنهم ملوك ، ومنهم ذلك الملك الذي ادعي الالوهية ودخل ابراهيم عليه السلام في جدال معه . قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة ).   .هنا  مدع للالوهية يصفه الله سبحانه وتعالي بالكفر والظلم .ولكنه يصفه ايضا أنه اتاه الملك.   وقد اعطاه الله الملك لأن الشعب رضي به واختاره ،فجاءت مشيئة الله تالية لاختيار الناس.

3 ـ ان هذه الحياة الدنيا قائمة علي اساس الاختيار بين الايمان او الكفر وبين الرضي بالقهر او الثورة عليه . وتأتي مشيئة الله لتؤكد علي ما يختاره الانسان والناس ،وهنا يكمن الاختبار في ذلك الاختيار .ثم يأتي يوم الحساب ليلقي كل إنسان نتيجة عمله حسب الشريعة الدينية الالهية ،وحيث يتحقق فعلا ما ينبغي ان يكون .

أخيرا :

  الأديان الأرضية تعقد المشكلة وهذا يؤكد على اهمية الوعى والعلم

1 ـ  الرسالات الألهية هدفها جميعا أن يقوم الناس بالقسط والعدل .فان لم يتحقق العدل والقسط بالطرق السلمية فلا مفر من اللجوء للحديد أى القوة لنصرة الرسالات السماوية وإقامة العدل والقسط.

2 ـ المشكلة هى الاستخدام السىء للرسالات الإلهية والحديد.

2 / 1 : الحديد فى حد ذاته معدن محايد ، لا تقول انه حرام أوحلال ، انما يحرم استعماله فى الظلم ويجوز استعماله فى المباح وقد يجب استعماله فى الفرض. السكين والبندقية قد تستعملها فى الصيد المباح ويكون استعمالها واجبا وضروريا عندما تدافع بها عن نفسك حين يهاجمك مجرم سفاك، ويكون حراما استعمالها فى الاعتداء على المسالمين .

2 / 2 : الرسالات الإلهية تتحول بالافتراء الى أديان أرضية شيطانية يستعبد أربابها البشر . وترى التحالف الشيطانى بين الاستبداد والكهنوت ، أو أن يحكم الكهنوت الدينى بنفسه . ويقنعون الناس بأنه صحيح الدين ، ووجوب طاعتهم . وبهذا يركبون ظهور الشعوب باسم الدين الالهى وهم أعدى اعدائه. وهنا لا بد من مواجهتهم أساسا بالوعى الدينى الصحيح ، أى من خلال الاسلام نفسه. ثم بعدها تتطور الأمور كالعادة الى الدفاع عن النفس ضد أعتداء المستبد الظالم.

3 ـ بالتالى فلا بد من :

3 / 1 : مواجهة الأديان الأرضية للمسلمين بالتوعية بالاسلام نفسه ، وبدولته الاسلامية الحقوقية القائمة على القسط ، وأن الجهاد فى سبيله جل وعلا يكون سلميا ودعويا لتعبئة الناس لكى يقوموا باختيارهم البشرى بالوقوف مع حقوقهم المسلوبة ، عارفين بأن الموت فى سبيلها هو أفضل من الموت البطىء قهرا وذُلّا .  

3 / 2  ـ تحديد هدف الجهاد الاسلامى وإنه السعى لاقامة دولة اسلامية حقيقية ، أى بالمفهوم المعاصر دولة مدنية علمانية ديمقراطية تحقق العدل والحرية ، ليس مهمتها ادخال الناس الجنة ، ولكن حماية كل حقوقهم فى هذه الدنيا على أساس المساواة والعدل المطلق بين كل المواطنين. وليس من شعارات الدعاة لهذه الدولة رفع لافتات دينية منعا للخلط بين الدين والسياسة ولكن رفع قيمة العدل والحرية التى لا جدال حولها . وإذا تحقق العدل وتحققت الحرية وتمت سيادة القانون الشرعى العادل على الجميع فان المسلم يرى فى هذه الدولة العادلة دولته الاسلامية ويراها المسيحى دولته المسيحية المثالية ويراها العلمانى الملحد دولته التى يحلم بها. لا بأس من اختلاف التفسيرات ، المهم أقامة القسط بين الناس.

اجمالي القراءات 2236