الأزهر والمثقفون يطلقون منظومة الحريات الأساسية.. تجريم الإكراه فى الدين.. ورفض الإقصاء والتكفير.. ل

في الثلاثاء ١٠ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الأزهر والمثقفون يطلقون منظومة الحريات الأساسية.. تجريم الإكراه فى الدين.. ورفض الإقصاء والتكفير.. ليس من حق أحد أن يثير النعرات المذهبية باسم حرية التعبير

الثلاثاء، 10 يناير 2012 - 14:24

الطيب يلقى بيان الطيب يلقى بيان "الأزهر" والمثقفين

كتب لؤى على _ تصوير: سامى وهيب

Add to Google

أصدر الأزهر الشريف والمثقفون بيانًا عن منظومة الحريات الأساسية، فى مؤتمر صحفى برئاسة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبحضور الدكتور صلاح فضل عن المثقفين، والدكتور نصر فريد واصل، والدكتور حسن الشافعى.

تناول البيان عددًا من الحريات، منها حرية العقيدة والرأى والتعبير والبحث العلمى والإبداع الأدبى والفنى، وعن حرية العقيدة قال الأزهر والمثقفون: تُعتَبر حريّةُ العقيدة، وما يرتبط بها من حقِّ المواطنة الكاملة للجميع القائم على المساواة التامة فى الحقوق والواجبات، حجرَ الزّاوية فى البناء المجتمعى الحديث، وهى مكفولةٌ بثوابت النصوص الدينية القطعية، وصريح الأصول الدستورية والقانونية، إذ يقول المولى عز وجل "لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"، ويقول "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، ويترتّب على ذلك تجريم أى مظهر للإكراه فى الدين، أو الاضطهاد أو التمييز بسَبَبِه، فلكلِّ فردٍ فى المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء، دون أن يمس حقّ المجتمع فى الحفاظ على العقائد السماوية، فللأديان الإلهية الثلاثة قداستها، وللأفراد حريّة إقامة شعائرها دون عدوان على مشاعر بعضهم، أو مساس بحرمتها، قولاً أو فعلاً ودون إخلال بالنظام العام.

وجاء بالبيان أنه لما كان الوطن العربى مهبطَ الوَحى السماوى، وحاضن الأديان الإلهية، كان أشدّ التزامًا برعاية قداستها، واحترام شعائرها، وصيانة حقوق المؤمنين بها فى حرية وكرامة وإخاء، ويترتّب على حـــق حرية الاعتقاد التسليم بمشروعية التعدد، ورعاية حق الاختلاف، ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساسٍ متينٍ من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص فى جميع الحقوق والواجبات.

وذكر البيان أنه يترتب على احترام حرية الاعتقاد رفض نزعات الإقصاء والتكفير، ورفض التوجهات التى تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش فى ضمائر المؤمنين بهذه العقائد، بناء على ما استقرَّ من نظم دستورية، بل بناء على ما استقر، قبل ذلك، بين علماء المسلمين من أحكام صريحة قاطعة قرّرتها الشريعة السمحاء فى الأثر النبوى الشريف "هلا شققتَ عن قلبه"، والتى قررها إمام أهل المدينة المنورة الإمام مالك، والأئمة الآخرون بقوله: "إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِلَ على الإيمان، ولا يجوز حَمْلُه على الكفر"، وقد أعلى أئمة الاجتهاد والتشريع من شأن العقل فى الإسلام، وتركوا لنا قاعدتهم الذهبية التى تقرر أنه "إذا تعارض العقل والنقل قُدِّم العقل وأُوِّل النقل"، تغليباً للمصلحة المعتبرة، وإعمالاً لمقاصد الشريعة.

وعن حرية التعبير والرأى قال إن حرية الرأى هى أم الحريات كلها، وتتجلى فى التعبير عن الرأى تعبيرًا حرًّا بمختلف وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإنتاج فنى وتواصل رقمى، وهى مظهر الحريات الاجتماعية التى تتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم، مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئى والرقمى، وحرية الحصول على المعلومات اللازمة لإبداء الرأى، ولابد أن تكون مكفولة بالنصوص الدستورية لتسمو على القوانين العادية القابلة للتغيير.

وجاء بالبيان: استقرت المحكمة الدستورية العليا فى مصر على توسيع مفهوم حرية التعبير ليشمل النّقد البنَّاء، ولو كان حاد العبارة، ونص على أنه "لا يجوز أن تكون حرية التعبير فى القضايا العامة مقيدة بعدم التجاوز، بل يتعين التسامح فيها"، لكن من الضرورى أن ننبه إلى وجوب احترام عقائد الأديان الإلهية الثلاثة وشعائرها، لما فى ذلك من خطورة على النسيج الوطنى والأمن القومى.

وأضاف البيان أنه ليس من حق أحد أن يثير الفتن الطائفية أو النعرات المذهبية باسم حرية التعبير، وإن كان حق الاجتهاد بالرأى العلمى المقترن بالدليل، وفى الأوساط المتخصصة، والبعيد عن الإثارة، مكفولاً كما سبق القول فى حرية البحث العلمى.

ويعلن المجتمعون أن حرية الرأى والتعبير هى المظهر الحقيقى للديمقراطية، وينادون بتنشئة الأجيال الجديدة وتربيتها على ثقافة الحرية وحق الاختلاف واحترام الآخرين، ويهيبون بالعاملين فى مجال الخطاب الدينى والثقافى والسياسى فى وسائل الإعلام مراعاة هذا البعد المهم فى ممارساتهم، وتوخى الحكمة فى تكوين رأى عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق، ويحتكم للحوار ونبذ التعصب، وينبغى لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامى السمح الذى كان يقـــول فيه أكابر أئمة الاجتهاد: "رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب"، ومن ثم فلا سبيل لتحصين حرية الرأى سوى مقارعة الحجة بالحجة طبقًا لآداب الحوار، وما اســـتـقرت عليه الأعراف الحضارية فى المجتمعات الراقيــة.

وأكد الإمام الأكبر فى كلمته أن المصريين، والأمة العربية والإسلامية، يتطلعون، بعد ثورات التحرير التى أطلقت الحريات، وأَذكَت رُوح النّهضة الشاملة لدى مختلف الفئات، إلى علماء الأمّة ومفكِّريها المثقفين، كَى يحددوا العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء، ومنظومة الحريّات الأساسية التى أجمعت عليها المواثيق الدّولية، وأسفرت عنها التجربة الحضارية للشعب المصرى، تأصيلاً لأسُسِها، وتأكيدًا لثوابتها، وتحديدًا لشروطها التى تحمى حركة التطور وتفتح آفاق المستقبل، وهى حرية العقيدة وحرية الرأى والتعبير، وحرية البحث العلمي، وحرية الإبداع الأدبى والفنى، على أساس ثابت من رعاية مقاصد الشريعة الغراء، وإدراك روح التشريع الدستورى الحديث، ومقتضيات التقدم المعرفى الإنسانى، بما يجعل من الطاقة الرّوحية للأمّة وقودًا للنهضة، وحافزًا للتقدم، وسبيلاً للرُّقىّ المادى والمعنوىّ، فى جهد موصول يتسق فيه الخطاب الثقافى الرشيد مع الخطاب الدينى المستنير، ويتآلفان معًا فى نسق مستقبلى مُثمِر، تتحد فيه الأهداف والغايات التى يتوافق عليها الجميع.

ومن هنا، يقول البيان، فإن مجموعة العلماء الأزهريين والمثقّفين المصريين الذين أصدروا وثيقة الأزهر الأولى، برعاية من الأزهر الشريف، وأَتبعوها ببيانِ دَعْمِ حراك الشعوب العربية الشقيقة نحو الحرية والديمقراطية، قد واصلوا نشاطهم وتدارسوا فيما بينهم القواسم الفكرية المشتركة فى منظومة الحريات والحقوق الإنسانية، وانتهوا إلى إقرار جملةٍ من المبادئ والضوابط الحاكمة لهذه الحريات، انطلاقًا من متطلبات اللحظة التاريخية الراهنة، وحفاظًا على جوهر التوافق المجتمعى، ومراعاة للصالح العام فى مرحلة التحول الديمقراطى، حتى تنتقل الأمّة إلى بناء مؤسساتها الدّستورية بسلامٍ واعتدال وتوفيقٍ من الله تعالى، وبما لا يسمح بانتشار بعض الدعوات المغرضة التى تتذرع بحجة الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للتدخل فى الحريات العامة والخاصة، الأمر الذى لا يتناسب مع التطور الحضارى والاجتماعى لمصر الحديثة، فى الوقت الذى تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الكلمة، والفهم الوسطى الصحيح للدين، والذى هو رسالة الأزهر الدينية ومسئوليته نحو المجتمع والوطن.

وعن البحث العلمى، أكد الأزهر والمثقفون أن البحث العلمى الجادّ فى العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضيــة وغــيرها يُعدُّ قاطرة التقدم البشرى، ووسيلة اكتشاف سنن الكون ومعرفة قوانينه لتسخيرها لخير الإنسانية، ولا يمكن لهذا البحث أن يتم ويؤتى ثماره النظرية والتطبيقية دون تكريس طاقة الأمّة له، وحشد إمكاناتها من أجله، ولقد أفاضت النصوص القرآنية الكريمة فى الحث على النظر والتفكر والاستنباط والقياس والتأمل فى الظواهر الكونية والإنسانية لاكتشاف سننها وقوانينها، ومهدت الطريق لأكبر نهضة علمية فى تاريخ الشرق، نزلت إلى الواقع وأسعدت الإنسان شرقاً وغرباً، وقادها علماء الإســـلام ونقلوا شعلتها لتضيء عصر النهضة الغربية، كما هو معروف وثابت.

وإذا كان التفكير فى عمومه فريضة إسلامية فى مختلف المعارف والفنون، كما يقول المجتهدون، فإن البحث العلمى النظرى والتجريبى هو أداة هذا الفكر، وأهم شروطه أن تمتلك المؤسسات البحثية والعلماء المتخصصون حرية أكاديمية تامة فى إجراء التجارب، وفرض الفروض والاحتمالات، واختبارها بالمعايير العلمية الدقيقة، ومن حق هذه المؤسسات أن تمتلك الخيال الخلاق والخبرة الكفيلة بالوصول إلى نتائج جديدة تضيف للمعرفة الإنسانية، لا يوجههم فى ذلك إلا أخلاقيات العلم ومناهجه وثوابته، وقد كان كبار العلماء المسلمين مثل الرازى وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم أقطاب المعرفة العلمية وروادها فى الشرق والغرب قرونًا عديدة، وآن الأوان للأمة العربية والإسلامية أن تعود إلى سباق القوة وتدخل عصر المعرفة، فقد أصبح العلم مصدر القوة العسكرية والاقتصادية، وسبب التقدم والتنمية والرخاء، وأصبح البحث العلمى الحر مناط نهضة التعليم وسيادة الفكر العلمي، وازدهار مراكز الإنتاج، إذ تخصص لها الميزانيات الضخمة، وتتشكل لها فرق العمل، وتُقترح لها المشروعات الكبرى، وكل ذلك مما يتطلب ضمان أعلى سقف للبحث العلمى والإنسانى.

وأضاف البيان أن الغرب أوشك أن يقبض بيديه على كل تقدم علمى، وأن يحتكر مسيرة العلم لولا نهضة اليابان والصين والهند وجنــوب شرقى آسيا التى قدمت نماذج مضيئة لقدرة الشرق على كسر هذا الاحتكار، ولدخول عصر العلم والمعرفة من أوسع الأبواب، وقد آن الأوان ليدخل المصــريون والعرب والمسلمون ساحة المنافسة العلمية والحضارية، ولديهم ما يؤهلهم من الطاقات الروحية والمادية والبشرية وغيرها من شروط التقدم فى عالم لا يحترم الضعفاء والمتخلفين.

وعن حرية الإبداع الأدبى والفني، قال البيان إن الإبداع ينقسم إلى إبداع علمى يتصل بالبحث العلمى كما سبق، وإبداع أدبى وفنى يتمثل فى أجنــاس الأدب المختلفة، من شعر غنائى ودرامى وسرد قصصى وروائى ومسرح وسير ذاتية وفنون بصرية تشكيلية وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية، وأشكال أخرى مستحدثة فى كل هذه الفروع.

وجاء بالبيان، الذى يعد حصيلة حوارات ممتدة بين شيخ الأزهر والمثقفين طوال عدة أشهر، أن الآداب والفنون فى جملتها تستهدف تنمية الوعى بالواقع، وتنشيط الخيال، وترقية الإحساس الجمالى، وتثقيف الحواس الإنسانية، وتوسيع مداركها، وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقـــد المجتمع أحيانًا، والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدى فى حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنشيط الخيال وتنمية الفكر، مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية، ولقد تميزت اللغة العربية بثرائها الأدبى وبلاغتها المشهودة، حتى جــاء القرآن الكريم فى الذروة من البلاغة والإعجاز، فزاد من جمالها وأبرز عبقريتها، وتغذَّت منه فنون الشعر والنثر والحكمة، وانطلقت مواهب الشعراء والكتّاب، من جميع الأجناس التى دانت بالإسلام ونطقت بالعربية، تبدع فى جميع الفنون بحرية على مر العصور دون حرج، بل إن كثيرًا من العلماء القائمين على الثقافة العربية والإسلامية من شيوخ وأئمة كانوا هم من رواة الشعر والقصص بجميع أشكاله، على أن القاعدة الأساسية التى تحكم حدود حرية الإبداع هى قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد فى الإبداع الأدبى والفنى من ناحية أخرى، وعدم التعرض لها ما لم تمس المشاعر الدينية أو القيم الأخلاقية المستقرة، ويظل الإبداع الأدبى والفنى من أهم مظاهر ازدهار منظومة الحريات الأساسية وأشدها فعالية فى تحريك وعى المجتمع وإثراء وجدانه، وكلما ترسخت الحرية الرشيدة كان ذلك دليلاً على تحضره، فالآداب والفنون مرآة لضمائر المجتمعات، وتعبير صادق عن ثوابتهم ومتغيراتهم، وتعرض صورة ناضرة لطموحاتهم فى مستقبل أفضل، والله الموفق لما فيه الخير والسداد.

 
اجمالي القراءات 5736