قطع العلاقات الزوجية باللعان

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٦ - يوليو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


 قطع العلاقات الزوجية باللعان

مقدمة :

1 ـ ليس بالطلاق وحده تنقطع العلاقة الزوجية . قد يتهم الزوج زوجته بالزنا ولا يستطيع الاثبات بالشهود فيقيم (اللعان) وتنقطع علاقته الزوجية بها ، قد تريد الزوجة التخلص من حياتها الزوجية فتدفع مقابلاً للمهر الذي دفعه الزوج ، ويُسمى هذا (بالخلع) وقرآنيا ب (الإفتداء) وهناك (الظهار )، وقد تكون هناك أسباب أخرى(لفسخ)الزواج .

ونبدا ب ( اللعان )

إسلاميا من وجهة نظر قرآنية

 1 ـ ربما يضبط الزوج زوجته في حالة تلبس بالزنا ،  وربما يجدها حاملا دون أن يقربها ، وربما يتأكد من زناها بأي طريقة ، وربما يتهمها ظلما . وقد تنكر الزوجة اتهامه ، ولا يستطيع هو الاثبات فيرفع اتهامه للسُلطات وتبدأ إجراءات الملاعنة .

2 ـ قال الله سبحانه وتعالى :  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ  وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ  وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ  وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) النور 6 : 9 ..)، أي ان الزوج امام السلطات والحاضرين يشهد أربع شهادات بالله بأن زوجته وقعت في الزنا ، ثم يؤكدها بشهادة خامسة يستجلب فيها لعنة الله عليه ان كان كاذبا في اتهامها بالزنا ، وحينئذ يجب عليها عقوبة الزنا ، وهي الجلد مائة جلدة ، ويلاحظ أنه لو اتهمها بدون أن يسير في إجراءات الملاعنة كان عليه أن يُعاقب عقوبة القذف ثمانين جلدة . وتستطيع ان نرفع عنها عقوبة الزنا إذا قامت بنفي صفة الزنا عنها بأن تشهد امام الجمع أربع شهادات بالله انه كاذب في اتهامه لها ، وتؤكدها بشهادة خامسة تستخلص فيها غضب الله عليها ان كان من الصادقين في اتهامه لها . وعندئذ يجب التفريق بينهما . ونلاحظ نفس المنهج القرآني في تفويض الأمر لله سبحانه وتعالى في لعن الظالم منهما .

3 ـ التشريع الاسلامى بسيط وواضح فى قرآن أنزله الله جل وعلا ميسرا للذكر. ولكن جاء التعقيد والكذب فى التشريع السنّنّى .

فى الدين السُنّى

1 ـ بدأ مالك في تدوين موضوع اللعان في الموطأ برواية حديث يقول أن رجلاً لاعن امرأته في زمان النبي فانتفى من ولدها ، ففرّق النبي بينهما والحق الولد بنسب المرأة.

2 ـ ووافق محمد الشيباني تلميذ أبى حنيفة على هذه الرواية وقرر أن مذهب أبي حنيفة أنه إذا نفى الرجل ولد امراته بالملاعنة ثم التفريق بينهما ، ولحق الولد بأمه .

3 ـ وجاء الشافعي في "الأم" بروايات جديدة متعددة في حدوث اللعان في زمن النبي محمد عليه السلام ، ومنها رواية تجيز للزوج الملاعن ان يسترد المهر ، وأفتى أنه ليس على الزواج أن يقيم اللعان حتى تطلب المرأة المقذوفة حقها ، وجاء الشافعي بتفريعات فقهية حول أحوال الزوج الى يتهم زوجته ، واحوال الزوجة المتهمة من حيث البلوغ والعقل والحرية وضد ذلك ، وكون القذف وهي في عصمته الزوجية او في عصمته إذا كانت مطلقة في العدة ، او كانت مطلقة بعد العدة وفراقها عنه ، وفي الحالة الأخيرة لا يوجد لعان ، وإنما قذف يستحق عليه العقوبة إن لم يأت بأربعة شهود،  وتفصيلات أخرى في مكان اللعان وآلية اللعان وأيهما يبدأ باللعان ، إلا ان اهم ما أفتى به الشافعي ، وتابعه فيه من جاء بعده ، هو انه لم يكتف بالتفريق بينهما ، بل قال بالتحريم الأبدي بين الزوجين المتلاعنين بعد الفُرقة ، واستدل بذلك على نفي الولد إذا كان اللعان خاصاً بهذه الحالة ، مع انه ليس كل لعان يستوجب نفي الولد ، بل إن الشافعي أفتى ان الزوج الملاعن ان عاد وكذّب نفسه لم يسقط تحريم زوجته عليه . وذلك نوع آخر من أنواع العضل ، لا نجد له تأييداً في تشريع القرآن الكريم، وان جرى عليه التشريع السُّنّى بعد الشافعي . والطريف انهم جاءوا بحديث يؤيد فتوى الشافعي يقول " المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً" إلا ان الشافعي لم يذكر ذلك الحديث ، ولو كان لديه علم به لأراح نفسه من كثرة الاستنتاجات ، هذا مع ان صياغة حديث " المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً "  لا تقتصر على تحريم الزواج بينهما فقط ، بل تحرم اجتماعهما في أي زمان وأي مكان ، وتحريم بهذه الصيغة المطلقة شطط واضح في الدين السنى .‏

4 ـ وتعقدت الخلافات فى القرون التالية ، وذكرها القرطبى فى تعليقه على آيات اللعان ، منها إختلافات فى إعراب بعض الكلمات القرآنية فى الآيات يرقى الى درجة الطّعن فى النصوص القرآنية ، وإختلافات فى أسباب النزول ، وإختلافات فى النقل عن مالك ، غير مذكورة فى ( الموطّأ ) وأقوال منسوبة كذبا لأبى حنيفة ، وهو الذى لم يؤلف كتابا . القرطبى يقول فى البداية : ( فيه ثلاثون مسألة ) .! وإشفاقا على القارىء نكتفى ببعض أمثلة ،  يقول :

4 / 1 :  الثالثة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} عام في كل رمى، سواء قال: زنيت أو يا زانية أو رأيتها تزني، أو هذا الولد ليس منى، فإن الآية مشتملة عليه. ويجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء، وهذا قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أهل الحديث. وقد روى عن مالك مثل ذلك. وكان مالك يقول: لا يلاعن إلا أن يقول: رأيتك تزني، أو ينفى حملا أو ولدا منها. وقول أبى الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك: إن الملاعنة لا تجب بالقذف وإنما تجب بالرؤية أو نفى الحمل مع دعوى الاستبراء، هذا هو المشهور عند مالك، وقاله ابن القاسم. والصحيح الأول لعموم قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ}. قال ابن العربي: وظاهر القرآن يكفى لإيجاب اللعان بمجرد القذف من غير رؤية، فلتعولوا عليه، لا سيما وفي الحديث الصحيح: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فاذهب فأت بها» ولم يكلفه ذكر الرؤية. وأجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته. ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى، قاله أبو عمر وقد ذكر ابن القصار عن مالك أن لعان الأعمى لا يصح إلا أن يقول: لمست فرجه في فرجها...  

الرابعة: إذا نفى الحمل فإنه يلتعن، لأنه أقوى من الرؤية ولا بد من ذكر عدم الوطي والاستبراء بعده. واختلف علماؤنا في الاستبراء، فقال المغيرة ومالك في أحد قوليهما:يجزى في ذلك حيضة.وقال مالك أيضا: لا ينفيه إلا بثلاث حيض. والصحيح الأول، لان براءة الرحم من الشغل يقع بها كما في استبراء الامة، وإنما راعينا الثلاث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى. وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء، لان الحيض يأتي على الحمل. وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة. وقال: لا ينفى الولد إلا بخمس سنين لأنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم.
الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين. وبه قال الشافعي. ولا لعان بين الرجل وأمته، ولا بينه وبين أم ولده.وقيل: لا ينتفي ولد الامة عنه إلا بيمين واحدة، بخلاف اللعان. وقد قيل: إنه إذا نفى ولد أم الولد لاعن. والأول تحصيل مذهب مالك، وهو الصواب.وقال أبو حنيفة: لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين، وذلك لان اللعان عنده شهادة، وعندنا وعند الشافعي يمين، فكل من صحت يمينه صح قذفه ولعانه. واتفقوا على أنه لا بد أن يكونا مكلفين.

السادسة: واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس، فقال مالك والشافعي: يلاعن، لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه، إذا فهم ذلك عنه.
وقال أبو حنيفة: لا يلاعن، لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحد عليه.   

الثامنة: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت، فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن.وقال عثمان البتي: لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة.وقال أبو حنيفة: لا يلاعن في الوجهين، لأنها ليست بزوجة. وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفا، بل هذا أولى، لان النكاح قد تقدم وهو يريد الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فلا بد من اللعان. وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به وكان قذفا مطلقا داخلا تحت عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} الآية، فوجب عليه الحد وبطل ما قاله البتي لظهور فساده.
التاسعة: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة، وهى أن يكون الرجل غائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبه وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها، ثم يقدم فينفيه فله أن يلاعنها ها هنا بعد العدة. وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهى ميتة بعد مدة من العدة، ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.

الحادية عشرة: إذا قذف بالوطي في الدبر لزوجه لاعن.وقال أبو حنيفة: لا يلاعن، وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد.  

الثالثة عشرة: إذا قذف زوجته ثم زنت قبل التعانه فلا حد ولا لعان. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم.وقال الثوري والمزني: لا يسقط الحد عن القاذف، وزني المقذوف بعد أن قذف لا يقدح في حصانته المتقدمة ولا يرفعها،  

الرابعة عشرة: من قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا، هو لدفع الحد، وهى لدرء العذاب. فإن كانت صغيرة لا تحمل لا عن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شي.وقال ابن الماجشون: لا حد على قاذف من لم تبلغ. قال اللخمي: فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل.
الخامسة عشرة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلاعن وتحد الشهود الثلاثة، وهو أحد قولي الشافعي. والقول الثاني أنهم لا يحدون.وقال أبو حنيفة: إذا شهد الزوج والثلاثة ابتداء قبلت شهادتهم وحدت المرأة. ودليلنا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} الآية. فأخبر أن من قذف محصنا ولم يأت بأربعة شهداء حد، فظاهره يقتضى أن يأتي بأربعة شهداء سوى الرامي، والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود .
اجمالي القراءات 2511