محنة غزة أظهرت الحاجة الى الإصلاح

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٠ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

محنة غزة أظهرت الحاجة الى الإصلاح

أولا : إصلاح إسرائيل والفلسطينيين :

1 ـ تعبير  ( حل الدولتين ) مع إنه ضرورى إلا إنه مبهم  ويحتاج تفصيلا وتحديدا . الدولة الفلسطينية المقترحة ليست دولة منزوعة السلاح كما يقول السيسى ، أو حكم صورى إدارى تحت سيادة إسرائيلية فجّة أو مستترة . حين نتكلم عن حلّ جذرى فلا بد من دولة فلسطينية ذات حدود وذات سيادة وإستقلال فى الضفة وغزة مع ممر يصل بينهما ،  وترتبط هذه الدولة الفلسطينية مع إسرائيل بعقد صلح وسلام معها . يستلزم هذا :

1 / 1 : من فلسطين : إستبعاد القيادات الفاسدة الحالية ( منظمة التحرير وحماس ) ويقود هذه الدولة منتخبون من الشعب الفلسطينى مُبرأون من القيادات السابقة .

1 / 2 : من إسرائيل : إستبعاد المتطرفين الدمويين وإقصاؤهم سياسيا ، ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من فساد وسفك دماء .

1 / 3 : من فلسطين وإسرائيل معا : إصلاح مناهج التعليم الاسرائيلى والفلسطينى لتمحو الكراهية المتأصّلة بينهما ، ولتكون مع السلام والأمن وحق الحياة والكرامة الانسانية للفرد الفلسطينى والاسرائيلى على قدم المساواة .

1 / 4 : من إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوربى : لأنهم الجُناة فلا بد من أن يتحملوا :

1 / 4 / 1 : إعادة إعمار قطاع غزة .

1 / 4 / 2 : تعويض أهالى القتلى الفلسطينيين .   

2 ـ هذا يصبُّ فى مصلحة إسرائيل أكثر من الفلسطينيين ، لأن فلسطين مقبرة للغزاة القادمين اليها إذا أقاموا فيها مذابح . توالى على الأرض الفلسطينية غزاة وفاتحون من الفراعنة واليونان والفرس والآشوريين والعرب والعثمانيين ، لم يقيموا مذابح لأهلها ، فأقاموا فيها بسلام وتركوها بسلام . أقام الصليبيون مذابح فى طريقهم لفلسطين ، ثم فى فلسطين ، وسبحت خيولهم فى بحر من دماء السكان المسلمين والمسيحيين واليهود فى ساحة المسجد الأقصى حسبما ذكره مؤرخوهم . مع هذا فلم ينعم الصليبيون بالأمن ، عانوا حروبا متكررة واحتاجوا الى حملات عسكرية من أوربا ، ولم تغن عنهم شيئا ، وأخذوا فى التقهقر إلى أن تم إجتثاثهم على يد السلطان المملوكى الأشرف خليل . إسرائيل بدأت مذابح للفلسطينيين قبل قيامها ، كما لو كان الفلسطينيون هم النازي الذين أرتكبوا الهولوكوست . ولا تزال المذابح هى السياسة الاسرائيلية المتبعة . يظنون أنهم بذلك يحققون لأنفسهم الأمن . ولم يتحقق لهم أى أمن ، بل إنه كلما زادت مذابحهم للفلسطينيين إزداد خوفهم من الفلسطينيين ، ووصلوا الآن الى مرحلة الإبادة الجماعية ، ومستحيل أن تبيد شعبا مستقرا فى وطنه آلاف السنين . العكس هو الذى سيحدث فى المستقبل ، فلن تظل إسرائيل  ـ بعدة ملايينها ـ  هى الأقوى من أكثر من بليون ونصف البليون ، من الفلسطينين والعرب و ( المسلمين ) فى شتى أنحاء العالم . لا يبقى شىء على حاله ، القوة أمر نسبى ، أنت أقوى لأن خصمك أقل قوة منك أو اضعف منك ، وحين تتغير موازين القوى ـ وستتغير حتما ـ فسيعانى سكان إسرائيل من هولوكوست لن يُبقى ولا يذر، وبدون أن يذرف عليهم أحد دمعة حزن واحدة .

ثانيا : إصلاح سلمى سريع لمصر بإزالة حكم العسكر وتأسيس دولة مدنية علمانية حقوقية

1 ـ الخطر الأكبر على أوربا والمنطقة وعلى إسرائيل بالذات يأتى من مصر . عملت إسرائيل وأمريكا والغرب على إضعاف مصر والسيطرة على حكامها العسكر . ووصلت مصر بهذا الى شفا مرحلة سقوط الدولة ، وأصبحت مرشحة لحرب أهلية وانفلات أمنى وثورة جياع ، سينقسم فيه الجيش والأمن ويتشتت ، وتختفى الأسلحة لتظهر فى أيدى ميليشيات وعصابات ، دون قيادة منظمة . فى هذه الحالة ـ التى ليست مستبعدة ـ تخيل عشرات الملايين من المصريين الجوعى اليائسين على الحدود الاسرائيلية ، وقد تربوا على كراهية إسرائيل ، ويعرفون أن عدوهم السيسى خدم إسرائيل ومن أجلها قهرهم واذلهم وأجاعهم . أى لا بد من علاج سريع للحالة المصرية قبل أن تنفجر ليس فقط فى وجه إسرائيل بل فى أوربا أيضا . أوربا تعانى من لجوء السوريين ، فكيف بجحافل المصريين ؟

2 ـ إصلاح مصر ليس صعبا . من السهل على أمريكا والغرب إقناع السيسى وجنرالاته بالخروج الآمن ، وتكوين حكومة مدنية مؤقتة تؤسس إصلاحا دستوريا وقانونيا وتعليميا وإقتصاديا ، وعلى أساسه تجرى إنتخابات حرة نزيهة تحت إشراف دولى ، وتتولى الحكومة الجديدة مهامها وفق ديمقراطية نيابية أو رئاسية ، وفق تداول السلطة ، وحياة سياسية حرّة .

ثالثا : إصلاح الديمقراطية الغربية

1 ـ ننشر الآن كتابا عن ماهية الدولة الاسلامية من تدبر قرآنى ، وهى التى أقامها النبى محمد عليه السلام . وقلنا أنها دولة علمانية ذات ديمقراطية مباشرة ، وتمنع تكوين رأسمالية تسعى للإستئثار بالسلطة . وقلنا إن بعض ملامحها توجد الآن فى بعض دول الشمال الأوربى ( دول اسكندنافيا وسويسرا وهولندا )، وقلنا إن الديمقراطية الجزئية ( النيابية التمثلية ) تتيح سيطرة رأس المال على الحياة السياسية ، وخصوصا فى السياسة الخارجية . ولهذا حاربت أمريكا الديمقراطية فى فيتنام وأفغانستان والعراق ، وهى الآن تساند إسرائيل فى عدوانها على غزة . هذا يتناقض مع المبادى الغربية ( والأمريكية ) المعلنة عن حقوق الانسان وحق الشعوب فى تقرير مصيرها . دماء عشرات الألوف من أطفال غزة ونسائها أيقظ الشعوب الغربية ، فثارت مظاهرات شارك فيها نبلاء من اليهود ، ونبلاء مثقفون من كل الأطياف . إرتفع ضجيج المظاهرات ، ولا تزال قائمة متجددة ، ولكن تأثيرها حتى الآن محدود . لا تزال أمريكا والاتحاد الأوربى وأجهزة الإعلام فيهما فى تأييد لاسرائيل فى ذبحها أطفال فلسطين ونسائها ، وتدمير مستشفياتها ومرافقها ، ولا تأبه بالاحتجاجات . والعداء الراسخ بين الرئيس بايدن وغريمه ترامب لا يحجب حقيقة أنهما يتنافسان على تأييد إسرائيل .  

2 ـ  الخصومة بين بايدن وترامب تعنى أن هناك مشكلة لو وصل ترامب للحكم ، وهناك مشكلة لو لم يصل للحكم . أمريكا الآن تغيرت ديموغرافيا . الأقليات العرقية فى داخلها إزداد عددها ، واصبحت أعدادها المتزايدة تهدد الأغلبية البيضاء . وظهر التأثير سياسيا فى فوز باراك أوباما مرتين بالرئاسة ، وتمتعه بالاحترام فى رئاسته وبعدها . وظهر أيضا فى تولى إمرأة غير بيضاء منصب نائب الرئيس بايدن . البيض المتعصبون هم الذين قاموا من قبل بتطهير عرقى للهنود الحُمر السكان الأصليين ، وهم الذين حاربوا ضد تحرير الرقيق وأدخلوا أمريكا فى حرب أهلية طاحنة . ثقافتهم المتعصبة لا تزال راسخة حتى الآن يمثلهم ترامب والملايين من أنصاره . أولئك ( الواسب ) البيض المتعصبون ليسوا سعداء بهذا التغيير الديموجرافى وتأثيراته السياسية . و سياسة ترامب فى رئاسته تعكس هذا خصوصا مع موقفه من الهجرة الشرعية . أنصار ترامب  به  متمسكون ، ولا يتورعون عن إرتكاب أعمال عنف ، وقد فعلوها كثيرا ، أفظعها الهجوم على مبنى الكونجرس وإحتلاله . أمريكا مقبلة على قلاقل ، خصوصا فى العام القادم . ولا بد من إصلاح عاجل ، منه ما يخص النظام الانتخابى المعقّد ، وما يخص النصوص المطاطة التى تختص بسلطة الرئيس ومحاسبته ، وهل تتماشى مع مبدأ أنه لا يعلو أحد على القانون .

3 ـ هذه المشكلة الأمريكية الخالصة تتوازى مع الانفصام بين السلطة الحاكمة فى واشنطن وبين الجماهير الأمريكية المتعاطفة مع سكان غزة ، والتى تطالب دون جدوى بوقف المذابح ووقف إمداد إسرائيل بالسلاح والتنديد بالفيتو الأمريكى ضد حياة أهل غزة .

رابعا : إصلاح الأمم المتحدة

1 ـ تأسست الأمم المتحدة وتوابعها بعد الحرب العالمية الثانية ، وهى تعكس أحوال العالم وقتها ، ولا تزال تُمثّل ذلك الماضى العتيد الذى مرّ عليه حوالى ثلاثة أرباع القرن . فى هذه المدة حدثت تغييرات سياسية ، سقط الاتحاد السوفيتى وإنفرط عقد دوله ، وتغيرت التحالفات وتبعثرت ، وظهر الارهاب الدينى عباءة للمقاومة يفتك بالمدنيين أو يتحصّن بهم دروعا . فى وجود الأمم المتحدة لم تتوقف الحروب ، بل قامت بها أمريكا ، الدولة التى تستضيف مبنى الأمم المتحدة . وفى كل الحروب التى حدثت فى وجود الأمم المتحدة ظلت الامم المتحدة مجرد حائط مبكى للمظلومين ، والذين تكاثروا . الأسباب كثيرة ، وأهمها فى نظام الفيتو فى مجلس الأمن ، والذى تسىء أمريكا إستخدامه ، وهذا معروف ومألوف . آن الأوان لاصلاح جدى للأمم المتحدة لتكون قادرة على ردع الظلم والظالمين .

2 ـ فى النصف الأول من القرن العشرين كان العالم قرى مختلفة وبأسوار تحجز بينها . الآن يعيش البشر فى قرية كونية واحدة ، يرون نفس الشىء فى نفس الوقت . ثورة الاتصالات والمواصلات وما نتج عنها أحدث تغييرا هائلا ، لم يعد يصلح معه وجود الأمم المتحدة كما هى .

أخيرا

1 ـ محنة غزّة أظهرت الحاجة الماسّة لاصلاح فلسطينى اسرائيلى مصرى غربى أمريكى وعالمى . لا تخلو أى محنة من جانب إيجابى ، وهذا لمن يستفيد من المحن ويفكر ويعتبر ويقرر الإصلاح .

2 ـ ما نقترحه ليس مستحيل التنفيذ . هو فى إطار الممكن . وبدون الاصلاح ستكون التكلفة هائلة . لا تهتم بتكاثف الظلام فضوء شمعة واحدة يبدده ، المهم أن يوجد من يمسك الشمعة ويتمسك بها . لا يزعجك كثرة الخبيث ، فقد قال جل وعلا : ( قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) المائدة ) .

ودائما : صدق الله العظيم  .

اجمالي القراءات 2583