القاموس القرآنى
لا نزال في حاجة إلى الاقتراب أكثر من كلمات الله تعالى في القرآن نفهمها ونتدبرها ، وهذه محاولة للفهم والتدبر .
دابـــــة
1 ـ من صفات الكائن الحي أنه يتحرك أو "يدب" مع اختلاف السرعة ونوعية الحركة ومجالها ، والقرآن يعبر عن الكائن الحي بأنه " دابة " وهى لفظة موحية بالحياة والحركة المقصودة ، وجاءت كلمة "دابة " و "دواب" (18) مرة في القرآن ومنها نتعرف على بعض الحقائق الخاصة بالكائن الحي في هذا الكون .
لو خلطنا بعض التراب الجاف بالماء وفحصنا المزيج تحت المجهر لوجدناه قد امتلأ بآلاف الأحياء الدقيقة ، أي أن الحياة قد دبت فجأة حين اختلط الماء بالتراب والله تعالى يقول " وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )( البقرة 164 ". ولأنها عملية تتكرر مع نزول الماء وتجدد الخضرة فإن الله تعالى يعبر عن ثباتها ودوامها بالجملة الاسمية وعن تجددها بالفعل المضارع بقوله تعالى " وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (الجاثية 4 ". ومن الاية الكريمة نستفيد أيضا أن الماء سر الحياة وأن كل دابة تعيش بالماء ، والله تعالى يجعله قانونا كونيا فيقول " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ: الأنبياء 30 ". ويقول عن كل كائن حي " (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء )( النور 45)".
2 ـ ومع ذلك فإن الدواب أوالأحياء أمم وفصائل ومجتمعات ، يقول تعالى ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) ( الأنعام 38 )". أى أن مصير كل الأحياء هو الحشر الى ربهم يوم القيامة. يقول تعالى (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) ( التكوير 5 )ولكن الحساب سيكون مخصصا لمن أعطاهم الله تعالى حرية الارادة و سخر لهم ما فى السماوات و ما فى الأرض جميعا منه،( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(الجاثية 13 )أى نحن البشر الذين حملنا الأمانة ، اى حرية الارادة و التكليف.
والله تعالى تكفل برزقها جميعا حتى لو كانت دودة تحت الصخر ، يقول تعالى " وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( العنكبوت 60 ").
والرزق في تقديره وموعده وكميته يتم بعلم الله تعالى الذي يعلم بداية كل كائن حي ونهايته ومستقره ومستودعه يقول تعالى " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( هود 6 )
ومعناه أن لله تعالى تمام السيطرة والهيمنة على خلايا كل كائن حي سواء كان إنسانا متجبرا أو بعوضة أو وحشا كاسرا يقول تعالى: ( مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)(هود 56 ).
2 ـ ووجود حياة خارج الكرة الأرضية في الكواكب والمجرات البعيدة من الأمور المحيرة ، وهناك إشارة الى وجود هذه الحياة أو الدواب خارج الأرض ، قد تدل على الجن وعوالم البرزخ ، وقد تمتد الى حيوات أخرى أو أنواع أخرى من الحياة لا ندركها ولا نتخيلها . علم ذلك عند الله تعالى. والله تعالى يقول " وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ )( الشورى 29 )ويقول تعالى " وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ )( النحل 49 )" .
إذن هناك دواب أو حياة في السموات وخارج الأرض ولكن العلم بها فوق مدركاتنا لأن مدركاتنا فى تحديد معنى الحياة مرتبط بالنظام الأرضى فقط.، وما عداه لا علم لنا به. ...
3 ـ وقبيل قيام الساعة ستخرج دابة من الأرض تكلم الناس . وتلك إحدى علامات الساعة المذكورة في القرآن ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) ( النمل 82) والله تعالى هو الأعلم بحقيقة تلك الدابة التي ستظهر آخر الزمان . وسنعرض لذلك فى حينه فى الحديث عن علم الساعة المذكور فى القرآن الكريم.
4 ـ وقد فضل الله تعالى الإنسان على باقي الدواب فى هذا العالم المادى ، وجعل ذلك تكريما له : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) ( الاسراء 70 )فسخر له ما في السموات والأرض ومنحه العقل ، وتلك مسئولية ؛ فإن شكر الله تعالى فضل ربه عليه ولم يتخذ إلاها مع الله فقد استحق ذلك التفضيل أما إذا أعرض وتجاهل عقله وعبد مع الله آلهة أخرى من البشر والحجر فقد صار أسوأ من بقية دواب الأرض ، لذلك يقول تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) ويقول : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (الأنفال 22 ، 55).
..وصدق الله العظيم