أسرار خوف المصريين

شادي طلعت في السبت ٠٨ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


تظن الغالبية من المصريين أنهم شعب قوي، ثائر، ذو قوة وبأس.

ويزداد تأكيد هذا الظن الآن، أن ثورة 25 يناير عام 2011 كانت قريبة، وليست ببعيدة. 

كما أن ما يدرس في المدارس المصرية الفاشلة، من تاريخ مزييف غير حقيقي سواء عن مصر أو العالم، أرسى في نفوسهم هذا الزييف. 

 

بيد أن .. الحقيقة عكس ذلك، فالمصريون هم أكثر شعوب العالم حباً للسلم مع الآخر، حتى لو أكل قوتهم، وهو أكثر الشعوب في التسامح مع حكامه، أياً ما كانت ملتهم الدينية، أو أجناسهم، أو أعراقهم أو خلافه من طباع طيبة أو سيئة. 

 

فكل ما كتب عن المصريين من ثورات عبر التاريخ غير حقيقي ومزييف، فهذا الشعب لم يعرف طوال تاريخه سوى ثورتين فقط وهما :

ثورة عام 1919 وثورة 2011.

 

ولكل ثورة منهما قصة وملابسات، نسردها في التالي :

أولاً/ ثورة 1919 :

في تلك الفترة كانت أجناس كثيرة من أكثر من عرق، غير العرق المصري قد تجنسوا بالجنسية المصرية، وانصهروا داخل نسيجهم، وهؤلاء كانوا هم المحرك الرئيس لثورة 1919. 

حتى (اليهود المصريين) كانوا أحد العوامل التي أدت لنجاح ثورة 1919.

بل إن أجيال اليهود الحديثة على دراية الآن بثورة 1919، ويحتفلون بها، لأنهم يعتبرون أنفسهم محرك رئيس لها، بينما الأجيال الحديثة من الشعب المصري، لا تعلم شيئاً عن ثورة 1919، بل ولا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن تاريخهم !. 

 

إذاً : فلولا العناصر ذات الأصول والجينات الأجنبية المحركة لثورة 1919، لما حدثت وتحققت. 

حتى أن أقرب فيلم سينمائي مصري والذي إسمه : (كيرة والجن) صدر عام 2022، لم يستطع صانعوه أن يغفلوا دور اليهود في ثورة 1919.

 

....................... 

 

أما عن ثورة 25 يناير 2011، فلم تكن الأولى في منطقة الشرق الأوسط، فقد سبقتها ثورة الياسمين بدولة تونس.

 

فبداية : لولا ثورة تونس في المقام الأول لما تحققت ثورة يناير 2011. 

وثانياً : لولا الملابسات والظروف الخارجية أيضاً، المتمثلة في التبعية المصرية لأمريكا، ما تحققت أيضاً ثورة يناير. 

ثالثاً : شاء القدر أن ينشأ حزب الغد الليبرالي، والذي ذاع صيته في العالم، فكان بشيراً بأن الليبراليين قد أصبحوا قوة، تقدر على نيل أصوات المصريين في مواجهة قوى اليسار والإسلاميين، الغير مرغوب فيهم من أمريكا، والقوى الأخرى المتحضرة في العالم مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها في أوربا الغربية. 

 

فحدث الحراك ونجح، وتم إزاحة نظام عاش في ظل أمن وإستقرار مع الرئيس الراحل (حسني مبارك) لمدة 30 عاماً.

 

تلك كانت أسباب ثورة يناير، ولا ننسى أيضاً أن الفئة التي حركت الثورة بنزولها إلى الشارع، لم تتجاوز أبداً النصف مليون شخص. 

وكان الثوار فئة من قلة من المثقفين، الوطنيين، أصحاب قلوب حديدية شجاعة، لا تعرف الخوف كما عرفه أسلافهم، إلا أن تلك الفئة الآن إما في السجون، أو يعيشون في المنفى، أو باتوا الآن في القبور. 

 

....................... 

 

أما عن ثورة (عرابي)، والتي فشلت فشلاً ذريعاً، فالوقع أن الشعب المصري هو من كان السبب الرئيس في فشلها، فبعدما بايع المصريون (أحمد باشا عرابي) ثم وجدوا ما لدى الإنجليز من بأس وقوة، إذ بهم قد تخلوا عن عرابي باشا، وكل رفاقه، وتركوهم يواجهوا مصيرهم بلا أي مساندة تذكر !. 

 

وما كانت مقالة الخطيب المفوه/ عبدالله النديم، والتي نقد فيها الشعب المصري بأشد عبارات النقد، قد أتت من فراغ، ومع أن كلماته في خطابه تجاه المصريين كان شديد العنف إلا أنني أجد من الواجب أن أعيد نشر ما قال ففيه أمور ليت المصريون يفهمونها أو حتى يفكرون فيها، إذ قال النديم فيما كتب :

"إنكم معاشر المصريين قد نشأتم في الإستبعاد، وربيتم في حجر الإستبداد، وتوالت عليكم قرون منذ زمن الملوك الرعاع، وأنتم صامتون، صابرون، بل راضون، فلو كان في عروقكم دم فيه كريات حيوية، وفي رؤوسكم أعصاب تتأثر فتثير النخوة، والحمية، لما رضيتم بهذا الذل، وهذه المسكنة، انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة، أيها المصريون لا حياكم الله، ولا بياكم، ما دمتم تعيشون كالسأمة تأكل من حشائش الأرض، وتقبلون أيديكم المتشققة ظهراً لبطن، أيها المصريون شمّوا رائحة أجسادكم فإنها نتنة، ونيل الله يجري بأرضكم، إستمعوا إلى أنين أمعائكم وواديه يملؤه الخير، لعن الله من يقعد متفرجاً ملوماً محصوراً، لعن الله من لا يتبعنا، لعن الله من منع عن نفسه أطايب الطعام وهي حِلّ له، لعن الله من يكره الحرية". 

 

 كانت مقالة عنيفة، بيد أنها لم تأتي من فراغ، بل كانت مقالته دراسة إجتماعي توصف طبيعة المصريين الذين يسيطر عليهم الخوف لأقصى درجة. 

إلا أنني هنا في هذا الصدد بشأن فشل ثورة عرابي، لا أضع اللوم على الشعب المصري، بل أضع كل اللوم على أحمد باشا عرابي ورفاقه الذين هزموا. 

ذلك لأنهم لم يقرأوا التاريخ المصري جيداً ليعرفوا طبيعة الشعب ومدى الخوف داخل نفوس أفراده. 

فطبيعة المصريين لا تميل إلى المواجهة مع الحكام أو حتى الأعداء، بدون الإطمئنان إلى وجود قوة تحميهم أولاً، سواء كانت هذه القوة مستمدة من أشخاص، أو كيانات، أو دول أخرى. 

 

....................... 

 

علينا أن لا ننسى أن مصر هي الدولة الوحيدة التي حكمها عبيد مماليك، وللعلم فإن كلمة (أولاد الناس) يعود أصلها إلى المصريين، الذين أطلقوها على (المماليك) لأنهم مجهولي النسب. 

فكانوا يخشون نعتهم بصفة لقطاء، فقالوا عنهم (أولاد الناس) ليأمنوا غضبهم. 

 

علينا أن لا ننسى أن المصريين هم الشعب الوحيد في العالم الذي حكمه (عبد خصي) وهو "كافور الإخشيدي" ودام حكمه لإثنين وعشرون عاماً منذ 946 حتى وفاته عام 968 ميلادية. 

 

وكافور الإخشيدي هو الذي قال فيه الشاعر (المتنبي) قصيدة الهجاء الشهيرة والتي من أبياتها :

 

ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُ .. أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ

إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ .. عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ

ما يَقبِضُ المَوتُ نَفساً مِن نُفوسِهِمُ .. إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ

أَكُلَّما اِغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ أَو خانَهُ .. فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ

صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها .. فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ

نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها .. فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ

العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ .. لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ

لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ

ما كُنتُ أَحسَبُني أَحيا إِلى زَمَنٍ .. يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ

وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ .. تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ

جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني .. لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ

وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ .. إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ

مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً .. أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ

أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً .. أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ

وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ .. عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ

 

....................... 

 

وقد فطن بعض السياسيين المخضرميين لطبيعة الشعب المصري مؤخراً، فلا نجدهم يدعون الشعب لثورة على فقر أو جوع الآن، ذلك لأنهم قد أعادوا قراءة التاريخ والذي يذكر أيضاً أن المصريين في (الشدة المستنصرية) ، لم يثور أ على الحاكم (الخليفة الفاطمي المستنصر) فسرقوا بعضهم البعض، ونهبوا قوت الضعفاء منهم، بينما الحاكم دام حكمه مستقراً آمناً منذ عام 1036 حتى 1094، لمدة 58 عاماً !؟. 

 

....................... 

 

كما أنه بمراجعة التاريخ القديم، لن نجد أن لدينا أي أبطال في النضال يذكرون، لذلك تم نسج الخيال حول شخصيات إفتراضية مثل (علي الزيبق)، أو تمجيد أشخاص بالكذب لم يكونوا أبداً مناضلين مثل (أدهم الشرقاوي). 

 

....................... 

 

وبالعودة لملوك مصر القديمة، سنجد أن الفراعنة كانوا من أصول نوبية، أو من الهكسوس الغزاة، أي أنهم ليسوا بمصريين أبداً. 

 

أما عن أول حاكم مصري بحق، فليس هو الراحل/ محمد نجيب كما يعتقد البعض، ذلك لأن أصوله تعود للسودان، وكذلك جمال عبد الناصر، تعود أصوله إلى اليمن، وحتى السادات تعود أصوله إلى الحبشة، وحسني مبارك تعود أصوله إلى الشام. 

 

لذا فإن أول من حكم مصر من المصريين حقاً يعدُ هو الراحل/ محمد مرسي، ثم عبدالفتاح السيسي. 

 

في النهاية :

لكل شعب صفات تعود إلى جيناته ومكتسباته الوراثية، فالخوف في نفوس المصريين أصيل منذ آلاف السنين، منذ أن قبل أسلافهم أن يعبدوا حكامهم، بل وينافقونهم. 

فلا لوم على الخلف الآن إن صبروا ولم يثورا ضد ظلم أو طغيان، فطبيعتهم لا تبحث إلا عن السعادة المتمثلة في الزواج الإنجاب فقط، حتى وإن عاشت ذريتهم في قهر أو فقر مدقع، مع أن أرضهم غنية، ونيل الله يجري فيها.

 

وعلى الله قصد السبيل

 

شادي طلعت
اجمالي القراءات 2003