إِنّي أَتَّذكّرْ
إِنّي أَتَّذكّرْ
لوحاً خشبياً ٍ نركَبُهُ
يجري خلفَ حصانٍ أَحْمَرْ
و صراخَ سنابلِ قمح ٍ تتكسَّرْ
إِنّي أَتَّذكّرْ
محراثَ أبي
مِذراةَ أبي
غُربالَ أَبي
أكوامَ القمحِ على اٌلبيدَرْ
إِنّي أَتَّذكّرْ
دكان أبي و زبائِنَهُ
و (جميلَ) الأشعَثَ و الأَغْبَرْ
يلبسُ( قمبازاً) لم يُغسَل ْ
من عشرِ سنينٍ أو أكثَرْ
و لهُ ذقنٌ طال َ..فأضحى
كَحُزْمَة سيقانِ الشُّومَرْ
يرمي في كَفَّةِ ميزانِ الدُّكانِ قُروشاً
ثمناً للشاي ِأو السَّردينِ أو السُّكَرْ
و( جميلُ) الأشعثَ و الأَغْبَرْ
يسكُن قبواً مهجوراً من عَهدِ الأتراكْ
لا يحوي باباً أو شُباكْ
لا فيهِ سِراجٌ أو أيُّ مَتاعٍ يُذكَرْ
كُنّا نعجبُ كيف َ ينامُ بِحِضْنِ العَتْمَهْ
و سألتُ أبي عن قِصَّتِهِ
و أجابَ أبي :
(كان جميلٌ صاحبَ أمْلاكْ
و ذكيَّاً جداً
كالآتي من وادي عبقَرْ
لكنَّ جميلاً أَصبحَ مختلَّ العَقْلِ
قالوا : إنَّ الجِِنِيَّةَ حَلَّتْ فيهْ
و أَخوهُ الأكبر
جرَّبَ كَمَّاً من تعويذاتِ العَرافينْ
وَ أَحجِبَةً لا يعلمُ ما فيها
إلا اللهُ ، و من حَضَّرَها )
حين اكْتَشَفوا جُثَّتَهُ في القَبْوِ المهجورْ
كانت تحرُسُها أَعدادٌ من طيرِ السِّمَّنِ و الشَّحْرور
شيَّعهُ عَشْرَةُ أَشخاصٍ أوْ أَكثَرْ
إِنّي أَذْكُرُ ما لا يُذْكَرْ
موتَ جَميلٍ
وَثَرِيَّاً يزني في المَبْغى
أو في الشَّقَّةِ، أو في المكتبِ، أو في المَتْجَرْ
* * *
إِنّي أَتَّذكّرْ
دباباتٍ ... طيارات ٍ
في أرجاءِ القريةِ تزأَرْ
و دماءً سالت كالشلالْ
و تنادي عنترةَ اٌلعبسيَّ لِيثأرْ
* * *
إِنّي أتذكَّرْ
رجلاً يرجمهُ الأطفالْ
في ساحِ القريةِ ... حتى الموتْ
قالوا : يتعاونُ مع قواتِ المُحتَلِّينْ
من بِضعِ سنينْ
(سبحانَ الله و لا قوةَ إلا بالله ْ)
من كان على دمِّ فِدائيٍّ يسكَرْ
أضحى كرمادٍ من هبَّةِ ريحٍ يتبَعثرْ
* * *
فَلْنتذكَّرْ :
من هزمَ الشرُّ الخيرَ بداخِلِهِ
يَخْسَر
من تختار ُالدينَ ..اٌلوطنَ..اٌلزوجَ..اٌلبيتَ..اٌلأولادَ
هِيَ الأجدرْ
من أَثرى من دمِّ الشُّهداءِ
سيفْقَرْ
الأسدُ الرابضُ في المَنْفى
حينَ يرى غابَتَهُ تُحْكَم من كلْبٍ
سيثورُ ... و يَزْأَرْ
ألطفلُ بأولِ خطواتٍ في مِشَيَتِهِ
يتعَثَرْ
إن مرَّ على دمِّ المقتولِ عُقودٌ
فيها لم تَثْأَر
فمتى تَثْأَرْ ؟
العضوُ الفاسِدُ في جَسَدِ اٌلأمةِ
يُبْتَرْ
صديقي حين يواعدني
لا يتَأَخَّرْ
بل يأتي للموعدِ أبْكَرْ
لو كَرَّمنا أُدباءَ الأمَّةِ
قَبْلَ الموتِ
فماذا نَخْسَرْ ؟
في المقهى
و أمامَ التِّلفازِ و في
لعِبِ الوَرَقِ
الزَهْرِ
الدُّمِنو
أثمنُ ما في هذي الدنيا
من عُمْرِ الإنسانِ
سَيُهْدَرْ .