عزمت بسم الله،
لقد بعث الله تعالى رُسلا إلى قومهم ليبلِّغوا رسالات ربهم، ولا يمكنهم أن يحيدوا عن الرسالة قيد أنملة، لأنهم معصومون في تبليغها، فهم ينطقون بالرسالة كما نُزِّلت إليهم، ولا يملكون تغيير شيء منها أبدا. لكن أكثر الناس المتبعين لما كتبت أيدي البشر يظنون أن الرسول الحامل لرسالة ربه المبعوث لقومه، يجب أن يطاع في كل شيء، حتى لو خالف أمره أمر ربه في الرسالة، بينما نجد أن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ(2).محمد. وما نُزِّل على محمد هو القرءان وحده لا شريك له، فهل ما بين دفتي البخاري ومسلم والكافي وغيرها من الكتب التي كُتبت بأيدي البشر تُعتبر مما أنزل الله تعالى كذلك؟ أم أن الرسالة المنزلة على الرسول محمد عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، هي القرءان فقط؟
حسب ما أُنزل على محمد من الحق قد كرهه بعض الصحابة وارتدَّوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى. يقول الله سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا. (ولم يقل سبحانه أفلا يتدبرون القرءان والسنة.)*إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ*ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ.24/26.محمد.
ما دام الله تعالى أرسل آخر الأنبياء ليبين للناس ما نُزِّل إليهم، فلا يمكن أن يحيد عن الرسالة المنزلة إليه فيخالف شرع الله تعالى، إنما يبين ما نُزِّل إليه من ربه فقط ولا يتقول عليه. يقول الله سبحانه: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44).النحل. إن الرُّسل من عند الله تعالى كلهم يدعون إلى وحدانية الله سبحانه وعدم الشرك به شيئا، وهم يبلغون ما نُزل إليهم فقط. قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ*أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.61/62.الأعراف. قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ*أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ.67/68.الأعراف. قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ*قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ.22/23.الأحقاف. فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ(79).الأعراف.
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16).الحديد. لأن الذين كفروا بما نُزّل على محمد وهو الحق سوف يعترفون بأنهم كانوا يُكذبون المرسلين ويكتمون الحق وهم يعلمون. وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ*إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ*تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ*قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ.6/9.الملك. لا نجد في القرءان العظيم ولو إشارة إلى اتباع ما كتبت أيدي البشر، بل نجد التحذير منها. يقول الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.77/78.آل عمران.
إن الأمر بطاعة الرسول المبعوث رحمة للعالمين ينقسم إلى قسمين، القسم الأول ينتهي بموت الرسول، بمعنى أن الصحابة الذين عاشوا معه يجب أن يطيعوا الرسول النبي في ما يُبلغ عن ربه ويحترموه ويبجلوه ولا يدخلوا بيوته إلا أن يؤذن لهم، يقول الله سبحانه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157). الأعراف. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا.الأحزاب.
الأمر الثاني في طاعة الرسول يتعلق بالرسالة ( القرءان العظيم) وليس بالنبي البشر، ومما يدل على ذلك آيات كثيرة، منها على سبيل المثال فقط قول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا*. ( تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا، كل هذا لله ورسوله الذي هو القرءان العظيم.) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ*فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.8/10.الفتح. نفس الشيء بالنسبة للمبايعة فإن الذين يبايعون الرسول النبي إنما يبايعون الله تعالى، فمن نكث أي نقض العهد، فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤته ( الله ) أجرا عظيما.
خلاصة القول إن القرءان: هو الرسول الحي الذي لا يموت، لأنه كلام الله تعالى الحي القيوم الذي حلق كل شيء ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوْاً أحد.
لقد كتب الدكتور أحمد صبحي منصور مقالا وافيا في معنى الرسول، يمكن لمن أوفى بعده الرجوع إليه للاستفادة منه وهو على الرابط التالي: https://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=22149
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.