قضية السيادة فى العلمانية الاسلامية وما يترتب عليها

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٠ - أكتوبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

ف 2 :  قضية السيادة فى العلمانية الاسلامية وما يترتب عليها

 كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ).

الباب الثانى : علمانية الدولة الاسلامية وشريعتها

ف 2 : قضية السيادة فى العلمانية الاسلامية وما يترتب عليها

أولا :

  الانسان هو سيد هذا العالم الدنيوى.

1 ـ الله سبحانه وتعالى قد خلق كل هذا العالم للانسان، ليكون ذلك اختبارا لنا فى الحياة الآخرة. قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً   (7) هود   ) .

2 ـ العالم هنا يشمل السماوات والأرض وما بينهما أى الأرض بما فيها من نبات وجماد وحيوان ومن مادة وطاقة. ومابين السماوات والأرض يعنى كل الكون المادى من كواكب ونجوم و مجرات وسدوم، تبلغ المسافات بينها بلايين السنين الضوئية. وفى نفس الوقت فان تلك النجوم والمجرات ليست الا زينة للسماوات .إقرأ قوله جل وعلا عمّا بين السماوات والأرض :

2 / 1 : (  وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا )( 18 )(17) المائدة ).   

2 / 2  : (   رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) (5) إالصافات ).

2 / 3 : وعن الإحكام فى الدقة والتقدير إقرأ قوله جل وعلا :

 2 / 3 / 1 : (  تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ).

2 / 3 / 2 : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2)  الفرقان )

2 / 3 / 3 : (  إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)   القمر )

3 ـ يرتعب العقل البشرى حاليا وهو يكتشف الدّقة والأبعاد الهائلة بين بلايين المجرات والثقوب السوداء والبيضاء ، وما أصبح يقال عنه العوالم الموازية ( 13 )، أو ما سبق القرآن الكريم بتسميته بالبرزخ ( برازخ ستة لأرضنا المادية يتخلل بعضها بعضا ثم تتخللها على التوالى برازخ السماوات السبع ) .

4 ـ وهذه كلها فى هذه الدنيا ، وهى ( اليوم الأول ) ،وسيتم تدميرها بقيام الساعة ليأتى اليوم الآخر بأرض بديلة وسماوات بديلة خالدة ، حيث سيكون لقاء  البشر بالرحمن جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ). وبيوم القيامة تنتهى سيادة الانسان فى هذا اليوم الأول ( الحياة الدنيا )، ويتعين عليه أن يلقى الله جل وعلا فى ( اليوم الآخر )  ليحاسبه عن حريته فى ذلك ( العالم / اليوم الأول ) الذى كان فيه سيدا ، وأخضع وسخّر له فيه كل وجميع ما فى السماوات والأرض ، قال جل وعلا : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية ) .

5 ـ نعيد التأكيد بأن الله جل وعلا خلق كل هذا الكون الحالى المرئى منه وغير المرئى لمجرد اختبار الانسان فى هذه الحياة الدنيا. وحين ينتهى الوقت المعين لهذا العالم ويأتى موعد حساب الانسان ( القيامة ) يقوم الله تعالى بتدمير هذا الكون بالأرض والسماوات وما بينهما، ويخلق الله تعالى بدلا منها أرضا جديدة وسماوات جديدة خالدة لا تفنى بما فيها من جنة للفائزين ونار للخاسرين، وأن كل هذا الكون قد سخره الله جل وعلا للانسان بمعنى أن يكون الانسان سيد هذا العالم ، فالتسخير يعنى ان الله سبحانه وتعالى أخضع هذا الكون للانسان ليستغله كيف شاء، وهو مسئول عن ادارته لهذا الكون المسخر له. وموعد المساءلة هو يوم القيامة.

6 ـ ونضيف :

6 / 1 : إن حريةالانسان فى هذا الكون ومسئوليته عما يفعل تعنى "الأمانة "فى مصطلحات القرآن الكريم . قال جل وعلا : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) الأحزاب  ) .

6 / 2 : نفهم بهذا معنى الأمر الالهى للملائكة بالسجود لآدم . فبهم يدبر الله جل وعلا هذا الكون المادى والمرئى  خلال اليوم الأول ( يوم الدنيا ) وتصعد الملائكة بهذا الكون كله خلال ( اليوم الأول ) الى الله جل وعلا فى زمن متحرك ، طوله 50 ألف سنة بالتقدير الالهى ، قال جل وعلا : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)المعارج ). أما تدبيره جل وعلا الأمور فى هذا اليوم الأول فبسرعة ألف عام بتقديرنا . قال جل وعلا : (  يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة )

7 ـ ونؤكد مجددا :  الانسان سيد هذا العالم خلال هذا اليوم الأول ، وفى زمن متحرك . ثم بقيام الساعة يأتى زمن الخلود ( اليوم الآخر ) وحساب هذا الانسان الذى ( كان ) سيدا فى اليوم الأول . فهل يفهم الانسان هذا ؟ وهل يفهم وحريته المطلقة فى هذا اليوم الأول ومسئوليته عنها فى اليوم الآخر ؟  

ثانيا :

لا سيد للانسان الا الله سبحانه وتعالى وحده :

1 ـ فى الوقت الذى يشاء معظم البشر أن يمتطيهم بشر مثلهم فى دول إستبداد علمانى أو دينى فإن مبنى العلمانية الاسلامية على أنه ليس فى الاسلام اله الا الله سبحانه وتعالى وحده، وليست هناك واسطة بين الانسان وربه جل وعلا، فهو قريب منهم إذا دعوه :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي ) (186) البقرة )، هو الأقرب لهم : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق ). وحيث لا واسطة بين الناس ورب الناس فلا تقديس لبشر أو حجر . وبالتالى فليس فى الاسلام كهنوت ولا مؤسسة دينية أو دولة دينية .  فى الاسلام نرى الباب مفتوحا للتدبر فى القرآن الكريم ، لمن يكون راسخا فى العلم ، وليست لهم قداسة ، وآراؤهم بشرية تقبل الخطأ والصواب والنقاش  والرفض والقبول.

ثالثا :

بالتالى يترتب على ذلك :

   1 : كل البشر متساوون من حيث الانسانية ، فمعنى أن يكون الانسان عبدا للخالق وحده ان يتساوى البشر جميعا باعتبارهم عبيد الله سبحانه وتعالى وحده ، لذا فقد أكّد الله سبحانه وتعالى على المساواة التامة بين البشر فى النشأة والانتماء، فقد خلق البشر جميعا من أب واحد وأمّ واحدة ، أى هم اخوة ينتمون لنفس الأب ولنفس الأم، وقد جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا لكى يتقاتلوا ، والتعارف يعنى المعرفة والصداقة ؛ معرفةالتنوع البشرى فى الجنس والعنصر واللغة والثقافة واللسان والاستفادة منه فى اثراء الحضارة الانسانية .

وهذا التعارف بمعنى الصداقة لا يكون الا بالاتصال السلمى والعلاقات السلمية.

وبعد المساواة بين البشر فى الأصل والانتماء أكّد الله تعالى على أن أفضل البشر عنده ليس بالثروة أوالجاه أو الجمال أو الشباب أو القوة والصحة أو الذكورة أو الأبيض أو الأسود أو الأعلم او الأذكى ، بل الأفضل عند الله تعالى هو الأكثر تقوى لله سبحانه وتعالى وهو يخاطب الناس جميعا فيقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  الحجرات ) .

والتقوى تأتى نتيجة عمل الصالحات والايمان الخالص الذى يدفع ابن آدم للتمسك بالقيم الانسانية العليا.

2  : كل البشر السكان فى الدولة الاسلامية متساوون فى المواطنة باعتبارهم سكانا لها ، يملكونها على قدم المساواة . والوطن هنا ليس مجرد الأرض والنظام الحاكم بل إن الوطن أساسا هو الانسان المواطن ، والذى بدونه لا تكون الأرض شيئا مذكورا . يتقسّم الوطن على كل المواطنين بالتساوى ، بغض النظر عن الذكورة والأنوثة ، اللون والعرق والجنس ، الدين والملل والنحل ، المستوى الإقتصادى ، لا فضل لأحد على أحد . الأفضلية سيكون الحكم فيها لله جل وعلا ، ليس فى هذه الدنيا ، ولكن للخالق جل وعلا يوم الدين ، وهذا بعلم الله جل وعلا الذى هو الأعلم بمن إتقى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  الحجرات )  

3 ـ كل نظم الحكم المستبدة عدوة للاسلام العلمانى ، ليس فقط لأنها تقهر الانسان لصالح فرعون مستبد وقومه ،لكن أيضا لأنها تستعبد هذا الانسان وتجعله رعية مملوكة لمن يحكمه ويمتطى ظهره . ولا يتم لها هذا إلا بالتعذيب والارهاب والقمع ، أى بظلم مهما إشتدّ فهو أقل من ظلم أكبر هو إستعباد الانسان الذى إستخلفه الله جل وعلا فى هذه الأرض ، وسخر له ما فى السماوات والأرض ، أى جعل له السيادة ، ولم يجعل له ربا سواه جل وعلا.

المستبد العلمانى يزعم الألوهية لنفسه صراحة أو ضمنا . الأسوأ منه هو المستبد السياسى الكهنوتى فى الدولة الدينية الفرعونية ، والتى أرساها الخلفاء الفاسقون من أبى بكر ( الزنديق ) وإستمرت فى خلفاء بعده . هؤلاء الملاعين هم الذين جعلوا ظلمهم دينا  ، وأسموه ( الاسلام )، وبسببهم ضاعت حقيقة الاسلام العلمانية طيلة هذه القرون ، وتوارث المحمديون بكل ما يملكون من جهل لعن العلمانية وعداءها ، لا يعلمون انها هى الاسلام السلوكى فى التعامل بين الناس .

4 ـ حواجب الدهشة ترتفع حين نقول علمانية الاسلام . هذا أكبر دليل على ما نقول .

اجمالي القراءات 2116