عنان يواجه المستحيل ويعود من سورية بخٌفَى حُنَيْن

في الإثنين ١٢ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

عنان يواجه المستحيل ويعود من سورية بخٌفَى حُنَيْن

تصنيف الخبر:
تاريخ النشر: 2012/03/12 - 11:51 AM
المصدر: بى بى سى

فيما بدأ مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان مهمة تبدو مستحيلة، ولا يحتمل أن تثمر نتائج سريعة داخل سوريا، سيطر دخان الحرب على الطريق إلى هناك.

ووسط الكثير من التعقيدات، تظهر مجموعة قليلة من العناصر يمكن التعامل معها كمسلمات ما لم تحدث تغييرات جذرية في المشهد السوري.

سيستمر الرئيس السوري بشار الأسد ورفاقه في الحملة التي دشنوها في يناير/كانون الثاني بهدف قمع المعارضة المسلحة ومنع تسلل المقاتلين والسلاح والمال عبر الحدود.

ويعني قبول وقف لإطلاق النيران أن النظام الحاكم يجعل من يعتبرهم إرهابيين مسلحين أندادا، كما يطرح احتمالية خروج أجزاء من الدولة عن سيطرة النظام بشكل دائم.

كما أن السماح بالمساعدات الإنسانية يجب أن يحدث بالتنسيق مع السلطات السورية. وسترى دمشق إنشاء ممرات للمساعدات القادمة عبر الحدود يعطي قدرة على الوصول إلى مناطق ساخنة، ويمثل انتهاكا غير مقبولا لسيادتها.

وفي هذه المواقف الهامة، يبدو النظام الحاكم يتمتع بدعم هام وقوي من روسيا والصين.

ولذا لن يحدث وقف فوري لإطلاق النار، ولن يتم السماح بتسيلم مساعدات بمناطق خارج نطاق سيطرة النظام.
لا تسوية

كل ذلك بعيدا نوعا ما عن مواقف المعارضة السورية، التي تجعل أيضا الوصول إلى حل سلمي مبكر أمر غير محتمل.

وترفض معظم الحركات دراسة الدخول في حوار مع النظام الحاكم – أو الرئيس الأسد على الأقل – بعدما أريق من دماء الكثير في عمليات قمع وحشية لا زالت مستمرة على الأرض.

ويرغب معظم النشطاء المعارضون في سقوط النظام الحاكم، وليس الوصول لمجرد تسوية تسمح ببقاء النظام ربما بشكل مختلف قليلا.

ويرى هؤلاء أن المفاوضات في الوقت الحالي تنبع من موقف ضعف، ولاسيما على ضوء تأكيد النظام الحاكم على سيطرته العسكرية منذ أواخر يناير/كانون الثاني.

كما يجد عنان نفسه في موقف غريب بتمثيله الجامعة العربية التي ألقت بثقلها وراء فكرة تغيير النظام.

ويغفل قرار الجامعة العربية في الثاني والعشرين من يناير / كانون الثاني أي ذكر للتحاور مع دمشق، ويدعو إلى تغيير سياسي يبدأ بتسليم الأسد السلطة على الفور لنائبه وتوفير غطاء سياسي للدول العربية لتقوم بتوفير الدعم ومنه الدعم العسكري للمعارضة.

وقد حققت هذه الصيغة نجاحا في اليمن، ولكن سوريا ليست اليمن.

ويدعم موقف الجامعة العربية معظم الدول الغربية وحلفاءها، ويأتي ذلك متناقضا مع مواقف متزنة يتبناها كوفي عنان نفسه، حيث يصر على أن الحل السياسي يجب أن يتضمن حوارا مع كافة "اللاعبين" في الميدان، ويشمل ذلك النظام الحاكم.

كما أنه ضد تسليح المعارضة أو أي شكل من اشكال التدخل العسكري الخارجي، إذ يرى أن ذلك سيعقد من الموقف المتأزم اصلا. ومن الناحية النظرية، على الأقل، يجعله ذلك قريبا من موقف الصين وروسيا أكثر من قربه من مواقف الدول الغربية.

وسيكون على عنان الاعتماد على خبرته ومهاراته، إذا كان يرغب في العثور على مساحة مشتركة وسط هذه المواقف المتناقضة.

ومن الواضح أن ذلك سيحتاج إلى بعض الوقت، إذا كان ممكنا الوصول إليه.
حرب أهلية

إذا كان عنان يرغب في الوصول إلى حل سياسي سلمي، فعليه إقناع السعوديين والقطريين وغيرهم من اللاعبين الهامين داخل الجامعة العربية، وبالطبع الغرب، بأن الضغط من أجل تغيير النظام سيؤدي إلى سقوط سوريا والمنطقة في حالة أكبر من الفوضى.

ويجد الغرب نفسه أمام عدد قليل من الخيارات، حيث استبعد حلف شمال الاطلسي منذ البداية التدخل العسكري الخارجي كما حدث في ليبيا. ولا زال الحلف ملتزما بنفس الموقف لعدة أسباب.

ويخشى الغرب أن يفضي تدفق الأسلحة على المعارضة إلى نشوب حرب أهلية طائفية، يتقدم فيها متطرفون سنة – ولاسيما وأن تنظيم القاعدة يحث جهاديين على الانخراط في القتال في سوريا.

وقد ساعدت استراتيجية العقوبات السياسية والاقتصادية التي تتبناها الدول الغربية على عزل النظام الحاكم وممارسة ضغوط عليه، ولكن كما ظهر في العراق، ربما تستمر هذه الضغوط لأعوام دون تحقيق النتيجة المنشودة.
موقف صعب

بدورها، تجد المعارضة السورية، التي لا تزال منقسمة سياسية وعسكرية، نفسها في مواجهة موقف صعب.

وبعد أشهر من القمع الوحشي، يعد اللجوء إلى السلاح تطورا طبيعيا، ويتحمل النظام الحاكم وزر ذلك، ولكن لا يأمل المتمردون تحقيق انتصار بشكل حاسم إلا من خلال تدخل خارجي، على غرار التدخل الذي جعل الأمور تسير بشكل مفاجئ ضد العقيد معمر القذافي في ليبيا.

ولنتخيل شكل الموقف هناك، لو لم يتدخل الناتو، وربما يعطيك ذلك فكرة عما قد يحدث في سوريا.

وإذا لم يستطع عنان إحداث تغييرات كبيرة في موقف الكثير من اللاعبين الهامين بهذه الدراما الدموية والمعقدة، فإن السيناريو الأكثر احتمالا سيكون ان يكمل النظام الحاكم قمعه للمقاومة المسلحة في أي مكان يجدها، مع تحول جزء كبير من التركيز شمالا تجاه إدلب والحدود مع تركيا.

ولكن سيظل النظام يواجه تمردا أقل حدة، بالإضافة إلى احتجاجات في الكثير من المناطق (وبالأساس داخل المناطق السنية)، التي خسر النظام تأييد وقبول المواطنين فيها.
اتساع المعارضة

ربما يكون بعض الجيران، ولاسيما تركيا، متساهلين من ناحية السماح بوصول إمدادات إلى المتمردين عبر الحدود.

وربما تصبح دول عربية، وأبرزها السعودية وقطر، أكثر إصرارا وانفتاحا على تسليح وتمويل المتمردين، فيما تستمر الدول الغربية في جهودها لتوحيد المعارضة.

وربما يؤدي هذا الأسلوب إلى انهيار النظام، في ظل زيادة وتيرة الانشقاقات في صفوف الجيش وانتشار المعارضة تدريجيا وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ولكن في ظل احتمالية ظهور مفاجئات، ربما تصبح التطورات اكثر دموية وطويلة الامد وقد تؤدي إلى تمزيق أوصال الدولة.

وتوجد في سوريا بذور حرب أهلية عرقية ونزاع بالوكالة مثلما ما حدث في لبنان على مدار عقود من الزمان.

ربما يكون النظام الحاكم في طريقه إلى الانهيار، ولكن الحقيقة أنه لا زال يحتفظ بدعم بين المجموعة التي تدعمه، بالإضافة إلى شرائح من المجتمع السوري تخشى من انزلاق البلاد إلى المجهول.

ويتمتع النظام بقبضة حديدية حالت حتى الآن دون انفصال الوحدات العسكرية بشكل جماعي، كما أبدى عزما على القتال الشديد حتى لو كان ذلك يعني تدمير كل شيء.

وعلى ضوء كل ما حدث، لا يعتقد سوى عدد قليل من مناوئي النظام الحاكم في الداخل والخارج بأن الدائرة الضيقة المحيطة بالسلطة مستعدة لتخيل انتقال سهل إلى نظام ديمقراطي حقيقي، سواء من خلال المفاوضات أو عبر عملية إصلاح داخل النظام يتوقع أن تتضمن انتخابات عامة تعددية في مايو / أيار.

وفي ضوء ذلك، والدماء التي سقطت، ترفض المعارضة الحوار وترى أن التفاوض مع النظام يعطيه المزيد من الوقت.

لقد حصل كوفي عنان بالفعل على جائزة نوبل للسلام، ولكن إذا تمكن من التوصل إلى حل سياسي وسط هذه العوامل المتنوعة، فمن المؤكد أنه سيستحق الجائزة مرة أخرى.

اجمالي القراءات 2811