عن البحث العلمى فى التاريخ والأصوليات
مقدمة :
جاءنى هذا السؤال : ( أريد أن تختار لى موضوعا للدكتوراة ، بحثا أصوليا أو تاريخيا . بما يعنى كيف يعني اذا كان (تاريخيا) يحتاج البحث الى ماذا.. واذا كان (أصوليا) يحتاج الى ماذا أيضا . وماذا عن بحث متخصص فى الوهابية أصوليا أو تاريخيا ؟ ) ولأهميته أجيب عليه بهذا المقال :
أولا
لا ينفع أن أختار لك . أنت الذى تختار لنفسك . وإختيارك لنفسك يكون بعد تأهيل ثقافى وعلمى بقراءة واسعة فى الموضوعات الأصولية والتاريخية فى العصر الذى تريد أن تتخصص فيه . كل عصر له إنتاجه الأصولى ( تفسير / حديث / مصطلح حديث / فقه ، ملل ونحل / علوم القرآن ) وله إنتاجه التاريخى من كتب الحوليات التاريخية وغيرها . وأنصح بقراءة كتابى ( أسّس البحث التاريخى ) وفيه فصل عن إعداد الباحث لنفسه علميا وثقافيا لكى يختار موضوع بحثه . وكتب أخرى مهمة جدا عن تاريخ علم التاريخ ، ومنشورة فى باب دراسات تاريخية فى موقعنا أهل القرآن :
https://ahl-alquran.com/arabic/show_bab.php?page_id=9
ثانيا :
هناك الأقسام الآتية للموضوعات الأصولية والتاريخية :
1 ـ أصولية بحتة : مثل :
1 / 1 : كتب الفقه ( الأم للشافعى ) ( موطأ مالك ) ( المحلى لابن حزم ) فى العصور الوسطى و ( بدائع الصنائع فى الفقه الحنفى ) للكاشانى . وفى عصرنا ( الفقه على المذاهب الأربعة ) للجزرى، ( فقه السنة) تأليف سيد سابق ، ( منهاج المسلم ) لأبى بكر الجزائرى. 1 / 2 : كتب الحديث المشهورة من موطأ مالك والبخارى ومسلم ..الخ ، وكتب الملل والنحل لابن حزم والملطى والشهرستانى وكتب التفسير للرازى والطبرى والقرطبى قديما والشعراوى وسيد قطب حديثا .
2 : ومع انها مشهورة إلّا إنها لم تتعرض الا لقليل من الدراسات النقدية . ونحن الذين بدأنا نقدها . ولكن لا يزال متسع للبناء على ما عملناه ، وأبحاث نقدية فى غير ما تعرضنا له مثل كتب الشعراوى والقاشانى والمحلى لابن حزم .
2 ـ تاريخية بحتة مثل :
2 / 1 : الحوليات التاريخية من الطبرى ومن سار على أثره حتى ابن اياس والجبرتى .
2 / 2 : كتب الطبقات التى تبحث تاريخ الشخصيات بدءا من طبقات ابن سعد الى طبقات الصحابة لابن الأثير ثم ابن حجر العسقلانى ، ثم طبقات الشافعية وطبقات لأئمة المذاهب والطوائف من التفسير والحديث والصوفية والشيعة والشعراء ..الخ . وهى أيضا معروفة ولكم لم يتم بحثها نقديا .
2 / 3 : كتب فى تاريخ المدن والأقاليم والخطط ( أحياء المدن ) والشخصيات الحاكمة والأسرات الحاكمة ..
2 / 4 : جوانب هامة فى البحث التاريخى بدأناه بأبحاث رائدة تنتظر المزيد من الباحثين الجّادين ، ومنها :
2 / 4 / 1 : مناهج المؤرخين ( المنهج الحولى والمنهج الموضوعى ، والمنهج الذى يجمع بينهما .
2 / 4 / 2 : ،مدى الصُّدقية ( لا تقل المصداقية ) فى نقل المؤرخين اللاحقين عمّن سبقهم ، خصوصا مؤرخى التاريخ الحولى . المؤرخ فى التاريخ الحولى يكتب بالعنعنة عن السابقين عاما بعام أو حولا بحول ، ثم إذا جاء للتأريخ لعصره أصبح يكتب من واقع المعاصرة . يأتى من بعده ينقل عنه الى أن يأتى لتسجيل عصره فيكون هو العمدة فى التأريخ المعاصر لعصره ، وهكذا فيمن يأتى بعده . بدأ هذا الطبرى فى تاريخه ، ثم نقل عنه اللاحقون ثم يؤرخون لعصرهم ، كما فعل ابن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) وابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ) وابن كثير فى تاريخه ( البداية والنهاية ) وحتى ابن إياس فى ( بدائع الزهور ) فى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى . وكما نقل المقريزى تاريخ الدولة الفاطمية ما كتبه مؤرخو الدولة الفاطمية فى كتابه ( إتعاظ الحنفا ). الباحث يتحرّى الى أى حد كانت أمانة النقل ، ومدى تأثر المؤرخ الناقل باتجاهه المذهبى . المقريزى مثلا كان منحازا للتشيع ومثله المسعودى فى تاريخه ، وابن الجوزى كان حنبليا ، وتأثر بهذا فى تاريخه ( المنتظم ) . وهم جميعا لم ينقلوا كل روايات الطبرى فى الموضوع الواحد ، بل قاموا بتجميعها فى رواية واحدة . وهذا اسهل ، ولكن المشكلة فى معايير الاختيار بين الروايات .
2 / 4 / 3 : مدى التأثر والتأثير بين مؤرخ وأستاذه كالمقريزى واستاذه ابن خلدون ، وابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر ) واستاذه إبن حجر فى كتابه ( إنباء الغمر ) ، وأبى المحاسن واستاذه المقريزى . ومدى تأثر السيوطى فى كتابه ( حُسن المحاضرة ) بما كتبه المقريزى فى الخطط .
2 / 4 / 4 : مقارنات بين مؤرخين عاشوا فى عصر واحد . وعقدنا مقارنات بين أشهر مؤرخى العصر المملوكى وهم المقريزى وابن حجر وأبى المحاسن فى كتاب لنا منشور فى موقعنا عن ( تطبيق الشريعة الشيطانية لأكابر المجرمين فى عصر السلطان برسباى )
2 / 4 / 5 : تحليل للمادة التاريخية التى يكتبها المؤرخ المعاصر واستخلاص المسكوت عنه من مظاهر الحياة اليومية للشعب ، والمصادر التى يستقى منها الأحداث ومنهجه فى الصياغة ..الخ .. ولنا فى هذا كتاب عن المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى .
3 ـ دراسات تجمع بين التاريخ والأصوليات . مثل :
3 / 1 : ما نسميه بالفقه الوعظى ، الذى يحتج فيه الفقيه على مساوىء عصره ، فيذكر ـ بلا قصد ـ حقائق تاريخية مجهولة فى عصره . ولنا فيه دراسات منشورة عن ابن الحاج فى كتابه ( المدخل ) والغزالى فى ( إحياء علوم الدين ) وابن الجوزى فى كتابه ( تلبيس إبليس )، وابن تيمية فى بعض رسائله ، وابن القيم الجوزية فى كتابه ( إغاثة اللهفان ) ثم الشعرانى فى كتب كثيرة ، منها ( لطائف المنن ) ( ردع الفقراء ) ( قواعد الصوفية ) ( البحر المورود ) ( تنبيه المغترّين ) ..الخ .
3 / 2 : دراسات تحليلية لكتب الحديث والتفسير والملل والنحل ، باعتبارها تمت صناعتها لتعكس ثقافة عصرها .
3 / 3 : كتب التصوف فى الطبقات الصوفية والمناقب والكرامات والمزارات . وهى كنز ثمين للأحوال الدينية والاجتماعية والاقتصادية فى عصرها .
3 / 4 : بالاضافة الى الرسائل الصغيرة للغزالى والجاحظ وابن الجوزى وابن تيميه وابن القيم الجوزية والمقريزى والسيوطى ، وهى كنز هائل للتأريخ الاجتماعى لعصرها .
3 / 5 : أروع المصادر التاريخية هى التى لم يقصد كاتبها أن تكون تاريخا ، ولكن تحوى معلومات تاريخية رائعة عن الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية وعن الناس العاديين الذين لا يهتم بهم المؤرخون . وهى الوثائق المحفوظة عن المؤسسات الدينية ، وكتب الرحالة ، وتقارير القناصل الأوربيين المرسلة لعواصمهم . وتعرضنا لهذا فى كتاب رائد كان مقررا عام 1984 على قسم التاريخ جامعة الأزهر بعنوان ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ) ، نشرنا بعضه مقالات فى موقعنا ، ونرجو أن نستكمل نشره .
3 / 6 : هناك موضوع تتشابك فيه الأصوليات الشيعية مع التاريخ . وهو عقيدة المهدى والمهدية . جذورها تنبع من الديانة الفرعونية ( عزير / أوزيريس ، وعزى / ايزيس / حورس / ست ) والتى عادت تحت عنوان (المسيا المنتظر ) ثم إنعكست فى صناعة أحاديث عن نزول المسيح والمسيح الدجال ، وظهر أخيرا منها المهدى المنتظر وغير المنتظر . عرضنا لاسطورة نزول المسيح فى كتاب منشور لنا . وعرضنا لأولى ظهور عقيدة الرجعة بعد الموت بمزاعم السبئية الأولى عن عودة على بن أبى طالب بعد مقتله ، وهذا فى كتابنا ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى ) عام 1984 ، ثم عرضنا لتأسيس عقيدة المهدى فى الدعوة الشيعية الكيسانية فى كتابنا عن الفتنة الكبرى الثانية ، وهى التى تمخضت أخيرا فى قيام الدولة العباسية . وتطورت عقيدة المهدية لتصبح خلافا بين الشيعة الامامية الاثناعشرية التى تؤمن بالمهدى المنتظر ، والامامية الاسماعيلية التى تجسده فى شخص الخليفة الفاطمى وبه أقاموا الخلافة الفاطمية فى شمال أفريقيا ثم انتقلت الى مصر وأقامت القاهرة والأزهر . والآن ترى فى ايران جمهورية شيعية تؤمن بالمهدى المنتظر ، ولكن لا تتوقف فى انتظاره بل أقامت دولتها بالنيابة عنه . والسؤال الآن عن أتباع النظام الايرانى فى اليمن من الشيعة الزيدية ، وفى سوريا الشيعة العلوية النصيرية ، وحزب الله وشيعة الخليج والهند وباكستان وأفغانستان وأغا خان .. مدى إيمانهم بالمهدى المنتظر؟ ولا ننسى الثورة المهدية فى السودان ، والتى حاربت الانجليز وقتلت قائدهم جوردون . هذا موضوع طويل ، وعميق أيضا ، ويحتاج الى باحث محايد لا يؤمن بخزعبلات المهدى والمهدية ، يبحثها أصوليا وتاريخيا فى ضوء ظروفها الموضوعية .
ثالثا :
كتبنا كثيرا عن الوهابية . وهناك بعض نقاط بحثية لم أتوقف معها طويلا إذ لم تكن فى جوهر البحث ، بالتالى تحتاج باحثا ماهرا يتخصص فيها باحثا منقبا متعمقا ، مثل :
1 ـ ابن تيمية كان معارضا للصوفية ولكن كان متأثرا بالتصوف .
2 ـ ابن عبد الوهاب كان متأثرا أيضا بالتصوف مع معارضته للصوفية .
3 ـ أوجه الشّبه والاختلاف بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب .
4 ـ وأوجه الشبه والاختلاف بين ابن تيمية فى القرن الثامن وتلميذه البقاعى فى القرن التاسع .
5 ـ أوجه الشبه والاختلاف بين الدولة السعودية الأولى والثانية فى التأسيس والسقوط .
6 ـ عبد العزيز آل سعود هو الذى أسس ـ عن طريق عملائه ـ الاخوان المسلمين .. ثم بعد نصف قرن تقريبا شبّ العداء بين السعودية والاخوان .. لماذا ، بالتفصيل والتحليل .
7 ـ العلاقة الملتبسة بين الشيخ ابن عبد الوهاب وآل سعود ، ثم بين آل سعود و ( آل الشيخ ) ثم بين عبد العزيز وشيوخ الوهابية من غير آل الشيخ . وماهية العلاقة الآن ، وقد أصبح تركى آل الشيخ مسئولا عن الترفيه مناقضا للوهابية ..
8 ـ الدور المحورى لمستشارى عبد العزيز آل سعود فى تأسيس الدولة السعودية الراهنة من حافظ وهبة المصرى الى ضابط المخابرات البريطانى عبد الله فيلبى .
أخيرا
1 ـ هناك أبحاث تاريخية صرفة لا يمكن تربطها بالدين السائد ، مثل الحروب ( العلمانية ) الاقليمية والعالمية فى العصور القديمة والوسطى والحديثة ، مثل حروب تحتمس الثالث ورمسيس الثانى ، وحروب الاسكندر ويوليوس قيصر وروما وهانيبال والمغول وتيمورلنك ونابليون وهتلر ..الخ . ولكن هناك حروبا رفعت راية الدين وتمسحت به كما فعل الخلفاء الفاسقون ، وفى الحروب الصليبية .
2 ـ بحث هذا تاريخيا فقط يكون ناقصا ، فلا بد من بحثها فى إطار الدين ( الأرضى ) الذى إختلقها وأسّسها . ليس هذا ضرورة علمية بحثية فقط ، بل هو عمل إصلاحى يحتاجه كوكب المحمديين اليوم الذى لا يزال يقدس الخلفاء الفاسقين ، مع أنهم أسوأ من هتلر لأن هتلر لم يزعم إن الله جل وعلا أوجب عليه الجهاد لقتل من لم يعتد عليه . الخلفاء الفاسقون ظلموا رب العزة جل وعلا ، وظلموا الناس . وبينما إنتقلت جرئم هتلر الى متحف التاريخ فإن جرائم الخلفاء الفاسقين أصبحت دينا ، يتكرر جهادا من أبى بكر الزنديق القرشى الى أبى بكر البغدادى الداعشى . هنا تكون ضرورة بحثية وإصلاحية أن يحتكم الباحث الى القرآن الكريم وهو يبحث تاريخ المحمديين الدموى . إنه الطريق لتبرئة الاسلام مما فعله به المحمديون ، وهم الذين يؤمنون أن الفتوحات هى التى نشرت الاسلام ، ورددنا عليهم بمقال يؤكد أن الفتوحات قد نشرت الكفر بالاسلام ، وتأسست بها الأديان الأرضية الشيطانية والتى بقى منها حتى الآن أديان السنة والتشيع والتصوف .
3 ـ ونفخر بأننا الذين بدأنا هذا الاتجاه العلمى برسالة الدكتوراة عام 1979 . ولا زلنا فى الطريق ، ونرجو أن نستمر فيه بعون الرحمن جل وعلا الى نهاية العمر ، ونحن فى نهاية العمر . ونشرنا معظم مؤلفاتنا هنا فى مقالات وكتب ، ومنها : ( الدين الوهابى المعاصر : تأسيسه فى نجد وانتقاله الى مصر ) ( لمحة تاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية ) ( وعظ السلاطين من الخلفاء الفاسقين الى مبارك اللعين ) ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الفاسقين ) ( الفتنة الكبرى الثانية ) ( مذبحة كربلاء ) ( مسلسل الحمق فى ذرية على بن ابى طالب ) ( عدو الله فى لمحة قرآنية تاريخية) ( اكذوبة المسجد الأقصى فى القدس ) ( لمحة عن الخطبة الدينية فى تاريخ المسلمين ) ( الحسبة ) ( ملك اليمين ) ( حق المرأة فى رئاسة الدولة الاسلامية )( الحج بين الاسلام والمسلمين ) ( الصيام بين الاسلام والمسلمين ) ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) ( التصوف والحياة الدينية ) ( التصوف والحياة الاجتماعية ). ( بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين )( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ) ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) ( الحنبلية أم الوهابية وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) ( المقريزى وثقافة الفتوحات ) ( تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين ) ( دستور مرسى ( الاخوانى ) (اضطهاد الأقباط بعد الفتح ) ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) ( وظيفة القضاء بين الاسلام والمسلمين ) ( شخصية مصر بعد الفتح ) ( جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية والاخوان المسلمين ) ( مصر فى القرآن الكريم ) ( حد الردة المزعوم ) ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ).