ف 5 : تفاعل المرأة مع الرجل في تأدية العبادات ( 2 ) الحج والاعتكاف ،
القسم الثانى من الباب الثانى عن تفاعل المرأة فى التراث والدين السُنّى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 5 : تفاعل المرأة مع الرجل في تأدية العبادات ( 2 )
الحج
المرأة وفريضة الحج : ــ
فريضة الحج لبيت الله الحرام عامة لكل البشر من أبناء آدم ، ذكورا واناثا من سكان مكة والقادمين اليها . وهذا هو ما يؤكده القرآن الكريم فى قوله سبحانه وتعالى:
1 ـ ( وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي )الحج : 25 )
2 ـ ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران )
3 ـ ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً ) (125) البقرة ) ،
4 ـ ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) المائدة ) .
فالمرأة ضمن الناس الذين قال سبحانه وتعالى عنهم : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )، فطالما استطاعت فالحج فريضة عليها ، شانها كالرجل تماما . وذلك ما عرفته الجاهلية حيث كان يفد العرب إلى البيت الحرام رجالاً ونساء يقطعون البوادي لأداء فريضة الحج ، ثم نزل القرآن الكريم يؤكد فريضة الحج على كل مستطيع من الرجال والنساء ، ويصلح الأخطاء التى ألحقها الجاهليون فى شعائر الحج .
فى التاريخ
وقد حج النبي عليه السلام ومعه بعض ازواجه ، وذكر البخاري تحت عنوان "كيف تهل الحائض بالحج والعمرة" ان السيدة عائشة خرجت مع النبي في حجة الوداع فأصابتها الحيضة أثناء المناسك ، ونقل هذا عن ابن سعد فى الطبقات الكبرى والذى خصص الجزء الأخير فيه للتأريخ للنساء ، فأورد فيه أن أمهات المؤمنين ازواج النبي بعد موته اعتدن اداء فريضة الحج ماعدا سودة بنت زمعة التي قالت "حججت واعتمرت فأنا أُقرُّ في بيتي كما امرني ربي" ووافقتها أم المؤمنين زينب بنت جحش وقال معها " لا تحركنا دابة بعد رسول الله " وكان ذلك التزاما منهما بقوله سبحانه وتعالى " وقرن في بيوتكن " الأحزاب 33 " وما عدا ذلك فقد اعتادت المؤمنات أداء فريضة الحج ، وذكر ابن سعد أن "جسرة" وهي إحدى الصحابيات اعتمرت نحو أرعين عمرة ، وحتى المستحاضة التي تعني من نزيف مستمر لم ينعها ذلك من الحج .
وقبل ابن سعد ذكر مالك في الموطأ ان امرأة تعاني من هذا النزيف استفتت ابن عمر فأفتى لها بالاغتسال وان تجعل فيها ما يوقف النزيف ، وأخذ أبو حنيفة ومالك بهذه الفتوى ، ولم يقل احدهما أنه لا يجب على المستحاضة أداء فريضة الحج . وحتى اقتراب موعد الولادة لم يكن حائلا امام الرغبة في الحج ، وقد ذكر مالك وابن سعد ومسلم أن أسماء بنت عميس صحبت زوجها أبا بكر للحج فولدت في الطريق ابنها محمد ابن أبي بكر فامرها النبي ان تغتسل ثم تُحرم
فى شريعة الدين السُّنى
وحتى الآن ... والكلام عال العال ... ولكن هل يسكت الفقهاء عن ذلك ..؟
1 ـ لقد تم اختراع حديث يحرّم على المرأة ان تسافر ثلاثة أيام إلا إذا كان معها زوجها او أحد محارمها كالأب والأخ والابن . وبذلك وضعوا الألغام في طريق المرأة للحج ، وأصبحت مشكلة الرفيق من زوج ومحْرم ميدانا للنزاع الفقهي بالاحاديث والفتاوى .
2 ـ ومع أن الموطأ ـ وهو أقدم كتاب فقهي ـ لم يتعرض لذلك في موضوع الحج ، إلا ان المشكلة احتدت ، واشترط الفقهاء الأحناف المتأخرون وجود زوج او محْرم مع المرأة في الحج .
3 ـ ولم يعتبر الشافعي ذلك شرطاً واكتفى بأن تخرج المرأة للحج من غير زوج ولا محرم إذا كان معها نساء ثقات واستشهد بقوله سبحانه وتعالى " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" ..
4 ـ أما ابن حنبل فلا يكتفي بشرط وجود الزوج او المحْرم ، بل الأب إذا لم يكن مسلما فلا يمكن أن يكون اميتاً على ابنته ، وذلك في السفر للحج او لغيره ، والتقط هذا الخيط عبد القادر عطا محقق كتاب احكاء النساء لابن حنبل فأفتى هو الآخر بأن الشيوعيين واللادينيين ينطبق عليهم نفس الحكم .
5 ـ أما ابن تيمية فقد كان أكثر تفتحا ، فقال أنه يصح حج المرأة بغير محْرم إذا كانت مع إنسان تأمنه ، أي أن تكون تحت الوصاية بأي شكل ، إلا إن هرموناته الذكورية جعلته يشترط ألا تكون فاتنة . وقد ناقش ابن تيمية حق الرجل في منع زوجته من فريضة الحج فأفتى بأنه لا حق له في منعها من الحج إذا استطاعت ، ولها أن تحج بغير إذنه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولو خرجت للحج مع محْرم فمات هو في الطريق فيلزمها إتمام الحج ان امنت على نفسها ، وإن لم تأمن على نفسها لزمها الرجوع ، وهذا ما قاله الشافعية.
6 ـ وقد اتفق الفقهاء على ان المرأة لا يجوز لها أن تحج في فترة العدة من الطلاق أو إذا مات زوجها ، وهذا ما يتفق مع تشريع التراث في العدّة ..
7 ـ وقد إشتهر شعراء المجون فى العصر الأموى ـ وأبرزهم عمر بن ربيعة والعرجى حفيد عثمان بن عفان ـ بالتحرش بالنساء فى الحج ، ومواعدتهن . واشتد هذا فى العصر العباسى وما بعده، ولكن الفقهاء لم ينفعلوا بهذا ولم يقوموا بدور إصلاحى ينكرون فى مؤلفاتهم على ما يحدث . مما يقطع بأنهم كانوا بعيدين بفقههم النظرى عما يجرى فى واقع عصرهم .
حضورها الاعتكاف في المسجد :ــ
جاء الاعتكاف قى الحج ضمن شعائره .
وعن عموم الاعتكاف فى المسجد الحرام قال جل وعلا :
1 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج )
( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة ).
2 ـ وكان الاعتكاف فى المساجد معروفا للرجال والنساء ، وكان يحدث أن يباشر الزوج زوجته جنسيا أثناء إعتكافهما فى المسجد وخصوصا فى ليالى رمضان لأن وقت الافطار كان محصورا بين صلاة المغرب والعشاء ، ثم يتم الصيام من العشاء الى غروب الشمس فى اليوم التالى . لم تكن فترة الافطار هذه كافية لأن يأكل الناس أو أن يباشروا زوجاتهم ، لذا لم يكن هناك إلتزام كامل بهذا التشريع المتوارث . ونزل تشريع فى المدينة فى سياق تشريع الصيام يبيح الفطر من المغرب الى الفجر ، ويمنع مباشرة الزوجة جنسيا أثناء الاعتكافى المسجد ، وواضح أنه تشريع يسرى فى رمضان وغيره . قال جل وعلا : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة )
ذكر القرآن الكريم الاعتكاف في المسجد الحرام ، وذك الاعتكاف في ليالي رمضان في إشارة موحية لاشتراك الرجال والنساء في الاعتكاف في ليالي رمضان بالمسجد . ونعيد التذكير بقوله سبحانه وتعالى بعد ان أحلّ اللقاء الجنسي بين الزوجين في ليالي رمضان إلى أن يطلع الفجر : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ) البقرة :187). والذي يعتكف في المسجد إذا خرج من المسجد إلى منزله لم يعد معتكفا ، فالواضح أن النهي عن المباشرة للمعتكف وهو في المسجد يعني ان تكون زوجته معتكفة معه ، او جاءت إليه لتجلس معه في لحظات اعتكاف ، حيث لا مكان في المسجد وقت الصوم لأي نوع من اللعب أو الرفث أو التحرش الجنسي بين الزوجين ، والله تعالى يحذر من ذلك ويجعله من حدود المولى جل وعلا التي لا ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة ألا يقترب منها فى نهار رمضان ، وحتى لا يقع المؤمن فريسة للهاجس الجنسي الذي يتحكم في عقله ورؤيته للمرأة وفتاويه عنها..
فى التاريخ
وقد ذكر البخاري ومسلم أن النبي عليه السلام كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، وأن عائشة استأذنته في الاعتكاف في المسجد فأذن لها ، وفعلت مثلها حفصة وزينب بنت جحش من أمهات المؤمنين .. وذكر البخاري ومسلم أن زوجات النبي اعتكفن في المسجد بعد وفاته ، كما ان امرأة مستحاضة ــ أي ينزل عليها الدم باستمرار ــ من زوجاته كانت تعتكف معه في المسجد ، فربما وضعوا تحتها الطست وهي تصلي .
فى شريعة الدين السُّنى
وتناول الفقهاء اعتكاف المرأة من زاوية ولاية زوجها عليها ، فأبطلوا اعتكافها بغير إذن زوجها حتى لو كان اعتكافها منذوراً ، سواء علمت أنه يحتاج إليها للاستمتاع الجنسي أم لا.. ورأي الشافعية انها تأثم إذا اعتكفت بغير إذن زوجها ولكن يصح اعتكافها ، وحكموا بأن اعتكافها مكروه إذا كانت حسناء ولو بإذن زوجها ، وقال الفقهاء المالكية انه لا يجوز اعتكافها بلا إذن من زوجها إذا علمت أنه يحتاجها للاستمتاع الجنسي ، فإذا اعتكفت بدون إذنه فاعتكافها صحيح ، وله الحق في ان يفسد اعتكافها بمباشرتها جنسياً ، ولو أفسده وجب عليها قضاؤه ... أي رجعنا لفقه الجنس مرة أخرى ..
المصادر حسب الترتيب الزمنى
( الموطأ : مالك بن أنس (93 ــ 179 هجرية ) رواية محمد بن الحسن الشيباني الطبعة الثانية تحقيق عبدالوهاب عبد اللطيف : حديث 471 . ص 158 و حديث 470 صـــ 158
( الأم : للشافعي ( 150 : 204 هجرية ) 1/206 ، 207 ، 212 ، 213 )
( الطبقات الكبرى لابن سعد ( 168 : 230 هجرية ) 8/37 : 38 ، 359 ، 207 ، 324 )
(أحمد بن حنبل : ( 164 : 241 هجرية ) احكام النساء 46 تحقيق عبدالقادر عطا . دار التراث العربي .. الطبعة الأولى 1980 )
( البخاري : ( 194 : 256 هجرية ) 1/ 173 ، 68 ، 67)
( مسلم ( 206 : 261 هجرية ) 3/ 20 ، 13 ، 4/39)
ابن الجوزي : عبدالرحمن أبو الفرج (510 : ت597 هجرية ) أحكام النساء 36 ، 38 . مكتبة التراث .
ابن تيمية : احمد بن عبدالحليم (661 ــ 728 هــ) فتاوى النساء 89 ، 301 تحقيق إبراهيم الجمل .
( ابن الحاج ت 737 ) المدخل 2/288 )
أبو بكر الجزائري : منهاج المسلم 234
العثيمين : محمد بن صالح : الفتاوى النسائية 39 دار طيبة السعودية ..