حوار صحفي خيالي مع امازيغي يهودي مقيم بباريس ؟
مقدمة متواضعة
ان التاريخ ببلادنا يتذكر بكل اكبار و اجلال التعايش السلمي بين الامازيغيين المسلمين و الامازيغيين اليهود حيث ان الديانة اليهودية دخلت الى المغرب منذ قديم الزمان حسب قول اهل الاختصاص من المؤرخين و أصحاب علم الاثار الخ من هذه العلوم الإنسانية .
ان هذا التعايش السلمي هو نسبي مثل جميع الأشياء المحيطة بنا منذ بداية الإنسانية الى يوم القيامة كما نؤمن به كاتباع الرسالة المحمدية الخاتمة..
و في جهة سوس العالمة عموما و منطقة افران الاطلس الصغير خصوصا كان هذا التعايش السلمي يسود بين الامازيغيين المسلمين و الامازيغيين اليهود حيث كل واحد يحترم معتقد اخر و يعرف حدوده و حقوقه بفضل القوانين الوضعية الامازيغية او الأعراف المكتوبة على الالواح الخشبية و كان اليهود متميزين في مجال التجارة و الحرف التقليدية و المكر و الخداع كما يقول اجدادنا الكرام و الله اعلم.
و فعلا هجر الامازيغيين اليهود من ارضهم المغرب نحو إسرائيل ابتداء سنة 1948 في ظروف أيديولوجية تميزت بهجوم حزب الاستقلال ذو ما تسمى بالسلفية الوطنية اتجاه اليهود الخ من هذه المسائل التي خضعت تحت تأثير ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من الصراع العربي الإسرائيلي حيث ظل المغرب منذ سنة 1956 يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة و عاصمته القدس الشريف.
غير ان الحركة الامازيغية تعتقد ان السلطة في المغرب قد استعملت القضية الفلسطينية بغية تعريب الشعب المغربي و ربطه بالمشرق العربي منذ عقود من الزمان حيث كان هذا الامر واضح في وسائل الاعلام العمومية و في الجرائد الحزبية بدون ادنى شك و ساهم هذا الجو القومي في بدايات سبعينات القرن الماضي في خلق جبهة البوليساريو الانفصالية بدعم اصيل من الجزائر و ليبيا عقيد القدافي الذي لا يستحق مني ان أقول المرحوم او حتى الراحل باعتباره همش امازيغي ليبيا الى ابعد الحدود و الدرجات و كذا هويتهم الاصيلة طيلة 42 سنة ..
ان موقفي الشخصي من القضية الفلسطينية هو معروف حيث اعتبرها قضية إنسانية و إسلامية بحكم وجود مسجد الأقصى المبارك باعتباره مسرى الرسول الكريم حسب كتب الحديث حيث ان المؤمن لا ينبغي ان يجادل في هذه الأمور الايمانية التي لا تضر الحقوق و الحريات و بناء الدولة المدنية الخ حسب اعتقادي المتواضع ..
انني اعتبر ان مدينة القدس يجب ان تكون عاصمة دولية للديانات السماوية الثلاث أي اليهودية و المسيحية و الإسلام في المستقبل المنظور ...
الى صلب الحوار الخيالي
يشرفني ان استضيف في هذا الحوار الصحفي المتواضع امازيغي يهودي من منطقة الاطلس المتوسط حيث ولد في احدى قرى إقليم مكناس سنة 1960 من الوالدين ذوي الديانة اليهودية و اللذان تعرضا لحدث السير الأليم سنة 1962 و كبر هذا الطفل في حضن عائلة فرنسية معروفة في مدينة فاس..
السؤال 1 من تكون ؟
الجواب انا ادعى موشي إسحاق امازيغي يهودي من المغرب حيث أعيش الان في العاصمة الفرنسية باريس و اعمل ككاتب صحفي في احدى الجرائد الفرنسية منذ سنة 1985 .
لقد كبرت في عائلة فرنسية يهودية معروفة في مدينة فاس العتيقة و تعلمت في احدى المدارس الخاصة هناك اللغة العربية و اللغة الفرنسية الخ من المواد الرسمية باستثناء الكتاب المقدس بالنسبة للمسلمين و فتحت بصري على مدينة فاس بشوارعها و بناسها الكرام من المسلمين و من اليهود و من الفرنسيين كذلك حيث كان ابي الذي ربني تاجر كبير في تلك المدينة في كل شيء منذ عشرينات القرن الماضي .
و كانت امي ربة البيت و تعمل كطباخة في الاعراس و المناسبات العائلية و هكذا كبرت في وسط فرنسي مغربي حيث تعلمت الدراجة و شيء من الامازيغية الأطلسية..
لقد قمت بزيارة قرية الوالدين الحقيقيين نواحي إقليم مكناس عندما بلغت سن الرشد أي 18 سنة و المفاجئة كانت انني لم اجد أي احد من عائلتي باعتبارهم قد هجروا الى إسرائيل تاركين وراءهم أراضيهم و بيوتهم و ذكرياتهم مع الامازيغيين المسلمين و شعرت وقتها كانني وحيد في هذا العالم بلا جذور عائلية او هوية واضحة ثم قلت في نفسي من انا حقا؟
ثم في مساء ذلك اليوم جلست في مقهى القرية اشاهد الناس و القمر الخ حيث رايت رجل جالس بجانب اخر من المقهى يظهر عليه ملامح الوقار و الاحترام كانه فقيه و جلست مع هذا الرجل فوجدته فقيه مسجد القرية بالفعل و قدمت نفسي له و ففرح فرحا شديدا بلقائي ثم تحدث عن ذكرياته الطيبة مع اجدادي اليهود و مع ابي الحقيقي و قال لي اهتم بنفسك و بمستقبلك لانك مغربي بغض النظر عن ديانتك..
السؤال 2 هل فكرت في الهجرة نحو إسرائيل وقتها؟
الجواب لا ابدا لان ابي الفرنسي كان مصر إصرار على استكمال دراستي الجامعية في فرنسا و فعلا حقق حلمه حيث سافرت الى فرنسا صيف سنة 1978 لدراسة مادة الاذاب الفرنسية و هناك تعرفت على أصدقاء من امازيغي سوس و الريف و منطقة القبائل بالجزائر و إسرائيل أيضا......
السؤال 3 ماذا كانت النقاشات الدائرة في صفوفكم كطلبة آنذاك ؟
الجواب كانت نقاشات عادية بيننا حول احداث الساعة وقتها من قبيل المسيرة الخضراء و زيارة الرئيس الراحل انوار السادات الى إسرائيل و توقيع اتفاق السلام بين مصر و إسرائيل الخ ..
السؤال 4 هل تزور المغرب ؟
الجواب طبعا ازور بلد اجدادي المغرب في كل صيف لرؤية عائلتي الفرنسية في فاس و التجول في مناطق المغرب الخلابة من الشمال الى الجنوب و من الشرق الى الغرب .
او في المهام من تكليف الجريدة التي اعمل فيها بباريس الى حد الان و من بين هذه المهام مهمة كتابة موضوع مطول حول الثقافة الامازيغية في سنة 1994 بعد اعتقالات كلميمة الشهيرة و خطاب 20 غشت الملكي حول تدريس اللهجات الامازيغية .
لقد كنت وجدت الكثير من العراقيل امام انجاز هذه المهمة حيث اتصلت بالعديد من الجمعيات الامازيغية و رفضت بعضها الحديث معي باعتباري صحفي يعمل بجريدة بالديار الفرنسية و بعضها الاخر قبل الفكرة بعد نقاش طويل و اخذ و رد حتى اعتقدت انني سارجع الى فرنسا بفشل ذريع .
و في سنة 2003 ارسلتني الجريدة نفسها الى المغرب في مهمة كتابة موضوع مطول حول الإسلام المغربي بعد احداث 16 ماي الإرهابية حيث اتصلت بالعديد من الجهات الرسمية و رموز التيار الإسلامي بالمغرب و قبلوا الفكرة لاجل القول ان الإسلام المغربي هو نسخة من نسخ الإسلام الوهابي فقط لا اقل و لا اكثر..
و طبعا انني جاهل في مثل هذه المسائل و لهذا سافرت الى قرية اجدادي لعلي اجد الفقيه الذي تعرفت اليه منذ سنوات شبابي الاولى في المقهى .
لكن رجائي قد خاب ذلك ان هذا الفقيه قد مات منذ زمان طويل و سمعت من الناس ان ابنه قد اصبح فقيه و جلست في المقهى أياما لعلي اراه و فعلا تحقق
ذلك الرجاء حيث رايت الفقيه جالس في المقهى و اقتربت منه فشرحت له من أكون و غرضي من هذا اللقاء المفاجئ حيث كنت انتظر منه ان يتجاوب معي و ان يكون كلامه طيبا معي كما فعل والده منذ سنوات .
لكن العكس هو الذي حدث حيث رد الفقيه الجديد ردا فيه الغضب و عدم الاحترام او التقدير لشخصي حيث قال بالحرف الله يلعنك و يلعن اجدادك الكفار الذين هجروا الى إسرائيل قتلها الله تعالى و قال كذلك انك مبعوث من طرف فرنسا الملحدة لتفيد خططها بغية ضرب الإسلام و اخلاقه الرفيعة داخل مجتمعنا العربي المسلم منذ 14 قرن من تطبيق الشريعة الإسلامية و قد طردني من المقهى و صرخ باعلى صوته اخرج يا أيها الفاجر امام عيون الجماهير المحيطة بهذا المكان في منظر لا انساه طوال حياتي .
السؤال 5 هل كتبت موضوعك حول الإسلام المغربي بعد هذه الواقعة المهينة ؟
الجواب لقد رجعت الى فرنسا غاضبا جراء ما حدث لي مع فقيه اخر الزمان حيث لست معني بهذا الامر باعتباري لست مسلما بل انني امازيغي يهودي و لست حاقد على الإسلام بعد هذه الواقعة الصغيرة لانني اتوفر على أصدقاء مسلمين و متدينين حتى النخاع .
غير انهم لم يفعلوا معي مثل هذه الافاعيل على الاطلاق..
السؤال 6 هل قمت بزيارة لدول أخرى عموما و لإسرائيل خصوصا ؟
الجواب انني مثل طائر حر بمعنى انني لست مرتبط باية أيديولوجية سياسية او دينية مثل القومية العربية او الإسلام السياسي او حتى الصهيونية التي قتلت الأبرياء في فلسطين و في لبنان الخ من هذه الدول ...
و لهذا قد قمت بزيارة الى إسرائيل صيف 2005 للعمل و السياحة لكن الأهم من هذا او ذاك هو البحث عن عائلتي الاصلية حيث قد بحثت طويلا في مدن إسرائيل حتى اقتربت من فقدان الامل في وجود عائلي أصلا في هذا البلد .
لكن في نهاية المطاف قد وجدت جدتي في مدينة القدس و كانت عجوز قد بلغت اكثر من 100 سنة لكن ذاكرتها مازالت قوية للغاية باعتبارها لازالت تتذكر يوم زواجها مع جدي و يوم انجابها للوالد و أسماء صديقاتها المسلمات الخ من ذكرياتها التي تحمل في طياتها معاني التعايش و التضامن السائدان في مجتمعها بين الامازيغيين المسلمين و اجدادي اليهود خصوصا ابان الحماية لان الاستعمار الفرنسي كان لا يفرق بين المسلمين و اليهود في القتل او في هتك العرض الخ.
لقد ظلت جدتي تحكي لي طيلة ساعات طوال ذكرياتها في المغرب على ايقاعات رقصة احيدوس مسجلة على شريط فيديو قديم حيث كان بيت جدتي عبارة عن معرض للاشياء من التراث المغربي من قبيل الملابس و الحلي و اشرطة الكاست و الفيديو للفنون المغربية ..
السؤال 7 ما هو تقييمك باعتبارك صحفي للعلاقات الدبلوماسية بين المغرب و إسرائيل ؟
الجواب ان المغرب بلد اصيل في التعايش و التسامح الدينان حيث ان الملك الحسن الثاني قد ادرك هذا المعطى جيدا لكن بطريقته الخاصة باعتباره قد استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي استقبال رسمي سنة 1985 بغض النظر عن نيته و عن سجله الأسود في مجال حقوق الانسان الخ.
اما اليوم فان المغرب يحارب من اجل عدالة قضيته الوطنية الأولى الا و هي قضية الصحراء المغربية عبر مخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل النهائي لهذا النزاع الذي دام لعقود من الزمن و لهذا كله عملت الدبلوماسية الملكية على التنويع في الشركاء الدوليين من قبيل الولايات المتحدة الامريكية التي اعترفت بالسيادة المغربية على صحراءه و كذا إسرائيل مؤخرا .
و كما إسرائيل تحتضن جالية يهودية ذات أصول مغربية مازالت تتكلم الامازيغية و الدارجة و مازالت تزور ارض اجدادها ..
السؤال 8 ما هو مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين المغرب و فرنسا ؟
الجواب لا ادري حيث من المؤسف وصول هذه العلاقات التاريخية و السياسية بين المغرب و فرنسا الى هذا المستوى الخطير من التوتر لان فرنسا بصريح العبارة لا تريد ان تعترف بالسيادة المغربية على صحراءه و هنا في فرنسا يستعمل الاعلام الفرنسي مصطلح الصحراء الغربية حيث قلت رايي هنا بكل حرية.
و اما هناك فانك ستطرد من العمل لمجرد قول ان الصحراء هي مغربية في اعلامهم الموصوف بحرية التعبير و الراي.
السؤال 9 ماهية رسالتك للشعب المغربي بمناسبة عيد العرش المجيد ؟
الجواب انني ابارك هذا العيد الوطني المجيد لملكنا الهمام محمد السادس الذي يريد الخير و النماء للشعب المغربي باختلاف ثقافاته و مرجعياته الدينية و نتمنى لهذه الامة الاصيلة .....
السؤال الأخير كلمتك الأخيرة شكرا
توقيع المهدي مالك