الإخاء الانسانى أساس الاسلام السلوكى بمعنى السلام

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٣ - أغسطس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

الإخاء الانسانى أساس الاسلام السلوكى بمعنى السلام

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )

الباب الأول :  القيم الأساس للدولة الاسلامية

الفصل الأول : السلام :  الإخاء الانسانى أساس الاسلام السلوكى بمعنى السلام

أولا :

 تفصيلات ميثاق الأمم المتحدة جاءت فى إيجاز وإعجاز فى النصف الأول من هذه الآية الكريمة فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ( الحجرات 13 ) والنصف الآخر عن الاسلام القلبى أو التقوى والذى مرجعه الى الله جل وعلا يوم الدين . قال جل وعلا : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ). ونعطى تدبرا سريعا فى النصف الأول  الخاص بالاسلام السلوكى :

1 ـ يتوجه الخطاب الالهى للبشر جميعا من جيلهم الأول الى نهاية العالم ، ب ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) . هم جميعا ( الناس ) بلا أى تفرقة .

2 ـ يقول الخالق جل وعلا فى خطاب مباشر لهم جميعا ( إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ). والتعبير هنا ب( إنّا ) المؤكدة ، لم يقل ( لقد خلقناكم ) .

3 ـ ثم هم جميعا أخوة من أب واحد وأم واحدة . والذى خلقهم هو جل وعلا الذى جعلهم شعوبا وقبائل لكى يتعارفوا سلميا لا لكى يتقاتلوا ، سواء كانوا شعوبا مستقرة أو قبائل متجوّلة .

4 : هنا الأخُوّة الانسانية فى أعلى مستوياتها والتى يتغنى بها الحالمون من البشر ، والتى قامت بتفصيلاتها المواثيق الدولية بعد نزول القرآن الكريم بأربعة عشر قرنا .

وهذه هى الأخوة على مستويات ثلاثة :

4 / 1 : مستوى النسب الأعلى لآدم أب البشر ، وهنا نفهم الخطاب الالهى لهم جميعا  ب ( يا بنى آدم )  بقوله جل وعلا وعظا ونُصحا فى الدنيا والآخرة :

4 / 1 / 1 : (  يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف )

4 / 1 / 2 : (  يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) الأعراف ).

4 / 1 /  3 : (  يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) الأعراف ).

 4 / 1 /  4 :  وسيقول جل وعلا لهم تأنيبا فى الآخرة : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)  يس ).

4 / 2 : مستوى التكريم لبنى آدم جميعا على قدم المساواة بلا أى تفرقة على أساس اللون والعرق والنسب والغنى والفقر أو النوع ( ذكرا أو أُنثى ) .  قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) الاسراء ).

4 / 3 : الأخوة فى دين الاسلام السلوكى .

4 / 3 / 1 : كانت القبائل العربية تتكسب من الإغارات على بعضها ، والثارات بينها مستمرة فيما يُعرف ب ( أيام العرب ) . ثم فى النهاية دخلوا أفواجا متتابعين فى السلام أو الاسلام السلوكى . قال جل وعلا لخاتم النبيين فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)   النصر ). الكلام هنا عن الاسلام السلوكى بمعنى السلام الذى دخلوا فيه أفواجا . وهذا هو الذى رآه النبى محمد عليه السلام . لم يكن عليه السلام يعلم غيب القلوب ، وكان من المؤمنين فى المدينة ( الصحابة ) من كان مؤمنا بالاسلام السلوكى فقط ، ومدمنا على الخمر والميسر ولعب الأزلام والعكوف على الأنصاب أو القبور المقدسة ، يعنى كان كافرا بالاسلام القلبى العقيدى ، وقد قال لهم رب العزة جل وعلا يعظهم فى أواخر ما نزل : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)  المائدة ). نرجو تدبر هذه الآيات الكريمة من فضلكم .!

4 / 3 / 2 : نزلت الدعوة للكفار المعتدين ناقضى العهود والمواثيق بأن يعودوا الى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وهذه هى التوبة الظاهرية ، وتعنى هنا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمجرد عودتهم للسلام . وبها يكونون أخوة فى دين الاسلام السلوكى . قال جل وعلا : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) التوبة ) .

ثانيا :

1 ـ تغيّر هذا بما فعله أبو بكر الزنديق بحرب من رفض دفع الاتاوة له ، فيما يعرف بحرب الردّة ، هاجمهم وقاتلهم وسبى نساءهم وحرّقهم ، إعتبرهم ( الآخر ) . فلما أذعنوا له ، اشركهم فى الفتوحات ، والتى إعتبر الأمم الأخرى التى لم تعتد عليه هم ( الآخر) الذى يستحل قتله وقتاله وسلب أمواله وسبى نسائه وأطفاله وإحتلال أرضه . وارتبط وصف هذا الآخر بالكفر . وهذا ما يتردد فى وصف تلك الشعوب المقهورة إذا ثارت طلبا لحريتها . من يومها ـ ودائما ـ  يتجه الجهاد عندهم  نحو هذا ( الآخر) .  

2 ـ  الآخر فى الاسلام هو كل خارج عن الاسلام السلوكى . فى الداخل أو فى الخارج .

2 / 1 : فى الداخل : داخل الدولة الاسلامية يتمتع الناس بالمواطنة على أساس السلام فقط . يتمتعون بكل حقوقهم من حرية الدين المطلقة وحرية المعارضة السلمية المطلقة ، ويتأكد هذا مما جاء فى القرآن الكريم عن المنافقين ومُعظم الصحابة المؤمنين . بالتالى فإن من يخرج على هذه الدولة من الداخل إنما يكون محاربا لله جل وعلا ورسوله ساعيا فى الأرض بالفساد. وعقوبته هائلة إن لم يتب مقدما . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)  المائدة ) .

2 / 2 : فى الخارج : الدولة التى تعتدى على الدولةالاسلامية المُسالمة . هنا نتذكر قوله جل وعلا : (  لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ). فالدولة المخالفة فى الدين ولكن مسالمة يجب التعامل معها بالبرّ والقسط . أما الدولةالمعتدية فيحرم موالاتها وتأييدها فى سياستها العدوانية .

أخيرا

لمجرد التذكير

1 ـ الاخوان المسلمون أصدروا قرارا بأنهم وحدهم المسلمون ، وأنهم ( إخوان ) ، والآخر هو غيرهم ، سواء من المحمديين أو من المسيحيين . واتجهوا بالجهاد السلفى الى هذا الآخر ، وقام حسن البنا بتكوين جهازه السرى للإغتيال ، فاغتال بعض المشاهير وإغتال الكثيرين من غير المشاهير . وإعتاد أن يتبرأ علنا من أتباعه حين يتم ضبطهم متلبسين ، فيقول ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ) .

2 ـ الاخوان المسلمون زرعهم عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الراهنة . أسسّها بسواعد أتباعه الأعراب الذين أسماهم ( الاخوان ). فلما بدأ التناحر بينهم وبينه قام عملاؤه بنشر الوهابية فى مصر عبر تحويل الجمعية الشرعية الى جمعية وهابية ، ثم تكوين جماعة الشبان المسلمين وجماعة أنصار السُنّة ، وأخيرا جماعة الاخوان المسلمين .  وتحالف الاخوان مع ( الضباط الأحرار ) فى انقلاب 1952 ، ثم تآمروا على ( عبد الناصر ) فعصف بهم ، فهرب معظمهم الى السعودية ، ثم تآمروا على السعودية فكان الانشقاق بينهم وبين السعودية ، مع إنتمائهم الى نفس الدين الوهابى .

3 ـ كانت مصر ـ رائدة كوكب المحمديين ـ تتأهّل للدولة العلمانية المدنية ، فجاء حكم العسكر وتأسيس الدولة السعودية ردّة حضارية كبرى . إذ من سوء الحظ ظهور البترول فيها وقيام أمريكا بضمان سلامتها ، فنشرت السعودية فى عهد الملك فيصل دين الوهابية فى العالم على أنه الاسلام . وانتشر الارهاب باسم الاسلام ، وبينما يحدث التحول الديمقراطى فى العالم فإن أمواجه تتكسّر وتنحسر على شواطى كوكب المحمديين . وصار الأمر صراعا بين المستبد والجماعات السلفية الوهابية الطامحة فى الحلول مكانه ، أو صراعا بين الشيعة والسنة ، وانتشر الخراب والحروب الأهلية فى كوكب المحمديين ، كل فريق يعتبر عدوّه هو ( الآخر ) الذى يتوجّب إستئصاله .

4 ـ لم يكفر زعماء ( الصحوة الوهابية ) بالاسلام فقط ، بل إمتد هجومهم على الأمم المتحدة ومواثيقها فى حقوق الانسان ، كم فعل المسعرى فى رسائله . والتفاصيل فى كتابنا عن المعارضة السعودية الوهابية فى القرن العشرين .

5 ـ وظهر أهل القرآن ردّ فعل إيجابيا يوضحون حقائق الاسلام القرآنية التى تم تغييبها منذ الفتوحات الكافرة الظالمة فى عهد الخلفاء الفاسقين . إرتبط توضيحنا لحقائق الاسلام بفضح ما يناقضه من تراث المحمديين وتاريخهم وشرائعهم وأديانهم الأرضية . وبسبب هذا هبٌوا يدافعون عن آلهتهم باضطهادنا ، يصُدُّون عن سبيل الله يبغونها عوجا .  فى النهاية هم يريدون الدنيا وجاهها وأموالها ، ونحن نرجو أن نكون ممّن يريد الآخرة ويعمل لها عملها وهو مؤمن .  

اجمالي القراءات 2393