نقد محاضرة الرقابة لمن ؟

رضا البطاوى البطاوى في السبت ١٥ - أكتوبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد محاضرة الرقابة لمن ؟
المحاضر علي عبد الخالق القرني والرقابة تعنى ان يعرف الفرد عمله ويصدر حكمه عليه بكونه حق أو باطل ومن ثم يعدل ما أذنب فيه وقد استهل المحاضرة بالوصية بتقوى الله فقال :
"أما بعد عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جل وعلا، وأن نقدمَ لأنفسِنا أعمالاً تبيضُ وجوهَنا يوم نلقى اللهَ
(يومَ لا ينفعُ مالُ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم).
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).
(يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون)
(يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)
يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور،
(يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
(ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا)
يوم الحاقة يوم الطامة يوم القارعة يوم الزلزلة يوم الصاخة
(يوم يفر المرء من أخية، وأمه وأبيه، لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه)
وكل كلام القرنى هنا ليس في التقوى وليس في الرقابة وإنما في الحساب
وتحدثعن كون رقابة البشر قاصرة وكذلك الأنواع الأخرى فقال:
"ثم أعلموا يا عباد اللهِ أن رقابةَ البشرِ على البشرِ قاصرة، وأن رقابةَ المخلوقاتِ على بعضها قاصرة.
البشرُ يغفل، والبشرُ يسهو، ينام، يمرض، يسافر، يموت"
وهذا الكلام صحيح في الرقابة الغيرية وأما الرقابة الداخلية في الناس فليست بهذا القصر وإنما تكاد تكون شبه تامة لقوله تعالى:
" كل نفس بما كسبت رهينة "
وأما الرقابة الكاملة فهى لله وحده فهو يراقب الكل بمعنى يعلم عنهم كل شىء وفيها قال القرنى:
"إذا فلتسقطُ رقابةَ المخلوقين ولتسقط رقابة الكائنات جميعَها، وتبقى الرقابةُ الكاملة، الرقابةُ المطلقة
آلا وهي رقابةُ اللهِ جل وعلا.
باري البراي منشى الخلائق…..مبدعهم بلا مثال سابق
حي وقيوم فلا ينام…………...وجل أن يشبه الأنام
فإنه العلي في دنوه…………...وإنه القريب جل في علّوه..
لا إله إلا هو." وتحدث عن قصور العلم البشرى وكمال العلم الإلهى فقال:
"علمُ البشرِ ما علمُهم، علمُ قاصر، ضعيف قليل
ما وراءَ هذه الجدران نجهلُ منه الكثيرُ لا نعلمه، بل لا نعلمُ أنفسَنا التي بين جنبينا.
لكن الله يعلم ذلك ويعلم ما هو أعلى من ذلك.
(وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)
(إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)
يعلم ما تسره الآن في سريرتك ومن بجوارك لا يعلم ذلك.
يعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد مأئة عام، وأنت لا تعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد دقائق أو ساعات.
إنه العلم الكامل، إنه العلم الكامل المطلق، علم الله السميع العليم، العليم الخبير.
(يعلم ما تسرون وما تعلنون)
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
يعلم ويسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء.
هو الذي يرى دبيب الذر…. في الظلمات فوق صم الصخر
وسامع للجهر والأخفات…...بسمعه الواسع للأصوات
وعلمه بما بدا وما خفي…...أحاط علما بالجلي والخفي
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)"
وكل هذا يعلمه الناس وحكى لنا حكاية ما أنزل الله بها من سلطان في العلم فقال :
"رجلان من قريش:
يجلسان في جوف الليل، تحت جدارِ الكعبة، قد هدأت الجفون ونامت العيون، أرخى الليلُ سدوله، واختلط ظلامُه، وغارت نجومُه، وشاع سكونُه. قاما يتذاكران، ويخططان ويدبران وظنا أن الحي القيوم لا يعلمُ كثيرا مما يعملون.
استخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله الذي يعلم ما يبيتونَ مما لا يرضى من القول.
تذاكرا مصابهم في بدر فقال صفوان وهو أحدُهم:
والله ما في العيش بعد قتلى بدر خير.
فقال عمير:
صدقت والله لولا دينُ علي ليس له قضاء، وعيالُ أخشى عليهم الضيعة لركبتُ إلى محمد حتى أقتله.
اغتنم صفوان ذلك الإنفعال، وذلك التأثر وقال:
علي دينُك، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءُ ويعجزُ عنهم.
قال عمير: فأكتم شأني وشأنك لا يعلم بذلك أحد. قال صفوانُ أفعل.
فقام عمير وشحذ سيفَه، وسمَه، ثم انطلقَ به يغضُ السير به إلى المدينة.
وصل إلى هناك وعمرُ أعني أبنَ الخطاب في نفرٍ من المسلمين.
أناخَ عميرُ على بابِ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا سيفه.
فقال عمر:
عدو الله، والله ما جاء إلا لشر.
ودخل عمر على رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدخلُه علي.
فأخذ عمرُ بحمائل سيفِ عُمير وجعلها له كالقلادة ثم دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأه صلى الله عليه وسلم قال لعمر أرسله يا عمر.
ثم قال ما جاء بك يا عمير.
وكان له ابنُ أسير عند رسولِ صلى الله عليه وسلم
قال جئت لهذا الأسير، فأحسنوا به.
قال صلى الله عليه وسلم فما بالُ السيفِ في عنقك ؟
قال قبحها اللهُ من سيوف وهل أغنت عنا شيء .
فقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحيُ بما يضمرُه عمير، اصدقني يا عمير ما الذي جاء بك؟
قال ما جئت إلا لذاك.
فقال صلى الله عليه وسلم بل قعدت مع صفوان في الحجر في ليلة كذا، وقلت له كذا، وقال لك كذا وتعهد لك بدينك وعيالك واللهُ حائلُ بين وبينك.
قال عمير أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أمرُ لم يحضُره إلا أنا وصفوان، وللهِ إني لأعلم أنه ما أتاك به الآن إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق والحمد لله الذي هداني للإسلام.
جاء ليقتلَ النور ويطفىء النور، فرجعَ وهو شعلةُ نور أقتبسَه من صاحب النور صلى الله عليه وسلم.
عباد الله سمعتم المؤامرة تحاك تحت جدار الكعبة، في ظلمة الليل لا يعلمُ بها أحد حتى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم الغيب. حُبكت المؤامرةُ سرا.
من الذي أعلنها ؟ من الذي سمعهما ؟ وهما يخططان، ويدبران ويمكران عند باب الكعبة.
إنه الذي لا يخفى عليه شيءُ في الأرض ولا في السماء."
والحكاية الخطأ فيها علم الرسول(ص) بالغيب وهو ما يخالف أ، الله أعلن على لسانه جهله بالغيب فقال :
" ولا أعلم الغيب"
والخطأ ايضا حدوث ذنب في الكعبة وهو التآمر على قتل النبى(ص) وهو ما لا يمكن حدوثه داخل بيت الله لأن من يقرر وليس من يتفق ويفعل يهلك بالموت هلاكا في الكعبة كما قال تعالى :
" ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"
وتحدث عن أن الله كل والمراد يعلم كا ما يدور في نفوس الناس فقال :
"كم تأمر المتأمرون في ظلام الليل، كم من عدو لإسلام جلس يخطط لضرب الإسلام وحدَه أو مع غيره سرا، ويظن أنه يتصرفُ كما يشاء، متناسيا أن الذي لا يخفى عليه شيءُ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين."
وتحدث عن علم الله بالباطن كعلمه بالظاهر فقال :
"يا أيها العبدُ المؤمن:
إذا لقيت عنتا ومشقة وسخرية واستهزاء فلا تحزن ولا تأسى إن الله يعلم ما يقال لك قبل أن يقالُ لك وإليه يرد كل شيء لا إله إلا هو.
يا أيه المؤمن إذا جُعلت الأصابع في الآذان:
واستغشيت الثياب، وزاد الأصرار والإستكبار، وكثر الطعن وضاقت نفسك فلا تأسى ولا تحزن، إن الله يعلم ويسمع ما تقول وما يقال لك.
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)"
وتحدث عما يستهزئون ويسخرون من المسلمين في العلن والسر فقال :
"يا أيها الشاب الذي وضع قدمَه على أو طريق الهداية:
فسمع رجلا يسخر منه، وآخر يهزء به، وثالثا يقاطعه، أثبت ولا تأسى وأعلم علم يقين أنك بين يدي الله يسمع ما تقول ويسمع ما يقال لك، وسيجزي كل أمرء بما فعل
(لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)
يا مرتكبَ المعاصي مختفياً عن أعينَ الخلق أين الله ؟
أين الله ما أنت واللهِ إلا أحدُ رجلين:
إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت. وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجتريَ عليه، وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك ؟
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا)
يدخلُ بعضُ الناسِ غابةً ملتفةُ أشجارُها، لا تكادُ ترى الشمسَ معها، ثم يقول:
لو عملتُ المعصيةُ الآنَ من كان يراني ؟
فيسمعُ هاتفاً بصوت يملىء الغابة ويقول:
(آلا يعلمُ من خلقَ وهو اللطيفُ الخبير). بلا والله.
فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات، في الخلوات، في الفلوات بعيداً عن أعين المخلوقات أين الله ؟"
وفى الفقرة السابقة تحدث عما يظنه البعض عندما يختلى بنفسه من ارتكاب المعاصى أن لا أحد يراه وذكر حديثا فقال :
"في الصحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثورا).
قال ثوبان صفهم لنا جلّهم لنا أن لا نكون منهم يا رسول الله قال:
(أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها)."
والحديث باطل لأن ليس من امة المسلمين من يضيع عمله وإنما من يضيع عمله هم الكفار الضالين كما قال تعالى :
" هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا"
وذكر حديثا باطلا أخر بالشعر فقال :
"إلى من يملىء ليله عينَه وأذنه ويضيعُ وقتَه حتى في ثُلث اليل الآخر، يملىء ذلك بمعاصي الله، أين الله ؟
فقد روى الثقاةُ عن خيرِ الملاء ….بأنه عز وجل وعلا
في ثلثِ الليل الأخيرِ ينزلُ……… يقول هل من تائبٍ فيقبلُ
هل من مسيء طالبٍ للمغفرة……..يجد كريما قابلا للمعذرة
يمن بالخيراتِ والفضائل………. ويسترُ العيب ويعطي السائل.
فنسأله من فضله."
بالقطع الله لا يحل في مكان لأنه لو حل في مكان لأشبه خلقه في وجودهم في مكان وقد كان ولا مكان وهو ما يناقض قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء"
وحكى لنا حكاية من كتب التاريخ فقال :
"إن اللهَ لا يخفى عليه شيء فهلا اتقيتَه يا عبد الله.
عمرُ أبن الخطاب يعسُ ليلةً من الليالي ويتتبع أحوال الأمة، وتعب فاتكاءَ على جدارٍ ليستريح، فإذا بامرأةٍ تقولُ لابنتها: أمذقي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع.
فقالت البنت:ُ إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يشابُ اللبنَ بالماء.
فقالتِ الأم:ُ يا ابنتي قومي فانكي بموضعٍ لا يراكِ فيه عمرُ ولا مناديه فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله ؟ وللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملا، واعصيه في الخلاء.
ويمرُ عمرُ أخرى بأمرة أخرى تغيبَ عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله عز وجل، قد تغيبت في ظلمات ثلاث، في ظلمة الغربةِ والبعد عن زوجها، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة قعر بيتها، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
تطاول هذا الليل وازور جانبه….وأرقني أن لا حبيبُ ألاعبه
فوالله لولا الله لا رب غيره…….لحرك من هذا السرير جوانبه
ما الذي راقبته في ظلام الليل وفي بعد عن زوجها، وفي هدأت العيون ؟
والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.
وأعرابية أخرى يراودها رجل على نفسها كما أورد أبن رجب، ثم قال لها:
ما يرانا أحد إلا الكواكب.
فقالت: وأين مكوكبها يا رجل ؟ حالُها أين الله يا رجل ؟
أتستخفي من الناس ولا تستخفي من الله وهو معك إذ تبيت ما لا يرضى من القول.
أخيرا أسمع لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن وإنما وقع في زمن مضى لتعلم ثمرة مراقبة الله عز وجل، واستشعار ذلك الأمر.
رجل اسمه نوح ابن مريم كان ذي نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له أبنة غاية في الجمال، ذات منصب وجمال. وفوق ذلك صاحبة دين وخلق.
وكان معه عبد اسمه مبارك، لا يملك من الدنيا قليلا ولا كثيرا ولكنه يملك الدين والخلق، ومن ملكهما فقد ملك كل شيء.
أرسلَه سيده إلى بساتين له، وقال له أذهب إلى تلك البساتين وأحفظ ثمرها وكن على خدمتها إلى أن آتيك.
مضى الرجل وبقي في البساتين لمدة شهرين.
وجاءه سيده، جاء ليستجم في بساتينه، ليستريح في تلك البساتين.
جلس تحت شجرة وقال يا مبارك، أتني بقطف من عنب.
جاءه بقطف فإذا هو حامض.
فقال أتني بقطف آخر إن هذا حامض.
فأتاه بآخر فإذا هو حامض.
قال أتني بآخر، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض كاد أن يستولي عليه الغضب، وقال يا مبارك أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتني بقطف لم ينضج.
ألا تعرف حلوه من حامضه ؟
قال والله ما أرسلتني لأكله وإنما أرسلتني لأحفظه وأقوم على خدمته.
والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة.
والذي لا إله إلا هو ما رقبتك ، ولا رقبت أحدا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أعجب به، وأعجب بورعه وقال الآن أستشيرك، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششه، والمستشار مؤتمن.
وقد تقدم لأبنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت ؟
فقال مبارك:
لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب.
واليهود يزوجون للمال.
والنصارى للجمال.
وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزوجون للدين والخلق.
وعلى عهدنا هذا للمال والجاه.
والمرء مع من أحب، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
أي نصيحة وأي مشورة ؟
نظر وقدر وفكر وتملى فما وجد خيرا من مبارك، قال أنت حر لوجه الله (أعتقه أولا).
ثم قال لقد قلبت النظر فرأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت.
قال أعرض عليها.
فذهب وعرض على البنت وقال لها:
إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك.
قالت أترضاه لي ؟
قال نعم.
قالت فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فكان الزواج المبارك من مبارك.
فما الثمرة وما النتيجة ؟
حملت هذه المرأة وولدت طفلا أسمياه عبد الله، لعل الكل يعرف هذا الرجل.
إنه عبد الله أبن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيا بسيرته وذكره الطيب.
إن ذلك ثمرة مراقبة الله عز وجل في كل شي."
وكل هذه الحكايات قد يكون بعضها قد حدث وأما حكاية مبارك فهى حكاية مجانين فالرجل لم يحفظ على الرجل كرمه وإنما تركه حتى فسد بدعوى أنه لم يذق حبة من منه
الحفاظ على الشىء يكون بصلاحه وليس تركه حتى يفسد
وتحدث عن فوائد مراقبة كل واحد لنفسه وقد اخطأ التعبير فجعلها رقابة الإنسان لله فقال :
"أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة لصلح الحال، واستقامة الأمور. فيا أيها المؤمن، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات في الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك، واستشعرتَ ذلك فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.
إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ"
وطالب الله الناس بالخوف من الله بمراقبة أعمالهم في كل شىء كالأكل والشرب مبينا أن الجوع والعطش أفضل من الحرام فقال :
"عباد الله، اتقوا اللهَ في ما تقولون، واتقوا الله في ما تفعلون وتذرون
اتقوا الله في جوارحكُم، اتقوا اللهَ في مطعمِكم ومشربِكم، فلا تدخلوا اجوافَكم إلا حلالاً فإن أجوافَكم تصبرُ على الجوعِ لكنها لا تصبرُ على النار.
اتقوا اللهَ في ألسنتِكم، اتقوا اللهَ في بيوتِكم، في أبنائِكم في خدمكم، في أنفسكم.
اتقوا اللهَ في ليلِكم ونهارِكم، اتقوا اللهَ حيثما كنتم."
وبالقطع أكل الجائع من أى مكان ليس حراما لأنه ما جاع إلا بأخذ أخر لحقه وحرمانه منه مخالفا قوله تعالى :
" وقدر فيها أقزواتها غى أربعة ايام سواء للسائلين"
وهذا الكلام عن الجوع المتعمد في مجتمعاتنا حيث يتواجد الأكل بكثرة عند ألغنياء ويرمونه للحيوانات أو في القمامة ولا يعطونه للمحتاجين
وتحدث عن رقابة الله لكون الرقيب الشهيد وحسابه لكونه الحسيب فقال :
"أعلموا علم يقينٍ أن اللهَ هو الرقيب، وأن الله هو الحسيب، وأنه لا ملجىء منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه."
وتحدث عن شهادة الله على الكل وشهادة الأنواع الأخرى على بعضها فقال :
"هو الشهيدُ وكفى به شهيدا، ومن حكمتِه سبحانه وبحمده أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامةِ الحجُةِ حتى لا يكون للناس حجة، وتعدد الشهودُ علينا وكفى باللهِ شهيدا، من هؤلاءِ الشهودِ:
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حيثُ يقول اللهُ عز وجل:
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا). فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيشهدُ على الأممِ وعلى هذه الأمة.
والملائكةُ أيضاً يشهدون وكفى باللهِ شهيدا، قال اللهُ عز وجل:
(وإن عليكم لحافظينَ، كراما كاتبين، يعلمون ما تفعلون).
ويقول جل وعلا :
(إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
فالملائكة أيضا ستشهد.
والكتابُ سيشهد:
والسجلات ستفتح بين يدي الله فترى الصغيرَ والكبيرَ والنقيرَ والقطميرَ، تنظرُ في صفحةِ اليومِ الثامنُ من هذا الشهر فإذا هي لا تغادرُ صغيرةً ولا كبيرة،:
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا).
(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ).
والأرضُ التي ذللها الله عز وجل لنا ستشهدُ بما عمل على ظهرها من خيرِ أو شر:
(إذا زلزلت الأرضُ زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها، يوم إذا تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها).
ستحدث بما عمل على ظهرها من خير أو شر، بل إن هذه الأرض تحمل عاطفة، إذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده، وبكاه ممشاه إلى الصلاة، وبكاه مصعد عمله إلى السماء.
وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا:
(فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين).
والخلقُ أيضا سيشهدون وكفى باللهِ شهيدا:
لطالما تفكهُ الإنسانُ بين هؤلاءِ الخلقِ بالوقوعِ في أعراضِ المسلمينَ بذكرِ ما سترَه اللهُ عليه.
وما علم أن الخلق سيشهدونَ."
ومما لا شك فيه أن الله خلق شهودا على عمل الإنسان داخله ففى كل عضو سجل مصور لكل ما يقوم به العضو وهناك السجل العام وهو الكتاب المنشور لكل أعمال الإنسان صوتا وصورة ...
وأورد حديثا فقال :
"في الصحيح أن جنازة مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فيثني عليها الناس خيرا فيقول صلى الله عليه وسلم وجبت.
وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوء فيقول صلى الله عليه وسلم وجبت.
فيتسأل الصحابة ؟فيقول صلى الله عليه وسلم أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه."
والحديث باطل فدخول الجنة أو النار ليس بشهادة الناس وإلا كان الرسل(ص) سيدخلون النار بشهادة الكفار وهم كثرة وإنما بحكم الشهيد الشاهد وهو الله وحده لأنه هو العليم بكل شىء
وتحدث عن شهادة الأعضاء فقال :
"وسيشهدُ ما هو أقربُ من هذا:
ستشهدُ الجوارحُ فـ أيدٍ تشهد، وأرجلٍ تشهد، وألسنٍ تشهد، وجوارح تشهد:
(اليومَ نختمُ على أفواههم، وتكلمُنا أيديِهم، وتشهدُ أرجلُهم بما كانوا يكسبون).
(ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون، حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون)
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)
(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين)"
وطالب الكل بالخوف من الله بعمل الصالحات والبعد عن السيئات فقال :
"فاتقوا الله يا باد واجعلوا هؤلاءِ الشهودِ جميعهم لكم لا عليكم.
وبادروا أنفسَكم وأعمارَكم بالأعمالِ الصالحةِ قبل حلولِ الآجالِ وبقاءِ الحسراتِ.
أيا من يدعّي الفهم، إلى كم يا أخَ الوهم، تعبي الذنبَ بالذنب، وتخطي الخطاءَ الجم.
أما بان لك العيب، أما أنذرك الشيب، وما في نصحه ريب، ولا تنعُ فقد صم.
أما نادى بك الموت، أما أسمعك الصوت، أما تخشى من الفوت، فتحتاطَ وتهتم.
فكم تسكرُ في السهو، وتختالُ من الزهو، وتنصبُ إلى اللهو، كأن الموتَ ما عم.
وحتى متى جافيك، وإبطاءُك لافيك، طباعُ جمعت فيك، عيوبُ شملُها أنظم.
أتسعى في هوى النفس، وتختالُ على الأنس، وتنسى ظلمةَ الرمس، ولا تذكرُ ما تم.
ستذري الدمَ لا الدمع، إذا عاينتَ لا دمع، يقي في عرصتِ الجمع، ولا خالٍ ولا عم.
كأني بك تنحط، إلى اللحدِ وتنغط، وقد أسلمك الرهط، إلى أضيق منسم.
هناك الجسمُ ممدود، ليستأكَله الدود، إلى أن ينخر العود، ويمسي العظمَ قد رم.
فبادرِ أيها الغمر، لما يحلُ به المر، فقد كاد ينتهي العمر، وما أقلعت عن ذم. وزود نفسَك الخير، ودع ما يعقبُ الضير، وهيء مركب السير، وخفف لجة اليم."
اجمالي القراءات 2564