عاصمة الموتى وقاطني الظلام
شادي طلعت
في
الثلاثاء ٠٦ - يونيو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
إن الإنسانية هي بعض من المعاني السامية التي تمييز الإنسان عن سائر الكائنات البرية والبحرية.
بيد أن جزء كبير من المصريين قد تخلى عن آدميته، واستخف بكافة القييم، منذ أن قَبِل السُكنى في المقابر.
فسقطوا وسقطت معهم آدميتهم، ومنذ ذلك الحين رضوا بالفقر كأنه إجتباء من الخالق، فحرموا على أنفسهم ما لذ وطاب.
وبات الجهل عندهم بركة وطيبة في أهله، وأصبح التخلف في أعرافهم رضاء بما كُتب عليهم من قبل أن يولدوا، منتظرين مكافأة الخالق لهم على صبرهم في الدنيا بعد مماتهم، والحقيقة أن القضاء والقدر منهم بريء.
خرافات، وتمسك بماضي بغيض .. توارثوه عن أسلافهم، فآثروا البقاء في الظلام على الخروج إلى النور، لذلك سيظل هؤلاء على حالهم ولن يتغيروا. لأنهم لن يدركوا أبداً، أن من خلق الأرزاق لا يمنحها إلا لمن يسعى.
ها هم هؤلاء يتحدثون عن جمال القاهرة، من دون أن يرون كم المقابر التي تعج بها أحيائهم الفقيرة والغنية معاً.
ظاهرة غريبة لا توجد إلا في عاصمة الموتى (القاهرة).
ملايين تسكن المقابر التي أغلبها إن لم يكن جميعها : تعج بالقاذورات من القمامة المتعددة الأنواع، وتفوح فيها الروائح الكريهة للبول والبراز الحيواني و الآدمي، مشهد قميئ للمقابر، لا يوجد إلا في مصر.
ومع ذلك تجد بشر يعيشون فيها كالموتى بلا شعور أو إحساس، بل ويستلذون حياة الظلام !، فلا تزكم أنوفهم من الروائح الكريهة، ولا تأنف أعينهم رؤية القمامة، أو البراز المنتشر، أو رؤية أسوار المدينة التي إعتادوا التبول عليها.
بل تجدهم يعيشون بلا إشمئزاز، ويأكلون ويشربون من دون أن يعرف التقزز لهم طريق.
أما عن الموبقات فإنها لا تنمو وتتكاثر إلا في الظلام.
وما من دولة في العالم يسكن أهلها مع الموتى، إلا في مصر، والتي يمييز أهلها في (المقابر) فجعلوها فئات : منها العليا، ومنها السفلى.
ولكن بالنظر الدقيق : سنجد كل فئات المقابر تلك، لا تخلو من القاذورات أو الروائح الكريهة.
إن مجرد السُكنى في المقابر، عمل ينافي المعاني الإنسانية جمعاء، بل ويحطمها.
واليوم نجد كل سكان القاهرة باتوا محسوبين مع قاطني المقابر، فيستوي في ذلك الغني مع الفقير، فحتى الأحياء السكنية الراقية، باتت تحيط بها المقابر من كل مكان.
فأي عبث هذا في التخطيط العمراني المتخلف، الذي أحاط مناطق عديدة في القاهرة، مثل مدينة (القاهرة الجديدة) أو (مدينة نصر) بالعديد من المقابر هنا وهناك، هل هو الغباء، أم أنها الجينات المتوارثة من الأسلاف، الذين لم يتركوا شيئاً للإنسانية إلا مقابرهم التي ملؤها بالذهب والتحف الفنية.
إن الشعوب إن أرادت أن تراعي حرمات الموتى، لا تسمح أبداً بالسُكنى فيها، ولا تلوثها بالقمامة أو التغوط أو التبول فيها.
والملفت : أن تجد في مصر من يدعي الشعور بالأجواء الروحانية أثناء الجلوس في بعض الأماكن المحاطة بالمقابر، أو المجاورة لها.
أفلا يجدون تلك الروحانيات إلا مع الأموات، أم أنها مجرد إدعاءات لا تمت للواقع بصلة.
أفلا يفكرون في الحياة ولو قليلا.
في النهاية :
نعم لإزالة كل مقابر القاهرة ونقلها إلى قلب الصحراء البعيدة، وهنا اتذكر قول أبي العلاء المعري :
"صَــاحِ هَــذِهْ قُــبُــورُنَــا تَــمْـلَأُ الـرُّحْــبَ فَــأَيْـنَ الْـقُـبُـورُ مِـنْ عَـهْـدِ عَـادِ".
وبالنظر قليلاً نجد أن مقابر الأنبياء قد إختفت، إلا محمد (ص)، ولا تعرف كذلك مقابر الصالحين المصلحين، فماذا عن قبور موتى ما عاشوا إلا لأنفسم في الظلام.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت
#شادي_طلعت
#القاهرة