الذكرى 34 لوفاة الحاج محمد البنسير قراءة في سياقنا الحالي و قراءة في سياق ظهوره بكل التواضع
مقدمة لا بد منها
لقد مرت عقود من التنظير و من النقاش العمومي حول الثقافة الامازيغية و حقوقها المشروعة في مختلف مناحي الحياة العامة الوطنية كما يريد الملك محمد السادس منذ خطاب اجدير التاريخي في يوم 17 أكتوبر 2001 و المؤسس لشرعية الامازيغية كمكون ثقافي أساسي للشخصية المغربية الى خطاب 9 مارس 2011 التاريخي و المؤسس لأولوية الامازيغية باعتبارها صلب هويتنا الوطنية أي اصلها لكن مع إيقاف التنفيذ و التفعيل للأسباب التي يعرفها الجميع.
و الان نشعر كاننا مازلنا نحكم بشرعية الامازيغية الثقافية كما في سنة 2001 بزيادة وجود اعتراف دستوري بان الامازيغية هي لغة رسمية و وجود الاعتراف الملكي منذ ماي الماضي بإقرار السنة الامازيغية باعتبارها عيد وطني فقط لا غير .
لقد برر اصحاب هذا الشعور الطبيعي بحجم التراجعات المؤلمة التي عرفتها القضية الامازيغية بشموليتها منذ يناير 2012 الى الان في ظل عدم تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية بشكل حقيقي و واقعي.
و في ظل عدم اخراج المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية الى حيز الوجود الى حد الان بعد مرور 12 سنة بالتمام و الكمال على مصادقة المغاربة على دستورنا الحالي أي هناك أسئلة مقلقة حول واقع القضية الامازيغية ببعدها الثقافي على اقل امام الفاعل المدني الامازيغي الذي وضع ثقته الكاملة في وعود حزب التجمع الوطني للاحرار في صيف 2021 بانصاف الامازيغية كثقافة و كلغة في التعليم و في الاعلام و في مناحي الحياة العامة الأخرى...
ان هذا الحزب لا يستطيع ان يحل القضية الامازيغية ببعدها الثقافي و اللغوي بصفته يمثل وجه من بين وجوه احزابنا السياسية ذات الانتماءات الأيديولوجية الدخيلة من المشرق العربي او الغرب المسيحي منذ ثلاثينات القرن الماضي .......
ان شرعية الامازيغية الثقافية قد ولدت مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001 أي ولدت مع تعاطي السلطة الرسمي مع القضية الامازيغية حيث ساهمت هذه الأخيرة إيجابيا في الادماج الاولي للامازيغية في التعليم و في الاعلام دون ادنى شك.
غير ان هذه الأخيرة أي شرعية الامازيغية الثقافية لم تستطيع ترسيخ الثقافة الامازيغية بمعنى الكلمة في بلادنا حيث لم نسمع قط ان المعهد الملكي للثقافة الامازيغية مع احترامي الشديد له قد نظم ندوة وطنية كبر ى حول العرف الامازيغي و مقاصد الشريعة الإسلامية او اسهامات الدولة البرغواطية في استقلال المغرب عن المشرق العربي الخ من هذه المواضيع الثقيلة التي هي تتجاوز شرعية الامازيغية الثقافية بالاف من الكيلومترات.
ان هذه الشرعية لم تستطيع حتى إعادة الاعتبار لفنوننا الامازيغية الاصيلة مع التسجيل بكل العدل و الانصاف ان المعهد الملكي للثقافة الامازيغية قد قام بواجبه الاكاديمي و الإعلامي من خلال اصدار الكتب و التنسيق لاعداد برامج إذاعية و تلفزيونية منذ سنة 2006 للتعريف بهذه الفنون الاصيلة و أدوارها في المجتمع قديما و حديثا الخ من واجبات هذه المؤسسة الموقرة ..
غير انني أقول ان هذه الشرعية لم تستطيع إعادة الاعتبار لهذه الفنون ضمن الاصالة الإسلامية المغربية حيث ناخذ الطرب الاندلسي كمثال حي و جوهري في هذا السياق حيث دخل هذا الاخير الى المغرب سنة 1492 ميلادية و بقي لقرون في مدن المركز من قبيل فاس و الرباط و سلا حتى سنة 1956 حيث صار هذا الطرب يمثل الاصالة الإسلامية المغربية لوحده طيلة عقود من الزمان
و بل اكثر من هذا لا يتعرض له أي احد سواء فقهاء وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية او فقهاء التيار السلفي الوهابي ببلادنا و لو بكلمة واحدة علما ان الطرب الاندلسي يوظف النساء لاجل الغناء و من بين المغنيات المشهورات زهرة الفاسية ذات الأصول اليهودية كما سمعت في برنامج تلفزيوني على القناة الأولى منذ سنوات.
و كان هذا الطرب المحترم يحيي سهراته في إسرائيل منذ سنة 1986 الى سنة 2000 بشكل علاني أي منذ استقبال الراحل الحسن الثاني لرئيس الوزراء الإسرائيلي سنة 1986 الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب و إسرائيل سنة 2000..
و بعد سنة 2000 الى سنة 2020 كانت هذه الاسفار لاجواق الطرب الاندلسي تفعل بشكل سري للغاية حسب قول الناشط الامازيغي منير كجي و العاقل سيفهم كلامي و ابعاده المختلفة ..
ان استحضاري لنموذج الطرب الاندلسي لم يكن عبثا على الاطلاق لان شرعية الامازيغية الثقافية لم تستطيع قط ادخال فنوننا الامازيغية الاصيلة الى خانة الاصالة الإسلامية المغربية من قبيل فن احواش و فن الروايس و فن احيدوس الخ من فنوننا الاصلية في بلادنا لمئات القرون ..
الى صلب الموضوع
ان سياق ظهور المرحوم الحاج محمد البنسيير يختلف اختلافا عظيما عن سياقنا الراهن على مختلف الأصعدة و المستويات حيث انطلق المرحوم انطلاقته الفعلية بعد تعرضه لحادثة سير خطيرة سنة 1969 بنواحي إقليم مراكش حيث جعلته هذه الحادثة معاق لا يمشي مثلي لكنه استطاع ان يبدع في شعره الغنائي التقليدي لأننا نتحدث هنا عن فن الروايس الأصيل في جنوب المغرب منذ قرون غابرة حسب ما فهمته في راي الأستاذ الصافي علي مؤمن أوائل تسعينات القرن الماضي في اطار التنظير لشرعية الامازيغية الثقافية....
لقد كان سياق أواخر الستينات مطبوع بالتهميش الصريح و المعلن لشيء اسمه الامازيغية بكل ابعادها و روافدها اللغوية و الفنية حيث كانت الثقافة الغالبة في الاعلام الرسمي وقتها هي ثقافة اهل فاس الاندلسية أي ما يسمى بالثقافة العربية الإسلامية بمعنى العروبة و الإسلام و بالإضافة الى ثقافة المشرق و ثقافة الغرب .
آنذاك كان منظور الدولة تجاه الثقافة الامازيغية او الثقافة الشعبية هو منظور دوني للغاية يختزل في الفلكلور الشعبي الحقير فقط في الهوامش الامازيغية البعيدة عن مدن المركز و الحاملة للثقافة العربية الإسلامية..
و بينما هذه الهوامش الامازيغية هي حاملة لثقافة الجاهلية و الفوضى كما تقدمها ما يسمى بالحركة الوطنية عبر رموزها من قبيل الراحل علال الفاسي و الراحل المكي الناصري الخ من خلال كتبهم و مقالاتهم الصحافية .
و لحسن حظ المرحوم الحاج محمد البنسير انه وجد الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي في طريقه النضالي حيث انه كان اول فنان ضمن فن الروايس يدافع عن شرعية الامازيغية الثقافية في الوجود منذ السبعينات على ما اظنه من خلال قصائده النارية مثل قصيدة اكرن أي الدقيق سنة 1981 في فترة الجفاف .
ان هذه القصيدة لا تخلو من بعد سياسي عميق لكن لا يسجل ان المرحوم البنسير قد تعرض للاعتقال او السجن بدليل برنامج النبوغ الخالد الذي اعده و قدمه الأستاذ عبد الله بوشطارت للقناة الامازيغية في مارس 2019 حول هذا الهرم الشامخ حيث لم يتم الإشارة الى هذه الأشياء ..
و هذا يمنع من وجود التوتر بين المرحوم البنسير و السلطة و لو حتى بعد وفاته بدليل انني أتذكر ان التلفزة المغربية لها أرشيف من بعض سهرات المرحوم داخل المغرب و في فرنسا غير انها لم تقوم بإعادة البث لهذه السهرات الى حدود الان في عز ترسيم الامازيغية و السؤال الكبير هو لماذا هذا التجاهل المقصود لهذا الهرم ؟
ان المرحوم الحاج محمد البنسير قد انطلق من مجتمعه المتدين أصلا بمنطقة ابنسرن نواحي إقليم مراكش كما هو شان جميع رموز فن الروايس القدماء و الجدد بنسبة اقل حيث ابدع المرحوم العشرات من القصائد الدينية الجميلة و المعبرة عن شغف الناس الاميين بلغة الضاد او حتى الدارجة لمعرفة أمور دينهم بلغتهم الجميلة كما فعل اجدادنا البرغواطين و المرابطين و الموحدين الخ .
ان من الطبيعي ان الدين يعلم بلغة القوم دون اية خلفية أيديولوجية او هوياتية لكن السلطة ببلادنا بعد سنة 1956 قد همشت الامازيغية بشموليتها دينيا تطبيقا لسياسة أيديولوجية الظهير البربري الهادفة الى الفصل التام بين الامازيغية و الإسلام على مستوى السلطة و حقلها الديني حيث تخيلوا معي بان ذلك الوقت أي في عهد الراحل الحسن الثاني كان التلفزيون المغربي لا يقدم و لو برنامج ديني واحد بالامازيغية بغض النظر عن مضمون خطابنا الديني الرسمي و المساند لافكار الحركة الوطنية المشرقية و المساهم في ترسيخ التعريب الهوياتي و السياسي .
ان دور الشعر الديني لدى فن الروايس آنذاك كان مهم و جوهري حيث قد قام بكل التواضع بعمل وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية في الارشاد الديني و الشرح الدقيق لفريضة الحج باعتبارها الركن الخامس من اركان الاسلام في الهوامش الامازيغية او في المدن الكبرى وقتها أي في الستينات و السبعينات و الثمانينات و التسعينات الخ..
و آنذاك أي في تلك العقود الطويلة لا يوجد أبو عمار او أبو جهل بحكم ان التيار الإسلامي كما يصطلح عليه كان بعيد بعد من بين المشرق العربي و المغرب عن شيء اسمه الامازيغية باعتبارها لغة كاحدى اللغات الإسلامية و باعتبارها ثقافة إسلامية مغربية مستقلة عن المشرق العربي منذ 123 سنة هجرية الى سنة 1956 ميلادية كما أصبحت أقوله لاجل التنظير للمرجعية الامازيغية الإسلامية لجيلنا الحالي و لاولادنا من بعدنا .
ان المرحوم محمد البنسير قد غنا للقضية الفلسطينية في قصائد بمنطلق ديني صرف لا انتماءات أيديولوجية و سياسية مشرقية فيه غير ان تيارات العروبة و الإسلام السياسي تشن هذه الأيام هجماتها الداعشية على حركتنا الامازيغية بهدف تصفية الحسابات حيث اعلموا ان الحركة الامازيغية قد ظلمت كثيرا منذ سنة 1967 الى الان بسبب المشرق العربي و قضاياه البعيدة عنا حيث لا يفهم من كلامي هذا انني لا أرى جرائم الاحتلال الإسرائيلي الحقيرة في الفلسطينيين العزل عبر التلفاز و مواقع التواصل الاجتماعي و لا اشعر بالحزن تجاه هؤلاء المدنيين .
لكن عندما استحضر كل ما فعله المشرق العربي بنا و بهويتنا الام منذ سنة 1930 الى الان أقول حسبنا قضايانا الوطنية الكبرى من قبيل قضية الصحراء المغربية و القضية الامازيغية الخ ..........................
انني اختم هذا المقال بالقول رحم الله محمد البنسير الذي ترك اثر غنائي ضخم و مواقف شجاعة تجاه التنظير لشرعية الامازيغية الثقافية...
توقيع المهدي مالك