فرنسا و اكذوبة حرية التعبير
مهدي مالك
في
الأربعاء ١٥ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
فرنسا و اكذوبة حرية التعبير
مقدمة متواضعة
لا يجادل العقلاء و الحكماء ان الغرب المسيحي قد انتقل من الدولة الدينية الى الدولة المدنية حيث اذ يستغرق هذا الانتقال قرون من النقاش و الصراع الطبقي حتى اصبح الغرب المسيحي يقود العالم بفضل القوة العسكرية و بفضل القوة الاقتصادية و بفضل قوة الإرادة للإصلاح الديني قصد الملائمة بين الدين و الدولة الحديثة في أوروبا و في أمريكا الشمالية الخ.
غير ان هذا الغرب ليس مثالا او نموذجا الخ من هذه المصطلحات الخاصة برب العالمين لأننا بشر نصيب و نخطئ دون ادنى شك في مختلف العصور الى يوم القيامة..
رغم ان هذا الغرب المسيحي قد نجح في ثورته السياسية و الاقتصادية و المعرفية الخ غير ان هذا الأخير له ماضي استعماري اسود مع مجموعة من بلدان المسلمين منذ قرن 19 للميلاد او قبله الى الان من خلال نموذج العراق سنة 2003 وفق الظروف المعروفة لدى الجميع و نموذج ليبيا سنة 2011 وفق الظروف المعروفة لدى الجميع بدون الدخول في التفاصيل التي تجرنا الى متاهات لا معنى لها الان سواء إعطاء الشرعية للإسلاميين ليقولون ان الغرب المسيحي هو الشر بعينه يريد ابعاد المسلمين عن الإسلام او شريعته الخ من هذا الخطاب الدعوي و السياسي المعارض للغرب في فترة من فترات بشكل كلي حيث كان يرى ان التحاكم الى قوانين الغرب و انظمته هو ردة صريحة عن الإسلام بما فيها اجراء الانتخابات و مشاركة النساء في الحياة السياسية الخ.
ان هذا الخطاب المتطرف تجاه الغرب المسيحي هو مرفوض لأننا كامة إسلامية لا تستطيع حاليا اختراع أشياء نافعة للإنسانية على المستوى المادي من قبيل السيارات و الطائرات و الهاتف و الانترنت الخ من هذه الأشياء النافعة للإنسانية جمعاء بحكم التاويل السلفي للاسلام المسطر على اغلب بلدان المسلمين باستثناء ايران الشيعية من طبيعة الحال بمعنى ان التاويل الوهابي للاسلام بشكل ادق هو المسؤول عن تخلف الإسلام و المسلمين ..
الى صلب الموضوع
ان سيادة الدول هي خط احمر سواء في العالم الإسلامي او في الغرب المسيحي حيث ان بلدنا المغرب قد ناضل منذ سنة 1956 من اجل استكمال وحدته الترابية عبر مراحل و محطات مثل استرجاع إقليم طرفاية سنة 1958 و استرجاع إقليم سيدي ايفني سنة 1969 و استرجاع الصحراء الغربية المغربية سنة 1975 من خلال ابداع المسيرة الخضراء كمعجزة القرن الماضي حيث جمعت 350 الف مغربي و مغربية صوب تحرير صحراءنا الامازيغية المغربية من ايادي الاستعمار الاسباني .
ان بلدنا المغرب كما هو معلوم قد خضع للاستعمار رسميا في 30 مارس 1912 اثر توقيع عقد الحماية بين المخزن التقليدي و الجمهورية الفرنسية و بعد حين دخلت المملكة الاسبانية كقوة استعمارية ثانية الى المغرب كما يعلم الجميع و فرنسا كانت تحتل المغرب الأوسط أي الجزائر الحالية منذ سنة 1830 ميلادية .
و في سنة 1956 حصل المغرب على استقلاله الشكلي كما نعتبره في الحركة الامازيغية حيث آنذاك كانت السلطات العليا لا تناقش مسالة الحدود مع الجزائر الشقيقة حتى تحصل على استقلالها بسبب اننا اخوان في الدين الإسلامي و في الهوية الامازيغية الجامعة لمنطقة شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية .
غير ان فرنسا قامت سنة 1962 بخلق دولة تسمى بالجزائر على شكل جمهورية يحكمها نظام عسكري ذو التوجه العروبي بهدف اثارة المشاكل مع المغرب بشكل دائم و مستمر و منحت فرنسا للدولة الجديدة الصحراء الشرقية المغربية مثل تيندوف و بشار الخ بمعنى ان الجزائر هي صناعة فرنسية صرفة لتعريب امازيغي هذه البلاد و فرنستهم و خصوصا منطقة القبائل التي كانت في مقدمة الحركة الوطنية الجزائرية.
ان الذي اريد الوصول اليه هو ان فرنسا بجلال قدرها و تاريخها التنويري للغرب المسيحي هي مسؤولة تاريخيا عن مشكل الصحراء المغربية ببعدها الغربي المسترجعة الى أحضان المغرب و ببعدها الشرقي التي هي في حوزة الجزائر الشقيقة الان.
ان فرنسا اليوم في ظل رئيسها الحالي تعادي المغرب بشكل واضح و صريح من خلال مجموعة من الممارسات مثل طرد صحفي مغربي من احدى القنوات الإخبارية الفرنسية لمجرد قوله مصطلح الصحراء المغربية في تحقيق صحفي حول العلاقات المتميزة بين المغرب و اسبانيا و اسم هذا الصحفي المغربي هو رشيد امباركي بالمناسبة .
و هنا يحق لنا ان نتساءل اين هي حرية التعبير في هذه القضية؟ خصوصا ان فرنسا تقول انها مع حرية التعبير الى ابعد الحدود باعتبارها واحة حرية التعبير و الديمقراطية و العلمانية الغربية الخ من هذه الشعارات البارقة .
لكن قضية رشيد امباركي هي قضية حرية التعبير بالدرجة الأولى حيث ان هذا الصحفي قد عبر عن رايه كمغربي معتز بمغربيته و بتاريخ بلده الحقيقي و السلطات العليا في فرنسا تعلم هذا المعطى جيدا .
ان فرنسا تحاول معاكسة المغرب منذ الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء الغربية بتاريخ 10 دجنبر 2020 و كما هو معلوم فان فرنسا لا تعترف بسيادة المغرب على صحراءه على الاطلاق و لهذا يطالب المغرب الرسمي بموقف واضح و حقيقي من طرف فرنسا اتجاه قضيتنا الوطنية الأولى و اتجاه مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب منذ سنة 2007 كما فعلت المملكة الاسبانية منذ عام تقريبا و هذا يعطي مؤشرات لا نهاية لها على نجاح الدبلوماسية المغربية بقيادة حكيمة من طرف الملك محمد السادس ...
ان حرية التعبير في فرنسا تشوبها اختلالات كثيرة مثل دول العالم حيث تخضع حرية التعبير لمقاس الدول السياسية و المجتمعية بمعنى ان لا توجد حرية التعبير المطلقة في هذا العالم حيث لا يكذب علينا أي احد .
ان فرنسا رفعت في وجه المسلمين شعار حرية التعبير المطلقة عندما يتعلق الامر بقضية الرسوم المسيئة لنبي الإسلام ص حيث اننا نتذكر جميعا كيف تعاملت فرنسا مع هذه القضية حيث قالت آنذاك ان هذا السلوك يدخل في نطاق حرية التعبير المقدسة بالنسبة اليها علما انني لا ادافع عن خرافات الإسلاميين هنا.
لكن عندما يسمع الانسان المؤمن بالإسلام ان فرنسا نشرت رسوم مسيئة للرسول الاكرم سيشعر بالاهانة و الظلم و ربما سيؤمن بافكار داعش الوهابية الخ من هذا المسار أي ان فرنسا في ظل رئيسها الحالي قد لعبت بالنار من خلال الخلط بين الإسلام و دعاة التخريب الوهابي و من خلال اظهار العقلية الاستعمارية القديمة تجاه المسلمين و الافارقة ......
و خلاصة القول ان فرنسا هي مسؤولة تاريخيا عن مشكل الصحراء الامازيغية المغربية ببعدها الغربي و الشرقي كما اعترف المغرب الرسمي عبر مديرية الوثائق الملكية مؤخرا و يستمر النقاش حول هذا الموضوع داخل المجتمع المغربي.
ان فرنسا كذلك هي مسؤولة تاريخيا عن تهميش الامازيغيين سياسيا سواء في المغرب او في الجزائر التي أسست بمرسوم من طرفها سنة 1962 و النتيجة هي ان نظام العسكر هناك قد قمع امازيغي منطقة القبائل و منطقة مزاب ذات المذهب الاباضي المعتدل .
و في هذا السياق اعلن مساندتي المطلقة لجمهورية القبائل الامازيغية و تطلعات منطقة مزاب الى الحكم الذاتي لان الجزائر قد عملت طيلة 50 سنة او اكثر على دعم كيان وهمي يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية بالمال و بالسلاح بغية إقامة دولة عربية على صحراءنا الامازيغية المغربية و ما على الرسول الا البلاغ ..........
المهدي مالك