كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الثالث : الدولة الاسلامية وحقوق المواطن
الحق المطلق للمجتمع فى الحكم وفق الشورى فى الدولة الاسلامية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٥ - ديسمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

  الحق المطلق للمجتمع فى الحكم وفق الشورى فى الدولة الاسلامية 

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الثالث : الدولة الاسلامية وحقوق المواطن  

الفصل الثالث : الحق المطلق للمجتمع فى الحكم وفق الشورى فى الدولة الاسلامية 

مقدمة:

1 ـ الاختبار الأكبر للانسان هو ( ملكية الأرض وما عليها من موارد تدرُالأموال ) . بهذا كانت خديعة الشيطان لأدم . قال جل وعلا : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) طه ). بنو آدم يتقاتلون بسبب المال الناتج عن هذه الأرض ، تهون عليهم الحياة ويموتون فى سبيل هذا المال ، وكل منهم يعتقد أنه سيظل خالدا لا يموت ، يموت حوله الناس وهو لايتعظ . بالضبط هى نفس الخدعة الشيطانية لآدم : ( شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى ) . كل الإمبراطوريات قامت وسقطت بسبب المال ، لا فارق بين امبراطوريات  الفراعنة واليونان والرومان والفرس والعرب والعثمانيين والكشوف الجغرافية والاستعمار وحتى قيام إسرائيل . وكل الحرب المحلية والاقليمية والعالمية كانت ـ ولا تزال ـ بسبب المال . من أجل المال أزهق ابناء آدم البلايين من أنفسهم ، عدا أصناف من المعاناة .

2 ـ ولهذا :

2 / 1 : فإذا كان المال هو معبود معظم أبناء آدم فإن الاسلام يجعل المؤمن يضحى بالمال فى الصدقة ويدعو المؤمنين للجهاد فى سبيل الله جل وعلا بأموالهم وأنفسهم . والأموال مقدمة على الأنفس .

2 / 2 ـ  كما قلنا ، فالمال فى الأصل ملك للخالق جل وعلا مالك السماوات والأرض ، وهو الذى إستخلفنا فى ماله ، وبتعبير آخر هو جل وعلا الذى ( خوّلنا ) فيه . ويوم القيامة سيقول لنا جل وعلا :( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ) (94) الأنعام ). كل ما خوّله الله جل وعلا لنا من أراض وأموال وعقارات وأسهم وسندات سنتركها بالموت ، يعنى لا وجود لشجرة الخلد والمُلك الذى لا يبلى .! وسيؤتى بنا يوم القيامة أفرادا ليس معنا سوى كتاب أعمالنا . وسيتحقق قوله جل وعلا : ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم ).

2 / 3 : نفهم موضوع المال فى الدولة الاسلامية كما أوضحنا فى الفصل السابق . ونفهم أن حلّ مشكلة المال له أهميته ، خصوصا فى موضوع الشورى الاسلامية أو الديمقراطية المباشرة . ندخل بهذا على ( حق المجتمع المطلق فى السلطة السياسية: أو الشورى ) .  

أولا :

لمجرد التذكير:

لا نتحرّج من التكرار  للتأكيد على حقائق إسلامية غائبة فى موضوع الشورى :

1 ـ إن الله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسأل عما يفعل، وما عداه يتعرض للمساءلة (الأنبياء 23) وعليه فإن المستبد بالسلطة والذى يتعالى عن المساءلة من الشعب إنما يجعل نفسه مدعياً للألوهية، ولذلك فإن الاستبداد يقترن بادعاء الألوهية صراحة أو ضمنا، وهذا ما يؤكد التناقض بين الاستبداد والاسلام فى مجال العقيدة، وفى نفس الوقت يوثق الصلة بين الشورى ـ أو الديمقراطية الاسلامية المباشرة وعقيدة أنه لا اله الا الله تعالى. وإن الله جل وعلا قد جعل من فرعون موسى مثلا للمستبد الذى أوصله استبداده لادعاء الالوهية، وتكررت قصته فى القرآن للتأكيد على هذا المعنى للأجيال القادمة بعد نزول القرآن الكريم.. ويعزز ذلك أنه إذا كان النبى محمدعليه السلام مأموراً بالشورى فى قوله تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ (آل عمران 159) فإن أى حاكم يستنكف من الشورى يكون قد رفع نفسه فوق مستوى النبى، أى يكون مدعياً للألوهية.    

2 ـ  قوله جل وعلا : ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ يؤسس حق المجتمع المطلق فى السلطة، أو أن الأمة مصدر السلطات، وهذا يشمل كل الأمة من رجال ونساء وأغنياء وفقراء على قاعدة المساواة. تقول الآية الكريمة فى خطاب النبى محمد عليه السلام : ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ﴾. أى بسبب رحمة من الله جعلك ليناً معهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، وإذا انفضوا من حولك فلن تكون لك دولة ولن تكون لك سلطة، لأنك تستمد سلطتك من اجتماعهم حولك، وإذن فهم مصدر السلطة والقوة لك، وبهم تكونت لك دولة وانتهت قصة اضطهادك فى مكة، ولأنهم مصدر السلطة فاعف عنهم إذا أساءوا إليك واستغفر لهم إذا أذنبوا فى حقك وشاورهم فى الأمر لأنهم أصحاب الأمر، فإذا عزمت على التنفيذ فتوكل على الله. أى إن النبى محمدا عليه السلام حين كان قائدا فلم يستمد سلطته من الله كما يدعى أصحاب الدولة الدينية، وإنما يؤكد رب العزة جل وعلا على أنه كان يستمد سلطته من الأمة ومن اجتماعها حوله، ولذلك جعله الله تعالى برحمته ليناً هيناً معهم، ولو كان فظاً غليظ القلب لتركوه وانفضوا عنه وانهارت دولته. وهذا هو النبى وتلك دولته الإسلامية..!!

 3 ـ الخطاب السياسى والتشريعى فى القرآن لا يتوجه إلى حاكم مسلم أو سلطة حاكمة مميزة تختص بالحكم والتشريع والتطبيق. وإنما يتوجه إلى الأمة التى تحكم فعلاً نفسها بنفسها وفق ما يسمى بالديمقراطية المباشرة. وقلنا إن أولى الأمر هم أصحاب الخبرة أو الاختصاص فى ( الأمر ) المعروض للنقاش ، وأمرهم مُطاع فى حدود التشريع القرآنى ، وهم مُساءلون أمام الجمعية العمومية التى تمثل شعبها فى كل منطقة ، من المحليات الى الحكومة الكبرى ( الفيدرالية ) .

4 ـ : أنه لكى تمارس الأمة هذا الحق المطلق لها فى السلطة فإن الله جل وعلا جعل الشورى حقا وفريضة ملزمة واجبة وقرنها بالصلاة والزكاة، وذلك فى سورة "الشورى" قبل أن يقيم المسلمون لهم دولة، وسورة الشورى مكية، وفيها يقول تعالى يصف المجتمع المسلم المدنى فيقول من ضمن ملامحه ﴿وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (الشورى 38) فجاءت الشورى بين الصلاة والزكاة لتؤكد أنها فريضة كالصلاة تماماً، فإذا كانت الصلاة فرض عين فالشورى كذلك، وإذا كانت الصلاة لا تصح فيها الاستنابة والتمثيل النيابى فالشورى أيضاً كذلك. كما أن الحديث عن الشورى جاء وصفاً للمجتمع القوى الذى يمسك زمام أموره بنفسه، فقال تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ﴾.وكون أمرهم شورى بينهم يؤكد على اشتراكهم جميعا فى مسئولية القيام بالأمر على قاعدة المساواة، بلا فرق بين غنى أو فقير ، رجل أو امرأة.

5 ـ : وهنا يتأكد نفس الخطاب القرآنى فى التوجه للمجتمع بأسره دون حاكم. فى التشريع الإسلامى فى الدولة الإسلامية يأتى الخطاب دائماً للمجتمع وعن المجتمع عندما يكون التشريع عاماً وغير مختص بعصر النبى وحده، واقرأ مثلاً ﴿وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ﴾ (الأنفال 60) ﴿يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ (البقرة 178) ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ﴾ (النساء 35) ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ﴾ (النساء 5،6).

  6 ـ  : وعندما انتقل المسلمون إلى المدينة وأقاموا لهم دولة "مدنية" كانت مجالس الشورى تعقد ليحضرها الجميع ( جمعية عمومية ) وفى بداية الأمر تثاقل بعض الأنصار عن حضور مجالس الشورى، وبعضهم كان يعتذر للنبى قبل الحضور، وبعضهم كان يعتذر بعد الحضور وبعضهم كان يتسلل لواذاً بعد الحضور دون استئذان. وذلك التثاقل يعنى أن ينفرد بالأمر قلة لا تلبث أن تحتكر السلطة، وتتعطل فريضة الشورى ويضيع حق الأمة بسبب تهاون أبنائها وتحولهم إلى "أغلبية صامتة"، من أجل ذلك نزلت الآيات الثلاث الأخيرة من سورة النور، وهى من أوائل السور المدنية، نزلت الآيات تجعل حضور مجالس الشورى فريضة إيمانية تعبدية وتهدد وتحذر من يتهاون فى الحضور، والتزم المسلمون بعدها فى حضور مجالس الشورى.

  7 : ـ ولأنه ليس فى الدولة الاسلامية حاكم فرد، ولأن المسلمين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم بالشورى الاسلامية فإن النبى محمدا عليه السلام حين مات لم يرشح بعده حاكماً بل ترك الأمة تحكم نفسها بنفسها وفق ما تعودوا عليه فى عصره . وأول خروج عن تعاليم الاسلام حدث حين أقام المهاجرون أبا بكر حاكما بالغلبة والقهر ، وبدأ أبوبكر بحرب الممتنعين عن دفع الاتاوة لقريش ، ثم الفتوحات ، والتى إستمرت بعده ، بقتل مئات الالوف وسبى للنساء والأطفال وسلب للأموال وإحتلال وظلم هائل تحت إسم الاسلام . فى مناخ كهذا أصبح الاستبداد دينا .

ثانيا :

بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية

عرضنا للتناقض بين الدولة الاسلامية العلمانية والدولة الدينية التى لا تزال راسخة الأركان فى كوكب المحمديين . نتوقف فى لمحة سريعة عن الفارق بين الدولة الاسلامية والدولة العلمانية الغربية . تتفق الدولتان فى أن الأمة أو المجتمع هو مصدر السلطات. وتختلف الدولتان (الإسلامية والعلمانية) فى :

1 ـ المرجعية :  

الديمقراطية الغربية : مرجعيتها نظرية العقد الاجتماعى، وهو أن الأمة تتنازل عن جزء من ( سيادتها ) لمجموعة من الناس لكى يكونوا ( سادة ) بحجة أنهم يحكمون بالنيابة عنهم ، وتنتخب الأمة مجموعة تمثلها فى البرلمان وتنوب عنها فى التشريع ومساءلة الحاكم، باختصار فالأمة فى الدولة العلمانية لا تحكم وإنما تنيب عنها من يحكمها وتنيب عنها من يمثلها ويتحدث باسمها.

 الدولة الاسلامية :

 هو عقد وعهد وميثاق وبيعة لله جل وعلا ، على أساس المساوة الحقيقية وأن تكون عبودية الناس لرب الناس وحده جل وعلا ـ . قال جل وعلا :

 1 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)  الممتحنة ). هذا فى بيعة النساء للنبى محمد عليه السلام فى أوائل ما نزل فى المدينة .

2 ـ (  وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)  الحديد ). هذا فى أواسط ما نزل وعظ وتذكير للجميع .

3 ـ وفى أواخر ما نزل قال جل وعلا :

3 / 1 : (  وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) المائدة )

3 / 2 :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)  التوبة )

  فى موضوع الثروة  :

1 ـ خلافا للدولة الاسلامية فإن الديمقراطية الغربية بدأت بالبرجوازية والتى تحولت الى رأسمالية عالمية إرتبطت بالاستعمار وإستعباد الشعوب وإستنزاف مواردها ، ثم الآن الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ، والتى لا تسيطر فقط على مجتمعاتها  بل على العالم كله . الأخطر أنها تسيطر على صناعة وتجارة السلاح ، وهذه صناعة تحتاج الى أسواق ، أى الى حروب محلية وإقليمية ، يتم فيها تصريف الراكد من السلاح ، وتجربة الجديد منه . وكوكب المحمديين هو المشترى الأكبرى . المستبد الشرقى يشترى السلاح ليرهب به شعبه ، ولا يجرؤ أن يفكر ــ مجرد تفكير ـ فى إستخدامه ضد إسرائيل . المسموح فقط هو إستخدامه فى الحروب بينهم وفى قتل شعوبهم . بالتالى فإيرادات كوكب المحمديين ـ من نفط وغيره ـ  تذهب الى الديموقراطيات الغربية .

2 ـ ديمقراطية الغرب تجعل العالم ساحة لأنهار من الدماء وتقيم جبالا من الأشلاء . أما الشورى الاسلامية فهى تؤسس دولة مُسالمة قوية لا تبدأ حربا ، بل تقاتل فقط للدفاع .

3 ـ الشورى الاسلامية هى الحل لأنها الشورى التى يملكها المجتمع بأسره ، وليس نخبة من المترفين أكابر المجرمين .  

اجمالي القراءات 1753