العزل ومنع الحمل : ( التشريعات الاجتماعية للمرأة )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٧ - فبراير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


العزل ومنع الحمل : ( التشريعات الاجتماعية للمرأة )
القسم الثانى من الباب الثالث : التشريعات الاجتماعية
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
العزل ومنع الحمل
أولا : لمحة أخرى عن العزل
العزل حتى أوائل العصر العباسى
ترتب على نجاح الفتوحات ان تكاثرت الجواري فأصبح للرجل الواحد أعداد منهن ، مع وجود زوجات حرائر ، وتحـرّج بعض الصحابة والمشاهير من أن تنجب له احدى الجواري ولداً يعيش حاملاً معه العار ، حيث اعتاد العرب حينئذ احتقار أبناء الجواري والغضّ من شانهم ، وظل ذلك سائداً طيلة القرن الأول الهجري ، والدليل على ذلك أن مسلمة ابن عبد الملك بن مروان كان أصلح أبناء عبد الملك في الترشيح لولاية العهد ، وهو الذي حقق انتصارات هائلة للدولة الأموية في آسيا الصغرى وأواسط آسيا ، ومع ذلك فإن أباه لم يجرؤ على ترشيحه للخلافة لأن أُمّه جارية من السبى الرومى . كان الحلُّ فى العزل ، أي " عدم انزال المنى في فرج الأنثى " طبقاً للتعريف الفقهي . وبدأ مالك هذا فى ( الموطّأ )، الذى جعل عمل أهل المدينة والصحابة والتابعين مصدرا تشريعيا .
العزل فى ( موطأ مالك )
1 ـ ذكر مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب هدد من يعزل عن جاريته ويتركها ثم تحمل بوليد بأن يُلحق به هذا المولود الذى ليس من صُلبه ، وأن عمر قال : " ما بال رجال يطأون جواريهم ثم يدعوهن فيخرجن ،والله لا تأتيني جارية فيعترف سيدها أن قد وطأها إلا الحقت به ولدها." وقد عللوا هذا بأن الناس كانوا يضيعون الجواري بين العزل والإهمال وترك الحرية لهن في الخروج من البيت فيقعن ضحية للتحرش والغواية ، ويتكاثر الأطفال اللُقطاء ، مما جعل عمر ينشىء ديوانا لرعايتهم . ولا تعجب فهو عصر السّلف الصالح جدا .! .
2 ـ ويذكر مالك أن زيد بن ثابت وطأ جارية له فحملت بولد فلم يعترف به ، وحدث نفس الشيء تقريبا مع عمر بن الخطاب إذ حملت له جارية بعد ان وطأها فقال عمر : " اللهم لا تُلحق بآل الخطاب من ليس منهم "، ثم اتضح أن الغلام المولود ابن لأحد الرعاة ، فلم يعترف به عمر .
3 ـ وقال مالك إن عامر بن سعد بن أبي وقاص روى أن أباه الصحابي المشهور " كان يعزل" .
4 ـ وأن إبن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أخبرته جارية لأبى أيوب الأنصارى أنه كان يعزل إذا وطأها . أى إن عبدا لأبى أيوب الأنصارى أخبرته جارية لأبى أيوب الأنصارى أن أبا أيوب الأنصارى كان يمارس الجنس معها وهو يعزل .. يا للصداقة الحميمة بين مملوك أبى أيوب الأنصارى ومملوكة أبى أيوب الأنصارى .
5 ـ ويذكر مالك أن رجلاً من اليمن قال لزيد بن ثابت إن لديه عدة جواري بالإضافة إلى نسائه واستفتاه في جواز العزل ، وكانت الفتوى غريبة ومضحكة وتقول : " إن شئت أعطشته وإن شئت سقيته " . وهو تعبير جنسى لا يصح أن يقرأه المراهقون .! .ولكن المهم هنا أن العزل برغبة الرجل ، ودنما إعتبار للأنثى .
أبو حنيفة
1 ـ على إن أبا حنيفة يرى أنه ( لا ينبغي أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ) ، وتعبير ( الينبغيات ) يدخل فى دائرة الوعظ ، ولا يدل على تحريم قاطع .
2 ـ ويرى أبو حنيفة أيضا إن الجارية إذا تزوجها شخص غير سيدها فلا يعزل عنها زوجها إلا بإذن سيدها ، وإن لم يكن فلا رأي لها ، إن شاء عزل عنها ، وإن شاء استمتع بها إلى النهاية .
3 ـ وأفتى أبوحنيفة بان الرجل إذا أشبع جاريته جنسياً أو بتعبيره " حصّنها " ولم يدعها تخرج فجأءت بولد لم يسعه فيما بينه وبين ربه أن يتبرأ منه . وهذا كلام جميل ، ولكن ما هو مقياس الاشباع الجنسى أو ( التحصين ) ؟
ثانيا : فى العصر العباسى
1 ـ بدأت تلك النظرة للجوارى تتغير جزئيا بعد أن نبغ كثيرون من أبناء الصحابة ، كانت أمهاتهم جواري ، ثم تغيرت كليا بتأسيس الدولة العباسية التى دمرت الدولة الأموية وتعصبها للعرب ضد الموالي ، بل صار أغلب خلفاء هذه الدولة وكبارها من أبناء الجواري . وتأثرت قضية العزل بالوضع الاجتماعي الجديد . فظلت بعض الآراء متمسكة بالعزل وأجازته ، بينما هاجمت آراء أخرى العزل واعتبرته نوعاً من أنواع الوأد او قتل البنات الذي كان العرب يمارسونه قبل الإسلام .
2 ـ ابن حنبل يكره العزل ، والبخاري يورد أحاديث تجيزه مثل حديث " كنا نعزل والقرآن ينزل ..." أما مسلم فقد جاء بأحاديث تعبر عن الرأيين المتناقضين تحت عنوان اسمه " حكم العزل " ، وكما هو معروف فإن كل فريق عزّز رأيه باصطناع الأحاديث ..
3 ـ وقد ذكر الغزالي في "الإحياء" اختلاف الفقهاء في حكم العزل على أربعة مذاهب ، منهم من يبيح مطلقا ، ومنهم من يحرمه مطلقا ، ومنهم من يوقف الأمر على رضاها ، ومنهم من يبيحه في الجارية ويحرمه في الحرة ، ويقول الغزالي :" والصحيح عندنا ان ذلك مباح " ثم حاول التوفيق بين الآراء .
ثالثا : فى العصر الحديث
1 ـ أثيرت القضية في العصر الحديث مرتبطة بالدعوة إلى تحديد النسل ، وحدث بين الفقهاء نفس الخلاف بين الإباحة والحظر ، وقد توسط الشيخ شلتوت فأباح تنظيم النسل في الحالات الخاصة في السيدات سريعات الحمل أو الضعيفات والمريضات والمنهكات من كثرة الحمل والولادة مستهديا بهدي القرآن الذي حدد الرضاع سنتين لمن أراد ان يتم الرضاعة ، وفي هذا تنظيم للنسل ورعاية له ..
2 ـ أما الشيخ سيد سابق فهو يقترب من رأي الشيخ شلتوت ويضيف إليه فقر الرجل وعدم قدرته على إعالة أولاده ، ويرى ان تنظيم النسل في هذه الأحوال قد يكون أكثر من مجرد الإباحة ن أي مندوب .
3 ـ أما الشيخ العثيمين ــ الذي تشجع بلاده كثر النسل ــ فيقول حبوب منع الحمل : (أقول انها حرام ولكن لا احبها ولا أحبذها ..)
ثالثا : رأينا فى تحديد أو ( تنظيم ) النسل
زيادة النسل مرغوبة مطلوبة في مجتمع حُرّ ديمقراطى ونشاط اقتصادى تحكمه الشفافية والمُساءلة . الانسان هنا أساس التنمية والرقى ، فهو بالتعليم والتدريب والتأهيل يكون منتجا للثروة . هناك دول فقيرة في الموارد وفقيرة في عدد السكان مثل إسرائيل ، ولكنها تحقق الدخل الأكبر بسبب ( جودة الانسان فيها ) ، وهناك دول كثيفة السكان وكبيرة في الموارد ولكن تعانى من الفقر والتخلف ، مثل مصر .!.
2ـ في دول الاستبداد التي تعانى من كثافة السكان وزيادة المواليد يعمل المستبد على تحديد النسل لأنه يراه عبئا عليه . إن المستبد يحتكر هو وقومه المترفون الثروة والسلطة ويتداولون الفساد فيما بينهم ، ولا ينفقون على التعليم والخدمات ، ويرون زيادة المواليد عبئا على الميزانية الدولة التي هي في جيوبهم . ينفقون البلايين بذخا وإسرافا ومشروعات وهمية ودعائية ، ولا ميزانية حقيقية للتعليم والرعاية الاجتماعية والصحية . المستبد هو أعدى أعداء الشعب ، وهو الأخطر على أطفال الشعب ، وهو يقتلهم بعد ولادتهم ، ويقتلهم مقدما قبل وجودهم بزعم تحديد النسل !.
بين إسرائيل ومصر
1 ـ اليهود هم بضع وعشرون مليون نسمة فقط ، ولكنهم يسيطرون على العالم علميا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا . السبب هو تعليم الأطفال . حافظ اليهود على تراثهم التوراتى في بيوتهم وفى حاراتهم ومؤسساتهم الدينية ، وساعدهم هذا في تماسكهم وشعورهم بالتميّز . ونشّأوا أطفالهم على هذا. يتعلم الطفل اليهودى عدة لغات بجانب لغة الوطن الذى يعيش فيه ، ويستوعب أضعاف غيره في العلم والتعليم . اليهود في سيطرتهم على الغرب أسّسوا دولة إسرائيل ، ولأن مصر هي الأكبر والأكثر سكانا فقد حرصوا على تحطيمها من الداخل . وستثبت الأيام أنهم هم الذين صنعوا فراعنة مصر من عبد الناصر الى السيسى ( وربما من سيأتى بعدهم ) . ولقد بات واضحا الآن أن عبد الناصر هو الذى أنهزم أمامهم طواعية عام 1956 ، وعام 1967 ، والشعب المصرى في طفولته العقلية كان ـ ولا يزال ــ يقدس هذا الفرعون الذى صنعته إسرائيل . قبل عبد الناصر وحكمه العسكرى كانت أنجلترة التي تحتل مصر مدينة لمصر ب 55 مليون جنيه استرلينى . ( كم يساوى هذا المبلغ في أيامنا هذه ) . الآن تمخّض جبل عبد الناصر فولد فأرا اسمه السيسى ، وقد بلغت ديون مصر في عهده مئات البلايين من الدولارات ، وأصبح يستدين ليس لسداد الديون بل لدفع فوائد الديون ، ومطلوب من الأجيال القادمة أن تسدد هذه الديون .
2 ـ حكومة إسرائيل تحرص على حياة الفرد الاسرائيلى ، بل تحرص على دفنه في إسرائيل لو مات أو قُتل خارج إسرائيل . والعسكر المصرى ـ المنهزم دائما ـ ينتصر ــ دائما ــ على الشعب المصرى الأعزل ، ولا يتورع هذا العسكر عن إقامة المذابح للمصريين ، لارهابهم والمزيد من خنوعهم .
3 ـ إسرائيل بعدد سكانها وقلة مسحتها هي جزيرة صغيرة وسط محيط شاسع في كوكب المحمديين . هذا من حيث الكمّ والعدد والمساحة . ولكن من حيث الكيف فهى الأكبر . عدد الإسرائيليين بضع ملايين ، ولكنهم لا يواجهون سوى حوالى عشرين من الأفراد فقط ، هم عدد الفراعنة في كوكب المحمديين ، وهم خاضعون للنفوذ الاسرائيلى .
الشعب المصرى الآن يزيد قليلا عن مائة مليون ، ويعيش منهم مائة مليون ( فقط ) في ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ، يرقصون ــ بلا وعى ــ على أنغام العسكر والأزهر ..
4ـ : إسرائيل دولة ناشئة وصغيرة وقليلة السكان وضئيلة المساحة ، ولكن بدأت بانتخابات ديمقراطية وجلب اليهود المتعلمين من شتى بلاد العالم ، وتعيش في حالة توجّس من جيرانها وخوف على مستقبلها وتوقع عمليات ( إنتحارية ) ، أي في حالة حرب وطوارىء مستمرة ، ولكن لم يحدث أن فرضت قوانين للطوارىء . تعداد السكان حوالى 10 مليون ، منهم حوالى الخُمس من العرب الاسرائيليين . برغم ظروفها الأمنية والحربية فمتوسط عمر الفرد حوالى 82 عاما . الناتج المحلى للفرد حوالى 39 آلاف دولار في العام ، ومع نفقات التسليح فهى أكبر أول دولة في العالم في الإنفاق على البحث العلمى على المستوى الفردى، وتحتل المرتبة الخامسة في العالم في البرمجيات والاتصالات وعلوم الحياة ، ويوجد فيها 140 عالما لكل عشرة آلاف مواطن ، وهو أعلى رقم في العالم ، بينما يوجد في الولايات المتحدة 85 فقط .! ، وحصل فيها ستة على جائزة نوبل في العلوم من عام 2004 . والحديث في هذا يطول ، ولكنه يدخل في صناعة الانسان ، منذ طفولته ،وليس صناعة الديكتاتور .
5ـ مصر : أقدم دولة في العالم ، وأكبر مُنتج للفراعنة . وفيها أكثر من 100 مليون نسمة ، وتزيد مساحتها عن مليون كم مربع ، وفيها إمكانات هائلة زراعية وسياحية ومناخية وثروات بترولية ومعدنية وبحرية . ولكن الناتج المحلى للفرد حوالى 12 آلاف دولار فقط في العام ، وبها أكبر نسبة فقر ، وأقل مستوى في جودة التعليم وفى حرية التعبير وفى الشفافية . ومتوسط العمر فيها حوالى 24 عاما فقط .! النظام العسكرى قام بتضييع الثروة المصرية وقهر المواطن المصري مع تضييع لجزيرتين مصريتين وحقوق مصر في غاز البحر المتوسط والنيل . ثم ما شاع مؤخرا عن قيام العسكر بخطف آلاف من أطفال الشوارع ، وقتلهم وبيع أعضائهم . وهذا يتسق مع إهمال متعمد للتعليم والصحة وإهدار البلايين المُقترضة من الخارج في رفاهية المترفين وترك مدارس الأطفال بلا مقاعد للجلوس عليها .
6 ـ لذلك يتبنّى العسكر فى مصر سياسة منع الحمل ..بينما يحاربهم المصريون بزيادة السكان ..
أخيرا
الشعب الذى يصنع المستبد لا يستحق الشفقة .!!
اجمالي القراءات 2414