عزمت بسم الله،
الكثير من رجال الدين يوهمون المغفلين من المسلمين بأنهم يحرصون عليهم ليكونوا من أهل الجنة، وذلك بإرشادهم ووعظهم في كل المناسبات، فلم يترك رجال الدين مناسبة إلا وقدموا للناس روايات منها الصحيحة، واكثرها خرافات وافتراء على الله تعالى ورسوله، ومن بين هذه الروايات رواية: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. لاحظوا هذه الثلاثة الباقية هي: الصدقة العلم والولد الصالح، وكلها تخدم مصالح رجال الدين.
لقد بحثت عن هذه الرواية في البخاري وفي غيره من كتب ( السنة) المعتمدة فلم أجدها إلا في: مسلم، سنن أبي دود، ومسند أحمد. ثم عرجت إلى كتب التراجم فوجدت فيها من رواة هذه الرواية من هو من منكر الحديث، ولذلك لم أجد الرواية في البخاري. فهل البخاري لم يقتنع بهذه الرواية لذلك لم يخرجها؟
إن هذه الرواية يعتمد عليها رجال الدين ليأكلوا أموال الورثة اليتامى والأرامل بالباطل، فهم أي رجال الدين يتصيدون ورثة الأثرياء المتوفين، وذلك بحضور الولائم التي تقام في الليالي الأولى من موت الهالك، ليقرؤوا القرءان ( على روح الفقيد). والله تعالى يقول لرسوله أن ينذر بالقرءان من كان حيا: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ* لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. يس 70/69. أما المسلمون فيقرؤون القرءان على الأموات ويتبركون به ولا فرق بينهم وبين من كان ميتا.
ثم يأكلون ما يحضر من الطعام، وهنا لابد من تدخل رجل الدين ليلقي كلمته على الحاضرين، وخاصة على أولاد الهالك فيوصيهم بالاقتداء بوالدهم الذي كان من أهل فعل الخير المتصدقين، فلابد من تنفيد وصيته خاصة ما يتعلق بالديون فكل ما أوصى به يصبح دينا ومن بينها ثلث التركة والحجة، وربما ذلك الشيخ هو الذي كتب للهالك وصيته ويعلم ما فيها، واعتمد الشيخ على رواية نسبت إلى النبي جاء فيها:3084 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. صحيح مسلم - (ج 8 / ص 405) المكتبة الشاملة.
بينما لو استمسكنا بالكتاب المنزل الذي لا ريب فيه، فإننا نجد أن الله تعالى يقول: وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ. البقرة281.
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. الكهف 49. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ. يس 12.
لكل نفس كتاب يُكتب فيه ما يقدم العبد من عمل صالح أو طالح، وما ترك من آثاره التي سعى في حياته، أما بعد الموت فلا تُكتب للميت أعمال وسعي، لأن كتابه قد أغلق مع رجوع نفسه إلى بارئها، فلا يزاد في كتابه ولا ينقص منه شيء فلا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى هو بنفسه في حياته. فلا ثواب حجة يكتب له، بل ستكتب على من سعى وطاف وقام بمناسك الحج. إلا أنه قام بذلك مقابل أجر أخذه من أهل الميت افتراء على رواية ظنية نسبوها إلى النبي الذي لا يمكن أن يقول في الدين إلا ما أُنزل عليه من ربه ليبلغه للناس. قال رسول الله عن الروح عن ربه:
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى. النجم 41/38. فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى* يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى* فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى. النازعات. 41/34.
قال رسول الله عن الروح عن ربه منذرا بيوم الحاقة: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ* مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ* خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ* إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ* وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِؤُونَ. الحاقة 37/18. إن لكل نفس كتابا خاصا به يلقاه منشورا يوم البعث، يقول سبحانه: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً. الإسراء 15/13.
فهل يمكن لرجل الدين أو لغيره أن ينوب في عبادة من العبادات عن شخص آخر؟
الجواب: لا يمكن أبداً أن ينوب شخص عن شخص فيما يتعلق بعبادة الله تعالى سواء كان صلاة أو صوما أو زكاة أو حجا، لأن الحج لا يجب إلا لمن استطاع إليه سبيلا، والله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد لهم العسر أبداً.
خلاصة القول إن رجال الدين في كل الديانات، تعمل في ترويض الناس ليكونوا أتباعا لها، ليقدموا لهم الأموال الكثيرة ويرضوا عنهم، ليقدموا لهم الولاء ويقربوهم إلى الله تعالى زلفى.
قال رسول الله عن الروح عن ربه: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. الزمر 3/1.
ينذرنا الرحمان سبحانه من مشهد يوم التغابن ويقول سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ* قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ* وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ* لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ* وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. الأعراف 42/35.
لقد اعتبر الله تعالى الذين كذبوا بآيات الله تعالى اعتبرهم من المجرمين الظالمين والعياذ بالله تعالى.
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.