كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الرابع : علمانية الشريعة فى الدولة الاسلامية
مقدمة عن محدودية الإلزام للفرد فى الشريعة الاسلامية

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٣ - ديسمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة عن محدودية الإلزام للفرد فى الشريعة الاسلامية

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الرابع : علمانية الشريعة فى الدولة الاسلامية

الفصل الثانى : مقدمة عن محدودية الإلزام للفرد فى الشريعة الاسلامية

أولا :

محدودية التشريعات القرآنية وإعتماد تطبيقها على الفرد وليس الدولة

تشريعات القرآن الكريم محدودة لا تتجاوز مائتى آية، بكل تنوعها من أوامر ونواهى ثم قواعد تشريعية ثم مقاصد تشريعية ، وايضا بالتفصيلات والتكرار فيها . ثم فى تطبيقات معظمها تكون المرجعية للفرد ومسئوليته أمام ربه جل وعلا الذى يملك عقابه وثوابه فى الدنيا والآخرة .

ونأخذ مثالا فى تشريع المحرمات فى الطعام :

1 ـ جاء إباحة الأكل من الطيبات مع ذكر المحرمات والاستثناء عند الاضطرار فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)  البقرة )

2 ـ جاء شرح المحرمات فى قوله جل وعلا :

2 / 1 : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)   الأنعام )، هنا تعريف الدم المحرم وهو المسفوح من حيوان حى .

2 / 2 : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) (  فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)  المائدة ). هنا تفصيل الميتة المحرمة : ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ).  

3 ـ جاء النهى عن تحريم الحلال فى قوله جل وعلا : (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60)  يونس )

4 ـ جاء الأمر بأكل الطيبات وتحديد المحرمات مع النهى عن تحريم الحلال فى قوله جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) النحل ).

5 ـ هذا مع التفرقة بين صيد البرّ وصيد البحر وتحريم صيد البر فى الاحرام والحرم فى قوله جل وعلا:

5 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) المائدة )

5 / 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) المائدة )

فى كل ما سبق من تشريعات ليس للدولة الاسلامية ان تُلزم الفرد أو أن توقع عليه عقوبة ( أو غرامة ) إذا عصى . هناك حالة وحيدة عند قتل الصيد فى الاحرام ، وفيها يحكم إثنان من العدول بأن يقدم من قتل الصيد حيوانا مماثلا هديا لمن فى البيت الحرام . هذا مع ملاحظة أن الفرد نفسه هو الذى يبادر بهذا ، فالأمر هنا على ( التعمد ) ، أى يرجع للفرد نفسه . والعقوبة تأتى من الرحمن جل وعلا.   

ثانيا :

  فى التطبيق يكون الاحتكام الى المعروف ، أى المتعارف على أنه عدل . ونعطى أمثلة ، قال جل وعلا :

1 ـ فى الدية بديلا عن القصاص : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة  )

2 ـ فى الوصية : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة )

3 ـ فى عدة المطلّقة : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)  البقرة  )

4 ـ عدم منع من تطلقت من الزواج : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) البقرة )

5 ـ فى الرضاعة :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة )

6 ـ فى زواج الأرملة بعد عدتها : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة )

7 ـ فى خطبة النساء : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة )

8 ـ فى متعة المطلقة قبل الدخول بها : ( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة )

9 ـ فى زواج الأرملة بعد تركها بيت زوجها : (  وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) البقرة )

10 ـ فى متعة المطلقة : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) البقرة )

11 ـ فى أجر الوصى على اليتيم : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء )

12 ـ فى معاشرة الزوجة بالمعروف حتى لو كرهها زوجها : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء )

13 ـ فى الصداق ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) (25)  النساء ) .

ثالثا :

ونلاحظ مما سبق :

1 ـ إختتام أو تذييل الآيات بالتقوى وأنه جل وعلا الرقيب الحسيب . وهذا يعنى المسئولية الفردية الشخصية فى التطبيق، وأن الانسان مسئول أمام الله سبحانه وتعالى. وهذا هو معنى التقوى الذى يجعل المسلم ـ الحق ـ يخشى الله قبل أن يخشى الناس ، ويجعله يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه ربه ، ويجعله حتى فى سريرته قبل علانيته يتحسب لما يفعل . وبهذه العقيدة الحية فى اليوم الآخر الذى لا مكان فيه لشفاعة بشر فان تطبيق الشريعة الاسلامية الحقة يخضع أولا وأخيرا لضمير المسلم المؤمن لأنه حريص على رضى الله تعالى ويخشى إغضابه جل وعلا. وبينما تؤمن العلمانية الغربية بالضبطية القضائية ويكون فيها المتهم بريئا الى أن تثبت إدانته فان المسلم الذى يتقى ربه ويعمل لليوم الآخر يهتم بضبط نفسه وكبح جماحها فى السر والعلن. ناهيك عن دول  المحمديين الاستبدادية حيث يكون فيها البرىء متهما الى أن تثبت بالتلفيق إدانته.

2 ـ فى تطبيق الأحوال المشار اليها يحتاج المعروف الى قوانين تفصيلية ، والى قاض يحكم بها .  ومثلا يقول جل وعلا : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (البقرة )، لم يقل جل وعلا مقدار الرزق أو الكسوة كذا دينارا أو كذا درهما ، مع أن الدينار والدرهم من مصطلحات القرآن الكريم ( آل عمران  75 ، يوسف  20)، ولكن صيغة المعروف تحمل فى طياتها العموم والخصوصية معا . ففى كل زمان ومكان يكون المتعارف عليه على أنه عدل ، ثم فى خصوصية الوضع ، وإختلافه ليس فقط حسب الزمان والمكان ، بل أيضا فى نفس المكان والزمان ، إذ يختلف الناس من حيث الثروة . يختلف الوضع فى تقدير تكلفة الرضاعة والكسوة بين مترف يعيش فى قصره مع خدم له . ويحتاج الأمر الى قاض يحكم حسب هذا المعروف ، وهم يحكم بقانون فى تفصيل هذا المعروف .

3 ـ وكل قانون يراعى القيم العليا فهو قانون اسلامى فى أى زمان ومكان لأن غاية التشريع الاسلامى ومقاصده هى التيسير والتخفيف ورفع الحرج وحفظ حقوق العباد أو حقوق الانسان.وبهذا تستمر الشريعة الاسلامية صالحة للتطبيق مع إختلاف الزمان والمكان والأجيال .

أخيرا :

الشريعة الاسلامية العلمانية مجالها محدود فى الزام الفرد وفى عقابه، وتطبيق الشريعة الاسلامية تقوم به الدولة الاسلامية ذات الحكم الديمقراطى المباشرفان الأفراد هم الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ، وما يسمى بالحاكم ليس سوى خادم للمجتمع بعقد معين ، وهو مسئول أمام المجتمع الذى يملك عزله ومحاكمته ومكافأته. ومن هنا فان الفرد شريك فى السلطة وفيما يصدر عنها من تشريعات ، وهو أولى الناس بالالتزام بما يشارك فى اصداره من قوانين تحمى حقوق الأفراد وتحفظ حق المجتمع. ومع ذلك فان الدولة لا سلطة لها فى علاقة المواطن بربه فيما يخص العبادات والعقائد ، وليس لها سلطة الالزام فى شىء سوى الجانب العقابى الذى يحفظ حقوق الفرد فى الحياة وفى السمعة والعرض والمال والكرامة.

وحتى فى الجانب العقابى فان العقوبات  ـ أو الحدود ـ تسقط بالتوبة التى تعنى الاعتراف بالذنب والتعهد بالكف عنه ، ورد الحقوق لأصحابها.    

اجمالي القراءات 2035