نقد رسالة في الرد على الهاتف من بعد
رضا البطاوى البطاوى
في
السبت ١٣ - مايو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
نقد رسالة في الرد على الهاتف من بعد
مؤلف الرسالة علي بن أحمد بن حزم وقد استهل ابن حزم الكتاب بسبب تأليف الرسالة وهى ورودهما من مجهول وقد سبق لابن حزم الرد على الأولى وفى رسالتنا هذه يرد على الثانية بعد أن أتهم كاتب الرسالتين بالسفه فقال:
"من علي بن أحمد إلى الهاتف من بعد دون أن يسمى أو يعرف :
أما بعد: فإن كتابين وردا علي لم يكتب كاتبهما اسمه فيهما، فكانا كالشيء المسروق المجحود، وكابن الغية المنبوذ، كلاهما تتهاداه الروامس، بالسهب الطوامس، فاجبنا عن الأول بما اقتضاه سفه كاتبه، وهذا جوابنا عن الثاني"
وأول نقطة تحدث عنها أن الكاتب اتهمه بأنه طاعن فى سادة المسلمين ولا سادة فى الإسلام لقوله تعالى :
" إنما المؤمنون اخوة" فنفى ذلك فقال :
"1 - أما استعاذته بالله من سوء ما ابتلانا الله به - فيما زعم - من الطعن على سادة المسلمين، وأعلام المؤمنين، وقذفنا لهم بالجهل، والقول في دين الله تعالى بما لم يأذن الله به، فليعلم الكذاب المستتر باسمه، استتار الهرة بما يخرج منها، انه استعاذ بالله تعالى من معدوم؛ حاشا لله أن يكون منا طعن على أحد من أعلام المؤمنين وسادة المسلمين، أو أن نقذفهم بالجهل، أو أن نقول في دين الله بما لم يأذن به الله، وإنما وصمنا بذلك جسارة وحيفا فيما نسب، وصم جيل معرضين عن القرآن والسنن، متدينين بالرأي والتقليد، لا يعرفون غيره، مخالفين لكل إمام سلف أو خلف وأما من كان مجتهداً مأجوراً أجرا أو أجرين فليس ممن يهمل لسانه ويطلق كلامه، بما ضرره عليه عائد في الدنيا والآخرة"
وتحدث ابن حزم عن اتهام الكاتب له بأنه طاعن فى الصحابة رادا عليه فقال :
"2 - ثم قال: " فلم تقنع بهذا المقدار في من هو في عصرنا، ومن كان قبل ذلك من علماء المسلمين، حتى تخطيت إلى أصحاب نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم، وقلت إنهم ابتدعوا من الرأي ما لم يأذن به الله تعالى لهم، وأحدثوا بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز "
قال علي: فاعلم أيها السافل أنك قد كذبت، وما يعجز أحد عن الكذب إذا لم يردعه عن ذلك دين أو حياء معاذ الله من أن ننسب إلى الصحابة شيئاً مما ذكرت، فكيف هذا ونحن نحمد الله تعالى على ما من به علينا من الجري على سنتهم: من ترك التقليد ورفض القياس واتباع القرآن والسنن، وإنما الواصف لهم بما ذكرت من راء أن أقوالهم لا ينبغي أن تكتب، وفتاويهم لا يجب أن تطلب، وانهم كلهم أخطأوا إلا فيما وافق تقليده فقط، فهذا هو الذي لا يقدر أحد على إنكاره من فعلكم لشدة اشتهاره، والحمد لله رب العالمين"
واستمر فى دفاعه عن نفسه فقال أنه لم يترك سنن النبى(ص)كما زعم الكاتب وأنه يزن الروايات المنسوبة للنبى (ص)والصحابة بميزان نابع من القرآن فقال :
"3 - ثم قال: " فليت شعري إذا كان ذلك كذلك عندك، فسنن النبي، صلى الله عليه وسلم: نقل من تقبل فيها "
قال علي: فقد قلنا لك إنك تكذب فيما نسبت إلينا، ونحن نقبل ديننا عن الصحابة، رضي الله عنهم، وهم حجتنا فيما نقلوه إلينا، وفيما أجمعوا عليه وإن لم ينقلوه مسنداً، ثم عن التابعين، وأفاضل الرواة، وهكذا عمن بعدهم من المحدثين، فعن هؤلاء نأخذ ديننا، ونقبل سنتنا ولكن، أيها الجاهل، أما أنت وضرباؤك فقد استغنيتم عن القرآن، واكتفيتم بالتقليد عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تتعنون في نقل سنة، ولا تشتغلون بحكم آية، وهذا أمر لا تقدرون على جحوده؛ فليت شعري، من إمامكم في هذه الطامة وعن من بلغكم انه قال: استغنوا بالرأي عن القرآن، ومعاذ الله أن يقول هذا أحد من المسلمين لا سالف ولا خالف؛ وأما نحن فلا نفني ليلنا ونهارنا، ولا نقطع أعمارنا ولله الحمد كثيراً، إلا بتقييد أحكام القرآن، وضبط آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة أقوال الصحابة، رضى الله عنهم، والتباعين والفقهاء مكن بعدهم - رحمة الله على جميعهم - لا تقدر على إنكار ذلك، وإن رغم انفك، ونضجت كبدك غيظاً وطريقتنا هذه هي طريقة علماء الأمة دون خلاف من أحد منهم"
وذكر اتهام الرجل له بالجهل والفتنة فرد عليه فقال :
"4 - ثم قال: " أنائم أنت أيها الرجل بل مفتون جاهل [أو متجاهل] "
قال علي: فما نحن، ولله الحمد، إلا أيقاظ إذا استيقظنا، ونيام إذا نمنا وأما الفتنة فقد أعاذنا الله منها، وله الشكر واصباً، لأننا لا نتعصب لواحد من الفقهاء على آخر، ولا نثبت إلى أحد دون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا نتخذ دون الله ولا رسوله، صلى الله عليه وسلم، وليجة، وكيف لا نقطع بذلك وقد وفقنا الله تعالى لملة الإسلام، ثم لنحلة أهل السنة أصحاب الحديث، ثم يسرنا لاتباع القرآن وسنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، إذ أحدثت وضرباءك سبيل الرأي والتقليد، وأضربت عن القرآن والسنة فأنت المفتون الجاهل حقاً، إذ تنكر على من اتبع القرآن والسنة وإجماع الأمة وهذه هي الحقائق التي يقطع كل مسلم على أنها الحق عند الله عز وجل، وأما وصفك لنا بالجهل، فلعمري إننا لنجهل كثيراً مما علمه غيرنا، وهكذا الناس، وفوق كل ذي علم عليم
وأما قولك " متجاهل " فلعلها صفتك، إذ قامت حجة الله عليك، وأعرضت عنها لعمى قلبك، فنعوذ بالله مما ابتلاك به، ونسأله الثبات على ما أنعم به علينا من الحق"
وذكر اتهام الكاتب له بالخبث فرد عليه فقال :
"5 - ثم قال: " ومثلك قد انطوى على خبث سريرة وأبدى بلفظه ما يجنه ويستره "
قال علي: فنحن نقول: لعن الله الخبيث السريرة، وإنما يعلم السرائر خالقها والمطلع عليها تعالى ثم الذي يسرها لكن ظاهره مبد عن باطنه فمن أعلن باتباع كلام الله عز وجل، والسنن المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين،فذلك دليل على طيب سريرته، ومن اعرض عن القرآن والسنن وعادى أهلها واتكل على التقليد، وخالف الإجماع، فهذا برهان على خبث سريرته وفساد بصيرته، ونعوذ بالله من الخذلان"
وبين ابن حزم ان الرجل ذكر أن سبب انحرافه عن الحق هو اعتماد ابن حزم على كتب ألأوائل فى الفلسفة والرياضيات وغيرها فلاد عليه فقال :
"6 - ثم قال: وما أرى هذه الأمور إلا من تعويلك على كتب الأوائل والدهرية وأصحاب المنطق وكتاب إقليدس والمجسطي، وغيرهم من الملحدين
قال علي: فنقول، وبالله تعالى التوفيق: اخبرنا عن هذه الكتب من المنطق واقليدس والمجسطي: أطالعتها أيها الهاذر أم لم تطالعها فإن كنت طالعتها، فلم تنكر على من طالعها كما طالعتها أنت وهلا أنكرت ذلك على نفسك وأخبرنا ما الإلحاد الذي وجدت فيها، إن كنت وقفت على مواضعه منها وإن كنت لم تطالعها، فكيف تنكر ما لا يعرف أما سمعت قول الله عز وجل {فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} (آل عمران: 66) وقوله تعالى {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} (النور: 15) ولك قلة اشتغالك بالقرآن وعهوده تعالى فيه، سهل عليك مثل هذا وشبهه ولو كان لك عقل تخاف به الشهرة ، لم تتكلم في كتب لم تدر ما فيها"
وبالقطع قراءة الكتب حتى وإن كتبها كفار لا تعنى الانحراف عن الدين لأن كتاب الله يحتوى على أقوال الكفار للرد عليها
وذكر فى النقطة التالية اتهامات متكرر بقلة الدين والعقل والتمييز فرد عليه فقال :
7 - ثم خرج إلى السفه الذي هو أهله فقال: " واعلم أن صورتك عندنا انك جمعت ثلاثة أشياء: قلة الدين، وضعف العقل، وقلة التمييز والتحصيل "
قال علي: فليعلم هذا الجاهل السخيف وأشباهه أن هذه الصورة عندهم لا عندنا، وان ذمهم زين لمن ذموه، ومدحهم غضاضة على من مدحوه لأنهم لا ينطقون عن حقيقة، وإنما هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً فليقل بعد ما شاء، لكن نحن نوضح إن شاء الله تعالى [أن] هذه الصفات التي ذكر هي صفات كاتب الصحيفة الخاسئة أما قلة دينه: فاعتراضه بالجهل على القرآن، وأما ضعف عقله: فكلامه فيما لا يحسن، وأما قلة تمييزه وتحصيله: فتهديده من لا يحفل به عوى ليروع البدرا وما كلب وإن نبحا
وذكر الكاتب سبب فلو دين ابن حزم وهو طعنه على الصحابة وتحطئته لهم فرد عليه فقال :
8 - ثم قال: " أما قلة دينك فلما أظهرته من الطعن على الصحابة، وتخطئتك لهم وتسفيهك لآرائهم "
قال علي: فقد كذب هذا ومضى جوابه وأنه هو الطاعن عليهم، المخطئ لهم، المسفه لآرائهم، ببرهان لا إشكال فيه؛ وأنه تارك لجميعهم إلا ما وافق تقليده، فأي طعن على الصحابة، رضي الله عنهم، أعظم من هذا! وأما تسفيهه لآرائهم، فهو يعلم من نفسه، وغيره يعلم منه، أن رأيهم كلهم عنده في نصاب من لا يلتفت إليه ولا يعتد به في العلم، إلا رأي من قلده دينه فأي سفه أكثر من هذا وأي تخطئة لهم تفوقه "
وأما سبب ضعف عقله فهو أنه صح له ما لم يصح للنبى(ص) والصحابة فرد عليه ابن حزم فقال:
"9 - ثم قال: " وأما ضعف عقلك، فلما ظننته بنفسك من انك قمت بإظهار الحق وبيانه، وأنه قد صح لك منه ما لم يصح لصحابة نبيك، صلى الله عليه وسلم، ولا اهتدوا إليه "
قال علي: فلو علم هذا المجنون الفاسق، أن هذه صفته وصفة أمثاله لأعول على نفسه فأول ذلك كذبه علينا أننا ندعي انه قد صح لنا من الحق ما لم يصح لصحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا اهتدوا إليه وكيف هذا ولا نقول بغير السنن التي نقلوها إلينا، وعرفوا بها، ولا نتعداها فكيف يصح لنا ما لم يصح لهم وليس عندنا شيء من الدين إلا من قبلهم ونقلهم فقد صح كذبه جهاراً وأما الصفة التي ذكر فصفته لأنه سلك تقليد مالك، ولا يختلف اثنان أنه لم يكن قط في أصحابه، رضي الله عنهم، مقلد لأحد، ولا موافق لجميع قول مالك حتى لا يحل عنه خلاف لشيء منها، فقد صح يقيناً أن هذا الجاهل، كاتب تلك الصحيفة، هو الذي يظن نفسه انه وقع من التقليد على علم غاب عن جميع الأمة، فهو العديم العقل حقاً، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله الهدى والتوفيق
وذكر اتهام الرجل له بقلة العلم ونقصان العقل فرد عليه فقال :
"10 - ثم قال: " وأنت إنما نبغت في آخر الزمان وفي ذنب الدنيا، بعد البعد عن القرون الممدوحة ، في وقت قلة العلم وكثرة الجهل، فهذا عند كل عاقل من فساد حسك ونقصان عقلك "
قال علي: فأما قوله إننا في آخر الزمان، فنعم، وفي ذنب الدنيا والبعد عن القرون الممدوحة، وفي وقت العلم وكثرة الجهل ولكن الله تعالى، وله الحمد، علمنا من فضله كثيراً، ويسرنا لسلوك طريق الصحابة والتابعين وأهل القرون الممدوحة، ثم من بعدهم لأئمة المسلمين وأعلام المحدثين، إذ صرف قلبك عنهم، ووفقنا لاتباعهم والتمسك بطريقتهم إذ أعماك عن ذلك، وهدانا إلى طلب السنة إذ أضلك عنها ، فله الحمد كثيراً وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " عن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً، طوبى للغرباء " ولله الحمد [على ما وهب] من قوة الحس وتمام التمييز؛ ومن ضعف حسك وعدم عقلك، إعراضك عن ما أمر الله به من اتباع ما أتاك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلت على ما نهاك عنه [من] التقليد"
وأما سبب عدم تمييز ابن حزم فهو مطالبته بعدم تقليد الصحابة وقد رد عليه ابن حزم فقال :
"11 - ثم قال: " وأما ضعف تمييزك وتحصيلك فظاهر في تناقضك وذلك أنك تنهى عن تقليد الصحابة فمن دونهم وتحث أتباعك على تقليدك، والتعويل على تواليفك، وتذم القول بالرأي، وأنت تفتي في دين الله عز وجل، بما لم يرد بيانه في كتاب الله، ولا على لسان رسول الله، صلى الله عليه وسلم "
قال علي: فليعلم هذا الجاهل أنه كاذب في أكثر ما ذكر: أما نهينا عن تقليد الصحابة فمن دونهم، فأمر لا ننكره، ونحن في ذلك موافقون لجميعهم في نهيم عن ذلك بلا خلاف أينكر هذا السائل أمراً قد صح به إجماع الأمة كلها وهلا أنكر هذا على مالك إذ لا يختلف أحد أن قوله: لا يقلد لا صاحب ولا من دونه وأما قوله إننا نحض أتباعنا على تقليدنا فقد كذب صراحاً بواحاً، وما نحض أصحابنا وغيرهم، ولا نملأ كتبنا إلا بالأمر باتباع القرآن وسنن النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الامة، ومطالعة أقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من العلماء، وعرضها على كلام الله عز وجل، وكلام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فلأيها شهدا قلناه
وأما دعواه بأننا في القرآن والسنة، فقد كذب جهاراً علانية، نفتي في كتبنا بما ليس في القرآن والسنة، فقد كذب جهاراً علانية، وكتبنا حاضرة ومشهورة، ظاهرة منشورة، ما فيها كلمة مما يقول، والحمد لله رب العاملين كثيراً ولو تفكر هذا الجاهل فيمن هو المفتي بما ذكر لسخنت عينه، ولعظمت مصيبته، وحسبنا الله ونعم الوكيل"
وتحدث عن اتهام الكاتب له بأنه جاهل فرد عليه فقال :
"12 - ثم قال: فانتبه أيها الجاهل، واعرف منزلتك، فإنك جاهل بمقدار نفسك
قال علي: فلو أوصى نفسه بهذه الوصاة أو قبلها لوفق، فهي والله صفته يقيناً"
وكرر اتهامه بضعف القل والتمييز فرد عليه فقال:
"13 - ثم قال: " وحالك عند أهل التحصيل على وجهين: أحدهما ضعف العقل وقلة التمييز، والثاني خبث السريرة وقصد التمويه والتطرق إلى أسباب قد تريدها، والله تعالى بالمرصاد، وعالم سرائر العباد "
قال علي: فليعلم هذا أن هذه هي صفاته، وأما تشنيعه بما ذكر فمنزلة نهيق ناهق وعواء عاو ، ولن يعدم على ذلك خزياً من الله عاجلاً وآجلاً، ومقتاً من عباده عوداً وبدءاً ، والله حسيب كل ظالم"
وذكر ابن حزم أن الكاتب طالبه بالتوبة مما هو عليه فرد عليه ابن حزم فقال :
"14 - وأما قوله: " لئن لم تنتبه من رقدتك، وتستيقظ من غفلتك، وتبادر إلى التوبة من عظيم ما افتريت، فسيرد فيك، وفيمن يقصدك ويترك أن يقيم فيك حق الله، من أجوبة أهل العلم في أقطار الأرض ما ستعلمه ، وأرجو أن يريح الله منك العباد والبلاد دون ذلك، أو يصلحك إن كان قد سبق في علمه ذلك ولتعلمن أيها الإنسان، نبأه بعد حين "
فنقول له: أيها المخذول عماذا نتوب عن اتباع القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة واتباع جميع الصحابة رضي الله عنهم، وسلوك سبيل كل عالم في الأرض من المؤمنين فمعاذ الله من التوبة من هذا وإلى ماذا نرجع إلى رأي مخلوق لا يغني عنا من الله شيئاً وتقليده حاشا الله من ذلك ولعمري لئن نصحت نفسك ونظرت لها، لترجعن إلى ما دعوناك إليه من اتباع القرآن والسنة وإجماع الامة، وإلا فسترد وتعلم
وقد استتبنا اللعين المريد المرتد المتوجه إليكم بهذه الأكذوبات المفتراة، والفضائح المفتعلة، وهو ابن البارية، ولقينا العتقي الذي حمق من حمق منكم، ونحن نرجو عادة الله تعالى فيمن عند عن كلامه، واستغنى عن كلام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج: 40)
وأما وعيدك بأجوبة العلماء في أقطار الأرض:
فتلك أضاليل المنى وغرورها سرت بكم في الترهات البسابس العلماء والله قسمان لا ثالث لهما: إما عالم موافق، وإما عالم أداه اجتهاده إلى مخالفتي، فهو إما سالك طريق أهل العلم في حسن المعارضة والمخاطبة بالحجة لا بالخبط والتخليط والحماقة، وإما ممسك ساكت، لا كالطريق التي سلكت من التقحم في الفتيا، قبل أن تستفتى، والتهالك في السخفوأما قولك: " أرجو أن يريح الله منك العباد والبلاد " فإنما يريح الله من الكافر العاند عن كلام الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأما المؤمن فمستريح
وما أقول لك إلا كما قال جرير :
تمنى رجال أن أموت وغن أمت فتلك طريق لست فيها بأوحد آذاه لعل الذي يبغي وفاتي ويرتجي بها قبل موتي أن يكون هو الردي والله لئن مت، ما أسد قبوركم، ولا أوفر عليكم رزقاً ولأردن على رب رحيم، وشفيع مقبول، لأني كنت تبع كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا أتخذ دونهما وليجة لكن إن مت انت، فتقدم والله على رب خالفت كتابه، وعلى نبي اطرحت أوامره ظهرياً وأطعت غيره دونه، فاعد للمسألة جواباً، وللبلاء جلباباً؛ وسترد فتعلم ولا عليك إن مت عاجلاً أو تأخر موتي، فلقد أبقى الله تعالى لك ولأمثالك مما أعانني الله ووفقني له حزناً طويلاً، وخزياً جزيلاً، وكسراً لكل رأي وقياس ونصراً للسنة مؤزراً، ولينصرن الله من ينصره، فهل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين
وبعد، فلتطب نفسك بعد أن تذيقها برد اليأس، على أن تعارض بهوس ما في تلك الرسالة الحق الواضح، وكيف تعارض نص القرآن والسنة هيهات من ذلك فأقصر فهو أروح لك، وأجمل بك إن شاء الله تعالى"
الرسالة لا تمت للعلم بصلة فليس فيها من العلم قليل ولا كثير وإنما اتهامات متبادلة فابن حزم لا يرد على الرجل ردا علميا بذكر أدلته وبراهينه
ويمكن أن تصنف تلك الرسالة فيما يسمى أدب النقائض وهى الذم المتبادل كما هو مشهور من شعر جرير والفرزدق فالطرفين كلاهما غير ملتزم بآداب الحوار فالاثنين يصفون بعضهم بالجعل والحمق وفلة العقل والانحراف عن الدين
والغريب أن كل طرف من الطرفين يعلن أنه متبع لله ورسوله(ص) مع أن الاثنين بعد عن اتباع الله فى قوله :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
فالاثنين يدافعان عن الروايات ولكن ليس دفاعا يتفق مع كتاب الله
وبالقطع حرم الله مثل هذه الكتب التى ليس بها فائدة علمية والتى تعج بالسباب والهجاء من خلال قوله تعالى :
"إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"