عزمت بسم الله،
يقول تعالى:
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(239). البقرة.
أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمحافظة على الصلوات والقيام لله قانتين، ومباشرة أنبأنا سبحانه إن كان هناك خوفا من مكروه (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ) معنى ذلك في نظري أن الصلاة لم ترفع عن المؤمنين مهما كانت الظروف التي هم فيها، فعليهم بالقيام باتصال مباشر مع ربهم، سواء كانوا في حضر أم في سفر أم في حرب أم في حيض أو نفاس أو حتى في حالة احتضار، فعلى المؤمن تأدية فريضة الصلاة في وقتها، فلم يكلف الله نفسا إلا وسعها، فعلى العبد أن يقيم جميع صلواته وجميع العبادات لله تعالى وحده خالصا قانتا خاشعا، راجيا ثوابه خائفا من عقابه من ترك فريضة، فإذا كانت صلاته وجميع عباداته لله وحده، فإن تلك العبادات لا محالة تأثر في سلوكه وحياته اليومية، فتنهاه عن الفحشاء والمنكر والبغي بغير حق، كأن لا يحض على طعام المسكين ويدعُّ اليتيم، فويل له لسهوه عن صلاته إن لم يحافظ عليها وهو قانتا خاشعا لله تعالى وحده، ويوم يسألون (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)). فيكون جوابهم ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)). المدثر. ولم يقولوا
لم نكن نصلي لأنهم كانوا يصلون، لكن لم يكونوا يحافظون على الصلوات ولم يقيموا لله قانتين خاشعين عابدين، لتكون صلاتهم سببا في هدايتهم لاجتناب
المحرمات، فيكون قنوتهم وخشيتهم لربهم واقيا من محبطات الأعمال. أما الذي يحافظ على أداء الصلاة الشكلي والمظهري ويقيم العبادات يرائي الناس بها ويتظاهر أمامهم بالتقوى والورع، فيطيل لحيته ويقصر جبته إلى ما فوق الكعبين، فهذا لن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر.
ولننظر ما يقوله تعالى في صلاة الضرب في الأرض ( السفر) :
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(100).
نتوقف عند قوله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ).
أولا: نلاحظ أن الله تعالى قال في بداية الآية "100" (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) معنى ذلك أن المؤمن هاجر الموطن الذي لم يجد فيه حريته الكاملة في الحفاظ على الصلوات وذكر الله، فخرج من بيته مهاجرا إلى الله ليتمكن من القيام لله قانتا محافظا على الصلوات والصلاة الوسطى، فكل هذا مفهوم لكن كيف يهاجر إلى رسول الله؟؟؟ حيث أن الآية جاء فيها: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ). نعم لقد هاجر المؤمنون إلى الله ورسوله من مكة إلى يثرب وهذا صحيح، ويمكن للمؤمنين في ذلك الوقت أن يحافظوا على الصلوات وهم مهاجرون رجالا وركبانا إلى حيث يجدون الأمن ليذكروا الله كما علمهم ما لم يكونوا يعلمون، لكن بعد ذلك العهد وفي أيامنا مثلا كيف يهاجر المؤمن إلى رسول الله وهو قد توفاه الله منذ قرون؟؟؟
الجواب على ذلك في نظري هو أن الهجرة في العهد الأول كانت في سبيل الله ونصرة لرسول الله كما قال عيسى ابن مريم عليهما السلام : (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52).آل عمران ). لكن بعد وفاة الرسول محمد (عليه الصلاة وأزكى السلام) لم يبق معنى الرسول، إلا الرسول الحي الذي لا يموت بموت الرجال، ويبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو ( الرسالة أو الكتاب) الذي أنزل على محمد وهو الحق، وهو الذي يهاجر إليه المؤمنون ويكونوا بذلك قد هاجروا إلى الله ورسوله.
ثانيا: لننظر ماذا أُمر به الرسول في حالة الضرب في الأرض و وجود الخوف من الذين كفروا، يقول منزل الرسالة سبحانه: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا(101). النساء.
نلاحظ أن الله تعالى أذن للمؤمنين (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ) حين الضرب في الأرض لكن بشرط وجود الخوف من فتنة الذين كفروا لأنهم كانوا لكم عدوا مبينا.( إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا ). لنرى كيف بين الرسول، للرسول عليه السلام القصر من الصلاة في حالة الخوف من العدو.
• إن الله تعالى يبين لرسوله بالتفصيل الدقيق ما يبلغه للمؤمنين في حالة الخوف والحرب فيقول سبحانه: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا(102). النساء.
• فهل هذه الآيات غير مبينة وغير مفصلة حتى نحتاج إلى من يشرحها لنا بعد موت مبلغ الرسالة محمد بن عبد الله عليه الصلاة بحوالي قرنين من الزمن رواية عن آبائهم وأجدادهم؟؟؟
• نلاحظ أيضا أن الله تعالى هو الذي تولى القيادة العامة وتوضيح القيام بالصلاة في حالة الخوف والحرب، حتى راحة المحاربين تولاها بقدرته وعلمه سبحانه، (إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) ولم يشترط على المقاتلين الطهارة للصلاة كما جاء في الأمر عند القيام إلى الصلاة في الحالة العادية فقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(6).المائدة). بل هو الذي ينزّل عليهم من السماء ماء ليطهرهم به ويذهب عنهم رجز الشيطان وليربط به على قلوبهم ويثبت به الأقدام. يقول سبحانه: (إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ(11)). الأنفال.
• فهل أذن الله للمسافر أو الضارب في الأرض القصر من الصلاة حتى في حالة اطمئنان؟؟؟
كلا بل أمر سبحانه قائلا: فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(103).النساء.
أي أن القصر من الصلاة لم يأذن به الله إلا في حالة الخوف من عدو أو الحرب فقط، لأنه سبحانه اشترط في القصر من الصلاة وجود الخوف، فإذا زال الخوف وجب على المؤمن إقام الصلاة كما علمنا الله ما لم نكن نعلم. (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ). البقرة 239.
فلو رجعنا إلى الروايات في القصر من الصلاة لوجدنا فيها اختلافا كثيرا، بين قائل يجب على المسافر القصر من الصلاة وجوبا بمجرد أن يخرج 12 فرسخا أو كيلو عن موطنه أو مسقط رأسه، ـ لا أدري هل موطنه هو الدولة التي ينتمي إليها أو القرية أو المدينة التي يسكنها أو الكرة الأرضية؟؟؟ ـ على كل صدق الله العظيم حيث يقول: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(82). النساء.
ولعل التعبير الصحيح يكون: صلاة الخوف لأن الظاهر أن التقصير في الصلاة هو نتيجة الخوف وليس نتيجة السفر. ومن الوارد جدا أن الخوف محتمل في السفر.
ثالثا: أضع بين أيديكم ما نسب من الاختلاف والتقول على الرسول محمد (عليه الصلاة وأزكى السلام ) رواية عن الموتى بعد حوالي قرنين من وفاته، جاء فيها ما يلي:
1. باب صلاة المسافرين وقصرها 685 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ثم فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر .
صحيح مسلم ج 1 ص 478 قرص 1300.
2. 687 حدثنا يحيى بن يحيى وسعيد بن منصور وأبو الربيع وقتيبة بن سعيد قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن بن عباس قال ثم فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة .
صحيح مسلم ج 1 ص 479 قرص 1300.
3. باب الجمع بين الوقوف في الحضر 705 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا خوف ولا سفر.
صحيح مسلم ج 1 ص 489 قرص 1300.
4. 1040 حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر قال الزهري فقلت لعروة ما بال عائشة تتم قال تأولت ما تأول عثمان.
صحيح البخاري ج 1 ص 369 قرص 1300.
5. 3720 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأول تابعه عبد الرزاق عن معمر.
صحيح البخاري ج 3 ص 1431 قرص 1300.
6. باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح 4046 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان وحدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال ثم أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرا نقصر لصلاة 4047 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم عن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما قال ثم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين 4048 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن عاصم عن عكرمة عن بن عباس قال ثم أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر تسع عشرة نقصر لصلاة وقال بن عباس ونحن نقصر ا بيننا وبين تسع عشرة فإذا زدنا أتممنا.
صحيح البخاري ج 4 ص 1564 قرص 1300.
7. باب في كم يقصر الصلاة وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا وكان بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا.
صحيح البخاري ج 1 ص 368 قرص 1300.
8. 686 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا عبد الله بن إدريس عن بن جريج عن بن أبي عمار عن عبد الله بن بأبيه عن يعلي بن أمية قال ثم قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.
صحيح مسلم ج 1 ص 478 قرص 1300.
9. في مسيرة كم يقصر الصلاة 8113 حدثنا أبوبكر قال حدثنا هشيم عن أبي هارون عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فرسخا قصر الصلاة.
مصنف ابن أبي شيبة ج 2 ص 200 قرص 1300.
الصحابة كعمر وإبن عباس وجبير بن مطعم إن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة رواه مسلم عن إبن عباس ثم إن حديث عائشة قد رواه إبن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين وقال فيه الأوزاعي عن إبن شهاب عن عروة عن عائشة قالت فرض الله الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين الحديث وهذا إضطراب ثم إن قولها فرضت الصلاة ليس على ظاهره فقد خرج عنه صلاة المغرب والصبح فإن المغرب ما زيد فيها ولا نقص منها وكذلك الصبح وهذا كله يضعف متنه لا سنده وحكى إبن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة وهو قول الشافعي وهو الصحيح على ما يأتي بيانه إن شاء الله ومذهب عامة البغداديين من المالكيين أن الفرض التخيير وهو قول أصحاب الشافعي ثم اختلفوا في أيهما أفضل فقال بعضهم القصر أفضل وهو قول الأبهري وغيره وقيل إن الإتمام أفضل وحكى عن الشافعي وحكى أبو سعيد الفروي المالكي أن الصحيح في مذهب مالك التخيير للمسافر في الإتمام والقصر قلت وهو الذي يظهر من قوله سبحانه وتعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إلا أن مالكا رحمه الله يستحب له القصر وكذلك يرى عليه الإعادة في الوقت إن أتم وحكى أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة قال القصر في السفر للرجال والنساء سنة قال أبو عمر وحسبك بهذا في مذهب مالك مع أنه لم يختلف قوله أن من أتم في السفر يعيد ما دام في الوقت وذلك إستحباب عند من فهم لا إيجاب وقال الشافعي القصر في غير الخوف بالسنة وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة ومن صلى أربعا فلا شئ عليه ولا أحب لأحد أن يتم في السفر رغبة عن السنة وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل للرجل أن يصلي في السفر أربعا قال لا ما يعجبني السنة ركعتان وفي موطأ مالك عن إبن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل عبدالله بن عمر فقال يا أبا عبدالرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال عبدالله بن عمر ياإبن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنا نفعل كما رأيناه يفعل ففي هذا الخبر قصر الصلاة في السفر من غير خوف سنة لا فريضة لأنها لا ذكر لها في القرآن وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفرا وخوفا واجتمعا فلم يبح القصر في كتابه إلا مع هذين الشرطين ومثله في القرآن ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح الآية وقد تقدم ثم قال تعالى فإذا أطمأننتم فأقيموا الصلاة أي فأتموها وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أربع إلى إثنتين إلا المغرب في اسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى الله عليه وسلم زيادة في أحكام الله تعالى كسائر ما سنه وبينه مما ليس له في القرآن ذكر وقوله كما رأيناه يفعل مع حديث عمر حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غير خوف فقال تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته يدل على أن الله تعالى قد يبيح الشئ في كتابه بشرط ثم يبيح ذلك الشئ على لسان نبيه من غير ذلك الشرط وسأل حنظلة إبن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتان قلت فأين قوله تعالى إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ونحن آمنون قال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا إبن عمر قد اطلق عليها سنة وكذلك قال إبن عباس فأين المذهب عنهما قال أبو عمر ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث لأنه لم يسم الرجل الذي سأل إبن عمر وأسقط من الإسناد رجلا والرجل الذي لم يسمه هو أمية بن عبدالله إبن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف والله أعلم الثانية واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة فقال داؤد تقصر في كل سفر طويل أو قصير ولو كان ثلاثة أميال من حيث تؤتي الجمعة متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ شعبة الشاك صلى ركعتين وهذا لا حجة فيه لأنه مشكوك فيه وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك والله أعلم قال إبن العربي وقد تلاعب قوم بالدين فقالوا إن من خرج من البلد إلى ظاهره قصر وأكل وقائل هذا أعجمي لا يعرف السفر عند العرب أو مستخف بالدين ولولا أن العلماء ذكروه لما رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني ولا أفكر فيه بفضول قلبي ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في القرآن ولا في السنة وإنما كان كذلك لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا وإن مشى مسافرا ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا كما أنا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها وهذا هو الصحيح لأنه وسط بين الحالين وعليه عول مالك ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه وروى مرة يوما وليلة ومرة ثلاثة أيام فجاء إلى عبدالله بن عمر فعول علي فعله فإنه كان يقصر الصلاة إلى رئم وهي أربعة برد لأن إبن عمر كان كثير الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم قال غيره وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا وإنما يكون في السفر الطويل الذي تلحق به المشقة غالبا فراعى مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام لأنه لم يرد بقوله مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم وفي البخاري وكان إبن عمر وإبن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا وهذا مذهب مالك وقال الشافعي والطبري ستة وأربعون ميلا وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على خمسة وأربعين ميلا.
تفسير القرطبي ج 6 ص 352.
ـ أعزائي القراء هل بينت لكم الروايات المختلفة وفصلت ما لم يكن مبينا مفصلا في كتاب الله؟
ـ هل لو تدبرنا في الروايات المتناقضة والمختلفة فيما بينها، هل نصل إلى كلمة سواء ونعمل بها بكل اطمئنان راجين بذلك ما عند الله من الأجر و الثواب؟
ـ هل لو ضربنا عرض الحائط كل تلك الروايات، واستمسكنا بالذي أوحي إلى الرسول وبلّغه، وهو أحسن الحديث كتابا فقرأنا فيه قوله تعالى:
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا(101). النساء.
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(239). البقرة.
فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(103).النساء.
أقول هل لو اكتفينا بالقرآن وحده كما نكتفي بإله واحد، هل نفهم بكل وضوح أن الله تعالى قد رفع عنا الحرج لنقصر من الصلاة في حالة الضرب في الأرض أوالخوف من عدو فقط؟ وهل عند زوال الخوف وجب علينا إقام الصلاة كما علمنا ما لم نكن نعلم أم نقصر رغم الطمأنينة؟
ـ هل القصر من الصلاة في السفر من غير خوف من عدو مما أوحى الله إلى رسوله ليبلغه للناس؟
ـ هل لو أتممنا الصلاة وأقمناها في حالة طمأنينة كما علمنا الله نكون من الضالين، أم من الذين هداهم الواحد إلى الصراط المستقيم وأنعم عليهم؟؟؟
ـ ختاما في نظري لا يجوز القصر من الصلاة إلا في حالة الخوف فقط.
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.
لقنت في عصر الشباب حقائقــا** في الدين تقصر دونها الأفهام
ثم انقضى عصر الشباب وطيشه ** فإذا الحقائق كلها أوهـــام.
صدق معروف الرصافي.