القاهرة - مصطفى سليمان
تقدم محام معروف ببلاغ إلى النائب العام المصري يطالبه بالتحقيق في شكوك حول وجود شبهة جنائية في وفاة القاضي المستشار أحمد عزت العشماوي الملقب بجلاد الفاسدين في مصر، واحتمال تعرضه للتسمم.
واشتهر العشماوي قاضي الجنايات بالدائرة "10" بدار القضاء العالي بأحكامه الصارمة في جميع قضايا الفساد الكبرى بمصر التي غالبا ما يكون المتورطون فيها من كبار المسؤولين، ومن أشهرها قضية نواب القروض، والمبيدات السرطنة التي كان متهما فيها يوسف عبد الرحمن مستشار وزير الزراعة الأسبق والأمين العام السابق للحزب الوطني الحاكم د.يوسف والي.
وترأس مؤخرا 5 جلسات لنظر قضية "أكياس الدم الملوثة" التي هزت الرأي العام المصري، وأصر على حبس المتهمين فيها أثناء التحقيقات وعلى رأسهم رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب د.هاني سرور المقرب من بعض قيادات الحزب الحاكم، لكنه فاجأ الناس بالتنحي عن جلسة الحكم النهائي التي حكمت بالبراءة.
وقال المحامي نبيه الوحش إنه سلم الخميس 8-5-2008 بلاغا رسميا لمكتب النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، بصفته مواطنا مصريا وبعد 10 أيام فقط من إعلان صحفي نشرته أسرة القاضي في ذكرى الأربعين لوفاته، أثار جدلا في أوساط الرأي العام عما إذا كانت قد تجمعت لديها قرائن ودلائل حول شبهة جنائية وراء الوفاة.
وأضاف الوحش أن أسرة العشماوي في هذا الإعلان كأنها تشير صراحة إلى مقتل فقيدها أثناء نظره قضية "أكياس الدم الملوثة" المتهم فيها د.هاني سرور عضو مجلس الشعب المصري والمقرب من بعض قيادات الحزب الوطني الحاكم، والذي حكمت المحكمة ببراءته مؤخرا من هذه القضية التي أثارت غضبا عارما في الشارع المصري.
إعلان ذكرى الأربعين
ونشرت أسرة عزت العشماوي إعلانا يوم الخميس 24 ابريل/نيسان الماضي في صحيفة الأهرام في ذكرى الأربعين للوفاة، تشكر فيها كبار المسؤولين على واجب العزاء.
وقدمت الشكر بالآية القرآنية الكريمة "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" ثم ختمت الإعلان بالآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".
ولفت اقتران الإعلان بهاتين الآيتين الكريمتين جدلا في أوساط الرأي العام والوسط الصحفي، واعتبر كأن قرائن وأدلة تجمعت لدى الأسرة خلال 40 يوما من رحيل فقيدها حول وجود شبهة ما، مما جعل إعلان ذكرى الأربعين يختلف تماما عن النعي الذي نشر في نفس الصحيفة في 15 مارس/اذار الماضي بعد يوم واحد من الوفاة.
وقال المحامي نبيه الوحش إن النعي الذي نشر في الصفحة 27 وفيات الأهرام، بدأ بالنص التالي "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون". فقدت العدالة رجلاً من أعظم رجالها طالما أثري القضاء بأحكامه العادلة النزيهة، ووهب حياته لخدمة مصر العزيزة، ولم يخش في الحق لومة لائم... ونسألكم الفاتحة.
وتابع "هذا الاختلاف أثار الشكوك أن العشماوى لم يمت ميتة طبيعية، وقد حصلت على وثيقة تقول إنه أصيب بتسمم فى الدم نتيجة فشل كلوى، علما أننى من خلال معرفتى وخبرتى فى التعامل معه، لم أسمع مطلقا أنه قام بغسيل كلية ولو مرة واحدة".
واستطرد أن "ما يثير الشكوك أيضا تنحيه المفاجىء عن نظر قضية "أكياس الدم الملوث، وهذا يشير الى أنه اما تعرض للتهديد أو تم دس السم له نقل بعدها الى المستشفى".
وكشف نبيه لوحش أنه تم رفع الحراسة الأمنية المخصصة للعشماوي قبل وفاته بأسبوعين دون مبرر مما جعله يحمل مسدسه الخاص دائما.
طلب باستخراج الجثة
وطالب الوحش فى بلاغه بسرعة استخراج الجثة قبل أن تتحلل لتشريحها ومعرفة أسباب الوفاة الحقيقية. وقال "اذا أثبت التشريح وفاته جنائيا فيجب فتح تحقيق فورى فى هذه الجريمة ومعرفة مرتكبها".
وقال "أحد أفراد العائلة أبلغني أنهم بصدد جمع أدلة دامغة عن أسباب الوفاة وسنعلنها قريبا للرأى العام وسيكون حدثا مدويا".
وتوفي القاضى أحمد عزت العشماوى في 14 مارس/اذار الماضي وهو الأشهر بين رؤساء الدوائر الجنائية في مصر، وسبق أن حكم في قضايا فساد كبيرة مثل نواب القروض وقضية المبيدات المسرطنة التى اتهم فيها كبار مستشارى د. يوسف والى وزير الزراعة والأمين العام الأسبق للحزب الوطنى الحاكم.
وآخر القضايا الشهيرة التي تولاها قضية أكياس الدم التي أصر العشماوي علي حبس المتهمين فيها أثناء نظرها، وهذا فى عرف القضاء المصرى يعد مؤشرا على توقعات بصدور أحكام قاسية، لكن فوجىء الجميع بتنحيه عن نظر القضية وصدور حكم ببراءة رجل الأعمال هاني سرور.
وقال د. حامد صديق الخبير القانونى بمحكمة جنوب القاهرة التى نظرت فيها القضية لـ"العربية.نت": من خلال تواجدي في المحكمة أثناء احدى جلسات القضية فوجئت أن من ينظرها ليس العشماوى، فعلمت أن سبب ذلك هو مرض مفاجىء اصيب به دخل على أثره غرفة العناية المركزة، وتم تأجيل القضية، وتأكدت أن الأمر ليس طبيعيا فخبر مرض شخصية مثل المستشار العشماوى لم يكن معلنا للرأى العام.
الصحافة طلبت التحقيق
وأثار اعلان الشكر للمعزين الذي نشرته الأسرة فى ذكرى الأربعين للمستشار العشماوى جدلا واسعا بين كبار كتاب الأعمدة فى الصحف المصرية المستقلة خلال اليومين الماضيين.
فقد طالب الكاتب الصحفى أحمد أيوب، مدير تحرير "نهضة مصر" بفتح التحقيق في ملابسات الوفاة، وعلق الكاتب الصحفي حمدي رزق فى صحيفة "المصرى اليوم" بأن "اللبيب بالاشارة يفهم وأن الشك في ذكرى الأربعين يعني أن هناك أمرا ما استجد وتأكدت منه أسرة المستشار العشماوي وبين النعي والشكر أي خلال 40 يوما فقط صدرت أحكام البراءة علي المتهمين في قضية أكياس الدم".
وأضاف "كان العشماوي ترأس خمس جلسات من المحاكمة وغاب عنها في يناير/كانون ثان الماضي بعد أن دخل مستشفي السلام الدولي للعلاج من تسمم في الدم، وفشل كلوي دخل به في غيبوبة دامت ثلاثة شهور ثم مات في مارس/اذار الماضي واستمرت الجلسات بدون العشماوي في قضية أكياس الدم حتي صدرت أحكام البراءة يوم 15 أبريل الماضي".
وتساءل "ما الذي جرى خلال أربعين يومًا علي وفاة المستشار العشماوي رئيس محكمة جنايات القاهرة لتتحول العائلة من الدعاء للفقيد بالجنة إلي الإشارة إلي القتل "ولا تحسبن الذين قتلوا..." وإلي القصاص "ولكم في القصاص حياة..." النعي الأول تحفل بمثله الأهرام، أما الشكر فأظنها أول مرة تستخدم آية القصاص في ذكرى الأربعين، شكر ملغوم بالإشارات الموحيات بشبهة ما تحيط بملابسات الرحيل".