Oslo 19.06.2006
يُحكى أنه في صباح أحد الأيام المباركة أمريكيا استيقظ سيّد العالم مبكرا، وكان مزاجه طرِِبا فمايكل مور لم يُثر غضبه، وصفقات الأسلحة تزداد، وسرقات الجيش الأمريكي من نفط العراق تتضاعف، ولم تقتل السيارات المفخخة من جنود المارينز بالأمس غير خمسة فقط، وهناك بعض الجرحي منهم اثنان تم عمل جراحة عاجلة لهما لقطع ساقيهما.
انتهى الاجتماع مع كبار الرأسماليين الذين لم يدر بذهن كارل ماركس في يوم من الأيام أن حيتا&auacute;تاناً في مثل حجمهم يمكن أن يكونوا عنوانا لعهد القوة الأوحد.
إن لهم مصالح في ليبيا، والأخ العقيد ليس في حاجة لجحر الفئران ليختبيء فيه أو ينشر ملابسه الداخلية أمام عدسات المصورين، بل تستطيع واشنطون الآن أن تجعل من الجماهيرية العظمى شوكة في خاصرة العالم العربي كله من غدامس إلى الاسكندرونة، ومن طنب الكبرى إلى جزر الخالدات أو كاناريا وفقا للتسمية الاسبانية.
ورسول الصحراء بامكانه أن يقود حجّاجاً من يهود الفلاشا لتأدية مناسك الحج في مكة المكرمة دون ما حاجة لجعفر النميري.
نظام العقيد معمر القذافي لم يعد ارهابيا!
شكرا جزيلا مستر بوش الابن على تلك المَكْرَمة، ويبلغك الشكرَ أيضا أهالي أكثر من ألف من شهداء سجن أبي سليم الذين قام قائد الثورة بتصفيتهم.
الآن يستطيع العقيد أن يستعد لاحتفالات ضخمة في حديقة البيت الأبيض بمناسبة مرور أربعين عاما على قيادته أهم ثورات العصر، وسيدعو إليها أرواح آلاف من الأبرياء الذين تخلص منهم تحت زعم أنهم كلاب ضالة، وستقودهم روح الإمام موسى الصدر وعن يمينها روح منصور الكيخيا.
هناك حسابان لانسان العصر الحديث : الثاني حساب الآخرة وهو في علم الغيب، والأول الوقوف بخشوع أمام الإدارة الأمريكية لتقديم كشف تفصيلي بعدد المرات التي لم يكشف فيها المسؤول مؤخرته للرئيس الأمريكي.
أصدر سيدنا قرارا ساميا بتبرئة الأخ القائد من كل الجرائم التي ارتكبها، وتم رفض الدعوى المقدمة من أرواح آلاف الأبرياء الذين لحقوا بعمر المختار في ملكوت السماء، فالسيدان تشيني ورامسفيلد يتعجلان مشروعات البزنس في ليبيا قبل أن يرهنها العقيد لصالح رعاة بقر آخرين، وربما يقول إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون! أهالي ضحايا لوكربي غير مسرورين بالمَرّة على الرغم من أنهم حصلوا على عشرة ملايين دولار عن كل ضحية يمكن بها شراء بعض الزهور ووضعها فوق المقبرة، والباقي للعمل على نسيان من تم دفنه في المقبرة!
الليبيون في المهجر يعلمون تماما أن تحرير وطنهم من أكبر طغاة العصر لم يعد مهمة أمريكية، بل قد يقوم الأخ القائد الأمريكي جورج بوش بتجميد أموالهم في المصارف الأمريكية لأنها تستخدم في الارهاب، أي تحريض الليبيين ضد رسول الصحراء.
الليبيون في الداخل يحلمون بالسفر إلى مالطا، أو السباحة على الشواطيء التونسية على الأقل بعيدا عن عيون مخابرات اللجان الشعبية.
حتى وقت قريب كان بامكان أي مسؤول أمريكي أو أوروبي أن يستخرج من درج مكتبة مجلدا ضخما به كل جرائم العقيد معمر القذافي، من دعم الجيش الجمهوري الايرلندي إلى تصفية معارضيه، ومن الحرب في تشاد إلى دعم الصحراويين، ومن التآمر في الحرب الأهلية اللبنانية إلى اختطاف ضيوفه.
فجأة ابتلع الغرب والأمريكيون حبوب النسيان، وأصبح القسم الخاص في الذاكرة والمتعلق بتاريخ طاغية ليبيا أبيض مثل الفُلّ، واستمع العالم إلى نبرة جديدة كأنها كونسرتو فيولين ينساب من ألسُن صُنّاع القرار الحيتاني العالمي أو العولمي، فقد تمت فرنجة الجزء الخاص بالارهاب من العقل والقلب معا، وجاءت الأوامر والتوجيهات برسم صورة ملائكية جديدة للعقيد معمر القذافي، فهو الفيلسوف والعاقل والمتعاون مع الغرب والمطيع للقرارات الدولية وغير المُشكِك في المحرقة اليهودية كصاحبنا الايراني.
لن يحتاج الأمريكيون لأسياس أفورقي لحماية إسرائيل أفريقياً فخيمةُ العقيد تتسع لكل الأحباب حتى لو أعلن قائد الثورة أن التلمود أيضا كتاب أخضر. الولايات المتحدة أعلنت أن النظام الليبي لم يعد ارهابيا، ولن يأكل من الشجرة المحرمة، ولن يُحَرّض مَنْ بقيَ حيا من الهنود الحمر على استعادة أرضهم بقوة السهام المسمومة.
وأمريكا لا تمانع أن يشتم العقيدُ السياسةَ الأمريكية بين الحين والآخر، وأنْ يلعب دور البطل أمام شعبه، وأن يَخرُج يتصريحات كوميدية سوداء تُزيد انفعال المتظاهرين في شوارع المدن الليبية وهؤلاء يحتاجون إلى اقناعهم بأنهم في حالة حرب، فيخرجون إلى الشوارع كأنهم أعجاز نخل خاوية.
مبروك لقائد ثورة الفاتح من سبتمبر صَكّ البراءة الأمريكي، وخالص العزاء للشعب الليبي الذي لن يجد بعد عدة سنوات مَفَرا ًمن الاختيار بين نارين أخفهما جحيم: إما أنْ يرهن العقيدُ بلدَهم لدىَ الشركات الكبرى، أو يبيعهم قائدُهم كما يبيع الراعي أغنامَه الزائدةَ عن الحاجة.
لماذا يَقْبَل الليبيون كلّ تلك المهانة والاذلال والسرقة والفساد ويُقَدمون الولاءَ كلما استخفهم حاكمهم؟ لماذا يصمت الليبيون تحت أقدام معتوه تعرف كل دابة على الأرض أنه أكثر طغاة العصر تخلفا وجهلا وحماقة واستبدادا؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal