نظرات فى كتاب الطمأنينة بين الوهم والحقيقة

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ١٠ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


نظرات فى كتاب الطمأنينة بين الوهم والحقيقة
المؤلف رياض بن سليمان السلطان وهو يدور حول الطمأنينة وأثرها فى نقس المسلم ويصف الرجل ذلك فى مقدمته فيقول :
"أما بعد:
فإن الناظر إلى سير أعلامنا الأوائل، وعلمائنا المتقدمين، فضلا عن القرون المفضلة من الصحابة والتابعين، يجد أن لأقوالهم وأفعالهم تأثيرا في النفوس، وأنها تعمل عملها في القلوب، إنهم بشر ممن خلق،ولكنها العلاقة مع الله، والأنس بجواره، وكثرة دعائهم وصلاتهم وطرقهم لبابه، ولكنها أرواح تعلقت بخالقها، وعرفت حق بارئها جل وعلا، تمكنت حلاوة الإيمان إلى سويداء قلوبهم، وتجلل مهجهم برد اليقين، فتجد أن سيرهم بيضاء مشرقة، جهاد ودعوة وبطولات ومواقف مشرفة، في سبيل نصرة هذا الدين، يؤصر أحدهم بالأغلال، ويكبل بالحديد، ويوثق بالقيود، ويودع في الظلمات في غياهب السجون، يستبدل أحدهم بظهر الأرض بطنا، ويستبدل الغنى وزهرة الحياة الدنيا بالبساطة والكفاف، زهدا منه وورعا، يجلد أحدهم كما يجلد البعير، ويعذب عذابا لا تتحمله عشرات الرجال، فيعفو ويصفح، ويكظم الغيظ، ويكبح جماح النفس، يتأسى بأفضل الخليفة وإمام هذه الأمة صلوات الله وسلامه عليه، كل ذلك بسبب الطمأنينة والوقار اللذين حلا في قلوبهم."
وضرب الرجل مثل بطمأنينة ابن تيمية رغم محنة السجن فقال :
" أخي المسلم:
ها هو ابن تيمية عليه تدور من حوله الأزمات، وتحل به النكبات، ويضايق من قبل الخاصة والعامة، يودع السجن، ويحبس وراء الحديد والقضبان، ثم يقول قولته العصماء، تحرك بها الجنان قبل اللسان، ولحظتها النواظر قبل أن يتكلم بها فاه، خلدت عبر الزمان، وتواتر نقلها عبر القرون والأيام، عدة كل مصلح وداعية، ومبدأ كل جرئ في الحق لا
يخاف في الله لومة لائم:
«ماذا يفعل أعدائي بي؟ قتلي شهادة، وسجني خلوة، وطردي سياحة، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة»
وعندما سجن عليه رحمة الله وأودع الظلمات، قال:
«فضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهرة من قبله العذاب»
يظن الناس أنه في شقاء ونكد، وضيق وتعاسة، لأنه في قبضة الأعداء وتحت سطوة جبابرة الأعداء، ولكن ما علموا أن الروح التي بين جنبيه لا يملكها إلا خالقها، ولذة الاتصال بالله وترطيب اللسان بذكره بينه وبين الله، لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يكون دخلا بينهما، الدموع بالعين تشرق، والقلب بحلاوة اليقين يغرق، أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون.
إذا تصدع شمل الود بينهم
فللمحبين شمل غير منصدع
وإن تقطع حبل الوصل يومئذ
فللمحبين حبل غير منقطع"
وبحدثنا الرجل عن بقية ما حدث لابن تيمية نقلا عن ابن القيم فقال :
"ويروي عنه تلميذه ابن القيم بقوله: كان إذا حلت به مصيبة أو نكبة، قرأ قول الله جل وعلا: ... {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما}"
وضرب مثلا أخر بالحسن البصرى فى طمأنينته فقال :
"أما الحسن البصري: عندما أخرج من جرابه كسرة خبز يابسة، وكان في سفر قريبا من البحر، وغمسها بماء البحر المالح ثم أكلها وتجرعها، وقال قولته المعروفة التي طالما ارتوت بها قلوب العباد، واستطعمتها أفواه الزهاد والنساك، تشحذ الهمم نحو الطاعة، ونيل ولاية الله جل وعلا، وبلوغ تلك المرتبة العالية من اليقين والإيمان، قال: «إنما في سعادة، لو علم عنها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف»."
وتحدث عن الطمأنينة ناقلا كلام غيره فقال :
"لقد خلوا ما بينهم وبين الرحمن فألبسهم الله نورا من نوره، استشعروا بذل وانكسار، وخضوع واستسلام قول الله جل وعلا: ... {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}
قال صاحب الظلال : (تطمئن بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره والأمن في جانبه وحماه، تطمئن من قلق الوحدة، وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء الله، مع الرضا بالابتلاء والصبر على البلاء."
ويخاطب الرجل كل مسلم متحدثا عن الإحساس بالطمأنينة وهو إحساس لا ينقل بالكلام فقال :
" أخي :
(الطمأنينة بذكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فاتصلت بالله؛ يعرفونها ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين، لأنها لا تنقل بالكلمات وجميل العبارات، إنما تسري في القلب فيستروحها، ويهش لها ويندى بها ويستريح لها، يحس أنه في هذا الوجود ليس منفردا وحيدا بلا أنيس، فكل ما حوله صديق، النور والظلمة، الأرض والجبال، السماء التي تظل، والأرض التي تقل، لأن كل ما حوله من صنع الله الذي هو في حماه، ليس أشقى على وجه هذه الأرض وفي خضم هذه الحياة، ممن يعيش لا يدري لم جاء وإلى أين يذهب، ولم يعاني ما يعاني في هذه الدنيا؟ ليس أشقى ممن يسير في الأرض يوجس من كل شيء خيفة، غاب عنه أن كل مخلوق وموجود على هذه البسيطة هو من صنع الله، وأن الله له في كل شيء آية، يشق طريقه فريدا وحيدا، شاردا في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين).
يا منتهى وحشتي وأنسي
كن لي إن لم أكن لنفسي
أوهمني في غد نجاتي
حلمك عن سيئات أمسي"
وتحدث عمن هم المطمئنون فقال :
" أيها الأخ المبارك: المطمئنون بذكر الله: هم التائبون المنيبون المستغفرون، الذين استجابوا لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
المطمئنون بذكر الله: هم الذين أوتروا قبل نومهم، وقاموا من ليلهم ما شاء الله، واستغفروا بالأسحار.
المطمئنون بذكر الله: هم الذين أرضوا خالقهم بتقواه، وعبادة بحسن الأخلاق، وكريم الخصال، وجميل الفعال.
المطمئنون بذكر الله: هم الذين تواضعوا لله فرفعهم، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وأطابوا الكلام، وصلوا بالليل والناس نيام، وفي الآخرة وجدوا ما وعدهم الله ورسوله حقا، أن دخلوا الجنة بسلام، {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} "
وتحدث عن طمأنينة أخرى مختلفة وهى طمأنينة الكفار حيث يأمنون مكر الله فقال :
"أخي الحبيب:
إن نوعا من الطمأنينة أزبدت بها أفواه كثير من الناس، وأشربت بها قلوبهم، واستملحتها عقولهم، وصار سعيهم وكدهم من أجلها، إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها سخطوا، إنها الطمأنينة الموهومة، الخلود والركون إلى هذه الدنيا، كأنهم لم يعرفوا فناءها، وأن متاعها قليل، حرامها عقاب عند الله يوم القيامة، وحلالها حساب في الدار الآخرة، تسر صاحبا بمساءة صاحب، سرورها مشوب بالحزن،
وصفوها مشوب بالكدر.
لا تطمئن إلى الدنيا وزخرفها
وإن توشحت من أثوابها الحسنا
أين الأحبة والجيران ما فعلوا
أين الذين هم كانوا لنا سكنا
سقاهم الدهر كأسا غير صافية
فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا
قال المولى جل وعلا: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}
قال ابن عباس تعالى في تفسير هذه الآية: كان ناس من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عامهم عام غيث، وعام خصب، وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا لصالح، فتمسكوا به. وإن وجدوا عامهم عام جدوبة وعام ولاد سوء، وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير. فنفوا الخيرية عن هذا الدين، فأنزل الله على نبيه صلوات الله وسلامه عليه: {ومن الناس من يعبد الله على حرف ... }.
واسمع يا رعاك الله، إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أخرجه الشيخان في صحيحيهما: «الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق، والسكينة في أهل الغنم، والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر»، فدل الحديث أن أهل الغنم هم ألين قلوبا، وأرق أفئدة، بسبب ما هم عليه من البساطة والكفاف، بعكس حال أهل الخيل والوبر؛ الذين امتلكتهم المادة، فاطمأنوا إلى زهرة الحياة الدنيا، فاستسمنوا ذا ورم، ونفخوا في غير ضرم."
والخطأ فى الحديث أن الإيمان فى اليمن والكفر فى الشرق ويخالف هذا أن الكفر والإيمان يوجدان فى كل مكان بدليل وجود كفار ومسلمين فى المدينة وفى مكة وفى غيرهما من البلاد كما جاء بالقرآن
والخطأ أن أهل الغنم مشتهرون بالسكينة وأهل الخيل والوبر مشتهرون بالفخر والرياء وهو ما يخالف أن المجاهدين المسلمين كما فى الروايات كانوا يركبون الخيل فهل أعظم المسلمين درجة " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"أصبحوا أهل فخر ورياء؟
قطعا لا والحديث يبدو وكأنه حرب من اهل الغنم على أهل الخيل والجمال
وقال الرجال :
"{إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}
{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}
* أما عند الموت والمرء في إقبال على الآخرة، في إدبار عن الدنيا، تلك اللحظات المرة، والدقائق الصعبة، والروح تخرج من الجسد إلى إحدى الدارين، إما إلى الكرامة التي أعدها الله لأوليائه، أو إلى الدار الأخرى، نسأل الله النجاة والسلامة، ففي تلك الأوقات ماذا عن الطمأنينة وأهلها؟.
يقول الرب تبارك وتعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي}
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن كما في (الدر المنثور) أنه قال في تفسير هذه الآية: (إن الله إذا أراد قبض عبده المؤمن اطمأنت النفس إليه، واطمأن إليها، ورضيت عن الله، ورضي الله عنها، فأمر بقبضها فأدخلها الجنة، وجعلها من عباده الصالحين).
وقال قتادة كما في (الدار) أيضا: (هذا المؤمن اطمأن إلى ما وعد الله).
* وللطمأنينة درجات: كما يوضح ذلك ابن القيم :
طمأنينة القلب بذكر الله، وهي طمأنينة الخائف إلى الرجاء، والضجر إلى الحكم، والمبتلى غلى المثوبة، لأن الخائف إذا طال عليه الخوف واشتد به، وأراد الله -عز وجل-أن يريحه، ويحمل عنه، أنزل عليه السكينة، فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمأن به، وسكن لهيب خوفه.
* وأما طمأنينة الضجر إلى الحكم فالمراد بها: أن من أدركه الضجر من قوة التكاليف وأعباء الأمر وأثقاله، ولا سيما من أقيم مقام التبليغ عن الله، ومجاهدة أعداء الله، وقطاع الطريق إليه، فإن ما يحمله ويتحمله فوق ما يحمله الناس ويتحملونه، فلابد من أن يدركه الضجر ويضعف صبره فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه أنزل عليه سكينته، فاطمأن إلى حكمه الديني وحكمه القدري، ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين.
* وأما طمأنينة المبتلى إلى المثوبة: فلا ريب أن المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه، واطمأن بمشاهدة العوض، وإنما يشتد به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثواب
اللهم إنا نسألك توبة تبرد قلوبنا عند الموت، وراحة بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة"
وهذا التقسيم لا دليل عليه من وحى الله فالطمأنينة فى القرآن كونها على نوعين :
الأول :
الطمأنينة بذكر الله أى طاعة أحكام الله كما قال تعالى :
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
الثانى :
الاطمئنان إلى التمتع بالحياة الدنيا كما قال تعالى :
"إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون"
اجمالي القراءات 1546