( ذاكر نايك ) والكيل بمكيالين
أولا :
1 ـ منذ 9 سنوات. رفضت وزارة الخارجية السعودية قبول اعتماد السفير الجديد الذي قرّرت باكستان تعيينه سفيراً لها، ليس لعدم كفاءته أو لوجود توتر في العلاقات السعودية الباكستانية ، ولكن لأن إسم السفير هو ( أكبر زب ).! ورفضته أيضا البحرين و الإمارات ،وكذلك مجلس التعاون الخليجي . يرى بعضهم إن السلطات المعنية فى تلك الدول إرتعبت من إسم ( أكبر زب ) ، وخمّن آخرون بأنه الخوف على قلوب العذارى هناك ، أو تمسكا بحديث ( رفقا بالقواوير ) : ( يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ ).!
2 ـ الغريب هو إحتفال دول الخليج بحضور الشيخ ( ذاكر نايك ) مونديال قطر . ذاكر نايك هو داعية هندى سلفى متطرف متخصص فى الهجوم على أديان الآخرين ، وبالأموال التى جمعها أنشأ مؤسسة للبحوث ( الاسلامية ) و ( قناة السلام ) ، وأصبح نجما تليفزيونيا يجدد أمجاد الشيخ ديدات . نجح كثيرا فى اوساط السلفيين الوهابيين ، وفشل تماما فى ماليزيا وانجلترة وأمريكا وكندا وبنغلاديش وسريلانكا . دعته دولة قطر ليكون أيقونة المونديال فيها ، وليعطى المونديال بركة سنية سلفية . وقد فعل ذلك بنجاح ساحق غطى على نجاح فيلم تايتانيك .ّ لكن هذا النجاح الساحق يثير قضية الكيل بمكيالين وإزدواجية المعايير ، فلماذا رفضوا السفير ( أكبر زب ) واحتفلوا بالداعية ( نايك ). صاحب ( أكبر زب ) لم يهدد به أحدا ، ولم يشهره فى وجه أحد . إكتفى بحمله إسما وفقط . أما ( نايك ) فهو إسم فاعل يؤكد وقوعه فى ال ( ن ى ك )، وبالمناسبة فهو لفظ عربى أصيل ..وقبيح . ولكن السلفيين لم يروا فيه قُبحا ، بدليل كل هذا التكريم الذى أحاطوا به ( نايك ) ، وهو نقيض ما حدث للسفير ( أكبر زب ).
3 ـ التعليل الوحيد هو إزدواجية المعايير والكيل بمكيالين .
ثانيا
1 ـ الكيل بمكيالين أساس فى أديان المحمديين الأرضية . هناك فى الغرب كيل بمكيالين وإزدواجية فى المعايير ، ولكنها ( علمانية ) ، لذا فهى أقل شد وطأة . مثلا تعيش ألمانيا مع عذاب ضمير بسبب ما فعله هتلر بالآخرين ، لا تفتخر بما فعله مع اليهود والروس والغجر والأوربيين . أمريكا الان لا تزال تتأسّف على ما فعله الأسلاف مع الهنود الحُمر ، ولهم تقدير خاص فى الثقافة الأمريكية المعاصرة الى درجة أنهم لا يدفعون الضرائب .
2 ـ المحمديون ينقمون على الاستعمار الأوربى ما فعله بهم ، ومعهم الحق بلا شك . ولكنهم فى الكيل بمكيالين لا يقعون فى مجرد الخطأ ، بل فى خطيئة أفظع ، حين يقدسون أكابر الكفرة المجرمين الذين إرتكبوا جريمة الفتوحات ، ونشروا الكفر بالاسلام على أنه الاسلام . أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة وسعد بن أبى وقاص وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبو عبيدة الجراح ومعاوية ويزيد بن أبى سفيان ..الخ هم بتعبير عصرنا ( مجرمو حرب ) بسبب جريمة ( الفتوحات الشيطانية ) .
3 ـ بهذه الفتوحات ظلموا ملايين الناس الذين لم يعتدوا عليهم ، بل ربما لم يسمعوا بهم من قبل ، قتلوا الأبطال الشرفاء الذين دافعوا عن أوطانهم وشعوبهم ، وإسترقوا بناتهم وأولادهم ونساءهم ، وسلبوا أموالهم ، واحتلوا بلادهم وفرضوا الجزية على من بقى حيا ، وعاملوهم شرّ معاملة ، وأذاقوهم النكال . نحن نتحدث عن ضحايا فى أوطان إمتدت شرقا الى حدود الصين وغربا الى جنوب فرنسا . نحن نتحدث عن قتلى بالملايين فى عصور الخلفاء ، نحن نتحدث عن مئات الملايين من شعوب مقهورة مسلوبة . بإيجاز ، نحن نتحدث عن أجدادنا المظاليم .
4 ـ الكيل بمكيالين يصل الى أسفل السافلين حين نقدّس أولئك الخلفاء وصحابة الفتوحات بدلا من أن نلعنهم . الكيل بمكيالين يصل الى حضيض الحضيض حين نناصر أولئك الكفرة على رب العزة جل وعلا . لقد أنزل رب العزة تشريعاته القرآنية تحرّم قتال من لا يعتدى على المسلمين وتأمر بالبر والقسط مع الأمم التى على غير الدين الاسلامى ولكن لم تعتد على المسلمين ولم تُخرجهم من ديارهم ، بل وتجعل من يقتل إنسانا مؤمنا ـ غير معتد ـ خالدا فى النار . هذا هو شرع الله جل وعلا الذى خالفه خلفاء الشياطين ، لكن المحمديين يطلقون عليهم الخلفاء الراشدين ، يظاهرونهم على الله جل وعلا ، ويوافقونهم فى ظلم رب العالمين جل وعلا .
5 ـ لقد شرحنا فى كتابنا ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) بعض المذابح التى ارتكبوها ، وبعض الغنائم التى سلبوها . لم نستشهد بما قاله المظلومون ، بل مما قاله الطبرى وغيره ، والذين كانوا يعتبرون الأمم المفتوحة كفارا يستحقون القتل والسبى والاسترقاق والسلب والنهب والقهر . كلهم فى إزدواجية المعايير نسوا إن الظلم حرام وأن الله جل وعلا أنزل الكتب الالهية وأرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط ، وأن الذى يؤيد ظالما فهو شريك له فى ظلمه ، هذا إذا كان يظلم الناس ، فماذا إذا كان يظلم الناس ورب الناس .
ثالثا : ونعطى لمحات سريعة موجزة نقلا عن الطبرى :
1 ـ عن موقعة القادسية التى بدأها سعد ابن أبى وقاص فى شهر المحرم الحرام : (كانت يعني وقعة القادسية في (المحرم ) سنة أربع عشرة في اوله ).وتتابعت فى بقية الأشهر الحرم . وكان فتح المدائن فى شهر صفر الحرام سنة16 . ، ووصلت الغنائم ( مما بقي في بيوت كسرى من الثلاثة آلاف ألف ألف ومما جمع شيري ومن بعده ) أى كل ما جمعه الأكاسرة وكنزوه استولى عليه العرب (الثلاثة آلاف ألف ألف ) أى 3 بليون .وبلغ عدد السبى من المدائن فقط 60 ألفا .
2 ـ وعن الكنوز الفارسية يقول الطبرى : ( ورأوا بالمدائن قبابًا تركية مملوة سلالًا مختومة برصاص فحسبوها طعامًا فإذا فيها آنية الذهب والفضة . ) ( وأدرك الطلب ..جماعة من الفرس على جسر النهروان فازدحموا عليه فوقع منهم بغل في الماء فعجلوا وكبوا عليه ، فقال بعض المسلمين: إن لهذا البغل لشأنًا . فجالدهم المسلمون عليه حتى أخذوه ، وفيه حلية كسرى ثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التي فيها الجوهر وكان يجلس فيها للمباهاة. ولحق العلج بغلين معهما فارسيان فقتلهما وأخذ البغلين ، فأبلغهما صاحب الأقباض وهو يكتب ما يأتيه به الرجال فقال له: قف حتى ننظر ما معك. فحط عنهما فإذا سفطان فيهما تاج كسرى مرصعًا وكان لا يحمله إلا أسطوانتان وفيه الجوهر ، وعلى البغل الآخر سفطان فيهما ثياب كسرى التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب المنظوم بالجوهر وغير الديباج منسوجًا منظومًا. وأدرك القعقاع بن عمرو فارسيًا فقتله وأخذ منه عيبتين وغلافين في إحداهما خمسة أسياف وفي الأخرى ستة أسياف وأدراع منها درع كسرى ومغافره ودرع هرقل ودرع خاقان ملك الترك ودرع داهر ملك الهند ودرع بهرام جوبين ودرع سياوخش ودرع النعمان استلبها الفرس أيام غزاهم خاقان وهرقل وداهر . ..وفي أحد الغلافين سيوف من سيوف كسرى وهرمز وقباذ وفيروز وهرقل وخاقان وداهر وبهرام وسياوخش ... وأدرك عصمة بن خالد الضبي رجلين معهما حماران فقتل أحدهما وهرب الآخر ، وأخذ الحمارين فأتى بهما صاحب الأقباض فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما فرس من ذهب بسرج من فضة وعلى ثفره ولباته الياقوت والزمرد المنظوم على الفضة ولجام كذلك وفارس من فضة مكلل بالجوهر وفي الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان من ذهب ولها زمام من ذهب ، وكل ذلك منظوم بالياقوت ، وعليها رجل من ذهب مكلل بالجواهر ، كان كسرى يضعهما على أسطوانتي التاج. ). وعن توزيع هذه الأسلاب يقول الطبرى : ( فلما جمعت الغنائم قسم سعد الفيء بين الناس خمسة ، وكانوا ستين ألفًا ، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفًا . وكلهم كان فارسًا ليس فيهم راجل . ونفل من الأخماس في أهل البلاء . ). وقام سعد بتقسيم مساكن المدائن بين الجنود العرب ( وقسم المنازل بين الناس وأحضر العيالات فأنزلهم الدور فأقاموا بالمدائن . )
3 ـ وفى نفس الشهر صفر الحرام عام 16 كانت موقعة جلولاء التى انهزم فيها الفرس وفقدوا مائة الف قتيل ، يقول ابن الجوزى فى المنتظم :( وانهزموا واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف ، فجللت القتلى المجال وما بين يديهما حوله فسميت جلولاء ) .
4 ـ ما حدث فى فتح مصر أشنع . المصريون عاونوا عمرو بن العاص فى هزيمة الروم بجيشه القليل الهزيل ، فكافأهم بفرض الجزية عليهم وسلب كنوزهم . وكانت بداية الفتح فى شهر محرم الحرام سنة 20 . بعدها إنساح جيش الغزاة فى الريف المصرى المُسالم ينهب ويسبى النساء ويغتصبهن فى كل قرية ، ويبعثون بأربعة أخماس الغنائم ومن السلب والنهب والسبى الى عمر بن الخطاب فى المدينة ، ومنها يتوزع السلب والنهب فى الجزيرة العربية على الأعراب هناك . وتكاثر هذا السبى من الفتيات المصريات حتى ملأ مكة والمدينة واليمن . هذا ما يذكره الطبرى راويا عن جندى كان ممّن حضر فتح مصر . وحاول المقوقس عقد صلح يسترجع به السبى فرفض عمر . ويذكر أبوعبيدة في كتابه " الأموال " والمقريزي في كتابه " الخطط " أن "عمرو " قال للأقباط من كتمني كنزا عنده قتلته، وعلم " عمرو" أن مصريا اسمه " بطرس " يخفي كنزا ، فاستجوبه " عمرو " فأنكر ، فسجنه وجعل عليه الجواسيس يحصون عليه أنفاسه فعلموا أنه يسأل عن راهب بالطور ، فاستدعي " عمرو" ذلك المصري السجين ونزع خاتمه من يده ، وأرسل بالخاتم إلي الراهب برسالة مزيفة من بطرس تسأله عن الكنز فصدًق الراهب الرسالة وبعث بمكان الكنز، فعثر عليه عمرو وكان مقداره " 52 أردبا من الذهب أخذه " عمرو " وضرب "عمرو" رقبة " بطرس " وحذر الأقباط من مصير " بطرس " فأخرج كل منهم ماكان يحتفظ به من كنوز ودفائن قديمة . وترك عمرو بن العاص ثروة قدرها 140" أردبا من الدنانير !!.
أخيرا
السلفيون لا يزالون يقدسون صحابة الفتوحات .
نقول لهم : كل عام وأنتم .. كما أنتم .!