دليل الثورات النموذجي 2» في الأرجنتين.. الثوار عادوا للمنازل.. فتحولت «الفترة الانتقالية

في السبت ٢١ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

دليل الثورات النموذجي 2» في الأرجنتين.. الثوار عادوا للمنازل.. فتحولت «الفترة الانتقالية» إلى جحيم

عرضنا لكم في الحلقة الماضية كاتالوج الثورات، الكاتالوج الذي سارت على خطواته وفي هداه أغلب الثورات الحديثة، وربما ارتكبت الأخطاء نفسها ووصلت إلى نفس النتيجة.

وفي هذه الحلقة سوف نتعرف سوياً على أيام الغضب في الأرجنتين، أو الثورة الأرجنتينية التي قامت أيم 19 و20 ديسمبر 2001، لماذا انتفضوا وكيف؟ هل استُغلّت ثورتهم؟ هل ضاعت؟ هل أنقذت؟ هل كان من أقنعهم بأنهم نجحوا بينما هم في الفشل قابعين؟

على أي حال سنتعرف في السطور القليلة القادمة كيف أن الثورة الأرجنتينية طبّقت كاتالوج الثورات بحذافيره ونرى وندقق ونعتبر ففي الاعتبار انتصار..

1-    كتم الصوت وتنظيف الجيوب

الحكاية بدأت في عام 1997 عندما بدأ الركود العالمي في العالم كله والذي ألقى بظلاله بدون أدنى شك على الأرجنتين أيضاً، لأن الأرجنتين دولة صناعية بالأساس تعتمد في اقتصادها على تصدير السلع الغذائية كالحبوب والقمح إلى دول العالم بأسعار أرخص من غيرها لأن العمالة لديها منخفضة الأجور وبالتالي فهي تحقق أرباحا عالية.

وبالتالي كانت الأزمة العالمية ضربة قوية لها، ولكن حكومة مينيم التي كانت تتولى الأمور في تلك الفترة تعاملت مع الأمر بشئ من العند فبدلا من تنويع مصادر الاقتصاد من اقتصاد زراعي بحت إلى اقتصاد زراعي صناعي، لم يمانع من أن يدفع الدول المستوردة عليها، وكان ذلك يكون من خلال الاقتطاع من أجور المواطنين المطحونين بالأساس بينما الأرباح والعائدات يتم توجيهها إلى سداد العجز في الميزانية للدول الغربية أو في تحويل الصناعة الاقتصادية من زراعية إلى أخرى صناعية.

تمادت الشركات الصغيرة من الاقتطاع من أجور العمال  وانخفضت المبيعات بنسبة 21% ، 40% من السكان باتو تحت خط الفقر، الميزانية تورمت اقتصادياً وأصبحت الدولة تنفق أكثر من دخلها، بدأت الأموال الأجنبية من الهروب خارج الدولة.

بدون الدخول في تفاصيل رقمية كثيرة يتعثر على البعض فهمها، فكل ما نريد أن نعرفه مما  أن الأوضاع في الأرجنتين كانت أوضاع اجتماعية اقتصادية شبه منهارة.

وفضلا عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة فالوضع السياسي هو الأخر لم يبد على أفضل حال بعد الانتخابات بعد أن جرت انتخابات برلمانية في مطلع العام الذي قامت فيه الثورة عام 2001، وامتنع أكثر من 10 مليون عن التصويت من أصل 32 مليون هم إجمالي عدد السكان نحذف منهم الأطفال، وحتى الأقلية التي قامت بالتصويت أعطى ما لايقل عن مليون شخص منهم للأحزاب اليسارية كشكل من أشكال الاحتجاج ورفض النظام السائد أكثر منه انجيازاً لأفكارها.

2-    الخروج من القمقم

الظلام يكاد يعم البلاد، الغضب في النفوس بلغ ذروته، تناولت سيدة في عقدها الرابع من العمر أحد الأنية المعدنية وطرقت عليها بغضب مرددة "أريد أن أكل" فتابعتها في تناغم لحظي غير مقصودا بيوتا أخرى أناس أخرون يكررون الفعل ذاته.

بدأت الجماهير في النزول للشوارع، وبدأت الأعداد تتزايد بدون تنسيق مسبق، بدأ الفقراء يتجمعون أمام المحلات ويهاجمون المطاعم وينهبون السوبر ماركت، وبدأت حالة من الغضب العارم.

بسبب تدهور الأوضاع فخرجت الجموع الغفيرة إلى الشارع، حاملة الأواني وتطرق عليها في تعبير عن هدف الثورة الاقتصادي وحالة الجوع التي يعانون منها، وقتلت الشرطة منهم من قتلت وسحلت من سحلت حتى جاء قرار إقالة وزير الاقتصاد يوم 19 ديسمبر مساءً.

أعلن عن تطبيق إصلاحات سريعة استجابة لمتطلبات المحتجين ولكن سبق السيف العزل في بيونس آيرس ، ولكن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للمتظاهرين الغاضبين الذين يعلو سقف مطالبهم يوماً بعد الأخر فلم يجد الرئيس الأرجنتيني في وقتها دولا روا بداً من الهرب خارج البلاد.

نعم عن الأرجنتين أتحدث، عن ثورة 19 و20 ديسمبر 2001 يدور هذا الحديث في محاولة لفهم وتحليل الطريق الذي تسلكه الثورات، ومعاييرها في الصواب والخطأ وكيف استفادة من أخطائها وما هي تلك الأخطاء من الأساس.

وفرض الرئيس دولاروا حظر التجول في البلاد، وبعد أن انتهى من خطابه استمر طرق الأواني في البيوت تعبيراً عن الجون والحالة الاقتصادية المضنية في البلاد، ونزلت الجماهير للشوارع مرة أخرى في ميدان بلازا دومايو خرقا لحظر التجول المفروض وبات هناك شعار أساسي لهذه الحركة "أخرجوووهم".

قوات الشرطة التزمت الصمت في البداية، لم تتعرض للمتظاهرين، ولكن الأعداد تزايدت، فبدأ التدخل بكل قوة ممكناً، وأقيمت المتاريس وأطلقت القنابل المسيلة للدموع وتحولت الشوارع لحالة حرب حقيقية سقط فيها أكثر من 20 قتيلا في اليوم الأول وفي العاصمة فقط ومثلهم في كافة أنحياء البلاد.

عاود الجماهير للنزول في اليوم التالي يوم الخميس 20 ديسمبر في الميدان نفسه ولكن تعلموا من خطأ اليوم الأول فأصبحو جماعات يضمون نساءً وأطفالاً وبالتالي لم يعد ممكناً لقوات الشرطة أن تهاجمهم بهذا العدد.

3-    سيناريو الفوضى.. اشربو يا ثوار

انطلقت وسائل  الإعلام الأرجنتينية تتحدث عن الفوضى العارمة في كل أنحاء البلاد، خاصة بعد أن انطلق الكثير من المحتجين إلى سلاسل المحلات والمطاعم (فرانشايز) ينهبون كل ما فيها مثل ماكدونالدز وغيرها، خرج زعيم الحزب الحاكم في مجلس الشيوخ يتحدث عن حرب أهلية على وشك أن تقع، وتوقفت الحكومة عن سداد ديونها، بدأ المعلقون يتحدثون عن سقوط الدولة، ضباط الجيش يؤكدون أنهم لن يتدخلون لصالح طرف ضد طرف وأن همهم في حال تطور الأمور لفوضوية أكثر من ذلك هو الحفاظ على الشكل النظامي داخل الجيش.

4-    سقوط رأس النظام

على الرغم من محاولة الرئيس دولاروا تهدئة ثائرة الجماهير الغاضبة بإقالة كافالي وزير المالي الذي ينسب إلى أدائه جزءً كبيراً من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلا أن الجماهير التي كانت قد خرجت للشوارع بنداء أريد أن أكل غيرت الشعار إلى أخرجوهم ويقصدون كلاهما، وزير المالية والرئيس، وبالتالي إقالة كفالي فقط أثارت غضبهم وأعادتهم إلى مبنى البرلمان لتشتعل الأوضاع هناك.

وتحت وطأة الضغط الجماهيري وفي شهر يناير من العام 2002 أي بعد أيام قليلة جدا من خروج الجماهير للشارع تم تعيين إدوارد دوهالدي قائدا للمرحلة الانتقالية  وأشادت كافة وسائل الإعلام العالمية وقتها بالثورة الأرجنتينية السلمية، وبالتحول الديمقراطي والسياسي، وبانتصار الثورة .

وبدأت وسائل الإعلام في التأكيد على أن عمليات بيوت أبناء الطبقة المتوسطة تتعرض للسرقة من قبل عصابات الطبقات الفقيرة والجياع في محاولة لإشعال فتيل الحرب الأهلية.

ولكن –وعلى الرغم من أن دوهالتي حاول أن يحسن من تدهورالاقتصاد- إلا أن النمو الذي كان يشيد به البنوك الدولية لم يكن يشعر به المواطن العادي وكانت الأرجنتين دائمة الافتخار بأن معدل النمو لديها بلغ 8.7% إلا أن المواطن العادي لم يشعر بذلك حيث كانت الاستثمارات الضخمة ترسل أرباحها للخارج ولا تضخها في السوق وتعتمد على تقليل العمالة قدر الإمكان وبالتالي أصبحت الأرجنتين بلد بها كثير من الأموال ولكن خارج حدودها وخزائنها.

1-    انتهت الثورة يا ثوار ارجعو بيوتكو زي الشطار

سارعت القيادات العمالية الهامة بدعم الحكومة والرئيس الجديدين وأخذو يهمشو من أهمية المحتجين في الوقت الحالي ويؤكدون أن الثورة أنجزت أهدافها وحققت التغيير المنشود وأن الثوار راضون عن هذا التغيير في الوقت الذي شكل فيه الثوار قيادات وتنظيمات منفصلة بعد أن وجدو أن كثيرين يتحدثون باسمهم دون أن يمثلوهم بالفعل.

وبدأت وسائل الإعلام في التأكيد على أن الثورة أتمت وأنجزت أهدافها وأن الجماهير تملأ الشواطئ حالياً وأنه لم يبق بالشوارع غير اللصوص وقطاع الطريق وأنه يجب على الجميع أن يعودو إلى بيوتهم ويبدأو العمل من جديد.

2-    مذبحة المماليك تتكرر من جديد

لم ينس رئيس تلك المرحلة الانتقالية الذي أتى عقب قيام الثورة الأرجنتينية كيف كان مشهد خروج الأرجنتينين إلى الشوارع وكان يتوقع تكراره في أي لحظة طالما استمرت تلك الحالة الثورية، وبالتالي أخذ في تفكيكها دون أن يتعرض للثورة نفسها، فبينما كان يغازل مشاعر الثوار ويخدرها بامتداحها وامتداحهم كان يدفع لعصابات الشوارع 50 بيزو يوميا كي يقومو بأعمال تخريبية تنسب لمن يصرو على البقاء في الشوارع حتى الآن وبالتالي تتسع الهوة بينهم وبين الشعب.

بدأت قيادات النقابات العمالية في عزل وتهميش الحركات النقابية الشبابية التي تقود الشوارع، وأخذت بتكليفات من الرئيس ومساعدوه بتعميق الهوة بينهم وبين الشعبن وبدأ إبعادهم عن أي مناصب قيادية من شأنها أن تؤثر في اتجاهات الرأي العام.

3-    انتخابات ثورية صورية

 بعد عامين كاملين شعر الثوار أن العجلة لم تدر وأنهم بعدهم عند النقطة التي وقفو عندها رغم تقارير البنك الدولةي التي تشيد بارتفاع معدلات النمو ولكن هذا النمو بقى على ما يبدو داخل خزائن الدولة ولم يترجم بشكل فعلي إلى رخاء في المعيشة.

فعلى الرغم من محاولة دوهالدي التغلب على المشاكل الاقتصادية التي ألمت بالبلاد ولكن بدون التعامل مع جذور المشكلة التي قامت بسببها الثورة مثل عدم إقامة مشاريع طويلة المدى أو الاستعانة بالعمالة الأجنبية أو عدم ضخ الأرباح في السوق الأرجنتينية بدلا من تحويلها للخارج أو حتى التوقف عن سداد الفوائد للدول الأجنبية على الصادرات الأرجنتينية لدولها.

وكما تؤكد الدراسات التي أجريت على الثورة الأرجنتينية فقد كان يعيبها عدم وجود قائد واضح لها وهو ما تسبب في عدم قدرتهم في الضغط على الحكومات المتعاقبة من أجل تنفيذ الأهداف الرئيسية التي ثارو من أجلها مثل إعادة هيكلة الاقتصاد بصورة عادلة فتفرقت التيارات الليبرالية واليسارية واليمينية التي كانت متوحدة أيام الثورة إلى مجموعات صغيرة تفتقر للفاعلية المطلوبة.

وكنتيجة لما سبق خرج الأرجنتينيون للشوارع في مظاهرات ضخمة في كل شوارع العاصمة بيونس آيرس والأرجنتين بصفة عامة لإسقاط دوهالتي الذي أعلن بسرعة عن إجراء انتخابات رئاسية في مايو 2004 وجاء الرئيس كريشنر، الذي نجح في رفع معدل النمو وخفض معدلات البطالة من 20% عام 2002 إلى 9% عام 2009 ومعدل الفقر من من 50% إلى 27%، ونجح في تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية حيث استمرت الضغوط الشعبية على الرئيس الجديد حتى يطبق إصلاحات وعد بها سالفه ولم ينفذها.

وفي عام 2007 ترشحت زوجة الرئيس كريشنر لمنصب الرئاسة وفازت بالفعل وجدد الشعب الأرجنتيني الثقة فيها من جديد في أكتوبر 2011 قبل أن يصيبها مرض السرطان الغدة الدرقية.

وتعتبر الأرجنتين حالياً ثالث أقوى اقتصاد في أمريكا اللاتينية بعد أن نما اقتصادها بنسبة 9% في زيادة مضطردة عام بعد الأخر.

لا تعليق

تابعونا في الحلقة القادمة لنتتبع خطوات الثورة الرومانية

المراجع المستخدمة

كريس هارمان، الأرجنتين الثورة على حافة الأزمة العالمية، مركز الدراسات الاشتراكية، 2004

اجمالي القراءات 4242