قواعد إنسانية في قصة مريم لم يلتفت إليها المُسلمون .
المُسلمون جميعا يعرفون قصص القرءان الكريم عن ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ولكنهم للأسف لم يتدبروا ما بين سطورها ليتعلموا منه ما يُسمى أو يُعرف بفقه الأولويات . فمثلا تجاهلوا قاعدة (الأمن الإجتماعى ) ولم يُفكروا فيها ولم يتعلموا مما ورد فيها في حالة مريم عليها السلام . فبالرغم من أن ميلاد عيسى عليه السلام كان بوحى من الله جل جلاله لها وللملائكة وخاصة جبريل الذى قام بتنفيذ المُهمة كُلها إلا أنها عندما وضعته (ولدته) غلبت عليها طبيعتها البشرية (وهذه نقطة تؤكد على بشريتها )في أن إمتلكها الخوف والحُزن وتمنى الموت مما هي فيه ومن ماذا ستقول لقومها وهى عائدة إليهم بطفل دون زواج .فيقول القرءان الكريم (فجاءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا (23) فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي) . أي أن أهم شيء في حياة الإنسان هو (الآمان الإجتماعى وعدم الخوف أو نزع الخوف من قلبه ) .وهذه قاعدة لم يتعلمها المُسلمون ليجعلوها أولى ركائز حياتهم ،ويُطالبوا قادتهم وحُكامهم بتطبيقها ،بأن يوفروا لهم (الأمن ) والحماية ،وبألا يكونوا هم مصدرا لخوفهم وهلعهم ورُعبهم وقهرهم .فالإنسان الخائف الغير آمن لا تستطيع أن تُطالبه بإنتاج ،ولا بإنتماء ،ولا بحرص على مصلحة بلاده ،وسيُصبح عنصرا وفتيلا جاهزا لتدميرالبلاد والعباد في أي وقت .فاهم شيء يجب أن يشعر به المواطن ويعيشه هو (الأمن والأمان ) بأن يكون آمنا على نفسه وعائلته وممتلكاته وحُريته ،وهذا ما يجب أن يكون الوظيفة والمهمة الأولى والرئيسية لأنظمة الحُكم والحكومات .ولكن للأسف لأننا لا نتعلم من القرءان ولا مما بين سطوره وكلماته تحول (الأمن)عندنا نوعا من الحُلم المفقود والأُمنيات بعيدة المنال ،وأصبح الخوف والهلع والرعب هو السائد في وطننا وعالمنا العربى والإسلامى التعيس .
فمتى نتعلم من قواعد القرءان لنعيش في آمان ؟؟؟ الله أعلم ..
==
ثم القاعدة الثانية التي تجاهلها المُسلمون في تدبرهم لقصة مريم عليها السلام هي (الأمن الغذائي ) وكأن القرءان العظيم يقول لنا تعلموا فقه الأولويات : الأولوية الأولى (الأمن الإجتماعى ونزع الخوف ) ،والأولوية الثانية في فقه الأولويات للمُجتمع هي (الأمن الغذائي ). فبعد أن إطمأنت مريم عليها السلام وذهب الخوف عنها جاءها الأمر بتلبية الأولوية الثانية وهى الأمن الغذائي في قوله تعالى (قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا (24) وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا (25) فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡنٗا). فهنا إمتلكت مريم عليها السلام أهم عوامل مقومات الحياة وهما (الأمن الإجتماعى ) ثم (الأمن الغذائي ) .
فهل نتعلم من قصة مريم في القرءان فقه أولويات إحتياجات المُجتمع - الأمن الإجتماعى ثم الأمن الغذائي ونجعلهما أول أولوياتنا؟؟
ونُلاحظ هذه الأولويات أيضا تحدث عنها القرءان العظيم في قصصه عن إبراهيم وإسماعيل حين قال القرءان على لسان إبراهيم عليه السلام ((وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36) رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ ( إبراهيم 37). فقاعدة الأمن والأمان (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) وقاعدة الأولوية الثانية (رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ ).
فعلى رأس فقه أولويات الدولة الرشيدة يكون الأمن الإجتماعى ،فالأمن الغذائي .فإذا فقدت الدولة هذه الأولويات تحولت إلى كابوس وإلى دولة بوليسية قمعية يستبد الحاكم فيها على شعبه ويستقوى عليهم ،مع أنه من المفترض ان يكون هو مصدر الأمن والأمان لهم .ويعمل على إفقارهم وتخويفهم وتجويعهم .وسُرعان ما تتحول إلى بؤرة حاضنة للإرهاب والتطرف والقنابل الموقتة والتي حتما ستنفجر في وجهه وفى وجه المُجتمع كُله ،وربما تقع في حروب أهلية تُهلك الحرث والنسل والأخضر واليابس.
=
وهناك أيضا قاعدة تربوية في قصة مريم عليها السلام تخص الأباء ،لابد أن ينتبهوا إليها ويضعوها نُصب أعيُنهم ليكونوا نموذجا مُشرفا أمام حاضر ومُستقبل أولادهم .جاء ذلك في عتاب قوم مريم لها حين ذكّروها بتاريخ أبويها المُشرف الناصع البياض والإيمان حين قالوا لها (يا أخت هَٰارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا (مريم 28) بمعنى والدك كان صالحا طول عُمره ولم نرى منه أو عليه سوءا ،وأُمك كانت طاهرة مُحصنة عفيفة شريفة ،وهذه أعظم صفات تصف بها سيدة أن تقول عنها طاهرة عفيفة شريفة . فهذه السُمعة الطيبة لوالديها جعلت قومها يشهدون لهما بها في أصعب وقت وظرف تمر به أي أُنثى عندما تُتتهم في شرفها ،فلم يقولوا (انت طالعة لأُمك أو كذا أو كذا أو كذا ) ولكن كان اللوم والعتاب في كيف لا تكونى مثل أبيك وأُمك في صلاحهما ؟؟؟
ثم جاءتها براءة لشرفها على لسان وليدها عيسى بن مريم عليهما السلام .
وفى هذا المعنى أمرنا القرءان الكريم في قاعدة تربوية عظيمة نُحافظ بها على أبناءنا في حاضرنا أو بعد مماتنا حين قال لنا (﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ النساء 9
فلكى تحمى أطفالك بعد مماتك فلتكن ممن يتقون الله ،وأن تقول الحق دائما شاهدا به وناصرا له ،وبعدها تأكد أن المولى جل جلاله لن يُضيع أولادك من بعدك ........ وهناك مثل شعبى ربما قالوه بعد أن فهموا هذه الأية قالوا فيه ( التقوى تنفع الذرية ).
=
الخلاصة ::
نفهم من خلال آيات وسطور قصص القرءان العظيم عن مريم وميلاد المسيح عليهما السلام جزءا من فقه الأولويات يتمثل في أولوية (الأمن الإجتماعى ) فأولوية (الأمن الغذائي ) للمجتمع والعمل الدائم الدئوب المُستمرعلى وجودهما والحفاظ عليهما وتطوير ألياتهما حفاظا على إستقرار المجتمع ،ودعما لتطوره ورُقيه .
ثم قاعدة ضرورة حُسن سلوك الأبوين وتقواهما لله رب العالمين وقولهما الحق دائما ونُصرته في حياتهما ،حماية لأطفالهم وحفاظا على مُستقبلهم ،فلو فعلوا هذا فلن يُضيع الله بعد وفاتهم أولادهم الضعاف الصغار .