أبو بكر / خالد بن الوليد / مالك بن نويرة ..وحرب الردة
سؤال يطلب رأيا محايدا فى قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة وزواجه بأرملته . وأقول :
أولا : منهجيا :
1 ـ هناك منهج بحثى فى فحص الروايات التاريخية ، المتضاربة والمتداخلة . لا بد فيه من فهم الروايات فى سياقها التاريخى ، قبل وبعد حدوثها ، وهل تتفق أو تختلف مع هذه ثقافة عصرها .
2 ـ المشكلة فى تاريخ الصحابة والخلفاء تكمن فى :
2 / 1 : أن تاريخهم تمت كتابته فى العصر العباسى ، بعد موتهم بقرنين وأكثر ، وبعد فترة من تناقل رواياتهم شفهيا .
2 / 2 : وقت كتابة تاريخهم كانوا قد تحولوا الى كائنات إلاهية ، وليس مجرد شخصيات تاريخية ، فكتبوا تاريخهم بمشاعرهم الدينية ، بما يقترب من كتابة المناقب . لم يكن لهم أن يفعلوا غير ذلك ، فأعمالهم التى كتبها المؤرخون تتناقض تماما مع الاسلام . تمّ تخطّى هذه العقبة باعتبار الخلفاء ممثلى الاسلام الحقيقى ، وأن جرائمهم هى الجهاد الاسلامى الحقيقى . لذا كانت عادتهم السيئة أن يتهموا ضحايا الخلفاء بالكفر واستحقاق ما يحدث لهم من غزو وقتل وسلب ونهب واحتلال .
3 ـ تاريخ الخلفاء هو تاريخ دينى يتمسّح بالاسلام ، لذا فلا بد من الإحتكام فيه الى القرآن الكريم ، ليس فقط فى تشريعاته وقيمه العليا فى العدل والسلام والحرية والرحمة ، ولكن أيضا فى القصص القرآنى عن النبى محمد عليه السلام وحياته ومعاناته من ( أصحابه ). هذا مهم جدا لأنه تم الخروج عن الاسلام مباشرة بما إرتكبه أبو بكر وعمر وغيرهم فى إجتماع السقيفة ثم فى حرب الردة ثم الفتوحات .
4 ـ موضوع قتل خالد لمالك بن نويرة هو مجرد تفصيلة فى حرب الردة ، وحرب الردة هى نتيجة لاجتماع السقيفة الذى أصبح به ابو بكر خليفة . وحرب الردة هى أول تطبيق لشريعة الجاهلية التى أعادتها قريش فى التعامل مع الرافضين لهيمنتها وتحكمها بعد أن أزال الاسلام هذا التحكم ، وحرب الردة أعقبها حروب الفتوحات . لذا نضع الأمور فى سياقها التاريخى ، ضمن صورة كاملة متتابعة الأحداث .
5 ـ نقول :
أولا : إجتماع السقيفة أول إرهاصات ردة قريش عن الاسلام
1 ـ فى ( الجاهلية ) عاشت قريش بهيمنتها آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، بينما تتعيش القبائل من غاراتها بعضها على بعض ، يتقاتلون ويسلب بعضهم بعضا ، ويسبى بعضهم نساء بعضهم ، هذا النمط من الحياة أنتج مفهوما للفارس وللشرف غير المتعارف عليه . ليس الشرف عندهم مرتبطا بالعفة الخلقية ، وليست الفروسية هى الشهامة ونجدة الضعيف ، بل الشرف هو للمجرمين الظالمين . الفروسية العربية هى فى الغارات والسلب والنهب والسبى . بهذا إشتهر فرسانهم ، خصوصا إذا كانوا شعراء ، أو حطموا الأرقام القياسية فى الغارات وعدد السبايا . وبهذا ذكرهم التاريخ . منهم من أدرك الاسلام فأسلم ( لبيد بن ربيعة العامرى ) ومنهم من حارب النبى محمدا عليه السلام ( دريد بن الصمة ) ، ومنهم من أسلم ثم رضى بهيمنة قريش وشارك فى فتوحاتها ( الأقرع بن حابس ) . ومن أسلم ثم ارتد رفضا لهيمنة قريش ، ثم إنصاع وشارك فى الفتوحات ( طليحة الأسدى وعمرو بن معدى يكرب ، الأشعث بن قيس ). لم يكن فى قريش فرسان يغيرون على أحد ، إكتفوا بهيمنتهم ومكانتهم .
2 ـ جاء الاسلام مناقضا لهذه الهيمنة القرشية ، ليس فقط فى رفض عبادة الأصنام الى تتعيش منها قريش بل أيضا فى مؤاخاة البشر ورفض أن يعلو أحد على الباقين لأن العلو هو لله جل ( وعلا ) سبحانه ( وتعالى ) وأن الله جل وعلا يربط بين العلو والفساد فى الأرض ( القصص 4 ، 83 ). جاء الاسلام بالأخوة بين البشر جميعا ( الحجرات 13 ) وخاطبهم بنسبهم لآدم ( يا بنى آدم ) وفى داخل الدولة الاسلامية القائمة على السلام أو الاسلام السلوكى ( آل عمران ( 103 ) ( الحجرات 10 ) ( التوبة 11 ) ، وحصر القتال فى الدفاع فقط . دخل العرب فى الاسلام السلوكى ( بمعنى السلام ) وانتهى عصر الغارات وانتهت هيمنة قريش على القبائل . ولكن جواسيس قريش الذين مردوا على النفاق أصبحوا القادة بعد موت النبى لأنهم من قريش ولأنهم الأقرب للنبى محمد ، وأصهاره والملاصقون له . فى إجتماع السقيفة تم عزل الأنصار بحجة أن العرب لا تدين ( أى لا تخضع ) إلا لقريش . وبعد أن كانت الدولة فى عهد النبى محمد تتبع الديمقراطية المباشرة ، اصبح فيها حاكم فرد يعبّر عن قبيلة قريش وثقافتها ، وبالتالى كان لا بد للقيادة الجديدة أن تفرض سيطرتها على القبائل ، وأن تفرض عليهم دفع الاتاوة ( الزكاة / الصدقة ) ، وكانت تطوعا فى دولة النبى محمد ، وكان توزيعها داخل كل قبيلة . إنتهى ذلك كله . رفض بعض العرب هذا ، ورضى به آخرون . لم يسكت أبو بكر وقريش هذا الخروج عن الطاعة كما لو كانت تلك القبائل ملكية خاصة لهم فكانت حروب الردة .
ثانيا : ملامح حروب الردة من خلال سطور الروايات
برغم التلفيق فإن بين سطور الروايات بعض الحقائق ، ونعرض لها :
رفض هيمنة قريش
أعلن مسيلمة أن لقريش نصف الأرض فقط ولهم نصفها ، ولكى يغرى سجاح بالانضمام اليه عرض عليها نصف الأرض الذى كان قد تركه لقريش : ( لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش.)
رفض دفع الزكاة أو الاتاوة لقريش :
سار عمرو الى البحرين ومعه عسكر من بني عامر، فأكرمه زعيمهم ( قرة )، وقال له : ( يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفساً بالإتاوة، فإن أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم. )
القسوة المفرطة فى الحرب ( القتل والحرق ) لمن يرفض طاعة قريش
1 ـ ( وكان مما أوصى به أبو بكر: وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة ، ثم اقتلوهم كل قتلة ، الحرق فما سواه ،)
2 ـ ( وإن أجابوكم فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة )
3 ـ ( أن أبا بكر من عهده إلى جيوشه : ... فشنوا الغارة فاقتلوا وحرقوا )
4 ـ (ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام أن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع أن يقتلوه )
5 ـ ( ...وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلاً، .....فاقتلوا وانهبوا، وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم، وإن أبوا فقاتلوهم.)
6 ـ ( الفجاءة السلمي ) خدع أبا بكر وأخذ منه سلاحا ليحارب المرتدين ، فحارب به أتباع أبى بكر ، فأرسل له جيشا أسره ، وجىء به لأبى بكر . تقول الرواية : ( فلما قدم أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطاً.). أى أحرقه حيا فى المسجد .!
7 ـ ( ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل من إحتلم. ) اى قتل كل من بلغ الحُلُم !.
8 ـ وعن المرتدين فى اليمن: ( وأما الأخابث من العك فانهزمت ...وقتلوا قتلاً ذريعاً، وأنتنت السبل لقتلهم وكان ذلك فتحاً عظيماً. وورد كتاب أبي بكر على الطاهر يأمره بقتالهم، وسماهم الأخابث، وسمى طريقهم طريق الأخابث، فبقي الاسم عليهم إلى الآن. )
السبى والسلب
1 ـ بعد هزيمة طليحة بن خويلد الأسدي قيل عن أتباعه : ( ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشية على عيالاتهم، فآمنهم. ).أى أطاعوا أبا بكر خوفا من سبى نسائهم .
2 ـ قال شرحبيل بن مسيلمة لقومه : ( يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة، فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات، وينكحن غير خطيبات)
3 ـ قاتل خالد المرتدين فى عُمان يقودهم زعيمهم ربيعة : ( فقاتله وغنم وسبى ، وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر، فصارت إلى علي بن أبي طالب.). هذا فى توزيع السبايا على الصحابة الأبرار .!
4 ـ ( ... فولى المشركون الأدبار، فقتل منهم في المعركة عشرة آلاف وركبوهم حتى أثخنوا فيهم وسبوا الذراري وقسموا الأموال وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر )
5 ـ( وأما مهرة فإن عكرمة بن أبي جهل سار إليهم ....فاقتحم عليهم بلادهم..... فانهزم المرتدون وقتل رئيسهم وركبهم المسلمون فقتلوا من شاؤوا منهم وأصابوا ما شاؤوا من الغنائم، وبعث الأخماس إلى أبي بكر )
6 ـ .ذكر ردة حضرموت وكندة: ( .. وقتلوا فأكثروا، وهرب من أطاق الهرب، وعاد زياد بن لبيد بالأموال والسبي.... )
7 ـ ( واجتازوا بالأشعث، فثار في قومه فاستنقذهم وجمع الجموع. .. فسيره إلى أبي بكر مع السبي. ).
8 ــ بعد قتل مالك بن نويرة ظُلما وسبى نساء قومه جاء أخوه متمم بن نويرة لأبى بكر . تقول الرواية : ( وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم، فأمر أبو بكر برد السبي )
ثالثا : خالد بن الوليد ومالك بن نويرة
1 ـ جىء بمالك بن نويرة أسيرا مع قومه . جاءت بهم سرية ( فرقة حربية ) بعث بها خالد بن الوليد ( فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه ... ) وشهد أبو قتادة وآخرون أن مالك وقومه ( قد اذنوا وأقاموا وصلُّوا ) فأمر خالد بن الوليد بحبسهم فى ليلة باردة . وفى قتلهم تزعم الرواية ( فأمر خالد مناديا فنادى أدفئوا أسراكم، وكانت في لغة كنانة إذ قالوا دثروا الرجل فأدفئوه دفئه قتله ، وفي لغة غيرهم أدفه فاقتله ، فظن القوم وهي في لغتهم القتل أنه أراد القتل فقتلوهم ، فقتل ضرار بن الأزور مالكا ) . هذا خطأ مبين ، لأن لسان كنانة ( قريش ) ليس فيه أن ( دفّأ ) تعنى القتل. القرآن الكريم نزل بلسان عربى ، واللسان القرشى فيه هو الأوضح . وليس فيه أن التدفئة تعنى القتل ، بل لم يرد هذا فى كلام العرب ولا فى أشعارهم .
2 ـ بعد أن قتل خالد مالكا إغتصب زوجته . وصل الأمر الى أبى بكر ، وغضب عمر بن الخطاب . تقول الرواية : ( فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر ، وقال : عدو الله عدى على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته ). وواجه عمر خالدا بنفس الكلام حين رجع لمقابلة أبى بكر ، تقول الرواية ( قام إليه عمر .. ثم قال قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته ) . تعبير ( نزا على إمرأته ) لا يفيد زواجا . زواج الأرملة يستلزم عدة من اربعة أشهر وعشرة أيام ، فإذا ظهر حملها تستمر عدتها حتى تضع حملها . ربما كان قتل مالك بسبب اعجاب خالد بامرأته .
أخيرا :
حتى لا تُنهك قريش نفسها فى حروب آخرى كان الحل الأمثل هو توجيه القوة الحربية للقبائل نحو الخارج ، لم يكن صعبا إقناعهم بأن هذا هو الاسلام ، لأن الفتوحات تعنى لهم أن يستأنفوا ثقافتهم فى الغزو على نطاق عالمى أوسع بمجرد إتهام تلك الشعوب بالكفر ، وتدعيما لهذه الفكرة كان بدء الفتوحات بشهر محرم عام 12 بعد إخماد حروب الردة . تقول الروايات :
1 ـ ( في هذه السنة في المحرم منها أرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالمسير إلى العراق، فسار حتى نزل ببانقيا وباروسما وأليس وصالحه أهلها. وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا على عشرة آلاف سوى حرزة كسرى، ).
2 ـ .ذكر وقعة الثني: ( وسار إليهم خالد فلقيهم واقتتلوا، ، وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها، وكانت الغنيمة عظيمة، وسبى عيالات المقاتلة، وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً . )
3 ـ .ذكر وقعة الولجة: ( ... وعسكروا بالولجة. وسمع بهم خالد فسار إليهم من الثني فلقيهم بالولجة وكمن لهم فقاتلهم قتالاً شديداً ، فانهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم ، فقتل منهم خلقاً كثيراً، ، وكانت وقعة الولجة في صفر، وبذل الأمان للفلاحين، فعادوا وصاروا ذمةً، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم. )