تطبيق حرية الدين والرأى في الدولة الاسلامية للنبى محمد عليه السلام ( 1 من 2 )

آحمد صبحي منصور في السبت ١٦ - سبتمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 تطبيق حرية الدين والرأى في الدولة الاسلامية للنبى محمد عليه السلام ( 1 من 2 )

(  الحرية : حرية الدين ، وحرية الرأى والتعبير )

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )

الباب الأول :  القيم الأساس للدولة الاسلامية

الفصل الثالث  :  (  الحرية : حرية الدين ، وحرية الرأى والتعبير )

تطبيق حرية الدين والرأى في الدولة الاسلامية للنبى محمد عليه السلام ( 1 من 2 )

 

 تطبيق حرية الدين في دولة النبى محمد عليه السلام ( 1 من 2 )

 مقدمة  :

1 ـ لم يكن النبي محمد عليه السلام مجرد قائد للمسلمين فى المدينة وإنما كان رسولا نبيا يأتيه الوحي الألهى ، ويقوم بنشر دينه سلميا داخل حدود دولته وخارجها . وكان  المنافقون هم عنصر المعارضة ضد حكومة النبي ، وكانوا يعارضون الإسلام  دينا ويعارضون سلطة النبي وسياسته،وقد منعهم خوفهم  من التمرد المسلح ضد الدولة وكانو اضعف جندا من القيام بثورة , قال جل وعلا عن خوفهم : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)  التوبة ) ، فاكتفوا بالكيد والتآمر ثم يقسمون بأغلظ الإيمان ببراءتهم مما يفعلون .وتمتعوا في مسيرة التآمر تلك بالحرية الهائلة التي كفلها لهم القرآن الكريم في القول والفعل ضد الدولة التي يعيشون في كنفها ويعملون ضدها .واكتفى القرآن الكريم بالرد علي مكائدهم وادعاءاتهم  وفضح تآمرهم مع التنبيه المستمر علي النبي والمسلمين بالإعراض عنهم  والاكتفاء بما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة.

2 ـ أساس الدولة الاسلامية ليس الاسلام العقيدى بإخلاص الدين لله جل وعلا وحده ، وبإخلاص العبادة له جل وعلا وحده . اساس الدولة الاسلامية وأساس شريعتها هو الاسلام السلوكى بمعنى السلام والإيمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان وأن يأمنك الآخرون .

وطبقا لهذا فالمنافقون كانوا مواطنين طالما لا يرفعون السلاح ؛ تمتعوا بحريتهم الدينية المطلقة فى الدين وفى المعارضة السياسية قولا وفعلا وحركة فى الشارع ، بل وتقاعسا عن المشاركة الايجابية فى الدفاع عن الدولة التى تحميهم ، والتى صاروا فيها من الأثرياء .

3 ـ  وفى حالة نادرة نهى الله جل وعلا النبى عن الاعجاب بأموالهم وأولادهم . قال له جل وعلا فى خطاب مباشر : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) التوبة ) ( وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة ). بسبب ثرواتهم فى المدينة ونفوذهم فيها بقوا فيها متمتعين بالحرية المطلقة فى الدين وفى السياسة .

4 ـ والله جل وعلا توعّد معظمهم بالنار يوم القيامة وأنهم فى الدرك الأسفل منها ،( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء )

5 ـ  وكانوا أصحاب نفوذ ، ومن أهل المدينة المؤمنين من كان مدمنا على السماع لهم ، ، أو ( سمّاعون لهم ) بتعبير القرآن الكريم ، حتى لو حضروا معركة مع المؤمنين أفسدوهم ، قال جل وعلا : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)  التوبة ) . كانوا من نسيج المجتمع ، منهم الأب والابن والأخ والاخت والزوجة والزوج والأصهار والجيران ، يتزاوجون من غيرهم ويزوجون غيرهم . ولو وجدوا مجتمعا أفضل لهاجروا اليه بأموالهم ، ولكن كانت دولة الاسلامية فى عهد النبى محمد عليه السلام هى الموطن الأمثل لهم .

ومن خلال القرآن نرصد إلي أي حد كانوا يتمتعون بحرية الرأي ضد الاسلام وضد الدولة الاسلامية ، والرد الإلهى عليهم بتذكيرهم بعذاب الآخرة .  

أولا :   

1 – كانت حرية الرأي تصل بالمنافقين إلي سب المؤمنين ووصفهم بالسفهاء ولا يرد عليهم إلا رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم :  ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) البقرة )  . هنا فضح حقيقتهم وخداعهم وفسادهم وقلبهم الحقائق وجلساتهم السرية التآمرية .

2-وكان يحلو لهم الاستهزاء بالمؤمنين خصوصا في أوقات الاستعداد للحرب فمن يتطوع بالصدقة يصفونه بالرياء إذا كان غنيا ويتندرون عليه إذا كان فقيرا ،بينما هم يمسكون أيديهم عن التطوع بالمال والتطوع للقتال وكان النبي مع ذلك يستغفر لهم ويطلب لهم الهداية فنزل قوله سبحانه وتعالي : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة )  

ثانيا :   

  وكانو يعبرون عن رأيهم بصراحة فيما يخص القرآن الكريم ؛ يستهزئون به علنا، واتخذ ذلك صورا شتى:

  1 : - كانوا يتندرون علي نزول آيات القرآن التي تحكي حالهم ، وكانوا إذا سئلوا عن هذا الاستهزاء بالقرآن أجابوا باستخفاف إنهم يلعبون ،ولا يتخذ معهم النبي وهو الحاكم أي إجراء . ويأتي الوحي يخبر بذلك ويثبت كفرهم ولكن يجعل عقوبتهم من لدن الله تعالى إن شاء: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)  التوبة )".

  2 : وكانوا إذا نزلت سورة يتساءلون في سخرية عمن ازداد إيمانا بهذه الآية : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ).  

  3 -ومنهم من كان يدخل علي النبي ويسمع القرآن ثم يخرج من عنده يتساءل باستخفاف عما سمع ، ويحكم رب العزة جل وعلا بكفرهم : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ )  ( 16) محمد ) .  

  4 : كان كفار قريش قبل الهجرة يعقدون مجلس للخوض فى القرآن الكريم والاستهزاء به ، وكان النبى ـ حرصا على هدايتهم ــ يحضرها ، ونزل له التنبيه ألا يحضر مجالسهم حين يخوضون فى آيات الله ، والّا يقعد معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) (70 )  الأنعام ) .

وفى المدينة أتاحت دولة النبى الاسلامية للمنافقين حرية الدين فأقاموا نفس المجالس العلنية للاستهزاء بالقرآن الكريم ،وكان يحضرها المؤمنون السّمّاعون لهم ،ونزل القرآن يحذر المؤمنين من حضور تلك المجالس . قال سبحانه و تعالي يذكّرهم بما نزل قبل ذلك فى مكة : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء )  . 

ثالثا :  

 واختصوا النبي بكثير من الأذى مع أنه الحاكم السياسي والرسول صاحب الوحي .

1 ـ كان النبي يسمع لهم ويطيع فنزل الأمر له بأن يتبع الوحى وبأن لا يطيع المنافقين والكافرين : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)  الأحزاب ) . والله سبحانه وتعالى أمر النبي بأن يعرض عن أذى المنافقين ونهاه فى نفس الوقت عن طاعتهم وأن يتوكل على ربه جل وعلا ( وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) الاحزاب ).

2 ـ والله سبحانه وتعالى أمر النبي بأن يعرض عن أذى المنافقين ونهاه فى نفس الوقت عن طاعتهم وأن يتوكل على ربه جل وعلا : ( وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) الاحزاب ).

3 ـ ومع إستمرار إيذائهم للنبى والمسلمين  لعنهم الله جل وعلا وتوعدهم بالعذاب : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) الأحزاب )

4 ـ وكان النبى ــ بإعتباره قائد الدولة ــ مأمورا بإقامة الشورى الاسلامية التى تعنى مشاركة الناس جميعا فى إتخاذ القرار في جمعية عمومية ، أو بالتعبير القرآنى ( أمر جامع ) يجب على الجميع حضوره ، نفهم هذا من قوله جل وعلا فى أوائل ما نزل فى المدينة ودولتها المدنية :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) النور ) . طبقا للشورى الاسلامية كان النبى يستشير الناس جميعا ومن بينهم المنافقون الذين كانوا سادة يثرب من قبل . ولما رأوا النبي قد أوسع صدره لجميع الناس  وليس هم فقط إتهموا النبي بأنه (أذن ) أي يعطي إذنه لكل من هب ودب ، وأشاعوا هذا القول الساخر عن النبي فنزل قوله سبحانه وتعالى يدافع عن النبي ( وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) التوبة ) . فالله سبحانه وتعالى هو الذي يدافع عن النبي ويصفه بأنه يثق بالمؤمنين ورحمة لهم ويتوعد من يؤذي النبي بعذاب أليم ، أما سلطة النبي كحاكم فلا مجال لها هنا في ذلك المجتمع الحر الذي يكفل للمعارضة ـ الكافرة المتسترة بالايمان ـ  كل الحرية في أن تقول ما تشاء .

5 ـ وفي غير الشورى كانوا يلمزون النبي إذا حرمهم من الصدقة وهم  غير مستحقين لها لكونهم أغنياء وكانوا يحتجون عليه ويطاردونه بأقوالهم الساخطة : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)  التوبة ) ويعظهم رب العزة جل وعلا : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59):التوبة )" .

6 ـ وكانوا يصفون النبى بالأذل وأنهم الأعز ، مع قولهم إنه رسول الله ، ويتوعدون بطرد النبى والمؤمنين من المدينة وينهون عن النفقة عليهم . (  هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)  المنافقون ).

والخلاصة أن المنافقين في حكومة النبي عليه السلام تمتعوا بحرية الرأي والدين والتي عبروا من خلالها عن رأيهم في الإسلام و القرآن وآذوا الرسول عليه السلام ،وكان الضمان الوحيد لهذه الحرية هي تعاليم القرآن نفسه ،وكان الرسول يستغفر لهم وينزل الوحي القرآنى يخبرنا بذلك . 

اجمالي القراءات 1978