عزمت بسم الله،
إن أكثر الناس المؤمنين لا يقرؤون، بل يثقون في رجال الدين الذين ينقلون لهم ما يحفظون من شيوخهم دون أن يفقهوا أو يعقلون، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا وأنهم مهتدون، لكن الله تعالى أخبرنا عن أمثال هؤلاء فقال سبحانه: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ(22).الأنفال. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ* وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.170/171.البقرة. فهم أي رجال الدين، يقدمون ما تلقوه من شيوخهم ما ألفوا عليه آباءهم وهجروا ما أنزل الله تعالى على رسوله من الوحي وهو القرءان العظيم لا غير، والرسول عليه السلام كان ينذر بالقرءان، ولم يكن يتقول على الله تعالى أبدا، إنما كان يتلوا القرءان وينذر به فقط. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ(92).النمل. قال رسول الله عن الروح عن ربه: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(19). الأنعام. وكأن لسان حال رجال الدين يقول مثل ما قال الكافرون: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ(26). فصلت. نعم لقد ألغوا فيه وجعلوا للقرءان ندا من لهو الحديث ونسبوا ذلك للرسول عليه السلام ظلما وافتراء عليه، ولسبب ما فقد أخبرنا الله تعالى بما سيقول الرسول يوم الفرقان مستنكرا متبرئا من قومه يقول الله سبحانه: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَانِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا*وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا* وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا*وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا.26/31. الفرقان. لاحظوا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ). وهم الذين يتبعون غير ما أنزل الله تعالى ويكتمون الحق وهم يعلمون، ولن يقول أحد منهم يوم الفرقان: لقد أضلني عن ( حديث الرسول والسنة) إنما يقول: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي.
لنر ما جاء في بعض كتب لهو الحديث التي يعتمد عليها رجال الدين في خطبهم ووعظهم، خاصة هذه الرواية التي تنسب إلى الرسول كذبا وافتراء عليه، فقلبوا ما هو منطقي وكذبوه، وأيدوا ما يوافق هواهم ليبدلوا كلام الله تعالى حسب ما يخدم مصالحهم.
باب إذا سمعتم عني حديثا فاعرضوه على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه وإلا فردوه لم يثبت فيه شيء وهذا الحديث من أوضع الموضوعات بل صح خلافه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه وجاء في حديث آخر صحيح لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يصل اليه عني حديث فيقول لا نجد هذا الحكم في القرآن ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه.
كشف الخفاء ج 2 ص 569 قرص 1300 كتاب. إن هذا الحديث تفرد به المقدام بن معد يكرب سنان، ولا يوجد في ( الصحيحين).
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون قال انا حريز بن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب سنان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الا اني أوتيت الكتاب ومثله معه الا اني أوتيت القرآن ومثله معه الا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه الا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب الا ولا لقطة من مال معاهد الا ان يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم ان يقروهم فان لم يقروهم فلهم ان يعقبوهم بمثل قراهم.
مسند أحمد ج 4 ص 130 قرص 1300 كتاب.
وتجدون حديث ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) في الكتب التالية: مسند الشاميين ج 2 ص 137 قرص 1300 كتاب. تحفة الأحوذي ج5 ص 324 نفس القرص.السنة للمروزي ج1 ص 71 نفس القرص. لسان الميزان ج 1ص 3 نفس القرص. مفتاح الجنة ج1 ص 11 نفس القرص. الكفاية في علم الرواية ج 1 ص 8 نفس القرص. نيل الأوطار ج8 ص 278 نفس القرص. ولا توجد عبارة (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ولا حديث الأريكة في (الصحيحين)، أما حديث الأريكة فجاء فيه: 368 حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ سفيان وحدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه واللفظ له أنبأ بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان حدثني أبو النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله بن معمر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول ما أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه قد أقام سفيان بن عيينة هذا الإسناد وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والذي عندي أنهما تركاه لاختلاف المصريين في هذا الإسناد. المستدرك على الصحيحين ج 1ص 190قرص 1300 كتاب.
لكن الله تعالى يؤكد ويقول أن القرءان وحي من الله تعالى يهدي للتي هي أقوم:
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9). الإسراء.
قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88). الإسراء.
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا(89). الإسراء.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ.31/32. سباء.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ* فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ*ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ.26/28. فصلت.
وفعلا أتباع لهو الحديث يتبعون ما افتري كذبا على رسول الله تعالى مخالفا لما أنزل الله تعالى عليه في الكتاب الوحيد لا شريك له، ولن نحاسب إلا بما جاء في القرءان العظيم لأنه الكتاب الوحيد الذي تولى الله تعالى حفظه بقدرته ولم يطله عبث العابثين. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ(3). يوسف.
ختاما يحذرنا الله تعالى ويترك لنا الاختيار فيقول: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29).الكهف.
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.