بسم الله الرحمن الرحيم
سنرجع يوما إلى و حينــا
أما عن كون هذا العنوان مناسبا أو غير ذلك ، فسيقرره القراء أخيرا بعد اطلاعهم على هذا الرأي المتواضع وعلى التساؤلات الآتية :
نص الحديث الأول(1695) : جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهرني فقال ويحك أرجع فاستغفر الله وتب إليه قال بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أرجع فاستغفر الله وتب إليه قال بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهرني فقال النبي ص&;لى الله عليه وسلم مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أطهرك فقال من الزنى فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون فأخبر أنه ليس بمجنون فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أزنيت فقال نعم فامر به فرجم فكان الناس فيه فرقتين قائل يقول لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز انه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده ثم قال أقتلتني بالحجارة قال فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثم جلس فقال استغفروا لماعز بن مالك قال فقالوا غفر الله لماعز بن مالك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم قال ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت يا رسول الله طهرني فقال ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز ابن مالك قال وما ذالك قالت إنها حبلى من الزنى فقال آنت قالت نعم فقال لها حتى تضعي ما في بطنك قال فكفلها رجل من اأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقد وضعت الغامدية فقال إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه يا نبي الله قال فرجمها.
(صحيح مسلم ج 3 ص 1321./1322.) .
نص الحديث الثاني ( 2765) بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعود إذ جاء رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعاد فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فسكت عنه وأقيمت الصلاة فلما انصرف نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو أمامة فاتبع الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف وأتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر ما يرد على الرجل فلحق الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إني أصبت حدا فاقمه علي قال أبو أمامة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء قال بلى يا رسول الله قال ثم شهدت فقال نعم يا رسول الله قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله قد غفر لك حدك أو قال ذنبك . ( صحيح مسلم ج 4 ص 2117 )
أعتقد أن أغلبية الناس قد سمعوا عن هذين الحديثين المنسوبين إلى الرسول عليه الصلاة ، وأن كثيرا منهم يكونون قرأوه وغيره مما ورد في نفس الموضوع وهو العقوبة المحددة لفاحشة الزنا .
فالمفهوم هو أن الرسول أمر في الأخير برجم ماعز بن مالك إلى الموت فقتل ، وبرجم المرأة التي جاءته من غامد من الأزد حتى الموت فقتلت هي كذلك .
والمفهوم كذلك أن الرسول قبل أن يأمر بقتل المرأة كان قد راعى حق رعايتها عدة قيم راقية من كون المرأة حاملا وكان قد ابرز ذلك الخلق الإنساني العالي المتمثل في حق الحياة لذلك المخلوق الذي خلقه الله في بطن تلك المرأة ، وذلك الخلق الآخر الإنساني المتمثل في ذلك الرجل الأنصاري الذي لم يتررد في تحمل كفالة المرأة الحامل ، وأخيرا ابرز الرسول تلك القيمة الإنسانية المتمثلة في عدم حرمان ذلك المولود الرضيع وضمان من يتحمل أعباء إرضاعه ورعايته .
وأما عن المفهوم الآخر من ذلك الرجل الآخر الذي طلب من الرسول أن يطهره بالرجم حتى الموت لأنه زنى ، وكيف جاء إخبار الرسول له بأن الله الرحمان الرحيم الغفور قد غفر له ما دام الرجل المقر بالزنا توضأ فأحسن الوضوء وما دام شهد .
أما عن هذا المفهوم الثاني فهو حتما مفهوم يصطدم بالمفهوم الأول ، ذلك المفهوم الذي يكون حتما يتأرجح يمينا وشمالا ، بين رجم ماعز حتى الموت ورجم تلك المرأة جتى الموت وإحاطة ذلك الجنين منذ الوهلة الأولى بتلك الرعاية الإنسانية من جهة وبين طمأنة الرجل الآخر بمغفرة من الله لنفس الجريمة من جهة أخرى ، نعم إن هذا التقابل أو التصادم أمر واقع لا محالة .
وأما إذا حدث وهدا روع القارئ للروايتين الإثنتين الواردتين في :
أ) صحيح مسلم ج : 03 ص: 1321/1322.
ب) صحيح مسلم ج : 04 ص: 2117.
نعم إذا تماسك القارئ وكان ذا رباطة جأش وذا ضمير حي وقلب حر مفتوح ، وبالتالي ذا عقل لبيب , إذا تذكر أن هناك ما يجب الاعتصام به وهو حديث خالق محمد الرسول وخالق ماعز بن مالك وخالق تلك المرأة التي جاءت من غامد من الأزد وخالق ذلك الجنين وخالق ذلك الرجل المجهول الهوية ،
نعم عندما يستجير المرء الجاد المسؤول بالله من تلك الروايات ويستعصم بحديث الرحمن الرحيم في الآية رقم : (01) من سورة النور حيث جاء فيه ما يلي : سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون .
عندما يتفق الجميع ويطمئنون – ولا يسعهم إلا أن يتفقوا ويطمئنوا- بأن هذا الحديث المذكور في الآية الأولى من سورة النور قد خرج من بين شفتي محمد الرسول صلى الله عليه وملائكته ، هو الحديث الصحيح لا غير .
وعندما يتأمل المرء تفاصيل ذلك البيان الذي أعده الله سبحانه وتعالى وأنزله وفرضه ، وكيف أنه نص مبين واضح لا لبس فيه ولا احتمال لأي تأويل أو تمويه .
عندها فإن أخوف ما يخاف منه هو أن يثور العقل ويحتج ويهدد بتقديم استقالته إن لم يحسم الأمر . وأنا أراهن بأن أغلبية القراء الذين يتمتعون برصيد ولو متواضع من الدية والإخلاص ستكون عقولهم واقفة حائرة في مفترق الطرق ولسان حالها يقول :
أي الحديثين أو الروايتين نصدق ونعتمد ؟
أحديث منسوب إلى مخلوق ،
أم الحديث الذي أنزل من الخالق نفسه ؟
هل يا ترى يأتي يوم سنرجع فيه إلى وحينا ؟