شادي طلعت
في
السبت ٢٤ - سبتمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
دونالد ترمب .. كان رجل أعمال كبير شاء من شاء وأبى من أبى، وتخطت ثروته المليار دولار، في وقت كان فيه المليارديرات أشخاص معدودون على مستوى العالم، لكنه كأمركي كان أكثر نفوذاً عن أي ملياردير آخر غير أمريكي، هذا بالإضافة إلى أنه صاحب عقلية إقتصادية رائعة، نضيف إلى ذلك أيضاً أنه كان قريباً من رجال السلطة في أمريكا.
وكانت له علاقات بملوك في الشرق، ولطالما ساعدهم عن طريق وساطته داخل كافة الإدارات الأمريكية الحاكمة، والمتعاقبة.
وقد لا يعلم الناس أن ترمب لم يكن ينتمي للحزب الجمهوري الأمريكي منذ البداية !، ذلك لأنه كان عضواً بارزاً في الحزب الديمقراطي، والمفاجأة أنه كان قريباً من الرئيس الديمقراطي(بيل كلينتون)، والمفاجأة الأكثر عجباً، أن (بيل كلينتون)، هو أول من شجع ترمب على خوض إنتخابات الرئاسة الأمريكية.
وعندما تقدم ترمب، للترشح في نوفمبر ٢٠١٦م، نجح وبإكتساح في ٢٩ ولاية أمريكية، ويشاء القدر أن يسحق في تلك الإنتخابات زوجة صديقه (بيل كلينتون) هيلاري، والتي فازت عليه بفارق الأصوات، لكن ترمب حصل على ٣٠٦ صوت حينها، وهي حصلت على ٢٣٢ صوت فقط، من أصوات المجمع الإنتخابي.
والآن نطرح السؤال الهام :
كيف لرجل صاحب سلطة ونفوذ، ومال كثير، يسقط أمام (جو بايدن)، وبفارق أصوات تجاوز رقم ٦ مليون صوت، وبفارق ٧٤ صوت في المجمع الإنتخابي ؟
الإجابة تنحصر في النقاط التالية :
النقطة الأول/ قلة خبرة ترمب السياسية.
إذ أن الرجل لم يعطي من حياته الوقت الكافي للسياسة، في بلد يبدأ فيها السياسيون بالعمل وهم تحت سن العشرين.
وبالتالي لم يستطع ترمب الإلمام بكافة مفاتيح دهاليز السياسة الأمريكية الداخلية، وعندما أصبح رئيساً تشتت تفكيره في أكثر من إتجاه داخلي، وفي كل إتجاه يقبع دهاء، وحيلة، ومخططات، ومؤامرات، لذلك تاه الرجل وسط هذا الزحام، والذي يتطلب للإلمام ببعض جوانبه، توافر خبرة عمل متواصلة لا تقل عن ٢٠ عاماً على الأقل، بينما الرجل حديث عهد بالسياسة، وحتى وإن كان قريباً منها منذ نعومة أظافره، إلا أن قرابته تلك لم تكن أبداً بشكل متواصل، وإنما كانت متقطعة.
هذا بالإضافة إلى أن ترمب كان دائماً ما يرى قشور السياسة الداخلية، ولم يقترب يوماً من جوهرها، والذي هو أساس اللعبة، واللعبة في أمريكا من شدة صعوبتها فإنها قد تنفي أو تدين أو تقتل.
النقطة الثانية/ ضعف الحزب الجمهوري بسبب رئاسة ترمب.
عندما تولى ترمب رئاسة أمريكا بالصدفة !، نعم إنه رجل الصدفة، وقد ساعده على الفوز عوامل كثيرة لم يكن لترمب أي يد فيها، إلا أن كونه فد أصبح رئيس لأمريكا، جعله ذلك بالتبعية رئيس وقائد للحزب الجمهوري، في حين أنه رجل كما ذكرنا آنفاً قليل الخبرة، فصعد على حساب أصحاب الخبرة الطويلة، فاستطاع تحقيق مكاسب شخصية، لكنه تسبب بضعف الحزب الجمهوري العريق.
النقطة الثالثة/ ترمب لم يعتمد في آلية حكمه على الإستعانة بالمؤسسات.
لقد تعامل ترمب، مع إدارة دولة كأمريكا، كما لو أنها إحدى شركاته، فتسبب في الإضرار بالمصالح الأمريكية على كافة الصعد، داخلياً وخارجياً، إقتصادياً وسياسياً.
النقطة الرابعة/ إستغلال الديمقراطين لقلة خبرة ترمب.
في ظل وجود الرجل قليل الخبرة، على رأس الجمهوريين، كان على الجانب الآخر، أصحاب الخبرة الديمقراطيون، يخططون للقضاء على الحزب الجمهوري ذاك الخصم العريق، وقد وجد الديمقراطيون أن الأرض خصبة للعمل خلال الأربعة أعوام فترة حكم دونالد ترمب، فاستطاعوا التوغل داخل كل ما هو جمهوري، ليقلبوا أكبر قدر ممكن ويتحول إلى ديمقراطي.
تم ذلك في الوقت الذي قام فيه ترمب بتقليم أظافر أصحاب الخبرة الجمهوريين، حتى جاء موعد الإنتخابات الرئاسية نوفمبر ٢٠٢٠م، فكشر الديمقراطيون عن أنيابهم، واستطاعوا إزاحة الحزب الجمهوري من طريقهم، وما كان ذلك سيحدث، إلا بفضل ترمب، فبالإضافة إلى كرسي الرئاسة الذي ذهب إلى جو بايدن، فقد أصبحوا أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.
وظل ترمب لا يتعلم من أخطاءه وأصر على عناده، حتى وقع في المحظور، والخطأ الذي سيكون لنجاته منه ثمن باهظ، لقد حض أنصاره على إقتحام مبنى الكونجرس، يوم ٦ يناير ٢٠٢١م، أثناء التصديق على فوز جو بايدن، في سابقة تاريخية، لن تمر مرور الكرام.
لقد سقط ترمب، لأنه رجل وثق في نفسه مع أنه قليل الخبرة، ولأنه إستخف بقيادات الجمهوريين العريقيين مع أنهم أصحاب الخبرة.
إن عالم السياسة الأمريكية كالمحيط، عميق لدرجة أنك لن تبلغ منتهاه، فمن هذا الذي ظن نفسه قادر على بلوغه.
شادي طلعت