كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الثانى : علمانية الدولة الاسلامية وشريعتها
ف 4 : بين ( ضنك ) العلمانية الدنيوية و( سعادة ) العلمانية الاسلامية

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٣ - نوفمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

ف 4 : بين ( ضنك ) العلمانية  الدنيوية و( سعادة ) العلمانية الاسلامية

 كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الثانى : علمانية الدولة الاسلامية وشريعتها

ف 4:  بين ( ضنك ) العلمانية  الدنيوية و( سعادة ) العلمانية الاسلامية

أولا :

( ضنك ) العلمانية  الدنيوية

الدولة الدينية ضنك لا حدود له . نتوقف مع نوعى الدولة العلمانية : العلمانية المؤمنة للدولة الاسلامية ، والعلمانية الدنيوية السائدة فى العالم اليوم ، ونرى موقع كليهما من السعادة أو الضنك .

  1 ـ العلمانية الشيوعية:

1 / 1 :  تسحق الفرد لمصلحة المجموع ، ويتكشف الأمر على أن المجموع ليس سوى القائد الأعلى الذى احتكر السلطة والثروة والمجتمع ، أما بقية المجتمع فأغلبهم يعيش على الكفاف ، وممنوع عليه التعبير . فى النهاية فشل الاتحاد السوفيتى وسقط بدون طلقة رصاص ، بسبب فشله فى تنافسه مع أمريكا .

1 / 2 : علمانية بلا أيلوجية . ورث الاتحاد السوفيتى فى آسيا الوسطى شيوعيون كانوا فى السلطة فغيروا رداءهم ، واستمروا فى الحكم الاستبدادى الفاسد بلا أيدلوجية ، مستخدمين نفس أدوات القهر .

1 / 3 :  ينافسهم فى الفساد والاستبداد فراعنة المحمديين العلمانيين . يشتركون جميعا فى النفاق السياسى ، يرفعون شعارات مختلفة ( الوطن / الأمة / القومية  )، والفرعون الفرد هو الوطن والقوم  والأمة . أمّا الشعب فهو مملوك للفرعون الذى يملك الأرض ومن عليها .  

2 ـ العلمانية الغربية الديمقراطية النيابية التمثيلية الرأسمالية ( الولايات المتحدة الأمريكية ):

2 / 1 : على مستوى القمة :

تتركز الثروة فى عدد من الأشخاص ، وهم الذين يديرون المشهد السياسى . المنافسات الانتخابية عالية التكاليف ، ولا بد للطامح سياسيا من متبرعين له ، ويكون عليه ردّ الجميل ،   . الذى ينجح ويخرج عن السياق تتم إزاحته بالاغتيال ( لينكولون ، جون كيندى ) أو بالهزيمة ( كارتر ، ترامب ) . الذى يسير على الخط المرسوم يبقى مدتين حتى لو كان من الملونين ( أوباما )

2 / 2 : الطبقة المتوسطة :

المفترض أنها دعامة النظام الرأسمالى من أصحاب المشروعات الصغيرة من مزارع ومصانع ومتاجر ..الخ . هؤلاء فى سباق محموم وتنافس فيما بينهم بين توسيع ( البيزينيس ) والخوف من الخسارة . فى خضم هذا التنافس الذى لا يرحم يظل يجرى لا يلتفت خلفه ، كالذى يلهث خلف أتوبيس مسرع يريد أن يقفز اليه ولا يستطيع ، وفى نفس الوقت لا يستطيع التوقف خوف أن يدهسه الأتوبيس القادم خلفه .

2 / 3 : الطبقة العاملة :

يستنزفها صاحب العمل الساعى للربح بكل المُستطاع . يستخدم صاحب العمل العامل  ويستغنى عنه حسب مصلحته دون أى إعتبارات إنسانية .

2 / 4 : الفرد عموما :

2 / 4 / 1 : يتربى الفرد على أساس الاستقلالية والأنانية ، سرعان ما يترك أسرته ويبحث عن أسرة بديلة مصطنعة فى النوادى والتجمعات ،ممّا يوهن من الترابط الأُسرى . الحصول على عمل له الأولوية ، والاحتفاط به هو كل المسئولية . فى مجتمع إستهلاكى يدمن الفرد فيه على الشراء ـ حتى بدون حاجة ـ يكون التقسيط هو الحل . يعيش فى بيت بالتقسيط ويركب سيارة بالتقسيط ويشترى الأساسيات بالتقسيط معتمدا على راتبه الشهرى ، ويظل طيلة حياته يدفع أقساط البيت وغير البيت . إذا أدمن المخدرات ( وهذا شى معتاد ) أو خسر عمله ( وهذا شىء وارد ) خسر بيته ، وأصبح فى الشارع بلا مأوى . وتمتلىء المدن الكبرى بناطحات السحاب وبملايين المشردين المتسولين ، من الجنسين ؛ منهم الشباب ومنهم كبار السّن . طبعا هناك بعض الرعاية الاجتماعية ، ولكنها لا تكفى .

2 / 4 / 2 : فى التنافس على الرزق فى المستوى الأدنى والتنافس على الثروة والسلطة فى المستوى الأعلى ومع توارى الوازع الأخلاقى يصبح الوصول للهدف مشروعا بأى طريقة. المهم أن تصل وأن تنجح ، وليس مهما كيف ، وليس مهما مصلحة المجتمع أو المجموع ، وليس مهما عدد الضحايا . الدين العملى هو البراجماتية ( فنّ الحصول على المنفعة ) ، والقاعدة الذهبية أن الغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن مطابقتها أو مخالفتها للقانون . والقانون لا يعنى العدل ، وهناك محترفون فى التحايل عليه بطرق قانونية ، وفى النهاية فالفجوة موجودة بين نصوص القانون وإنفاذه وتطبيقه .  والخاسر لا يجد مجتمعا يحنو عليه أو ينتشله .

3 ـ تشترك كل المجتمعات العلمانية فى ( الضّنك ) . حتى على مستوى أهل القمة وأكابر المجرمين . فكلما إرتفع أحدهم زادت همومه وعايش القلق ، وما يرتبط به من آلام جسدية ونفسية . ربما ينام بمنوم ويصحو على مهدّىء . السبب فى المنافسة والمكايد والتآمر . برغم الرفاهية المظهرية والحشود والأتباع والجنود فإن الفرعون يعيش المعادلة الصفرية ، إما أن يبقى فى السلطة أو يهوى فى الحضيض . لا يأمن أحدا ، ولا يثق فى أحد . يتآمر ويتوهم الجميع يتآمرون عليه . فى حياة كهذه يصطنع الابتسام ويخفى المرض والقلق ويدارى ويوارى ويناور وينافق .

4 ـ ( الضنك ) هو العنوان المناسب للعلمانية الدنيوية .  نتذكر قوله جل وعلا عمّن تشغله هذه الدنيا عن ربه جل وعلا : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) طه ).

ثانيا :

راحة البال والإطمئنان فى العلمانية الاسلامية التى ينبغى أن تتحصّن بالايمان

1 ـ العلمانية الاسلامية تجعل الأسرة هى اللبنة الأولى للمجتمع ولذلك فان التفصيلات القرآنية لم تأت إلا فيما يخص الأسرة حتى تتأسس فى جو صحى.وحتى ينشأ فى ظلها أفراد أصحّاء.

2 ـ ومع ذلك :

2 / 1 : فإن القرآن الكريم يوازن بين الفرد والمجتمع ، فالانسان يولد فردا ويموت فردا ويأتى يوم القيامة للقاء ربه فردا ، ولا ينفعه ولا يضره يوم الحساب الا عمله ان كان صالحا أو فاسدا ، وفى كل الأحوال فان عمل صالحا فلنفسه وإن أساء فعلى نفسه ، ولن ينفع الآخرين يوم القيامة ، كما أنه ليس مسئولا عن أوزار غيره ، فليس له إلا ما سعى أثناء حياته : ( الانعام 94 ) ( مريم  80 ) ( فصلت 46 ) ( الاسراء 15 ) ( فاطر 18 ) (   النجم   39 ـ )

2 / 2 ـ هذا الانسان الفرد مطالب فى الاسلام بالعمل الصالح النافع للمجتمع ، وأن يكون متقيا لله سبحانه و تعالى بمعنى أن يكون مخلصا فى عقيدته لله تعالى وأن يكون فاعلا بالخير للناس ، وأن يكون آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ليس بمعنى التسلط ولكن بالنصيحة .

2 / 3 ،  وبالتالى :

2 / 3 / 1 : لا بد أن يكون هو قدوة للآخرين ، وإلا كان من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ( البقرة  44) و كان من الذين يقولون ما لا يفعلون وتلك خطيئة تستوجب مقت الله تعالى (  الصف  2 ـ3 ) .

2 / 3 / 2 : فالفرد مع مسئوليته الشخصية أمام الله تعالى فان من ضمن مسئوليته أن يكون عنصر خير فى المحيط الذى يعيش فيه بدءا من أسرته وزوجته واولاده ووالديه وأقاربه وجيرانه و محيط عمله الى المستوى الأعم الذى يشمل كل المجتمع والانسانية.

3 ـ التنافس هو سبب الشقاء والضنك فى العلمانيات الدنيوية ، لأنه على حُطام الدنيا الزائل . هذا التنافس هو فى الخيرات فى العلمانية الاسلامية .

3 / 1 : وجاء التعبير عنه :

بالمسارعة الى رضا الله جل وعلا فى الدنيا ليفوز بالجنة فى الآخرة . قال جل وعلا : (  وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران )

3 / 2 : بالتسابق للحصول على رضى رب العزة جل وعلا فى الدنيا ليفوز بالجنة فى الآخرة ، قال جل وعلا :

3 / 2 / 1 :(  سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)  الحديد )

3 / 2 / 2 : (  وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)  البقرة ) أى التسابق فى الخير

3 / 2 / 3 : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)   المائدة ). أى إنه مع إختلاف العقائد فالواجب التنافس فى الخير .

3 / 2 / 4 : الأمربالتعاون على البرّ والتقوى .  قال جل وعلا : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)  المائدة ). لاحظ التهديد بالعقاب الالهى إن لم يتعاونوا على البر والتقوى .

3 / 3 : كل ما سبق هو فيما يفعله الإنسان بإرادته الحرة ، وسيكون مسئولا عن حريته وعمله يوم الحساب . هناك حتميات مقدرة سلفا ومكتوبة ولا فرار ولا مهرب منها . هذه الحتميات ( القضاء والقدر ) لا حساب عليها ، وعلى الانسان أن يتقبلها برضى ، لا يفرح بها ّ ولا يحزن ، بل يقف منها موقفا متوازنا . قال جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد ).

3 / 4 : هنا تكون راحة البال فى الدنيا . قال جل وعلا : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) محمد ).

3 / 5 : هذا لأن العلمانية هنا فيها ذكر الله جل وعلا والايمان بالآخرة .

قارن بين قوله جل وعلا عن الاطمئنان القلبى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)  الرعد )وقوله جل وعلا عن ( الضنك ) : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه ).

اجمالي القراءات 3172