كتب - عصام جمال الدين:
وسط حشد من نواب الحزب الوطني في حالات تمرير القوانين والقرارات المشبوهة، عقد مجلس الشعب جلسة مثيرة أمس لتمرير زيادات ضخمة في أسعار عدد من السلع والخدمات الحيوية للجماهير، جاء نواب الحزب الوطني مبكرًا وملأوا القاعة تحت أوامر من ملياردير الحديد وأمين التنظيم أحمد عز، وقد تعمد الدكتور فتحي سرور تأخير عقد الجلسة ساعة كاملة حيث بدأها في الساعة الواحدة إلا عشر دقائق.
قال سرور: «كان مقررًا في الجلسة الثانية مناقشة موضوع تقرير لجنة الخطة والموازنة حول فتح اعتماد إضافي في موازنة 2007/2008 لمواجهة المتطلبات اللازمة لتغطية طلب رئيس الجمهورية رفع العلاوة السنوية 30%، إلا أن مكتب المجلس رأي أن يكون ذلك في الجلسة الأولي طبقًا للمادة 72 من اللائحة الداخلية للمجلس الذي يقدم رئيس اللجنة تقريرها ويطبع التقرير ويوزع علي أعضاء المجلس مبكرًا بـ24 ساعة ما لم يقرر المجلس خلاف ذلك في الأمور العاجلة ونظرًا للعجلة في الموضوع وإدراج إيرادات تقرر تغطية الزيادة التي اقترحها رئيس الجمهورية وقد أعدت اللجنة تقريرها ووزع علي حضراتكم».
وقد ثار النواب من المعارضة الإخوانية واليسارية علي كلام سرور وقال النائب حسين إبراهيم: إن الموضوع في منتهي الخطورة ولا يستدعي هذه العجلة، ورد سرور قائلاً: إن تعمد تأخير عقد الجلسة ساعة كاملة لكي يطلع الأعضاء علي التقرير بوقت كاف.
وهاج نواب المعارضة مرة أخري وصاح سرور بعد أن أخذ موافقة نواب الحزب الوطني علي مناقشة تقرير اللجنة بصفة عاجلة، قائلاً: «خلاص طلبكم اترفض وهذه واجباتي كرئيس للمجلس».
وصاح النائب علاء عبدالمنعم وقال: «تقرير اللجنة مكون من 100 صفحة ومن غير المتصور من مجلس شعب يحترم نفسه أن يناقش هذا التقرير بمثل هذه العجلة»، وقاطع سرور كلام النائب علاء عبدالمنعم مصممًا علي أن الموضوع عرض علي التصويت وانتهي الموضوع، وهنا صاح النائب مصطفي بكري ورد عليه سرور: اجلس إحنا هنا في برلمان، الموضوع اتعرض واترفض.. اجلس يا مصطفي.. هل هذا هو الأداء البرلماني.. وصاح مصطفي بكري: هذا سيحرق مصر كلها، وطلب سرور من أحمد عز قراءة التقرير، وهنا صاح نواب المعارضة مرة أخري وأخذوا يصيحون ويدهم تمسك بتقرير اللجنة وصاح سرور: اتفضل اقرا يا رئيس اللجنة، وبدأ أحمد عز في القراءة قائلاً: «طلب الرئيس حسني مبارك رئيس كل المصريين - وهنا تصفيق شديد من نواب الحزب الوطني - وقائد مصر في نهضتها الحديثة من البرلمان ومن الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها إحداث زيادة في أجور محدودي الدخل».
وهنا صاح النواب صياحًا شديدًا اعتراضًا علي كلام ملياردير الحديد، وقال فتحي سرور: «مايصحش كده، احترموا قرار المجلس.. إيه اللي بتعملوه ده، ولا يجوز أن تفرض الأقلية رأيها علي الأغلبية، وقد عرضت رأيكم علي المجلس فتم رفضه»، وتوجه سرور لمصطفي بكري قائلاً: «هي دي يا مصطفي الديمقراطية بتاعتك؟!»، ثم أعطي سرور الكلمة لمصطفي بكري فقال الأخير: «هذا الكلام يتناقض مع ما قاله الرئيس مبارك من أنه لن يوجد أي قرار يمس محدودي الدخل»، ورد عليه سرور بسرعة، الكلام ده في الموضوع سيب رئيس اللجنة يتلو التقرير، وقال سرور سوف تتم مناقشة التقرير طوال اليوم وعند المناقشة قولوا ما تشاءون والجلسة ستتم سواء أردتم أم لم تريدوا - تصفيق من الوطني - واتهم نواب المعارضة ملياردير الحديد أحمد عز بأنه عقد اجتماعات اللجنة في السر ومفاجأة النواب بالتقرير، ورد عز قائلاً: هذا كلام مغلوط وغير صحيح، وقد تم عقد ثلاثة اجتماعات في 6 و20 فبراير وآخر اجتماع في 3 مايو الماضي في حضور وزير المالية وبحضور 11 نائبًا من أعضاء اللجنة بما وفر لها النصاب القانوني، وتناسي رئيس اللجنة - ملياردير الحديد - أن آخر اجتماع للجنة لم يتم التنويه عنه وأنه لم يذكر فيه بالتفصيل الإجراءات الجديدة.
وقال ملياردير الحديد: «نحتاج الهدوء لمناقشة هذا التقرير بعمق حتي يعرف المواطنون ما يجري»، ورد سرور عليه قائلاً: «ابدأ يا سيد رئيس اللجنة في قراءة التقرير ومن يرد المناقشة سوف تتاح له الكلمة»، وقرأ ملياردير الحديد التقرير المكون من 63 صفحة وتحدث عن السبع إجراءات التي اقترحتها وزارة المالية ولجنة الخطة لتوفير 8،19 مليار جنيه لتغطية ما سماه طلب رئيس الجمهورية زيادة العلاوة السنوية بـ30% ورفع أجور عمال الإدارة المحلية لـ75%.
وقد أشارت المعلومات إلي أن اقتراحات الزيادة الجديدة قادمة ومقترحة منذ مدة طويلة من أمانة السياسات التي يرأسها جمال مبارك، وقد اجتمع جمال مبارك صباح أمس مع رؤساء تحرير الصحف القومية وعرض عليهم الزيادات الجديدة وبكل ما تتضمنه من جداول في الزيادات، وطلب منهم الترويج لهذه الزيادات وتسويقها للناس علي أساس أنها تهدف لدعم البعد الاجتماعي، كما صدرت الأوامر من جمال مبارك لملياردير الحديد وصديقه المقرب أحمد عز بحشد النواب من الحزب الوطني في الجلسة للبصم علي الزيادات الجديدة، وقد احتشد نواب الحزب الوطني فعلاً منذ الصباح الباكر والتزموا الصمت التام عند صياح نواب المعارضة وكأن علي رءوسهم الطير.
وعندما بدأت المناقشة فاجأهم النائب محمد عبدالعليم صائحًا: «يا شوية حرامية يا لصوص»، وهب فيه د. سرور قائلاً: «مين دول اللي حرامية فلتحذف هذه الكلمات وأنبه عليك بأنه إذا عدت لمثل هذه الألفاظ فسوف أحولك إلي لجنة القيم»، ومع ذلك استمر محمد عبدالعليم صائحًا «يا حرامية يا لصوص»، وقال سرور: «قولولي قال إيه تاني، القانون ليس فوق أحد»، وفاجأ نائب الحزب الوطني طاهر حزين الجميع قائلاً: إنه حسب المادة 72 من اللائحة فإن هذه المناقشة باطلة وما بني علي باطل فهو باطل ولابد من مناقشة هذه النوعية من التقارير مسبقًا بـ24 ساعة وهذا لم يحدث، وقال النائب أحمد أبوبركة: إن رئيس اللجنة اجتمع سرًا باللجنة ولم يخبر الأعضاء بالقرارات الجديدة، ورد أحمد عز - رئيس اللجنة - إن جميع البيانات كانت أمام اللجنة وتم تزويد التقرير بالمعلومات والجداول اللازمة أمام أعضاء اللجنة، وقال النائب محمد البلتاجي - إخوان - إن اجتماع اللجنة الذي تدعي أنه عقد يوم 3 مايو كان اجتماعًا سريًا وأنه كان أشبه ما يكون باجتماع حزبي لأعضاء الحزب ولم يكن اجتماعًا برلمانيًا، ورفض فتحي سرور جميع طلبات النواب بتأجيل المناقشة، وصمم علي أنه طالما وافقت أغلبية نواب الحزب الوطني علي رفض التأجيل، ثم أعطي فتحي سرور الكلمة للدكتور عبدالأحد جمال الدين - رغيم الأغلبية - ولكن طلب وزير المالية بطرس غالي الكلمة فقال له سرور: «عايز تتكلم دلوقتي؟!»، إلا أن نواب الحزب الوطني صاحوا، فتراجع يوسف غالي، ثم تحدث عبدالأحد فوصف تقرير وكلام أحمد عز بأنه كلام علمي وواقعي وموضوعي، وطالب بالضرب بيدٍ من حديد علي كل من يحاول زيادة أسعار النقل بسبب هذه الزيادات البسيطة.
وتحدث محمود أباظة - رئيس حزب الوفد - فقال: أجدني مضطرًا للحديث عن الشكل وليس الموضوع، لأنه ليس من المقبول أن يتم القذف بهذا التقرير في وجه الأعضاء ممن لا ينتمون للحزب الوطني في لحظات قليلة ويطلب منا الرأي والمناقشة، ووصف محمود أباظة الحزب الوطني بالأغلبية الميكانيكية وحذر من ردود فعل سياسية للقرارات الجديدة، وقال إن الحزب الوطني لا يفهم أن الرأي العام في مصر قد تغير وأنه وحده سوف يتحمل مسئولية ردود الأفعال علي هذه الزيادات.
ثم تحدث وزير المالية فقال: إن القرارات الجديدة تطبيقًا للتعديلات الدستورية، وشكر أحمد عز وقال: إن زيادة الموارد هدفها وقف موجة تضخمية جديدة، وقال: إن القرارات التي عرضت منذ «دقائق» تهدف للنهوض بفئة الموظفين الإداريين في المحليات، وقال: إنه استعان بوزارة البترول لمعرفة أي البنود التي يتم رفعها يمكن أن يؤثر علي رفع الأسعار، وقال إنه تم رفع سعر الغاز للصناعات الكثيفة لاستخدام الطاقة مثل الحديد والصلب وقد تم الاعتماد علي خبراء وزراء الصناعة في تحديد هذا الرفع وهذه الزيادة، وقال: إن وزارة الاستثمار لعبت دورًا في قرار إلغاء الأعضاء لعدد من الصناعات؟ ولماذا هذه الصناعات بالذات؟ وقال: إن الأفكار تداولت داخل وخارج اللجنة علي مدي أشهر، وأن التقرير يأتي بطريقة متوازنة، والتحليل الوارد فيه هو تحليل فني رائع، ويجب أن ينظر إليه بدقة وهو دقيق ومفصل وحقيقي في هذا المجال، وإن الحكومة شريكة مع المجلس الموقر في الوصول بنتائج الإصلاح الاقتصادي لمحدودي الدخل.
ثم تحدث محمد عبدالعزيز شعبان من حزب التجمع فقال: عندما أعلن مبارك في عيد العمال زيادة 30% فإنما كان يراعي في ذلك الزيادة الرهيبة في الأسعار التي تمت في الآونة الأخيرة وتعويض ما تحملوه من زيادة في الأسعار في الفترة الماضية، واليوم - أضاف شعبان - هذا التقرير سوف ينعكس أثره علي زيادة أخري في الأسعار وكأنك يا أبوزيد ما غزيت ولم يستفد الشعب بالزيادة التي قررها حسني مبارك.
وقال رجب هلال حميدة عن حزب الغد: إن الواقع يؤكد أنه منذ أن تولت مجموعة من الحكومات تطبيق آليات الاقتصاد الحر هي حكومات فاشلة، والواقع يقول «علي قد لحافك مد رجليك»، واحنا مواردنا بتدخل اللي بتدخله وعلشان نحقق المعادلة الصعبة في ظل موارد محدودة تجعل الحكومات تعطي باليمين وتأخذ بالشمال، وقال هناك أناس اشترت فدادين علي أرض مصر - إسكندرية ومصر - الإسماعيلية الصحراوي لزراعة القمح وبسعر الفدان بـ50 جنيهًا وحولوها لمساكن أسمنتية بالملايين ولم تضرب الحكومة بأي يد من حديد وقال: نحن نعالج «السم بالسم»، وقال: إنه كان المفروض أن تتم المناقشة والمحاورة مع كل من ابتدعوا هذه الزيادات ونسألهم: هل وضعتم البعد القومي والاجتماعي في اعتباركم قبل إصدار هذه القرارات؟ وأنا خايف كمصري من المردود الشعبي لهذه القرارات وسوف يحول البلد لصدامات بين الأغنياء والفقراء والحرامية ماليين البلد واللي سرقوا الأراضي الصحراوية والسواحل كلهم «حرامية ولاد ستين كلب» - طلب سرور حذف كلمة «حرامية ولاد ستين كلب».