إنتصرت حماس يا أيها الناس .!!
جاءنى هذا السؤال من إبن عزيز من أهل القرآن : ( دكتور احمد قال تعالى (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)الممتحنة ) هل هذه الآية تعطي الحق لمن أخرجنا من ديارنا ان نحاسبه ونستعيد ارضنا منه اي تعطي الحق باعلان الحرب عليه ؟
أقول :
أهلا بك وافدا جديدا ، لم تقرأ ما سبق وكتبناه فى الموضوع وهو كثير جدا . وأذكر موجزا :
أولا :
1 ـ فى كتاب ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم : النسخ هو الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء ) والذى صدر فى تسعينيات القرن الماضى وهو منشور هنا ، وتحت عنوان ( التدرج فى التشريع ) قلت : ( إن العلاقة بين المسلمين وأعدائهم تتذبذب بين الضعف والقوة، والقرآن يضع التشريع المناسب لكل حالة.. فإذا كان المسلمون أقلية مستضعفة مضطهدة فليس مطلوباً منهم أن يقاتلوا وإلا كان ذلك انتحاراً.وإذا كان المسلمون قوة فلا يجوز فى حقهم تحمل الاضطهاد والأذى، بل عليهم أن يردوا العدوان بمثله، وإذا كان المشركون يقاتلونهم كافة فعليهم أن يردوا العدوان بمثله . وعلى المسلمين فى كل حالة أن ينفذوا التشريع الملائم لهم، وذلك لا يعنى بالطبع إلغاء التشريع الذى لا يتفق مع حالهم، فذلك التشريع فى محله تطبقه جماعة مسلمة أخرى إذا كانت فى الوضع المناسب لذلك التشريع.) .
ثانيا :
فى مقال بتاريخ 13 نوفمبر الماضى 2023 وتحت عنوان ( العلاقات الخارجية للدولة الاسلامية العلمانية ) قلت :
( الأساس هنا أن الدولة الاسلامية لا بد أن تجمع بين صفتين : أن تكون قوية عسكريا ، وأن تكون مسالمة . بقوتها تحمى نفسها وتردع من يطمع فى الاعتداء عليها . وهذا الردع يأتى بمعنى الارهاب فى قوله جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال ).
من الناحية الواقعية فى عهد النبى محمد عليه السلام :
1 ـ قبل أن تستعد دولة النبى محمد عليه السلام حربيا كما جاء فى الآية 60 من سورة الأنفال ، إلتزم المؤمنون بكفّ اليد وتحمُّل الغارات القرشية عليهم . إذ إعتادت قريش الاغارة عليهم فى المدينة ليردوهم عن دينهم . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ) (217) البقرة )، فلمّا إستكملوا الاستعداد العسكرى نزل فرض القتال ، قال جل وعلا :
1 / 1 : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )(40) الحج ).
1 / 2 : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ).
2 ـ المسلمون بالاسلام السلوكى والذين يخشون الحرب كرهوا الأمر بالقتال ، قال جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة ) ، وبعضهم طلب مُهلة ، قال جل وعلا عنهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء ).
من الناحية الواقعية فى عصرنا :
1 ـ الشعب الذى يقع تحت إحتلال ظالم لا يستطيع مقاومته حربيا ــ عليه المقاومة السلمية ، فللضعف قوة تؤثر فى القوى ، وبقوة الضعف يحصل على إستقلاله وحقوقه . حدث هذا مع غاندى فى الهند ، ومع مارتن لوثر كنج وحقوق الأمريكيين الأفارقة ، ومع نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا . كلهم كفّ اليد عن العنف ، وجاهد سلميا مستعملا قوة الضعف ، ونجح ، ودون أن يدرى طبّق الأمر الاسلامى .
2 ـ المحمديون المتطرفون ـ وهم الأكثر غباءا وكفرا ـ لم يطبقوا هذا . لجأوا للعنف فى مواجهة قوة أكبر وأعتى . عجزا منهم عن مواجهة الجيوش لجأوا الى قتل المدنيين عشوائيا ، أو ما يسمى حاليا بالارهاب .
2 / 2 : الفلسطينيون أشهر من ارتكب ذلك بخطف الطائرات والعمليات الانتحارية بزعم ان الحور العين تنتظر المجرم الذى يفجّر نفسه . وتطوّر الأمر ب ( حماس ) التى يتركز جهادها فى جعل المدنيين ينتحرون رغم أنوفهم ، إذ تتخذهم دروعا بشرية تضرب وتختفى بينهم وتجعلهم عرضة للقصف الاسرائيلى ، تجهز لها الأنفاق وتجعل مداخلها تحت المستشفيات والمساجد ، تحريضا لاسرائيل على قتل من يلجأ لها . فى نفس الوقت ترفض حماس أن تنشىء ملاجىء لأهالى غزة يحتمون فيها من القتل . والنتيجة عشرات الألوف من القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ فى بضعة أسابيع ( حتى الآن ) ، وهو أضعاف أضعاف القتلى من الأطفال فى أوكرانيا ، والتى يواصل بوتين تدمير مدنها خلال سنوات ، ولكن دولة أوكرانيا جهزت ملاجىء للأهالى .
2 / 3 : ومن المضحك أن الهند التى حررها غاندى بطريقته السلمية إنفصل عنها المحمديون ، وتكونت بهم باكستان ، بجزء شرقى وجزء غربى ، وبينهما بُعدُّ ساحق ، وكانت السيطرة لباكستان الغربية ، والتى يغلب عليها الدين السنى الوهابى ، بينما تدين باكستان الشرقية بالتصوف الذى يعتبره الوهابيون كفرا . أقام الجنرال محمد أيوب خان مذبحة فى باكستان الشرقية وصل ضحاياها الى نحو 3 مليون شخص من المدنيين ، سارعت أنديرا غاندى رئيسة الهند بنجدتهم ودخلت فى حرب مع باكستان الغربية إنتهت بهزيمة باكستان الغربية وإستقلال باكستان الشرقية تحت إسم بتجلاديش . إحتكرت باكستان الغربية إسم باكستان لنفسها ، وحملت فى داخلها الدين الوهابى ، وحتى الآن لا تزال التفجيرات فيها خبرا عاديا ، وتنال المساجد والمستشفيات ، وفى منطقة بيشاور بين باكستان وافغانستان تعلم الطلبة الجهاد الباكستانى فأصبحوا ( طالبان ) ، وما أدراك ما طالبان .!
ثالثا :
1 ـ ( حماس ) مسئوليتها ــ وهى المسيطرة على قطاع غزة ـ أن تحميهم وتوفر لهم الرفاهية والأمن ، ولأطفالهم التعليم والمستشفيات ، والغريب إن الذى تكفّل بذلك الأونروا وغيرهم من أهل الإحسان . هذا بينما تفرغت حماس لحفر أنفاق فى باطن الأرض لتشنّ منها حربا على إسرائيل ـ تاركة أهل القطاع تقتلهم إسرائيل بلا رحمة . وفيما سمُّوه ( طوفان الأقصى ) خرجت حماس والجهاد تخطف المدنيين الاسرائيليين فى المستوطنات ـ ومنهم أطفال ونساء وعجائز ـ تتخذهم رهائن ودروعا بشرية داخل الأنفاق ، وتترك سكان غزة فى العراء ، تعرضهم لغارات إسرائيل ، تقتل منهم الآلاف ، أغلبهم من الأطفال والنساء . تفعل هذا حماس عن عمد ، لأنها تحتاج جدا لإتخاذ أهل غزة دروعا بشرية تحتفى بينهم ، ولتجبر إسرائيل على قتلهم ، ولتتخذ من هذا دعاية ضد إسرائيل . وبهذا كسبت حماس ، وخسرت إسرائيل ، وخسر أهل غزة . البسطاء يرون الضحايا من الأطفال فيلعنون إسرائيل فقط ، ويسبحون بحمد حماس ..
2 ـ حماس تتمسّح بالاسلام ، وعلينا أن نحاسبها بشريعة الاسلام الحقيقية ، وليس بشريعة التتّرُّس السنية . طبقا لشريعة الاسلام فإن من يقتل متعمدا فردا واحدا مؤمنا يكون جزاؤه فظيعا ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ). حماس تعمدت تعريض عشرات الألوف من أهل غزة للقتل . وهذه جريمة فظيعة ، الأفظع منها أن ترتكب هذا وهى تزعم الانتماء للاسلام ، تسمى نفسها ( حركة المقاومة الاسلامية ).
3 ـ جاءت الأنباء أمس بهدنة مؤقتة من بنودها تبادل 50 من الرهائن الاسرائيليين في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح 150 من الرهائن النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. وقد إعتبروا هذا نصرا لحماس . لم يسأل أحدهم نفسه عن حال الفلسطينيين بعد خروجهم من السجون الاسرائيلية .! سيجدون بيوتهم قد تهدمت ، وأهاليهم قد سقطوا قتلى ، وهم أنفسهم سيتعرضون للقتل بعد إنتهاء الهدنة المؤقتة . كانوا فى أمن وهم فى السجن ، حررتهم حماس بعد أن تسببت فى قتل وجرح عشرات الألوف ، وتدمير آلاف العمارات والمساكن . هل ستؤويهم حماس فى أنفاقها فى باطن الأرض أم ستتركهم ـ كعادتها ـ لتلتهمهم الطائرات والدبابات الاسرائيلية فى الشوارع ؟ . بهذا الانفعال الساذج نحن دائما مهزومون .!
أخيرا :
1 ـ فى الاسلام ــ الذى لا تعرفه حماس ــ أن تردّ السيئة ليس فقط بالحسنى بل بالأحسن ، قال جل وعلا :
1 / 1 : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) المؤمنون )
1 / 2 : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت ) . أى إنسان لا يخلو من خير ، لا يوجد إنسان فيه خير مُطلق أو شرُّ مطلق . حين تخاطب الخير فى داخل عدوك المعتدى تضطره الى أن يتصرف معك كأنه ( ولىُّ حميم ) .
2 ـ أتذكر فى نهاية عام 1987 أن كنتُ فى سجن مزرعة طرة عقابا على كتابى ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ). وقتها حدثت الانتفاضة . كان رفيقى فى الزنزانة من منظمة التحرير الفلسطينية ، كان يحمل راديو ترانسيستور يستمع فيه أنباء إنتفاضة الحجارة ، يهلل ويصرخ . قلت له : " كنت أتمنى لو حملوا بدل الحجارة زهورا ، وقدموها للجنود الاسرائليين مع إبتسامة . عندها سيختلف الوضع " .
3 ـ مكث نيلسون مانديلا فى السجن 27 عاما ، وأصبح أول رئيس أفريقى لجنوب أفريقيا بعد تفكيك نظامها الأبيض العنصرى . لم ينتقم ، بل عقد صلحا وتسامحا . وهو رئيس دخل مانديلا مطعما ومعه حارسه ، فرأى رجلا أبيض فى نفس المطعم ، أمر الحارس أن يدعوه ليجلس معهم ، جاء الرجل وهو يرتجف ، واخذ يأكل مرتعشا ، ثم ما لبث أن غادر المكان . قال مانديلا للحارس : هذا الرجل هو السجان الذى كان يعذبنى فى السجن ، وكلما صرخت من العطش كان يتبول على وجهى . طبت حيا وميتا يا نيلسون مانديلا .!
4 ـ يحيى السنوار كان فى سجون اسرائيل يقضى أحكاما قدرها 430 عاما . فليس فى إسرائيل عقوبة الاعدام . بعد 23 عاما خرج فى صفقة جلعاد شاليط ،وأصبح زعيم حماس . نيلسون ما نديلا ( سجين لمدة 27 عاما تحت التعذيب ) خرج يحمل التسامح الذى حرّر به بلده . ( السنوار ) ( سجين لمدة 23 عاما بلا تعذيب ) خرج لينتقم ، ليس من إسرائيل فقط بل من شعب غزة .
5 ـ هل يمكن للسنوار ــ بطريقته الفريدة ــ أن يحرّر فلسطين من البحر للنهر ؟ ولو فعل ذلك ــ بطريقته الفريدة ــ هل سيبقى أحياء فلسطينيون ؟
6 ـ قلبى معكم أبناء قطاع غزة .!