ألا يجمل بالمسلمين أن يفهموا ويستثمروا تلك الإشارة التي سربها الله في الآية رقم 30 من سورة الفرقان ؟

يحي فوزي نشاشبي في الأربعاء ١٣ - ديسمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم  الله  الرحمن  الرحيم.

****

ألا  يجمل  بالمسلمين أن يفهموا ويستثمروا تلك الإشارة التي سربها الله في الآية رقم 30  من سورة الفرقان ؟

**********

      من المفروض أن الانسان المسلم مرشح إلى  أن يحيا  حياته خالية من الشقاء والمنغصات بفضل "البوصلة" القرآنية التي حباه الله بها،  إلا أن الواقع يقول غير ذلك، مع الأسف الشديد، حيث شُحن ذهن المسلم بمواضيع غريبة تولدت منذ العهد الأول من انتقال عبد الله ورسوله إلى رحمة الله، وحيث نتأت رؤوس المنافقين، ولعلهم تنفسوا  الصعداء  وازدادوا جرأة ؟ أولئك الذين مردوا على النفاق، وعاثوا فسادا واسعا. كيف لا ؟ والأغلبية الساحقة أصبحت منذ الوهلة الأولى ضحية ذلك الفساد الذي لا قبل لها به ؟ فتوزعت إلى أزواج ثلاثة  منتظرة ومترقبة ؟

      فمنهم من ينتظر خروج ذلك الرجل المسمى المهدي؟ ويقال إنه من ناحية المشرق، من سرداب واقع بمدينة سامراء، ويبايع له عند البيت إلى غير ذلك من الكلام الغريب في بابه، والأغرب منه المصدقون له. وعند الشيعة، فإن هذا المهدي سيقوم بالناس بالقتل والسبي بلا شفقة ولا رحمة !?بل والإثخان في القتل والاستئصال الشامل للبشرية. (ويا ليته لو عجل بالحضور والتوجه إلى غزة).

      وكأنّ ذلك غير كاف، فمنهم مسلمون آخرون تعرض ذهنهم إلى شحنة أخرى من نوع مثير، ألا وهي ظاهرة خروج ذلك الدجال المدعي بانه هو المسيح، ويقال إنه رجل من بني آدم، ويسمى بالمسيح لأنه ممسوح العين اليمنى، كأنّ عينه عنبة طافية، وهذا أبرز علاماته، ومكتوب بين عينيه "كافر"، ويقولون إنّ المسيح الدجال هو الضليل الكذاب، ومسيح الضلالة، يفتن الناس بما يُعطاه من الآيات، (وهنا يتبادر إلى الذهن: من ذا الذي يعطيه تلك الآيات؟ ولماذا؟) كإنزال المطر  وإ حياء  الأرض بالنبات، وغيرهما من الخوارق.

      وهناك فريق  ثالث، وكأنه إمعان في تعذيب ذهن المسلم، أو كأنّ هناك نزعة "سادية" بذلك التعذيب، قالوا إنّ عيسى ابن مريم المسيح غير الدجال، ستكون له هو أيضا نزلة أو عودة في آخر الزمان، وإن ما أول ما ينجزه في مهمته تلك: قتل المسيح الذي انتحل شخصه، وكسر الصليب، وقتل الخنزير، وأن لا يقبل من أهل الكتاب إلاّ  الاسلام، أو السيف، (وهنا عبارة - لا يقبل -)  تثير الدهشة والتساؤل؟

 فهل له هو، ذلك البشر، أن يقبل أو يرفض شيئا ؟ إلى غير ذلك من التصدعات التي تصيب  ذهن المسلم  في الصميم. وهكذا فمن المتصور أن من يمكن أن يحتفظ بتوازنه ستتبالدر إلى ذهنه أسئلة وتتزاحم، ومنها:

      أليس محمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء والمرسلين؟ بل وكما يقال أيضا إنه عليه الصلاة والتسليم أليس آخر السفراء الإلاهيين والمبعوثين لتبليغ الرسالة للبشرية جمعاء؟ وأنّ ذلك الدّين القيّم هو آخرالأديان، والقرآن هو آخر الكتب السماوية التي نزلت للبشرية كافة؟

ثم إن السؤال الآخر الذي لا يقل أهمية: ماذا نفعل بهؤلاء الوافدين  الثلاثة ؟: المهدي، ثم الدجال، وأخيرا عيسى بن مريم؟ وما محلهم من الإعراب أو من الحضورأصلا ؟ ولماذا يثقل ويحرج ذهننا بهم؟ ولماذا نوزع كل هذا التوزيع  ونشتت بين مصدق وشاك ومكذب؟

      وإذا كان القرآن العظيم، ذلك المنزل في تلك الليلة المباركة كاملا مكتملا وافيا للشريعة، فما الحاجة إلى غيره من ملحقات أو من مربكات أو حتى منغصات؟

      وعوض أن نفتح المنافذ والأبواب لذلك الوابل من الظنون،  والاشاعات، والافتراءات، التي لا قبل لنا بها ونهلك  فيها  أوقاتا لبدا، أليس من عين الحكمة أن نتخيل لأنفسنا أو نخترع لها ما نسميه تجاوزا  "الخيال العلمي" ثم نفترض أو حتى نتمنى أن الذي هو جدير بالرجوع  إن كان لا بد من رجوع، فهو ليس ذلك المهدي من سردابه، ولا ذلك الدجال الفاسد المفسد، ولا ابن مريم المسيح  نفسه،  بل إن الذي يرحب به وبعودته هو محمد بن عبد الله نفسه، عبد الله ورسوله لا غير؟ وإذا بقينا سارحين في هذا "الخيال العلمي" المفتوح، فإن المنتظر حقا هو أنه عليه الصلاة والتسليم سيفاجئنا أيما مفاجأة بتعليقه وبقوله إننا لم نفهم شيئا ولم نع  شيئا من الرسالة التي تحمّل مهمة تبليغها لنا، ووقد يشير لنا ولو إشارات محذرة أننا وقعنا من حيث ندري أولا ندري في ضلال بعيد، وبعيد جدا، وأكثر مما يمكن أن نتصوره، وبأنه مضطر على أداء  شهادته في ذلك اليوم العظيم  العصيب.

      ولا أدل على ذلك من قرائن عديدة قوية، ومنها تلك المنحة أو الهدية التي منحها لنا الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم الذي يريد حقا  أن يخرجنا من الظلمات إلى النور.(والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عليكم وخلق الانسان ضعيفا). سورة النساء رقم 27. إن الله فعلا  منح لنا هدية، أو لنقل لقد سرّبها لنا تسريبا بمشيئته وبمحض إرادته هو ورحمته منتظرا من أولي الألباب منا أن تتلقفها وتدبرها، وإذا بقينا في عالم خيالنا العلمي الذي بنيناه وتخيلناه - ولله المثل الأعلى- فكأنه سبحانه وتعالى صاحب تلك المادة التي وضعها لنا للإجابة عليها في الامتحان، وسبحانه وتعالى من جهة، هو واضع مادة الامتحان أو واضع تلك المعادلة المطلوب منا فكها وحلها، وفي نفس الوقت هو سبحانه المراقب المار بين صفوف الممتحنين، وكلّ جار على أحسن ما يرام، حيث لا غش، ولا فوضى، ولا همس، ولا ضوضاء، ولا مخالفة، وإنما ولعله من العجيب أن صاحب الامتحان  وواضع مادة الامتحان ومراقب الممتحنين هو نفسه الذي فعل ما أراد ما دام هو الفعال لما يريد، هو الذي أراد فسرّب لنا تسريبا بمثابة همس خفيف مساعد لنا وميسرا لنا ومعينا لنا للتوصل إلى الحل المصيب ولسان حال ذلك الهمس من عنده عز وجل يقول: إن مفتاح فك المعادلة هو كامن في أحشاء تلك الآية رقم 30 في سورة الفرقان، وبشئ يسير من الفطنة نتعرف على فحواها حيث جاءت كما يلي: (وقال الرسول يا ربّ إن  قومي اتخذوا هذ القرآن مهجورا). وهكذا، إن الله الرحمن  الرحيم  أراد  بذلك التسريب الذي سربه  لنا هو نفسه لا غير من خلال  تلك الآية، أراد أن ينبهنا ويحذرنا، وبكل اختصار أراد الله أن يخرجنا من الظلمات إلى النور، لأن تلك الشهادة العظيمة، وهي  واقعة حتما، التي سيؤديها عبد الله ورسوله، إن دلت على شئ  فإنما  تدل - وعلى الرغم  من تلك المظاهر المدوية التي غطت الآفاق وملأت الدنيا أي ظاهرة الحرص الظاهري والاكتفاء فقد لا غير، على قراءة القرآن في مناسبة وغير مناسبة وتجويده، كأنه يفتقر إلى شئ من الجودة أو التحسين وإظهاره في شتى أنــــواع المعلقات والشاشات الكبيـــــرة أو الصغيرة والأجهزة الالكترونية، وما أكثرها وما أروعها- فإنها، أي إن لسان حال تلك الشهادة العظيمة والخطيرة تدل وبقوة أن ذلك كله غيـــر كاف وعلى أننا لم نكن ولسنا على شئ، وبأننا واقعون تحت تهمة هجر القرآن والتقليل من قيمة الرسالة، لأن تلك الشهادة لا يمكن أن تحتمل أي تأويل آخر، وليس هناك أي لبس. وعليه : أليست هدية الله  سبحانه وتعالى لنا تلك المتمثلة في تلك التسريبة التي سربها لنا من خلال تلك الآية وتنبيها لنا مباشرا لعقد العزم على تصحيح موقفنا من رسالته؟  وعليه، فواجب علينا أن نجتهد جميعا ونعي ونهضم مغزى ذلك التسريب المصيري في سبيل النجاة من تلك التهمة الخطيرة التي جاءت بوضوح أكثر، بل بتوضيح مخيف، ومخيف جدا، كيف لا؟ والآيات (30/32) في سورة الروم تصرخ أمامنا ناصحة ؟ : ( فأقم وجهك للدين حنيفا  فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم لكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون).

      وإن أخوف ما نخافه هو أن يصدق تخميننا الذي مفاده أن الأغلبية الساحقة من المسلمين غير جادين أو لنقل ما زالوا مسلوبي الشجاعة لمواجهة تلك الآيات (30/32) في سورة الروم أو مواجهة أمثالها في سور أخرى، لأننا فعلا واقعون لا محالة تحت طائلة تلك التهمة الخطيرة المصيرية، ولا يمكن أن ننكر أننا فرقنا ديننا وبأننا تحولنا إلى شيع، وأكثر فداحة حيث أن كل حزب منا فرح بما لديه ومقلل ومبخس لما لدى الغير المقابل. لماذا لا يتحدث عن هذا الموضوع الخطير الجلل، الوعاظُ والمرشدون ؟ بل معظمهم  يحلو لهم التراشق بالألقاب، وبالتباهي بمذهبهم وإبخاس المذهب أو الفرقة الأخرى؟ هذا هو السؤال؟ الذي ينبغي أن تكون له الأسبقية والأولوية وكل الاهتمام في سبيل النجاة من هذه التهمة الخطيرة التي تلوح من بعيد مهددة متوعدة، وأن لا ننسى أن الأمر يتعلق بالشرك بذلك الشرك الذي جاء في الآية رقم 48 في سورة : النساء.بـ: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لم يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ). وختاما أنى يستجاب لنا ؟ ونحن جميعا كما نحن ؟  وبلا  استثاء ؟

************************************* 

   

 

    

 

اجمالي القراءات 2002