oslo 27.02.2006
هل جربتَ صعوبةَ الردّ على سؤال يُقلب لك موازين الحق والباطل؟
لماذا تكره الجهل والكبرياء ومرض الايدز والاعتداء على الأطفال والإرهاب وأنفلونزا الطيور والمسؤولين عن غرق ( العبّارة )؟
لماذا تحب الجمال والهواء الطلق والمناظر الخلابة والإنسان الطيب والطبيب الماهر والخيّرين من البشر؟
عندما تنتابك الدهشة من السؤال تصعب الإجابة عليه أو تكون سهولة الإجابة أصعب من التزام الصمت.
لا يمكن أن يلتقي حبك حبك لوطنك ورضاك عمن يؤذيه، أو خوفك على خيراته وحماسك لمن يسرق هذه الخيرات!
بعض التناقضات تتنافر حتى تبدو كأنها خُلقت لتتصادم ثم تنفجر.
في يوم الحشر ربما تجد في كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها سؤالا ستبكي لسماعه كل مسامات جسدك: كيف أحببت مصر ولم تكره الرئيس حسني مبارك؟
ألم يهبك رب العزة عقلا تفكر به، وقلبا ينبض، وفؤادا يهتز للجرائم، وضميرا يستعير من النفخة الإلهية في روحك قوة ترفض بها الموبقات والتعذيب والظلم والإمتهان والفساد والسرقة والنهب وكل ما يناقض الفطرة السليمة؟
كيف تحب القاتل والقتيل بنفس الدرجة؟
كيفي تمر على رجل يغتصب طفلة بريئة فتُلقي التحية على الاثنين معا؟
كيفي تستمتع بقطعة موسيقية في تخشيبة شرطة وأنت تستمع لآهات وتوجعات وصراخ مواطن مثلك في المكتب المجاور قبل أن يلقي به مأمور القسم لمشرحة أقرب مستشفى؟
كيف ترى مصرك وعشقك وطفولتك ورائحة أحبابك وأحلام شبابك ومجرى دمائك وهي تئن منذ ربع قرن في قوانين طواريء وآلاف المعتقلين والمنتهكة حرماتهم والمهانة كرامتهم، ثم تقرأ موضوعات موثقة عن النهب والهبر والفساد والسرقة وجرائم يهتز لها عرش الرحمن، ثم لا تكره المسؤول الأول والأخير عنها؟
كيف تضع رأسك على وسادتك أو جبهتك على سجادة الصلاة أو تدخل مسجدا أو كنيسة وتقف أمام خالقك وأنت تجمع النقيضين معا، الكفر والإيمان؟
كيف يسمح لك ضميرك أن تحب مصر ولا تكره الرئيس حسني مبارك؟
لا يمكن أن يخرج الأمر عن اثنين: إما أنك تعرف ما يدور في وطنك من كوارث وفواجع وانتهاكات وفساد وإنحدار وقوانين بوليسية فاشية وأحكام جائرة، فهنا يصبح صمتك أو تأييدك أو تبريرك لسيد القصر مشاركة ضمنية في نفس الجريمة، أو أنك لم تخرج من بيتك منذ مولدك، ولم تشاهد تلفزيونا، ولم تقرأ كتابا أو صحيفة ، ولم تُحَدّث أحدا أي مثل بيتر سليرز في فيلم مستر تشانس!
هل فكرت مرة واحدة يتيمة في حال أكثر من مليون مصري هم أقارب وأهل وأولاد وزوجات وأمهات وآباء ثلاثين ألف معتقل وكيف يتعذبون ويتألمون وينتحبون؟
يبقى السؤال الأخير.
هل تعرف أن رفع الغبن والحزن والظلم عن كل هؤلاء بيد شخص واحد فقط اسمه الرئيس حسني مبارك؟
هل تعرف أن حالات الانتهاك والاغتصاب وقلع الأظافر وتعليق المواطنين من أرجلهم والقاء من مات منهم تحت التعذيب في مشرحة إحدى المستشفيات الحكومية كان يمكن أن تتوقف كلها بكلمة واحدة من شخص واحد اسمه الرئيس حسني مبارك؟
أكتفي بهذين المثلين من مئات الأمثلة التي لا تخفى على أي مصري.
شرحت من قبل عشرات المرات الأسباب التي تجعل قلمي مستصرخا في كل حرف يخطه نخوة وشهامة وضمير وكرامة المصريين وحبهم لبلدهم الطيب المعطاء لكي يصلوا إلى تلك الحقيقة التي لا تحتاج لكبير عناء: هل يمكن أن تحب مصر والرئيس حسني مبارك في نفس الوقت؟
هل يمكن أن تستمع إلى الملائكة وتتغزل في الشياطين؟
هل يمكن أن تشاهد سيارة مفخخة تتناثر إثرها أشلاء تلاميذ مدرسة ثم تستلقي على ظهرك من الضحك والسعادة؟
هذا الحديث موجه لمن كان في قلبه مثقال ذرة من حب وولاء ووفاء لمصر الصابرة، أما هؤلاء الذين يعيشون داخل مصر ولم تقع أعينهم على بؤس المشهد المصري، والذين يخرقون الأرض غرورا لأنهم أعرف من غيرهم بما يحدث، والذين يرفضون تكملة الجسد المصري بستة ملايين مغترب بَحّتْ أصواتهم وهم يحاولون اقناع مواطني الداخل أن الطوفان يقترب من كل شبر من أعرق أمم الأرض فتتهم ألسنة متغطرسة متكبرة باستعلاء مواطني الخارج أنهم مرفهون في الغربة وينبغي أن يعودوا ويحاصرهم النظام الفاشي لكي يحصلوا على وسام النضال فإن الحديث ليس موجها إليهم.
لهذه الأسباب ولغيرها مما تهتز له السماوات السبع والأرض ومن فيهن أجد نفسي في النهاية أحمل كراهية للرئيس حسني مبارك تنوء عن حملها الجبال، لأنني بكل بساطة أحمل لمصر حبا لو غمر كل أهل بلدي لكان لكل منهم عيدا مدى الحياة.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal