نقد جزء في تحقيق ضعف الأحاديث الواردة فى الوضوء من ألبان الإبل
رضا البطاوى البطاوى
في
الإثنين ٢٦ - يونيو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
نقد جزء في تحقيق ضعف الأحاديث الواردة فى الوضوء من ألبان الإبل
المؤلف بدر بن علي الطامي وهو يدور حول حكم حديث الوضوء من لبن الإبل وقد بين في مقدمته اختلاف القوم في حكم تلك المسألة فقال:
"فهذا جزء لطيف جمعت فيه الأحاديث الواردة الينا المتضمنة الأمر بالوضوء من البان الإبل ـ على قدر ما يسره الله لي ـ والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم ، وفي الوضوء من البان الإبل احاديث ، فإن صحت فالمعول عليها والمصير اليها ، وإلا فالنظر الى دليل من قال بعدم الوضوء ، زيادة على ما عندهم من اصل وهو ( عدم الحظر وأن ما سكت عنه الشارع يعد عفوا ) "
وقد أورد الطامى الأحاديث التى قيلت في المسألة قدر المستطاع فقال :
"روي في الأمر بالوضوء من البان الإبل احاديث وقفت على ما يلي منها :
الحديث الأول :
حديث عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ، قال ابن ماجة في السنن(1/166) حدثنا محمد بن يحي ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا بقية عن خالد بن يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري عن عطاء بن السائب قال : سمعت محارب بن دثار يقول سمعت عبدالله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : توضوا من لحوم الإبل ولا توضوا من لحوم الغنم ، وتوضوا من البان الإبل ولا توضوا من البان الغنم ، وصلوا في مراح الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل .
قال في الزوائد : في إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة ، ورجاله ثقات ؛ خالد ابن عمر مجهول الحال !! ، انتهى .
قال مقيده عفا الله عنه : إسناده ضعيف مسلسل بالعلل ، لما تقدم من حال بقية ـ لكنه لم ينفرد به كما سيأتي ـ ولجهالة خالد ، وبقية شديد الضعف إذا روى عن المجاهيل ، وعطاء بن السائب اختلط بآخره ولم يحمدوا من أحاديثه إلا ما كان من رواية الآكابر عنه كسفيان وشعبة
وهناك من تابع بقية في هذا الحديث فرواه أحمد بن عبدة عن يحي بن كثير أبي النضر عن عطاء ابن السائب به ، وروي موقوفا ، وقد استوفى الكلام عليه ابن ابي حاتم في العلل (1/28) فقال : سألت أبي عن حديث رواه أحمد بن عبدة عن يحي بن كثير ـ قال أبي هو والد كثير بن يحي بن كثير وكنيته أبي النضر وليس بالعنبري ـ عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( توضوا من لحوم الإبل ...) ، سمعت أبي يقول : كنت أنكر هذا الحديث لتفرده فوجدت له أصلا : حديث ابن المصفا عن بقية قال حدثني فلان سماه عن عطاء بن السائب عن محارب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، قال : وحدثني عبيدالله بن سعد الزهري قال حدثني عمي يعقوب عن أبيه عن ابن اسحاق حدثني عطاء بن السائب الثقفي أنه سمع محارب بن دثار يذكر عن ابن عمر بنحو هذا ولم يرفعه ، قال أبي : وحديث ابن اسحاق أشبه موقوف ، انتهى كلامه .
قال مقيده عفا الله عنه : وكما قال الموقوف أشبه ، ومع ذلك مداره على عطاء بن السائب وقد اختلط ولم يقبلوا من حديثه إلا ما كان من رواية الأكابر .
ثم وقفت على طريق ثالثة عن عطاء بن السائب عند حمزة السهمي في تاريخ جرجان ـ بتحقيق العلامة المعلمي ـ ( صحيفة : 477 ) فقال : أخبرنا محمد بن أحمد بن القاسم العبدي حدثنا أحمد بن العباس حدثنا إسماعيل بن يحي أخبرنا السباك عن نضير بن كثير الكشي حدثنا بقية بن الوليد حدثنا عتبة أو عقبة بن قيس الهاشمي حدثني عطاء بن السائب قال : سمعت محارب بن دثار يقول سمعت عبدالله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
والإسناد ضعيف لما تقدم وفيه من لم أعرفه وطبعة التاريخ هذه كثيرة الخطأ فيخشى من وقوع تصحيف فيه ، والله أعلم .
) تنبيه ) : وقع في سنن ابن ماجة : ( عبدالله بن عمرو ( والصواب ( عبدالله بن عمر ..) ابن الخطاب ـ رضي الله عنهم ـ ومحارب ممن يروي عنه .
) تنبيه آخر ) : عزا شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الحديث الى أحمد !! ، ولم أجده في مسند عبدالله بن عمر من مسند الامام أحمد ، والله أعلم ."
الحديث ألأول لم يثبت عند الرجل فأسانيده فيه الكثير من المجروحين
ثم تحدث عن الحديث الثانى فقال :
"الحديث الثاني :
حديث أسيد بن الحضير ـ رضي الله عنه ـ ، قال الامام أحمد في مسنده ( 4/352 ، 391 حدثنا محمد بن مقاتل أنا عباد بن العوام ثنا الحجاج عن عبد الله مولى بني هاشم ـ قال وكان ثقة ، قال وكان الحكم يأخذ عنه ـ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد ابن حضير عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن البان الإبل ؟ فقال) : توضوا من البانها وسئل عن البان الغنم ؟ فقال : لا توضوا من البانها (.
ورواه ابن ماجة في السنن ( 1/166) وابن ابي حاتم في العلل ( 1/25) من حديث عباد بنحوه
قال في الزوائد : إسناده ضعيف ، لضعف حجاج بن أرطأة وتدليسه ، وقد خالفه غيره والمحفوظ عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء . انتهى .
قال مقيده عفا الله عنه : والامر كما قال ، وقد أختلف عليه في متنه أيضا !! ، فرواه حماد بن سلمة عند أحمد (4/352) وعمران القطان عند الطبراني في ) الأوسط ) (4/247) بلفظ) : توضوا من لحوم الإبل ولا توضوا من لحوم الغنم ، وصلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في مبارك الإبل ( هذا لفظ أحمد ونحوه عند الطبراني ، ولم يذكرا فيه الوضوء من شرب اللبن .
وكذا اضطرب في إسناده من جهتين :
الأولى : أنه قال في رواية حماد بن سلمة عنه عند أحمد ) عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أسيد ) ومرة يقول ( عن عبدالله بن عبيدالله مولى بني هاشم قاضي الري ) والصواب الثاني ، وجعل الترمذي الخطاء فيه من حماد !! .
الثانية : أن الحديث رواه الأعمش عن عبدالله بن عبيدالله قاضي الري الرازي مولى بني هاشم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب به ، عند أحمد وابو داود والترمذي وغيرهم وهو المعروف ، وبذلك يكون الحجاج بن أرطأة قد خالف المخرج الصحيح للحديث ، وسأل ابن ابي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال : الصحيح ما رواه الأعمش.... ، العلل ( 1/ 25 (
فحديث أسيد هذا لا يصح لأن مداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف وقد خولف فيه والله أعلم .
وروى عبيدة الضبي هذا الحديث عن عبدالله بن عبيدالله عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنحوه ، ولم يذكر خبر الألبان ، رواه الإمام أحمد في المسند (67/4)
(112/5)، قال الترمذي في العلل ( صحيفة : 47) : ذو الغرة لا يدرى من هو وحديث الأعمش أصح "
الحديث الثانى كما قال الرجل أسانيده غير معتبرة عند أهل الحديث ومن ثم غير مقبول وأما الحديث الثالث فهو :
"الحديث الثالث :
حديث طلحة بن عبيدالله ، قال أبو يعلى في المسند (2/7) رقم (632) حدثنا ابراهيم بن محمد بن عرعرة حدثنا معتمر بن سليمان عن ليث عن مولى لموسى ابن طلحة أو عن ابن لموسى بن طلحة عن أبيه عن جده قال) : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتوضأ من ألبان الإبل ولحومها ، ولا يصلي في أعطانها ، ولا يتوضأ من لحوم الغنم والبانها ، ويصلي في مرابضها ( .
قال الهيثمي في المجمع (1/250) : رواه أبو يعلى وفيه رجل لم يسم .
قال مقيده عفا الله عنه : وعزاه في المطالب العالية الى الحميدي وإسحاق في مسانيدهم ومداره على الليث بن أبي سليم وهو ضعيف ، قال البوصيري في الزوائد : ومدار أسانيدهم على ليث ابن أبي سليم والجمهور على تضعيفه ."
وبناء على حديث الرجل فالحديث ضعيف به المجهول والضعيف ومن ثم فهو غير صحيح وتحدث عن الحديث الرابع فقال :
"الحديث الرابع :
حديث سمرة السوائي ـ رضي الله عنه ـ ، قال الطبراني في المعجم الكبير (7/270) : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ثنا سليمان بن داود الشاذكوني ثنا إسماعيل بن عبدالله بن موهب عن عثمان بن عبدالله بن موهب عن جابر بن سمرة عن ابن سمرة السوائي قال : )سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت : إنا أهل بادية وماشية فهل نتوضأ من لحوم الإبل وألبانها ؟ ، قال : نعم ، فقلت : فهل نتوضأ من لحوم الغنم وألبانها ؟ قال : لا .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/250) : رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إن شاء الله .
وتعقبه [ شيخنا ] حمدي السلفي في تحقيق المعجم وقال : قلت سليمان بن داود الشاذكوني متروك فكيف يكون إسناده حسنا !! .
قال مقيده: والأمر عندي ما قال [ شيخنا ] حمدي ، فسليمان كذبه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بشي متروك الحديث ، وقال النسائي ليس بثقة وقال البخاري فيه نظر ، وانظر مزيدا من الكلام عليه في لسان الميزان (3/84( .
وفيه علة أخرى ، وهي حال إسماعيل بن عبدالله بن موهب فلم أجد من ترجم له ـ إن كان هذا هو رسم اسمه الصحيح ـ ومع ذلك فقد خالفه غيره من الأئمة المشهورين بالإتقان ، فقد رواه الامام مسلم في صحيحة (4/48 ـ نووي ) عن أبي عوانة عن عثمان بن عبدالله بن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ ، فال : إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ ، قال : أاتوضأ من لحوم الإبل ؟ ، قال : نعم توضأ من لحوم الإبل ..... الحديث ، ولم يذكر الألبان ، وهذا اللفظ هو الصحيح المتقن واسناده الصحيح ، اما طريق إسماعيل السابقة فساقطة ، والله أعلم ."
وكما قال الطامى الحديث فيه المتروكين والمجهولين في الأسانيد ومن ثم فهو غير صحيح
وتحدث عن الحديث الخامس فقال :
"الحديث الخامس :
عن البراء بن عازب أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال) : توضأ من لحوم الإبل وألبانها ( رواه الشالنجي بإسناد جيد قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة ( 1/335( .
قال مقيده: ويحتاج إلى النظر في إسناده ، وقد تقدم أن الأعمش رواه عن عبدالله ابن عبيد الله عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء به وليس فيه ذكر الألبان ، أخرجه أحمد وأهل السنن ـ عدا النسائي وابن ماجة ـ وغيرهم ، وهي أصح الطرق عن البراء على الإطلاق كما قال أبو حاتم وابو عيسى الترمذي وابن خزيمة وغيرهم ، وقال الإمام أحمد وإسحاق : صح في هذا الباب حديثان عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث البراء بن عازب ، وحديث جابر بن سمرة ، نقله البيهقي في السنن (1/159) وهذا طعن منهما فيما سواهما ، والله أعلم ."
واستنتج الرجل من دراسته لأسانيد الأحاديث الخمسة عدم صحة أيا منها فقال :
"قال مقيده: فتبين مما تقدم أنه لا يصح في الأمر بالوضوء من ألبان الإبل شيء "
وأورد أدلة القائلين بعدم صحة الأحاديث في ألبان الإبل فقال :
"وعندما نظر في أدلة من قال بعدم الوضوء وجدناهم قد استدلوا بأدلة أقواها حديث ابن عباس عند ابن ماجة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال) : تمضمضوا من اللبن فإن له دسما ( ، وأصله في الصحيحين ، وقالوا : هذا يفيد الاكتفاء بالمضمضة في كل لبن ، وأن الأمر بها على الاستحباب ، ولو تعلق بها حكم آخر لذكر ، ويشهد لذلك ما نقله البيهقي في السنن الكبرى (1/159) عن جابر بن سمرة يقول : كنا نمضمض من ألبان الإبل ولا نمضمض من ألبان الغنم وكنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم ( ، وفي إسناده راو لم يسم .
واستدلوا أيضا بحديث العرنيين عندما أمرهم أن يشربوا من ألبان الإبل وابوالها ، رواه الجماعة وقالوا : لو كان ناقضا للوضوء لنبههم على ذلك مع كونهم حديثي عهد بجاهلية ، وبهذا استدل شيخنا عبدالعزيز بن باز ـ حفظه الله ـ على ترك الوضوء عندما سألته عن الوضوء من البان الإبل ، واستدلوا أيضا بفتيا بعض الصحابة ، كابن عباس وغيره ، واستدلوا أيضا بالأصل وهو عدم الحظر ، لأن كون أكل لحوم الإبل ناقضا وأكل لحوم الغنم غير ناقض ، والصلاة في معاطن الإبل لا تجوز وفي مرابض الغنم تجوز هذا أمر تعبدي ، وغلط من قال أن العلة النجاسة وإلا فما جاز أكل لحومها ولا شرب ألبانها وأبوالها والركوب عليها ودخولها المسجد والطواف بها على البيت ، ومن قاس اللبن على اللحم فهو قياس في غير محله ، وما أجمل جواب أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عندما سئل عن الوضوء من اللبن ؟ ، فقال : شرابا سائغا للشاربين ، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/61) ، والناظر إلى أدلة الفريقين يترجح له عدم الوضوء من ألبانها ، ولا شك أن باب الإحتياط مفتوح في مثل هذه المسائل فإن احتاط وتوضأ فحسن وإلا فالوضوء عليه ليس بواجب "
والحق أن كتاب الله مغنى عن كل ذلك فلو كان هناك أكل أو شرب يفسد الوضوء لقاله تعالى في أسباب الوضوء في قوله تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه"
ولو كان اللبن نجس أو اللحم ما أحله الله في الطعام والحق :
أن من يأكل لحوم الإبل والغنم سيرى أن لحم الغنم يحمل كثيرا من الدهون التى تجعل غسل اليد أو مسحها منها واجب وأما لحوم الإبل فقليلة الدهن وإن كان للحوم كل الأنعام دهنية تستوجب غسل الأيدى والأفواه بعد الأكل لأن بقاءها فيه توسيخ للملابس والأثاث وأحيانا تجلب الحشرات للنائم دون غسل منها