الناقة ما هي
ناقة ثمود في تذكرة قرآنية مبصرة

أحمد بغدادي في السبت ٠١ - أكتوبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الناقة في تذكرة قرآنية مبصرة

باسم الله الرحمن الرحيم

بدايةً، قصة قد تكون غير حقيقية، لكنها ذات دلالة بالغة:

مع وصول الاستيطان الأوروبي إلى قارة أستراليا، صُدموا عندما شاهدوا ما يُعرَف بحيوان الكنغر… ف تحرُّوا السكان الأصليين عنه طالبين المزيد من المعلومات …. فكان جوابهم مختصراً : كانغارو…
و سَرَت تلك اللفظة على هذا الحيوان… الطريف في هذه القصة أنهم اكتشفوا فيما بعد، أن السكان الأصليين لم بكونوا يشيروا بتلك الكلمة أو العِبارة( كانغاروا) إلى لذلك الحيوان… على الإطلاق… وإنما كان معناها:( لا أعلم/ لا أفهم ما تقول ).

ينطبق مغزى هذه القصة الطريفة على إرث التفسير القرآني و الفقه الإسلامي، العباسيي الطابع ، ، للأسف الشديد… فهناك الكثير من الكانغاروات اللفظية التي تشير لشيء.، بينما يتحدث معناها الحقيقي عن شيء.ٍ آخر تماماً…

هو إذاً الإختلاف والتغاير بين الدَال و مدلُوله، و قد أفرزته، من قبل، التغريبة التي عاشتها الأقلية العربية في بلاد الفتح، و التي تتشابه لغات شعوبها في الأصول اللسانية،،، لا الاشتقاقية،،، مع العربية في الحجاز. و لقد تعمقت تلك التغريبة في الأجيال التالية التي فرَّطت في الكثير من معاني المفردات العربية مستبدلةً إياها بأخرى أعجمية، نتيجة التفوق الثقافي للآخر…

و بهذا سقطت الكثير من المفردات العربية من التداول، أو تبدل الدَّال العربي، أي الكلمة المنطوقة، بمدلولٍ أعجمي: أي المعنى و الصورة القائمة في الذهن المرتبطة بالمنطوق…. و هكذا ظهرت الفرق والأديان والشِيَع و المذاهب من قلب الأمة التي كانت واحدة نتيجة فساد اللسان الذي مؤدَّاه فساد تفسير النص، و قد تمكن الأعاجم الحاقدين على الإسلام من الهيمنة في مرحلة التدوين،،، في الدولة العباسية التي أقاموها،،، مع صمت العباسيين عن تلك الجرائم الفكرية التي ارتكبوها .

رسَّخ تدوين الموروث الشفهي ذلك جريمة الفصل بين العربية و الواقع الموصوف بها… .

مبعث هذه المقدمة أمرٌ لافتٌ جداً لا بد أن الكثيرين من متدبري القرآن العظيم قد مروا به. وهو كثرة الأسماء التي تشير إلى حيوان واحد متكيف مع البيئة الصحراوية :

الجمل، وهو ذلك الحيوان الصحراوي الصبور المتحمل للعطش، سفينة الصحراء.. و هو نفسه من الإبل ، و هو عينه البعير و العِير ، و أنثاه هي الناقة… هذا غير مسميات : البُدن و الهِيم، و الحقيقة أن تلك الدَّالات المنطوقة منفصلة تماماً عن المدلول المعنوي العربي الحقيقي الذي غاب خلف المدلولات المعنوية الصُوَرِية الأعجمية المسيطرة… إلى حين …

الثلاثي( جَمَلَ ) > أجملَ … يُجمِل … إجمالاً :

الجمل : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ ) (الأعراف - 40)

جَمَالٌ : ( وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ )(النحل - 6)

جَمِيل: ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ) (يوسف - 18)

جمَّالة ( كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ ) (المرسلات - 33)

لقد ركَّب المستعرِبُون و المفسِّرون مدلولاً معنوياً صُوَرِياً خاطئاً و غير حقيقي ل دالَّة ( الجمل) المنطوقة بسبب جَهَالةٍ فاضحة باللسان العربي، فكان لا بد لهم من الإبتكار ، كذلك نظر كثيرْ منهم نظرةٍ ضَيِّقة وعُصبوية إلى التنزيل الحكيم كنصٍ خاصٍ بالبِيئَة البَدوِية و ما تشمله من نبَاتَات و دوَاب و أدَوَات و لباسٍ و طَعام ، فاسقطوا الكثير من المَدلُولات الخاطئة على الدالات العربية القرآنية التي تصف شيئاً مختلفاً.

و هنا أعيد التأكيد على أمرٍ هام و : هو أن جميع المسميات في القرآن سواء كانت أسماءً ل : أفراد، جماعات، شعوب، أدوات، أماكن جغرافية، نباتات، حيوانات، ما هي إلا صفات غالبة تنبع من معاني الحروف، ونتيجة هذا فإن هذه الصِفَات متحركة و متغيِّرة( المُشار إليه ) في كل عصر، وليست ثابتة أو عشوائية التوصيف كما في لغات العالم، و من هنا ندرك توصيف الله تعالى للكلمة القرآنية الطيِّبة :

( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [إبراهيم : 25]

ثمود ، أصحاب الحِجر و أخاهم صالح :

{ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ . وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ . فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ( سورة الحجر، الآيات: 80_84)

السؤال الأول الذي سيرد على الذهن هو سبب تسمِّيةِ ثمود بأصحاب الحِجرْ؟

بعض المفسرين ربط ذلك مع واقعة نحتهم من الجبال بيوتاً، وهذا استدلال مغلوط وغير صحيح، لأنهم
" حَجَرُوا " شيئاً ما كما سنرى :

قال الله تعالى : ( وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ ۖ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍۢ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعْثَوْاْ فِى ٱلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )(البقرة - 60)

و قال سبحانه : ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (البقرة - 74)

كما يتبين لنا من معنى( حَجَرَ) و من سياق الآيات، أن الحِجارة تَحْجرُ ما دونها، وهو الماء… و( الحَجْرُ ) كما سبق و قلنا، بأنه صفة غالبة، فليس ما دون المَحْجُور دائماً ماءً، فربما يكون المَحْجُور فَرداً أو سِرَّاً أو شيئاً من المُحرَّمات، أو يكون الحِجْرُ نفسه قوانين و تعليمات لا يجوز تجاوزها :

( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) (الحجرات - 4)

الحُجْرَة هنا هي مكان خاص للنبي لا يجوز لأحدٍ تجاوزه… و نحن لا ننفي ذلك، ولكن طبيعة المعاني القرآنية المفتوحة تفرض سياقاً آخر لغير ذات المتخيل في الذهن لدى القراءة الأولية، سيما و أن ( ٱلْحُجُرَٰتِ ) وردت في صيغة الجمع هنا… و بالتالي الذين ينادون النبي يتحايلون على " محظورات " أو "ممنوعات" تخص علاقتهم به عليه السلام، فلا يصيبهم حينها، بحسب ظنهم، أي لومٍ أو مُساءلة…

ما هو الشيء الذي حَجَرتهُ ثمود إذاً ؟

قال الله تعالى :

(وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذونَ مِن سُهولِها قُصورًا وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا فَاذكُروا آلاءَ اللَّـهِ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ). [سورة الأعراف، آية: 74]

السهُول و القصُور : السهُول هي الأراضي المنبسطة السَهْلة، أما القصور فهي البيوت الضخمة، أليس كذلك؟

الواقع أن كلام المفهومين لهاتين الكلمَتَين خاطئين تماماً و لا يوجد صلة بينهم.

( السَهْلُ ) حسب علم الحرف العربي، هو المنبسط جُنوحاً ، بحكم الطبيعة الجغرافية، من الأرض المتمايزة عن غيرها من أراضٍ محيطة سواء بالإرتفاع أو بالإنخفاض أو لسبب وجود عوائق طبيعية أخرى أو بشرية مصطنعة.

أما( القصُور) ، فلننظر لها في سياقٍ قرآني آخر قبل أن نُجلِي معناها، بإذن الله :

( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱلْكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا )(النساء - 101)

غالبية الناس، للأسف، تظن أن قَصْرَ الصلاة هو اختزالها، من أربع ركعات إلى اثنتَين مثلاً… و لا أدري كيف سيختزلون صلاة الفجر أو المغرب !!!

و نحن لو تمعَّنا في السياق القرآني لوجدنا أن قول الله تعالى ( تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ ) يتعلق بصلواة مُختارة من مجموع الصلوات المَوقُوتة النُسُكِية، ألا و هي الصلواة النهارية، أو المُبصَرَة..

و القَصْرُ هنا ليس اختزالها على الإطلاق، ف الخائف على نفسه سيبقى خائفاً سواء اختزل و اختصر من صلاته أو لم يفعل …

( قَصْرُ) الصلاة هو أن تُقام في مكانٍ مقصُور، أي فيه سترٌ و وقاية و حِماية فيطمئن مؤدِّي الصلاة على نفسه و دينه…

و عليه، و بناءً على المعنى في ( سُهُول و قُصُور ) يتضح لنا أنهم كانوا يستخدمون مناطق منعزلة في الأرض الأرض، منخفضات مثلاً، نتجت عن عوامل طبيعية( القصد الإلهي )، ليحجُرُوا الماء المتدفق من الغَيث والسَيل و العيُون عبر تحويله إلى تلك السُهُول التي باتت تعمل كمَقصُورات طبيعية تمنع وصول الماء إلى أقوامٍ آخرين…

من هنا أتت تسميتهم بأصحاب الحِجر. و قد أصابهم الكِبَر و البَطَر، فركبوا الجبال يَنْحتُون منها بيوتاً في تحدٍّ لله تعالى بأنه لا يصيبهم عذابٌ منه :

(أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151). [سورة الشعراء

(وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ). [سورة هود، آية: 61]

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ*إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ*فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ*وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ). [سورة الشعراء، آية: 141-145]

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ*قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ*قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّـهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [سورة النمل، آية: 45-47]

إذاً ، انقسمت ثمود فريقين ( فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ).. ما بين مُتحفِّظٍ و مُتحدٍّ عنيدٍ … فحان وقت إرسال النَاقَّة…

( وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَـٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٧٣ الأعراف﴾

( وَيَا قَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴿٦٤ هود﴾

أُولى الملاحظات التي سنستخرجها من الآيات المباركات هي مجموع أرقامها…

الأعراف رقم آيتها ( 73 ) مجموعها : 3+ 7 = 10
هود رقم آيتها ( 64 ) مجموعها : 4 + 6 = 10

هل لذلك علاقة بتفاصيل الآيات و خواتيمها( عَذَابٌ أَلِيمٌ ) +( عَذَابٌ قَرِيبٌ) وترتيب السُوَر و البناء الهندسي الرقمي للسُوَر و القرآن عموماً ؟

الله أعلم

ثَانِي الملاحظات هي قوله تعالى في السُورَتَين : ( فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ) + ( فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ )

تأكل في الأرض ؟!!!

هي إذاً تأكل الأرض نفسها و لا تأكل منها !!!

إذاً من تكون … أو ما هي تلك " الناقة " ، و لماذا أرسلها الله سبحانه و تعالى إلى ثمود ؟؟؟؟

النَاقَة : غنيٌ عن القول أن ثمود التي كانت مترفة ما بين جنَّات و خيرات و مياه وافرة ( (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)الشعراء.. كان بالتأكيد لديها ثروة حيوانية معتبرة… فلن يضرها أبداُ أنثى جَمَل زائدة على القطيع…طبعاً بافتراض أن " الناقة " هي أُنثَى ما يسمى ب " الجمل" .

وحتى تخصيص يومٌ لها من أجل شُربها ما كان ليُثِير غضبهم . إذاً فلا بد أن هناك شيئاً ما كانت تفعله تلك الناقة حتى أخرجتهم عن طورهم .

الجذر الثنائي الحرف : نَقَّ :

حسب علم الحرف القرآني يعني هذا الجذر : لَفْظُ و عَكْسُ اتجاه المُسْتَمسَك من ما بَطَنَ و تآنَّى( أي كان ضِمْنَ إِنَاء)...
ضمن التوصيفات الفِطرية اللسانية لهذا المعنى، يمكن الإستشهاد ب :

( نَقُّ ) الضفدع … ( نقِيقُ ) الضفادع، و يتم هذا عن طريق استنشاق الضفدع للهواء وإغلاقه ضمن ثقوب أنفه وفمه ثم يدفعه الى الوراء، الى أعلى بين الفم والرئتين فيحدث هذا الصوت عندما يمر الهواء فوق الحبال الصوتية مما يجعلها تهتز.
ولمعظم أنواع الضفادع أكياس او جيوب صوتية تنتفخ على الفم، وعندما يغني الضفدع تصبح هذه الأكياس مليئة بالهواء وتتضخم فتعمل هذه الأكياس المتضخمة عمل جهاز تضخيم الصوت وتعطي صوت الضفدع نقيقه المميز.

بهذا التعريف البسيط تتضح الصورة الكاملة الآن ( الناقة ) هي دابَّة تحت أرْضِيَة صغيرة تحفر أنفاقاً في الأرض و تضغط ترابها ، هي تأكل الأرض، كما وصفها لقرآن العظيم…

إذاً،( الناقة ) في العربية القرآنية تشير، و حسب صفتها الغالبة، إلى أي مخلوقٍ أو أداة يقوم بنقِّ الأرض أو الهواء ..

أما (نَاقَةُ ) ثمود فهي بما يُعرف في لغة اليوم ب : الخِلد MOLE, و قد كانت مُبْصِرَةً كما وصفها القرآن العظيم :

( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴿٥٩ الإسراء﴾

مُعايَنة الشيء على الواقع، عبر العَين، هي رُؤية… أما إدراك ما ورَائِية الشَي و مَاهِيته و جَوهَرُه فهو الإبْصَار… و من المعروف أن الخِلد، أو بالأصح، الناقَّة، شِبه عَمْيَاء، لا تكاد تَرى.. لذلك زوَّدها االخالق سبحانه و تعالى بالبَصِيرة التي تمكنها من سَبْر التُربَة و طبيعتها و ما تحتها و التأقلم في ظُلمات أنفاقها، ومعرفة اتجاهات الحَفر بالنسبة لأقطاب الأرض …

إقتباس " فأر الخلد أنسيل (Fukomys anselli) هو نوع من القوارض موائله الطبيعية في غابات السافانا الرطبة، وهو مستوطن في زامبيا، ويتغذى على الدرنات والجذور النباتية.

والخِلد نوع اجتماعي من الحيوان شديد التعاون، يعيش في مستعمرات من حوالي 10 أفراد، ويبني أطول نفق معروف لأي حيوان ثديي يصل طوله إلى 2.8 كلم لمستعمرة واحدة من 10 أفراد فقط.

إن عيون فأر الخلد أنسيل لا تكاد تبصر، إذ لا يمكنها رؤية الألوان أو تكوين صور حادة، وتتمثل مهمتها الرئيسية في التمييز بين الضوء والظلام، ولكن الغريب الذي أثار حيرة العلماء أن هذا النوع من فئران الخلد دائما ما يحفر جحوره بعناية في الاتجاه الجنوبي الشرقي المغناطيسي.

وحتى في الظلام الدامس، يبدو أن هذه القوارض قادرة على استشعار وتحديد هذا الاتجاه، ولا يزال سبب ذلك غير واضح.

ومؤخرا، اكتشف باحثون من جامعة ديسبورغ إيسن (University of Duisburg-Essen) في ألمانيا، أن العيون ضرورية للاستقبال المغناطيسي في هذه الثدييات، وأن إزالة العيون منها لا تؤدي إلى تغييرات في السلوكيات الروتينية، بما في ذلك الحركة والتغذية والتواصل الاجتماعي. " نهاية الإقتباس

ما هي إذاً قِصَّةُ سِقاية النَاقة و لماذا عقرها كبير المُسرفين في ثمود؟

هناك القليل من المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن الناقة، لكن يعتقد العلماء أن الجذور و الحشرات ، كغذاء، تُوفِّر الماء اللازم ل الناقة من أجل الإستمرار في الحياة… و هذا الإعتقاد يبدو غير صحيح، إذ أظهرت تجربة عملية أن الناقة يمكنها الإحساس بالماء، و أنها تشرب منه مباشرةً، شاهد الفديو المعنون في اليوتيوب:

DID ANYONE SEE THE MOLE DRINKING WATER

https://youtu.be/VjX7p-7YYEo

لقد كانت الناقة رغم ضَآلة حَجمها و هَوانِها و ضَعْفِها مصدر حَنَقٍ كبير ل ثمود التي خَشَتْ انهيار السُهُول المُقصِرة للماء، و التي هي سبب ازدهارهم، نتيجة أنفاق الناقة التي تخلَّلتها…. و فوق ذلك، خصَّص الله تعالى لها يوماً لتشرب من الماء دوناً عن الجميع، و يوماً لكل فريق من المختلفين من ثمود… مع إنذار الله تعالى لهم بالعذاب إن مسوها بسوء ، و ترافق ذلك مع استمرارهم ب العِنَاد و الكُفر و تهديد النبي صالح و من معه…

فكان عَقْرُ الناقة، و كان ما كان…

( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٧٧ الأعراف﴾

( كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ (23) فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٗا مِّنَّا وَٰحِدٗا نَّتَّبِعُهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٍ (24) أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ (25) سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ (26) إِنَّا مُرۡسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتۡنَةٗ لَّهُمۡ فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ وَٱصۡطَبِرۡ (27) وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ (28) فَنَادَوۡاْ صَاحِبَهُمۡ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ (29) فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ (31) القمر

( قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿١٥٥ الشعراء﴾

( فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴿١٣ الشمس﴾

هذا ما كان عن ناقة ثمود…. فماذا عن الفِيل… ماذا سيكون؟

و الله تعالى أعلم
اجمالي القراءات 2253