حريتهم فى التآمر وفى التحالف مع العدو

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٠ - سبتمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

  حريتهم فى التآمر وفى التحالف مع العدو   

(  الحرية : حرية الدين ، وحرية الرأى والتعبير )

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )

الباب الأول :  القيم الأساس للدولة الاسلامية

الفصل الثالث  :  ( الحرية : حرية الدين ، وحرية الرأى والتعبير )

حريتهم فى التآمر وفى التحالف مع العدو   

 مقدمة :

1 ـ كانت دولة النبى محمد الاسلامية ( العلمانية ) جزيرة يحيط بها أعداؤها ، اليهود على تخومها ، والأعراب بقبائلهم وقريش على مدى إتساع شبه الجزيرة العربية . كانت المدينة فى موقعها الثابت تواجه هذا وذاك ، ولم يكن فيها حصون حربية بينما كانت القبائل اليهودية حولها تعُجُّ بالحصون والقرى المحصنة والأسوار :( الحشر 2 ، 14 / الأحزاب 26 ). هؤلاء كانوا قوى معادية معتدية ، يشكلون خطورة محققة على الدولة التى كانت مفتوحة الأبواب للقادمين اليها الداخلين فى دينها وهو ( الاسلام السلوكى حسب الظاهر ).

2 ـ  الخطورة الأكبر كانت فى المنافقين وهم العدو الداخلى الذى يتمتع بالحرية المطلقة فى الدين وفى المعارضة السياسية . ثم فى منافقين مسلحين من الخارج كانوا أكثر خطورة من منافقى الداخل . ونتوقف هنا مع نوعى المنافقين :   

2 ـ التحالف مع العدو المعتدى أو بالتعبير القرآنى ( الموالاة ) .

    كانت الهجرة الى الدولة الاسلامية تعنى موالاتها فى حربها الدفاعية ضد من يهجم معتديا عليها . وبدأ هذا مبكرا ، مع تأسيسها . ثم فى التعامل مع الأعراب .

  1 :  سُكان الدولة كانوا من مهاجرين وأنصار ، ولا بد من أن تجمعهم الموالاة . وليست موالاة لمن يتفق معهم فى الدين إلا بأن يهاجر الى الدولة ويتمتع بالمواطنة فيها . إذا تعرضوا للإضطهاد وهم خارج الدولة الاسلامية فعلى الدولة مناصرتهم إلا إذا كان هناك معاهدة بين الدولة الاسلامية وتلك الدولة التى تضطهد المؤمنين فيها .

2 ـ قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الأنفال ). بعدها جاءت القاعدة التشريعية بأن الكفار المعتدين يوالى بعضهم بعضا ، وفى المقابل لا بد للمؤمنين أن يوالى بعضهم بعضا لمنع الفساد ومنع الفتنة أى الاضطهاد فى الدين . قال جل وعلا :  ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) الأنفال )

  2 : المُعضلة الكبرى كانت فى المنافقين الخارجيين من الأعراب . كانت دولة المدينة تستقبل من يأتى اليها يريد التعرف على الاسلام . إنتهز هؤلاء الفرصة فكانوا يأتون بهذه الحُجّة ، يدخلون المدينة يتعرفون على معالمها ، ثم يغيرون عليها . أو يلتقون فيها بالمنافقين فى مسجد الضرار الذى إقامه المنافقون وكرا وإرصادا لمن حارب الله جل وعلا ورسوله .

دار نقاش حول التعامل مع أولئك المنافقين الخارجيين ؛ هل بالمنع من الدخول للمدينة أو الحرب . إنقسم المؤمنون الى قسمين . نزلت الآيات تحسم الخلاف .

2 / 1 : قال جل وعلا :

( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (89) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (91) النساء ).

نلاحظ :

  2 / 1 / 1 : الحكم الالهى عليهم بالضلال العقيدى ولا أمل فى هدايتهم . ولكن الأمل فى إسلامهم السلوكى . وهذا يتحقق بأن يهاجروا الى المدينة ويستقروا فيها مواطنين يتمتعون مثل بقية المنافقين بالحرية الدينية وحرية المعارضة طالما لا يرفعون السلاح . فالهجرة هنا هى الأساس ، أو المواطنة هى الأساس .

  2 / 1 / 2  : إن رفضوا الهجرة وإستمروا فى الإغارة على المدينة فلا بد من قتالهم . فإذا إعتزلوا وسالموا فلا سبيل لقتالهم .

  2 / 1 / 3 : هناك من تردد بين المسالمة والإعتداء فلا بد من حسم الأمر ؛ إن لم يعتزلوا الاعتداء فلا بد من مواجهتهم حربيا .

تحالف منافقى الداخل مع اليهود المعتدين

  تحالفوا معهم أن ينصروهم في القتال ضد المسلمين . وإذا انهزموا وخرجوا فسيخرجون معهم، وأخبر الله جل وعلا بهذا التحالف السّرّى ، وأنبأ مسبقا بأن المنافقين سيتقاعسون عن نصرة اليهود لأنهم يخافون المؤمنين . قال جل وعلا : (  أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) الحشر ) .

وعن تحالفهم مع اليهود المعتدين وكذبهم وتأحيل عقوبتهم الى يوم الدين قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة )

تحالف منافقى الداخل مع المشركين المعتدين

1 ـ جاء هذا صراحة فى قوله جل وعلا : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) النساء ). واضح هنا تأجيل عقابهم الى يوم القيامة .

2 ـ وهناك إشارة ضمنية الى اتصالهم بالمشركين المعتدين وقت الحروب. قال جل وعلا : ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) النساء ).

2 / 1 : كانوا يتربصون بالمؤمنين في أوقات الحرب ، وتلك خيانة عظمى في القوانين الوضعية ، ولكن الله تعالى جعل العقوبة عليها مؤجلة إلى يوم الدين حيث سيحكم فيه بين المؤمنين والمنافقين على قدم المساواة .

2 / 2 : وتعبير ( يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ )  يعنى تآمرا واتصالات سرية مع جيش يعتدى ، ومقصدهم  الاستفادة من الجانبين ، إن إنتصر المؤمنون قالوا ألم نكن معكم ؟ وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نكن معكم ونمنعكم من المؤمنين.  أي كانوا يلعبون على الطائفتين؛ وتلك طبيعة النفاق . فهم حتى لا يوالى بعضهم بعضا لأنهم لا يثق بعضهم ببعض . قال جل وعلا عنهم ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (67) التوبة ) ، وفى المقابل قال جل وعلا عن المؤمنين : (  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )  (71) التوبة ) ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )(29)الفتح )

 3 ـ  ومجرد الاتصال بحكومات معادية وقت الحروب يعنى الخيانة العظمى في اعتى الديمقراطيات الحديثة . ولكنها دولة النبى محمد الاسلامية التى لا نظير لها .

 التآمر

  التآمر على النبى محمد قائد الدولة  بصناعة أحاديث منسوبة له :

  قال جل وعلا : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء ) ، أى يدخلون عليه يقدمون فروض الطاعة والولاء ثم يخرجون من عنده يتآمرون عليه وينسبون له أحاديث لم يقلها . والله جل وعلا يفضح تآمرهم ، وفى نفس الوقت يأمر النبى قائد الدولة بالعلاج ، وهو الإعراض عنهم والتوكل على الله تعالى وكفى به مدافعا وكفى به نصيرا .  

   التآمر على الدولة  بمسجد الضرار :

  كانوا يجتمعون فى اوكار سرّيّة ، يخلو بعضهم ببعض ، وبدأ هذا مبكرا ، وأخبر به رب العزة جل وعلا فقال : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) البقرة ) .

تطور الأمر أخيرا بأن جعلوا الوكر علنيا فى شكل مسجد يؤدون فيه الصلاة ، وإنخدع النبى محمد عليه السلام بهذا المسجد فكان يقيم فيه يصلى الى أن نزل قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(110) التوبة ).

ونلاحظ :

1 ـ إن النبى كان لا يعلم الغيب ، ولولا أن الله جل وعلا كشف له حقيقة هذا المسجد لظل يرتاده يصلّى فيه .

2 ـ تحت لافتة المسجد فقد كانت حقيقته أنه مسجد للإضرار بالدولة الاسلامية ، والكفر بمعنى الاعتداء ، ولإيقاع الخلاف والفُرقة بين المؤمنين ، ولاستقبال جواسيس المحاربين للدولة الاسلامية الذين يأتون بزعم الاسلام ، ثم يلتقون بالمنافقين فى هذا المسجد يتشاورون .

3 ـ أخبر الله جل وعلا مقدما أنه بعد إفتضاح أمرهم بهذه الآيات سيحلفون أنهم ما أرادوا إلا الحسنى. والله جل وعلا يشهد مقدما بكذبهم . وقد جاء هذا بأسلوب التأكيد ( وَلَيَحْلِفُنَّ ) ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) . ولمجرد التذكير فإن أولئك الذين يشهد الله جل وعلا على كذبهم هم صحابة ، جعلهم أرباب الدين السُنّى عُدولا منزهين عن الكذب ، أى يتهمون رب العزة جل وعلا بالكذب .

  4 ـ لا عقوبة عليهم فى الدنيا ، فهى تنتظرهم فى الآخرة كما جاء فى الآية 109 .

5 ـ زعموا أن النبى محمدا أحرق هذا المسجد ، وهذا يخالف ما جاء فى بقائه فى قوله جل وعلا : ( لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا ) أى ظل لا يزال ، وهذا يتفق مع الإعراض عنهم .           

اكتفى النبي والمؤمنون بمقاطعة ذلك الوكر. وتلك هي السياسة التي كان يتبعها النبي وفقا للحرية المطلقة فى الدولة الاسلامية ، ويكفى ما ينتظرهم يوم الدين .

6 ـ المقت الإلهى لهم ، والذى نستشعره من قوله جل وعلا عنهم : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110).

أخيرا  :

1 ـ وقد يقال أن تلك السياسة لا تجدي في عالم اليوم إذا لابد من اتخاذ تدابير وقائية و تشريعات استثنائية لمواجهة التآمر على الحرية . ولكن القرآن الكريم يضع العلاج  الأمثل للوقاية من ذلك التآمر .وهو المزيد من الحرية مع التوكل على الله الذي خلق الإنسان حرا ولا يريد لأحد أن يتحكم في حريته أو يصادرها على مراحل بسبب التخوف من أشياء محتملة قد تكون مجرد شكوك لدى أولى الأمر . وفتح باب الاستثناء والاعتداء على الحرية ينتهي بالاستبداد المقنع ثم بالاستبداد المكشوف .

2 ـ ما رأيكم ــ دام فضلكم ـ فى المستبد الشرقى فى كوكب المحمديين الذى يزعم الاسلام ، وهو يقهر الناس بالتعذيب والسجون بتهم ملفقة ؟  

اجمالي القراءات 1944