ابحث عن أمريكا

في الخميس ٠٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

«وجدتها.. وجدتها» يبدو أن الخبير اللوذعى عثر فى دواليب نظام مبارك على الحل السحرى لخروج المجلس العسكرى من النفق الذى أدخل نفسه إليه وفقد بسببه شعبية كانت يمكن أن تدخله التاريخ باعتباره أول مجلس عسكرى فى العالم يعبر ببلاده إلى الديمقراطية.

الخبير وجد الحل الذى عاش به مبارك سنوات طويلة، وهو تقديم نفسه باعتباره مدافعا عن السيادة الوطنية فى مواجهة الجبروت الأمريكى.. «الله أكبر».

ضد الجبروت الأمريكى..؟!

نعم كان مبارك يقف شامخا هو ونظامه وجيش دفاعه الصحفى يعلن أنهم ضد التدخل الأمريكى فى الشؤون الداخلية. يحدث هذا فقط عندما ترسل أمريكا ملاحظة حول الديمقراطية أو تطبق قوانينها فى دعم منظمات المجتمع المدنى لا دول الاستبداد فقط. يحدث هذا عندما يتعلق الأمر بالحريات السياسية.. هنا تكون السيادة هى الرد القوى الذى يحصل به مبارك على السحر المطلوب فيكون وطنيا بينما معارضوه عملاء وخونة.

هذا بالضبط ما وجده الخبير للمجلس العسكرى. ابحث عن أمريكا، وقل إن ما يحدث فى الشوارع الآن مخطط أمريكى، وإن من يعارضون المجلس وكهنته وبغبغاناته هم عملاء أمريكيون يخططون لتخريب مصر وتقسيمها إلى ٥ دويلات (أيام مبارك كانت ٣ فقط.. وبعده ظهر مخطط بـ٤ دويلات!).

هذا الحل السحرى يجد طبعا من يردده فى الإعلام، وفى البرلمان.. هم رُسل المجلس العسكرى لإعادة تجميل صورته التى أفسدتها الجرائم من مسرح البالون إلى محيط وزارة الداخلية. إنها الخطة التى يرددها البغبغانات كأنها رسالة محفوظة ولا تُقال أبدا وحدها لكنها فى إطار الرد على طلبات محاسبة المسؤولين عن المذابح.

نائب مضحك بعروقه النافرة عاد إلى خطاب الثمانينيات، وردّد شعارات من نوع «ماما أمريكا» ليقول إن كل الشرور صناعة أمريكية.. بما فيها استمرار الثورة على المجلس العسكرى. هذا هو المخطط.. يطالب الثوار بمحاسبة المجلس العسكرى، فتخرج جوقة البغبغانات تردد: المجلس يواجه أمريكا، ومن يعارض المجلس فإنه ينفذ مخطط أمريكا.

وما مخطط أمريكا؟

هل أمريكا مع الثورات العربية التى تبنى دولًا قوية على حدود إسرائيل..؟ هل الأفضل لمخطط أمريكا التى تعادى مصر كما تردد الجوقة أن تبنى مصر قوتها بالديمقراطية وإرادة المجتمع الحرة فى اتخاذ مواقف بعيدا عن الدوران فى فلك واشنطن كما فعل مبارك ونظامه بمن فيهم المجلس العسكرى؟

ما مخطط أمريكا؟ أن لا تفعل مصر شيئا.. أن يُترك لنظام استبدادى العنان فى الحكم بشرط التحكم فى المعارضة.. وبشرط أن يضمن «حياد» مصر فى تفاعلات المنطقة.

هذا ما نفّذه مبارك وسينفّذه المجلس العسكرى، وأى نظام لا يقوم على شرعية حرة، وإنما على توكيل من الحليف الأكبر.

الديكتاتوريات العربية حاصلة على توكيل من واشنطن بالإدارة، والخلاف يبدأ عندما يرى صاحب التوكيل أن الاستبداد المفرط سيخسره، فيطلب من الوكيل المحلى بعض الليونة وفك القبضة، وهذا ما فعلته أمريكا منذ ٢٠٠٥.. وهو أقصى ما ستطلبه. وعلى العكس، ليس من مصلحتها المباشرة قيام نظام يمكنه الخروج عن مدار جاذبيتها إذا شعر بقوة تأييده أو كان ممثلا لطموحات شعب لا قاهرا لهذا الشعب باسم الوطنية والحفاظ على وحدة البلاد. كما أن مخطط تقسيم مصر ورقة محترقة، لأنه وإن وُجِدت فى مصر طوائف وأعراق مختلفة إلا أن الرابطة الوطنية أقوى بكثير مقارنة بخطابات سياسية تقوم على فكرة الانفصال أو الاستقلال عن الدولة الواحدة منذ مينا موحّد القطرين.

الرابطة الوطنية فى مصر لا يهددها سوى الاستبداد الذى جعل الفرد الذى يعيش فى القاهرة على مسافة حضارية وثقافية شاسعة من الفرد الذى يعيش بعيدا عن القاهرة. هذه هى التباينات فى مصر، والفوارق الفظيعة بين القاهرة والأقاليم، أو بين الغِنى والفقر، أو بين من يعيشون فى مدار السلطة ومن يُطرَدون من جنتها.

غير هذا لا أساس موضوعيا ولا سياسيا لفكرة التقسيم، والرابطة الوطنية ما زالت قوية رغم محاولات التيارات الإسلامية تفكيكها لصالح رابطة تقوم على الدين، أو محاولة حاشية مبارك بناء دولة بديلة وعاصمتها شرم الشيخ.

اجمالي القراءات 3262