فن الروايس و الوطنية الحقيقية اية مقاربات ؟
مهدي مالك
في
الثلاثاء ٢٦ - يوليو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
فن الروايس و الوطنية الحقيقية اية مقاربات ؟
مقدمة متواضعة
ان عيد العرش المجيد هي مناسبة غالية في قلوب المغاربة من طنجة الى الكويرة لان الملك في المغرب هو الضامن للوحدة الوطنية و الترابية و هو كذلك حامي الملة و الدين بصفته امير المؤمنين و حفيد المصطفى صلى الله عليه و سلم اي ان الملك له مقام اعتباري في وجداننا الوطني منذ ثلاثينات القرن الماضي اي منذ اطلاق ما يسمى بالحركة الوطنية في أديباتنا السياسية و الدينية لما بعد سنة 1956 على كل حال ..
و بهذه المناسبة المجيدة اسال الله سبحانه و تعالى ان يطول عمر جلالة الملك محمد السادس نصره الله و حفظه من كل الامراض و يعطيه الصحة و السعادة في حله او في سفره امين يا رب العالمين ...............
قد كتب الكثير من المقالات و الابحاث الجامعية و الكتب على مدار 54 سنة من نضال الحركة الثقافية الامازيغية حول فن الروايس او ترويسا كما يسميها الاستاذ محمد ولكاش و مقاومة الاستعمار الاجنبي في فترة الحماية و الدفاع عن المصالح العليا و مدح السلطة العليا الخ من اغراض الاغنية الوطنية عبر جغرافية شمال افريقيا و الشرق الاوسط..
ان الوطنية هو مصطلح حامل لمعاني مختلفة حول الايديولوجيات الدينية و السياسية فمثلا ان اغلب تيارات الاسلام السياسي حاولت خداع الجميع بادعاءها انها مع الدولة الوطنية الحديثة في حين انها مازالت تحلم في استعادة الخلافة الاسلامية كنظام سيشمل كل بلدان المسلمين .
و الحال نفسه بالنسبة لتيارات القومية العربية التي استعملت مصطلح الوطنية لتجميع كل العرب في انظمة استبدادية مثل النظام الجزائري الحالي و النظام السوري الحالي و النظام المصري الحالي مع كامل احترامي لرموز التنوير الاسلامي هناك و نظام القدافي الوحشي في ليبيا الحبيبة و التي عانت طيلة 42 سنة من الاستبداد العروبي و تغييب البعد الامازيغي و المذهب الاباضي بشكل مطلق حيث اتذكر هنا ان قناة الجزيرة قد استضافت في اطار برنامجها الاتجاه المعاكس في صيف 1998 ضيفان لنقاش المسالة الامازيغية و هما الاستاذ حسن ادبلقاسم من المغرب و قومي من ليبيا وانذاك مازلت صغيرا على الفهم الدقيق لهذا النقاش الاولي حول القضية الامازيغية وقتها .
لكنني الان اتواصل مع امازيغي ليبيا عبر الفيسبوك حيث ان انظمة القومية العربية هي معادية للتنوع الثقافي و اللغوي بالمرة......
الى صلب الموضوع
انني باحث متواضع في فن الروايس منذ سنة 2006 حيث نشرت العشرات من المقالات حول هذا الفن الاصيل في مواقع الحوار المتمدن و اهل القران و في جريدة الانبعاث المحلية لمدة عام واحد اي 2010 ثم تم طردي لاسباب تتعلق بخطي التحريري المدافع عن القضية الامازيغية بشموليتها و كنت اتعامل مع استاذ معروف في الثقافة الامازيغية بالرباط عبر الايميل حول كتابة مقال حول سيرة احد الروايس او احدى الرايسات حيث كانت تجربة مفيدة بالنسبة لي وقتها و كنت استمع للاستاذ ولكاش عبر احدى الاذاعات الخاصة باعتباره باحث في ترويسا منذ اواخر ثمانينات القرن الماضي و عاشر الكثير من رموز هذا الفن العريق بالجنوب المغربي منذ عهود غابرة من الزمان قد تجاوزت وصول الطرب الاندلسي الى المغرب مع الاسر الاندلسية اثر سقوط اخر معاقل المسلمين بالاندلس سنة 1492 ميلادية ...
في عهد الحماية و الاستعمار كان جل الروايس قد انخرطوا في مقاومة الاستعمار بالشعر القوي و المعادي لفرنسا و دينها المسيحي لكن ان ما يسمى بالحركة الوطنية تاسست سنة 1930 على شرعية كاذبة الا و هي شرعية الظهير البربري القائلة ان فرنسا قد اصدرت الظهير البربري بهدف تنصير الامازيغيين و فرنستهم الخ من هذه الاكاذيب المظللة مع العلم ان اغلب مناطق سوس الكبير لم يدخلها الاستعمار الفرنسي الا في سنة 1934 اي بعد المقاومة الشديدة من طرف القبائل الامازيغية بالحديد و بالنار و كذا بالشعر الحامل للمضامين الدينية من قبيل الجهاد في مكانه الصحيح دفاعا عن الارض و عن العرض و عن الدين من طبيعة الحال لان اغلب الروايس وقتها قد تعلموا في المدارس العتيقة بشكل متفاوت حسب الحالة الاجتماعية و الاقتصادية لكل رايس على حدة و ساهم هذا التعليم انذاك في اشعال روح الوطنية الصادقة و الخالية من ادبيات الحركة الوطنية السلفية كما اعتبرها البعض قديما و حديثا خصوصا في صفوف ما يسمى بالحركة الاسلامية ببلادنا ..
و هنا ساذكر بعض الروايس الذين شاركوا في مقاومة الاحتلال الفرنسي من قبيل المرحوم الحاج بلعيد المتوفي سنة 1945 و المرحوم الرايس الحسين جانطي المتوفي سنة 1975 و المرحوم الحاج عمر واهروش المتوفي سنة 1994 و المرحوم الحاج احمد امنتاك المتوفي سنة 2015 و القائمة مازالت طويلة ..
و بعد سنة 1956 اي الاستقلال الشكلي كما سماه امير الريف عبد الكريم الخطابي رحمه الله قد شعر امازيغي المغرب بالحكرة و التهميش على كافة المستويات و الاصعدة امام المخزن الذي انكر وجود شيء يسمى بالامازيغيين داخل دولته العربية الاسلامية الافتراضية على الاطلاق حيث كانت محاولات لتاسيس حزب امازيغي ثم تم اجهاضها من طرف المخزن الخ من الاحداث الساخنة في اواخر الخمسينات و الستينات و السبعينات .
قد تعامل فن الروايس مع هذه التطورات التي وقعت بعد 1956 بحكمة عبر الاشتغال على الاغنية الوطنية من خلال مدح السلطة العليا و انجازاتها بحكم ان اغلب الروايس ليس لديهم اي وعي ثقافي اولي بان الثقافة الامازيغية كانت وقتها في طريق الانقراض بفعل تهميشها سياسيا و ثقافيا و دينيا و اعلاميا حيث تاسست الاذاعة الامازيغية سنة 1938 تبث دقائق معدودة ثم انتقلت للبث 12 ساعة ابتداء من سنة 1974 غير انها كانت بدون المستوى المطلوب استجابة لرغبات المخزن و احزاب الحركة الوطنية في اضعاف الامازيغية كلغة و كثقافة الخ....
لقد شكل حدث المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975 مناسبة لاشغال الروح الوطنية من جديد في قلوب المغاربة عموما و في قلوب الروايس الذين ابدعوا عشرات قصائد جميلة تحمل معاني الوطنية الصادقة مثل قصيدة المرحوم الحاج عمر واهروش و قصيدة المرحوم الحاج محمد البنسير و قصيدة الرايس محمد بن الفقيه الذي اعتزل الغناء منذ سنوات و قصيدة المرحوم احمد بيزماون المتوفي في دجنبر الماضي و غيرهم الكثير في تلك المرحلة التاريخية لكن وقتها كانت الحركة الثقافية الامازيغية توجد في الحصار الرهيب رغم انها لم تطالب الا بانصاف الثقافة الشعبية انذاك بينما ان ثقافة المخزن و نخبته الفاسية تعيش في قمة اولويات التلفزيون المغربي الى جانب ثقافة التشريق و ثقافة التغريب ...
يمكن القول ان المسالة الامازيغية هي قضية وطنية تم الاعتراف بها في الخطاب الرسمي للدولة المغربية منذ سنة 2001 لكن قبل هذا التاريخ كانت الامازيغية مجرد ذكرى للظهير البربري كما سميته الحركة الوطنية الفاسية كما اعتبرها شخصيا حيث كانت الحركة الثقافية الامازيغية مجرد جمعيات ثقافية في مدن الرباط و الدار البيضاء و اكادير و فاس و منطقة الريف الخ لكن تاثيرها على مجتمعنا كان ضعيفا في اواخر ستينات القرن الماضي فتم الاعتماد على الاغنية الامازيغية الحديثة من خلال المجموعات العصرية مثل مجموعة اوسمان و مجموعة ازنزارن الخ لايصال الوعي الثقافي الامازيغي الى فئات الشباب في الجامعات .
و تم الاعتماد على الاغنية الامازيغية الاصيلة عبر فن ترويسا و يعتبر المرحوم الحاج محمد البنسير اول رايس يدافع عن الحقوق الثقافية و اللغوية لامازيغي المغرب بصريح العبارة منذ اواخر السبعينات الى وفاته سنة 1989 عبر قصائد قوية لن تنسى في الذاكرة الجماعية .
لكن مدرسته انجبت اسماء من العيار الثقيل لحمل مشعل القضية الامازيغية مثل الاستاذة فاطمة تاباعمرانت و الرايس المناضل احمد اوطالب المزوضي و المرجوم الرايس حسن اكلالوو .
و هنا اتذكر بشكل ضعيف باعتباري كنت صغير للغاية ان التلفزة المغربية انذاك اي سنة 1989 قد استضافت الاستاذة فاطمة تاباعمرانت في اول ظهور على الشاشات ربما و كانت تغني اغنية وطنية تمدح السلطات العليا و كان المرحوم البنسير عازفا على الرباب.
ان فن الروايس و الوطنية الصادقة هو موضوع كبير و شاسع لا يكفي مقال واحد او مقالان للاحاطة به خصوصا الان بعد ترسيم الامازيغية في دستور 2011 و بعد مرور عشر سنوات من قيادة الاسلاميين للحكومة المغربية حيث يبدو ان وضعية فن الروايس الاعتبارية في هذه البلاد السعيدة لم تتغير كثيرا من ناحية الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية للروايس و الرايسات بعد توقف جميع الانشطة الفنية و الثقافية لمدة عامان بسبب جائحة كوفيد 19 و التهميش الاعلامي لهذا الفن في القنوات التلفزيونية العمومية مثل القناة الاولى و القناة الثانية و القناة السادسة الخاصة بالشان الديني .
و بخصوص القناة الامازيغية فاحيي الاستاذ عبد الله بوشطارت الذي قام باعداد شريط وثائقي رائع حول سيرة المرحوم الحاج محمد البنسير حيث تم بثه في فاتح مارس 2019 و هو عمل غير مسبوق في تاريخ الاعلام السمعي البصري ببلادنا منذ سنة 1962 اي تاريخ انشاء التلفزيون المغربي .
و كما احيي الاستاذ ابراهيم باوش المعروف باهتمامه بفن الروايس منذ سنوات طويلة و يقدم الان برنامجه الرائع تيفيراس على القناة الامازيغية محاولا اظهار تراثنا الفني و الثقافي و الديني بالمناسبة و استضاف العديد من الروايس للحديث معهم حول مسارهم الفني بمعنى تعتبر هذه مجهودات فردية مشكورة لكن القناة الامازيغية لم تستطيع تكريم رواد هذا الفن طيلة عمرها من قبيل الحاج المهدي بنمبارك الذي مازال حي يرزق في مدينة الدار البيضاء و من قبيل المرحوم الرايس محمد اباعمران المتوفي في 20 فبراير 2020 و من قبيل الحاج لحسين اخطاب الخ .
كما احيي الحاج عبد الله طالب علي الذي يقدم برامج رائعة على الاذاعة الامازيغية المركزية تستقبل الروايس و الرايسات للحديث معهم حول مسارهم الفني حيث لن انسى اللقاء الذي اجراه مع المرحوم الرايس مبارك ايسار في صيف 2004 اذا كانت ذاكرتي قوية و دام هذا اللقاء ثلاث ساعات ..
و كما احيي الاستاذ محمد ولكاش المناضل العصامي و المدافع عن التراث الامازيغي عموما و عن فن الروايس خصوصا من خلال برامجه الاذاعية منذ سنة 2006 و قبل هذا التاريخ في اذاعة اكادير الجهوية منذ سنة 1988 الى سنة 1993 ...
ان وضعية فن الروايس الان لم تتغير كثيرا و الاخطر في الامر هو ظهور ما اسميه بفقهاء الوهابية الجدد في سوس منذ سنوات على مراء و مسمع وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية حيث ان هؤلاء القوم اخذوا يهدمون الثقافة الامازيغية الاسلامية بسوس بتحريم الفنون و العادات و التقاليد كانها من بقايا الجاهلية الامازيغية ك ان العرب لم يمارسوا جاهليتهم العربية بعد اسلامهم بقتل احفاد الرسول و استباحة مدينة الرسول و جعل قصورهم مجالا للدعارة و شرب الخمر بشكل علاني يعرفه العامة و الخاصة و يقول الرسول الاعظم ما معناه اذا عمل المسلم المعاصي فليسترها .................
المهدي مالك