ف 10 : المرأة والمشاركة الديمقراطية فى رؤية قرآنية ( 1 )
ب 2 : تفاعل المرأة فى المجتمع . كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 10 : المرأة والمشاركة الديمقراطية فى رؤية قرآنية ( 1 )
أولا : المشاركة فى إقامة القسط
يقول جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ). نفهم من الآية الكريمة :
1 ـ قيام الناس بالقسط هو الهدف من كل الرسالات الالهية ، وأن ضياع القسط يعنى الحرب ، فلا سلام مع الظلم ( No Justice , No peace ) . وكما (أنزل ) الله جل وعلا رسالاته فقد ( أنزل ) أيضا الحديد ، وفيه بأس شديد ومنافع للناس . أى إن لم يتحقق القسط فالبديل هو الحديد والسلاح ، وهو هنا نضال مشروع فى تحقيق القسط للجميع ، أو بالتعبير الأمريكى ( Justice for all) ، وليس لمكسب شخصى أو فئوى أو طائفى . وهذا هو الهدف من كل الرسالات الالهية .
2 ـ تكررت كلمة ( الناس ) مرتين : قيام الناس بالقسط ، ومنافع الحديد للناس .
و( الناس ) أيضا يتضمنها قوله جل وعلا :
2 / 1 :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا )، فقد أرسلهم الله جل وعلا للناس .
2 / 2 : ( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ )، أى من الناس .
وبالتالى ف( الناس ) مذكورون فى الآية الكريمة صراحة مرتين وضمنا مرتين . وهذا ما لم يرد مطلقا فى القرآن الكريم . وقد راجعنا مصطلح الناس ، وبإيجاز فهو يرد بمعنى البشر جميعا ، كما فى قوله جل وعلا :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )، ويرد بمعنى مجموعة من البشر فى زمان ومكان واحد، كما فى قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران ). ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ ) (23) القصص ) وجاء مرتين فى بعض مواضع ، منها قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) البقرة ). ولكن أن يأتى مصطلح الناس ليدل على البشر جميعا مرتين بصراحة ومرتين ضمنا فهذا لم يأت إلا فى هذه الآية الكريمة من سورة الحديد . الأهمية القصوى هنا أن مصطلح ( الناس ) هم الرجال والنساء معا .
3 ـ قوله جل وعلا : ( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )، يفيد النضال بكل الوسائل بهدف ( إقامة القسط ) وبهدف ( إستدامة القسط ). وهذا يستلزم وعيا جمعيا بين الرجال والنساء بالدعوة والتعليم والاعلام ، بالكتابة العلمية والثقافية والبحثية والدرامية ، بالمسموع والمرئى ، حتى يجعلهم يحتشدون ويتحدون فى أقامة القسط وفى ديمومة القسط . بدون هذا الوعى الجمعى فستستمر الانقلابات ترفع شعارات العدل وغيرها ، وبمجرد أن يصل شخص للرئاسة يتحول الى فرعون مثل من ثار عليه ، وربما أسوأ . وهذا هو واقع المحمديين اليوم .
4 ـ أفضل طريق لتأسيس هذا الوعى الجمعى بين الناس رجالا ونساءا يكون بالتربية القرآنية ، وبهذا يقوم الناس بتغيير ما بأنفسهم من صفات الذل والصبر السلبى والجبن والاستكانة الى صفات العزة والشجاعة والتعاون على البر والتقوى والدفاع عن المظلوم وعدم الوقوع فى الظلم وعدم الرضا بالظلم ، وأن الموت أفضل من حياة ذليلة . هذا ما نناضل نحن ( أهل القرآن ) فى تعليمه للناس ، وندفع الثمن ظلما من أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين . ترجمة هذا الى ( لغة عصرية سياسية ) تعنى حتمية نشر ثقافة الديمقراطية قبل تأسيس الديمقراطية نفسها . بدون ثقافة الديمقراطية فلا يمكن وجود ( تحول ديمقراطى ) حقيقى وناجح ، بل سلاسل من الفتن ، انقلابات يتبعه نظام ديمقراطى مظهرى أعرج ، يتحلى بشكل ديمقراطى من أحزاب وانتخابات صورية ، ويتحكم فيها المفسدون فى الأرض ، وبهذا تضيع أعمار الناس فى بؤس مستمر .
5 ـ بذلك ندخل فى العلاقة بين القسط والديمقراطية
ثانيا : بين القسط والديمقراطية
1 ـ القسط أنواع : القسط أو العدل الاجتماعى ، والقسط أو العدل القضائى فى الحكم بين الناس ، ثم القسط الأكبر وهو فى السياسة ، أى الديمقراطية المباشرة ، أى العدل أو القسط فى ( المشاركة السياسية ) بحيث لا يحتكرها ولا يتوارثها شخص أو طائفة أو عائلة .
2 ـ القسط السياسى ( الشورى الاسلامية / الديمقراطية ) تنبع من أن الناس سواسية ، أخوة من آدم وحواء ، لا فضل لفرد على آخر إلا بالتقوى ، وهذا ما سنعرفه يوم القيامة ، إذ لن يدخل الجنة إلا المتقون . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ). نقيض هذا أن يعلو فرد أو مجموعة من الناس على بقية الناس ، فيصبح ( أو يصبحون ) سادة على بقية الناس . وبهذا ينازع هذا الفرد أو تلك المجموعة رب العزة ( جل وعلا ) فى صفة العلو .
ثالثا : القسط السياسى و الاسلام ، الاستبداد يناقض ( لا إله إلا الله )
1 ـ تكرّر وصفه جل وعلا ب ( تعالى ) 14 مرة ، مثل ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) النحل) ، وهو جل وعلا ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) الرعد )، فالمستحق للعلو هو الله ( سبحانه وتعالى ) . والمتقون ليسوا الاخوان المسلمين ، بل هم الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا ، قال جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص ).
2 ـ والعلو والفساد متلازمان ، والله جل وعلا لا يحب الفساد ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص ) ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة ). فالذى يعلو على الناس ويستطيع إخضاعهم لا بد أن يتآمر وأن يقتل وأن ينتهك الحقوق ، أى لا بد أن يكون أكبر المفسدين ، وهو مضطر للفساد كى يستمر فى حكمه وتسلطه ، وهذا ما يتجلى فى قصص فرعون الذى جمع بين العلو والفساد ووصل به علُوّه الى زعم الألوهية والربوبية العليا . ونقتصر مما جاء عنه فى قوله جل وعلا :
2 / 1 : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص )
2 / 2 : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) المؤمنون )
2 / 3 : ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى (64) طه ).
3 ـ الغريب أنه مع تكرار قصة فرعون فى القرآن الكريم فإن المحمديين ــ الذين إتخذوا القرآن الكريم مهجورا ـ لا يزالون تحت حكم فراعنة صغار أقزام ، متخصصين فى الهزائم والسرقة والتعذيب . ، بل إن من المحمديين من لا يزال يقدّس فراعنة مثل عبد الناصر وصدام والقذافى ، ماتوا بعد هزائم ونكبات وجرائم يرتجف لها ضمير العالم .!
4 ـ وجد فرعون موسى الجرأة لكى يعلن ألوهيته وربوبيته : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات ) وقال جل وعلا عن مصيره :( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) النازعات) . جعله الله جل وعلا عبرة لمن يخشى . ولكن فى عصرنا الردى تقلّب فى الحكم فراعنة يزعمون الالوهية ضمنا ( الزعيم الملهم ) ويتصرفون باعتبارهم آلهة ، فإذا كان رب العزة جل وعلا هو وحده الذى ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ) فهم يعتبرون مساءلتهم كفرا وخيانة . ينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) ابراهيم )، ساروا على ( دأب فرعون ) ولقوا مصيره ، وصار فرعون وقومه لهم أئمة، قال جل وعلا :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (41) القصص ). لم يتعظ الفراعنة اللاحقون فى العراق وتونس وليبيا والجزائر واليمن والعراق والسودان وأفغانستان وباكستان ..الخ .
5 ـ فى قصة فرعون تجد التلاحم بين الدين الأرضى والاستبداد السياسى . وفرعون هو إمام للجميع ، خصوصا من يجمع فى شخصه الدين والسياسة ، أو السلطة الدينية والزمنية ، أو ( ولاية الفقيه ) الشيعية . وهم المثل الأعلى للاخوان المسلمين وما يتفرع عنهم ، فهم وحدهم المسلمون وهم وحدهم من له الحكم مستبدا . الأغلب أن يتحالف المستبد مع رجال دينه الأرضى ، وهو تحالف أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين . هم يركبون رجال الدين ،ورجال الدين يركبون الشعب ، كما يحدث فى مصر ، حيث يركب الفرعون الأزهر والكنيسة ، وعلى المتضرر اللجوء الى دولة أخرى .!
6 ـ ولهذا فإن النضال / الجهاد فى تحقيق القسط يبدأ بالدعوة الى الحرية الدينية المطلقة للجميع ، من أفراد وجماعات ؛ حرية الايمان والالحاد وحرية الدعوة الى أى دين ، وحرية إقامة الشعائر وإقامة بيوت العبادة . هذه الحرية ستقوّض الكهنوت الدينى ، فهو مؤسس على خرافات تنافى العقل ، وأى مناقشة ستنسفه ، لذا فهو يعتمد على قوة السُّلطة لكى تقيه شرّ النقاش ، وتهرع السلطة الفرعونية الى معاقبة من ينتقد الكهنوت أشخاصا وأفكارا بالسجن بتهمة إزدراء الدين ، وبالقتل بتهمة الردة والزندقة . والاخوان وما يتفرّع عنهم هم الأكثر ضراوة فى هذا . لا تتهاون السلطة الفرعونية فى الدفاع عن كهنوتها لأن فى سقوطها سقوطه ، ولأن الذى يركع للشيخ أو القسيس يسهل عليه أن يركع للفرعون الحاكم .
7 ـ ولمجرد التذكير فإن هذا النضال فى سبيل الحرية الدينية للجميع يجب أن يقوم به الرجال والنساء ، بل ربما نقول بكل ما لدينا من أسف ـ وهو هائل كثير ــ إن النساء هم الأكثر خضوعا للكهنوت بدليل الانخراط فى الحجاب والنقاب ، وبهذا يكون من الضرورى أن تظهر مناضلات من النساء تفوق المناضلين من الرجال ، لأن الأم كما قال شاعر النيل ( حافظ ابراهيم ) :
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
8 ــ إصلاح التعليم .. إصلاح التعليم ..!!
وللموضوع بقية .