من نبلاء اليهود المصريين
مقدمة :
جاءت هذا الرسالة من الإبن الحبيب د . م . محمد على ، يقول : ( عليكم السلام عمي الحبيب أنا في عذاب نفسي ، أعلم أنه ليس المهم من يحكم أنما المهم الإنسان لان الحياة قصيرة ، لكن فيما يتعلق بإسرائيل ، على الرغم ان من يستغل المدنيين في كل مرة هي حماس، الا ان فظائع إسرائيل و جرائمها لا تصدق ، قتلت قرابة الالف طفل و صارت مثل روسيا و بشار تقصف كل شيء حتى المشافي و المدارس ، حتى انهم بعد ان طلبوا من الناس النزوح جنوبا قصفوا قوافلهم المليئة بالاطفال و النساء العزل ، و قطعت الماء و الكهرباء و الطعام و الادوية ، برأيي هذا لا يمكن ان يكون رد على حماس، هذا لا يمكن ان يكون سلوك دولة ديمقراطية و انما سلوك منظمة إرهابية لا يمكن تبريره ، اعرف وجهة نظركم في الصراع مع اليهود على فلسطين . إننى ابن لعائلة هجّرتها اسرائيل من الجولان و بتآمرهم مع حافظ الاسد الذي انهزم امامهم بدون قتال في حرب 1967 عندما كان وزيرا للدفاع و مساعدته لهم بتهجير الاهالي من الجولان بدلا من ان يتركهم كاهالي غزة و الضفة هناك و تسليمهم ارضنا و بيوتنا و املاكنا مقابل ان يوصلوه للحكم . و هذا ما جرى بعد 3 سنوات ، و عاشت عائلتي في مخيم حقير في ضواحي دمشق ، بدون خدمات تذكر في بيوت كالزرائب . حلمي الوحيد كان ان اخرج من هذا المخيم السجن و عملت المستحيل حتى هاجرت الى فرنسا . و كان جدي دوما يعض اياديه من الندم و يحسد اهالي الضفة و يقول :" ليت اليهود قتلوني في بيتي و لم آتي الى هذا المخيم . " و كنا نلومه دوما ان لو بقي كما اهالي الضفة و غزة كان افضل لنا من ذل المخيم و التهجير . الملخص اعرف ان حافظ هو من هجرنا و باع ارضنا لليهود ، لكن هذا لا يدفعني ابدا لتقبل اسرائيل او التعاطف معها او التضامن معها لانها سبب في كل الضنك و الذل و العذاب التي ولدت و عشت و نشأت فيه و لم اتخلص منه الا بهجرتي لفرنسا ، حتى فوبيا التهجير لدى والدي الآن لانه نزح من الجولان بملابسه فقط مع اهله عندما كان يبلغ 11 عاما . كل هذا الدم يا عمي العزيز بسبب أنانية اليهود و رفضهم لأي حل إلا ان يأخدوا الأرض بدون السكان ما أمكن ، اخلوا معظم فلسطين في حرب 1948 ، و احتلوا ما تبقى من الارض في 1967 و احتلوا الجولان و سيناء لكنهم هذه المرة نجحوا بافراغ الجولان فقط من سكانه و اخذه ارض نظيفة و فشلوا في بقية الاماكن ، و الآن الحكومة اليمينية المتطرفة صارت تريد تتفيذ التهجير في الضفة باي ثمن ، والان يستغلون الحرب لاخلاء غزة ، السبب في كل شيء أنانية اليهود و تمسكهم بخرافات كتبهم المقدسة و تآمرهم مع الدكتاتوريين العرب لاخذ الارض و تهجير الناس منها ما استطاعوا . علما أن يهود الدول العربية المطرودين كانوا اغنى أغنياء المجتمع من تجار و اطباء و صاغة الذهب و صناع محترفين و قصورهم بوسط مدينة دمشق تشهد على ذلك ، في حين ان معظم الفلسطينيين المهجرين كانو فلاحين فقراء معدمين لا يملكون الا ارضهم الزراعية و بيوتهم المتواضعة . ) . انتهى . وأقول :
أولا :
1 ـ نحن ضد أكابر المجرمين الاسرائيليين والفلسطينيين ، والعرب والغربيين ، ونحن مع المستضعفين من الاسرائيليين والفلسطينيين والعرب والغربيين ، وكم آلمنى ما رأيت من معاناتهم ليلة أمس . ولكن كما قلت هم ضحايا لأكابر المجرمين ، الذين يتعاركون ويتصالحون طبقا لمصالحهم ، ويتساقط الضحايا المستضعفون بلا ثمن .
2 ـ المستضعفون الاسرائيليون هم أقلية الآن ، والمستضعفون الفلسطينيون هم الأغلبية . ولم يكن هو الوضع قبل قيام دولة إسرائيل ، والتى كان من مؤسسيها أمير الأردن ( عبد الله ) والذى أسّس له تشرشل إمارة شرق الأردن لتكون درعا لدولة إسرائيل قبل أن تُقام دولة إسرائيل . وقام بالدور المنوط به فى هزيمة التحالف العربى أمام الجيش الاسرائيلى عام 1948 ، وواصل حفيده الملك حسين نفس الدور .
3 ـ حافظ الأسد صار رئيس سوريا بموافقة أمريكا ليلعب نفس الدور خدمة لاسرائيل .
4 ـ الجاسوس الأمريكى مايلز كوبلاند فى كتابه ( لُعبة الأمم ) أوضح أنه الذى هندس الانقلاب العسكرى فى مصر عام 1952 ، لمصلحة إسرائيل ، ولقد إنهزم عبد الناصر أمام إسرائيل مرتين بنفس الطريقة ، يتلقى الضربة الأولى بالطيران الذى يدمر سلاح الجو والدفاعات المصرية ، ثم ينسحب الجيش عشوائيا لتلتهمه الطائرات الاسرائيلية . عبد الناصر الذى عمل بأوامر مايلز كوبلاند كان مدمنا الهجوم على الاستعمار والامبريالية الأمريكية وإسرائيل بينما يعمل خادما لاسرائيل ، وبه إحتلت إسرائيل سيناء مرتين ، وفى المرة الثانية وصلت حدودها من القنيطرة السورية الى القنطرة المصرية وقناة السويس . وقد شرحنا هذا فى مقال ( هذا الجاهل الجهول ماذا يقول ) ، وفى كتاب لم يكتمل نشرنا معظمه عن العسكر المصرى الخائن ، وهى منشورة هنا .
ثانيا :
هناك خدمة أخرى وكبرى قدمها عبد الناصر لاسرائيل ، وهى تهجير اليهود المصريين الى إسرائيل . وهذا يستلزم التوقف معه :
1 ـ كان المصريون اليهود يسيطرون على مجالات كثيرة فى الفن والاقتصاد والصناعة والتجارة والمواصلات والبنوك والفنادق . وكانوا عائلات شهيرة ، منها قطاوى وموصيرى ومنشه وسوارس وعدس وسموحة وصيدناوى . وأشهر متاجرهم عدس وريفولى وبنزايون وصيدناوى . وكانت لعائلة صيدناوى عزبة ياسمها تجاور قريتنا فى الشرقية . وكان من اليهود المصريين أعلام فى الأدب والفن ، منهم الكاتب الساخر يعقوب صنُّوع الذى أنشا صحيفة (أبونظارة )، وأسّس أول مسرح مصرى ، وانتقد الخديوى اسماعيل فنفاه الى باريس . ومنهم المطرب داود حسنى والرائد السينمانى توجو مزراحى ، والنجمات ليلى مراد وراقية ابراهيم ونجمة ابراهيم ونجوى سالم .
2 ـ بقيام إسرائيل كانت الدعوة لتهجير اليهود من البلاد العربية ، ومن مصر خصوصا وفيها أكبر عدد من اليهود وأكثرهم ثراءا . وقبل الانقلاب العسكرى بدأ تنظيم الضباط ( الأحرار ) أعماله الارهابية بحريق القاهرة ، واستهدف متاجر اليهود بالذات ، وانضم اليه الاخوان المسلمون فى ترويع اليهود فى بيوتهم ، فهاجر كثيرون منهم لاسرائيل ، وبعضهم إستمر فى مصر فى رعب تحوطه الاتهامات بالتجسس . هنا يتجلى التعاون بين أكابر المجرمين الاسرائيليين والمصريين ، والذى دفع ثمنه المستضعفون من الجانبين .
3 ـ هنا نذكر بكل العرفان اليهودى المصرى هنرى كوريل ( 1914 : 1978 ) . إنه الناشط السياسى والحقوقى والمهموم بالفقراء والعدالة الاجتماعية . ينتمى لأسرة مصرية يهودية غاية فى الثراء ، مع إنّه هو الذى أسّس منظمة ( حدتو الشيوعية ) : ( الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى )، والتى تعقب عبد الناصر أعضاءها بالسجن والتعذيب . واسّس أيضا ( حستو ) للسودان، وكانت مدرسة تعلم فيها زعماء اليسار السودانيون . تعرض للسجن فى مصر ثم للنفى الى فرنسا ، وفيها واصل نضاله حتى إغتياله .
فى فرنسا كان لهنرى كوريل دور ريادى فى :
3 / 1 ـ مساعدة المناضلين الجزائريين فى حربهم ضد فرنسا ( 1945 : 1962 ).
3 / 2 : مساندة حركات التحرر فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول العالم الثالث .
3 / 3 : فيما يخصُّ الصراع العربى الاسرائيلى فقد إقترح إجراء إتصالات بين ممثلين فلسطينيين وإسرائيليين على أساس الاعتراف المتبادل والتعايش السلمى ، وهو ما عُرف بلقاءات باريس ، وشارك فيها من التيار الاسرائيلى المعتدل يورى آفنيرى وماتياهو بيلد ، ومن الفلسطينيين عصام سرطاوى مستشار عرفات ، وكانت فرصة لتقديمهم للعالم بوجه مختلف بعد أن شوّهت سمعتهم منظمة أبو نضال الفلسطينية الارهابية . وهى التى إغتالت هنرى كوريل لتقطع طريق التفاهم الفلسطينى الاسرائيلى . صبرى خليل البنا رئيس منظمة ( أبو نضال ) هو القاتل المأجور لسوريا ، وقد إنشقّ عن منظمة التحرير الفلسطينة وتخصص فى الاغتيالات والعمليات الارهابية التى شملت عشرين دولة ، ووصل ضحاياها الى 900 ما بين قتيل وجريح ، ولم تسلم منه الطائرات المدنية وركابها .
4 ـ من تجربتى الشخصية :
4 / 1 : عزبة صيدناوى التى كانت مملوكة لأسرة صيدناوى اليهودى كان يعمل بها بعض أهل قريتنا ، ثم صادر عبد الناصر أراضى العزبة ، وبيعت لبعض المشترين ، وبعضهم من قريتنا . وكان أهل العزبة يتحسّرون على ما آل اليه حالهم فى عهد عبد الناصر .
4 / 2 : فى قرية مجاورة لقريتنا طبيب من عائلة منشه اليهودية المشهورة . ترك القاهرة ليخدم الفلاحين الفقراء فى المنطقة . ورفض الهجرة من مصر برغم المضايقات فى عصر عبد الناصر . إشتهر بعلاج الفلاحين الفقراء مجانا ، بل كان يستقبلهم فى الطابق السفلى من عيادته ، وينفق عليهم طعاما ودواءا . ويأخذ أجرا رمزيا من القادرين . وقد عالج والدى يرحمه الله جل وعلا ، وأخبرنى إبن عمى الحاج عبد العزيز محمد ابراهيم إنه سأل د منشه لماذا لا يؤمن بالاسلام وهو يعمل كل هذا الخير، وقد ردّ عليه بلطف .
4 / 3 : عانيت ولا أزال أعانى من غسيل المُخ الذى نشره المستبدون بين المحمديين . والذى وصل الى بعض المنتسبين للقرآنيين ، وجعلهم ينكرون حقائق القرآن الذى يزعمون الايمان به . إن معظم القصص القرآنى عن بنى إسرائيل بداية بتبشير الملائكة لابراهيم وزوجه باسحاق ثم يعقوب ، الى يعقوب ( إسرائيل ) وابنه يوسف ، الى موسى وبنى إسرائيل مع موسى وبعد موته ، الى داود وسليمان وبقية أبناء بنى إسرائيل ومنهم المسيح . هذا ، علاوة على الخطاب المباشر لهم ، وعن تقسيمهم بين أقلية مؤمنة ، ومن كان منهم مقتصدا ، ومن كان فاسقا ، وأطلق عليهم رب العزة جل وعلا إسم ( اليهود )على الفاسقين منهم ، والفارق بينهم وبين بنى إسرائيل واضح وكبير . غسيل المخ الذى تعرضت له الأجيال بعد 1948 جعلهم لا يستريحون لكل هذا عن بنى إسرائيل . إنّ كلمة إسرائيل جاءت 41 مرة فى القرآن الكريم ، بينما جاءت كلمتا ( يهود ، هود ) 11 مرة فقط . أما كلمة عربى فلم تأت إلّا وصفا للّسان الذى نزل به القرآن الكريم ، ولم تأت مطلقا عن قوم العرب . ووصل الأمر ببعض المنتسبين للقرآنيين أن يزعم أن ( يعقوب ) ليس هو ( إسرائيل ) إنكارا منهم لآيتين قرآنيتين :( آل عمران 93ر، مريم 85 )، رددت على هذا بمقالات وكتب منشورة هنا ، ولكن المرض لا يزال نشطا يستعصى على العلاج .
أخيرا
وأنا أكتب هذا المقال جاء خبر موت أخى الحبيب الصديق العزيز المحامى الحقوقى والناشط فى الدفاع فى قضايا اللجوء السياسى د . إيرفنج سبتزبرج . إنه رئيس مجلس إدارة المركز العالمى للقرآن الكريم ، والذى وضع لائحته القانونية ، وهو صاحب فضل علينا ، وعمل معنا متطوعا ، ومرشدا ، وكان مع زوجته السيدة الفاضلة ( فيرجينيا ) مثلا نبيلا فى العطاء والاخلاص . فى مرضه الأخير عجزت عن الذهاب للقائه ، بسبب ظروفى الصحية ، فذهبت زوجتى وبعض أبنائى ، كان منهم ابنى أمير وزوجته بيسان ، وهى من اصل فلسطينى وناشطة فى الدفاع عن حقوق أهلنا المستضعفين فى فلسطين ، وأبوها الصديق العزيز د محمود أبو جوده مثلها . كان أيرفنج يرحمه الله جل وعلا يتمنى لقاءه ، وفى لقائه الأخير تحدث مع بيسان عن رغبته فى رؤية أبيها د محمود والذى كان وقتها فى الضفة الغربية . مات أخى وصديقى ايرفنج وفى القلب حسرة ، ودعاء لله جل وعلا أن يرحمه وأن يرحمنا ، وأن يتغمد السيدة الفاضلة فيرجينيا وولديه وأحفاده وأسرته بالصبر والسلوان .
2 ـ نسيت أن أقول إن صديقى الراحل إيرفنج كان يهوديا ..!