أم عيسى وأم موسى في القصص القرآني
مقدمة
1 ـ هناك أمهات كثيرات لم يذكرهن رب العزة جل وعلا بالاسم ، أولهما أم البشرية زوج آدم ، ثم أزواج نوح ولوط وابراهيم وموسى ومحمد، عليهم جميعا السلام . الوحيدة المذكورة بالاسم هى ( مريم ) لأن بها فقط يقوم نسب عيسى الذى ولدته بلا أب .
2 ـ نتوقف مع مريم وأم موسى فى القصص القرآنى
أولا : مريم أم عيسى
1.خاطبت الملائكة السيدة مريم في مناسبتين:
1 / 1 -الأولى دعوة الملائكة لها بالعبادة التامة وتبشيرها بأن الله سبحانه وتعالى اصطفاها واختارها وطهرها : ( وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران)
1 / 2 -وفى المرة الثانية قبيل أن تلد المسيح ، وفيها بشرتها الملائكة بولادته ، قال جل وعلا : ( إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) آل عمران ) . و كان إرسال الروح جبريل اليها بكلمة ( قُل ) الالهية لتحمل ولدا بلا أب ، قال جل وعلا : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21) مريم )
2 ـ لقد أحاطت المعجزات بولادة السيدة مريم لابنها عيسى علية السلام ، من الحمل السريع إلى المخاض والولادة ، ثم نطق الوليد المبارك مرتين الأولى ينصحها والأخرى يبرئها من التهمة الشنعاء، وجاء هذا بحرف ( الفاء ) الذى يفيد الترتيب السريع . قال جل وعلا :
4 / 1 :عن المرة الأولى فى نطق الوليد عيسى ينصحها : ( فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26) مريم )
4 / 2 : وعن المرة الأخرى وهو يدافع عنها :( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) مريم ) . في ذلك الكلام المبهر لم ينس الطفل الناطق بالحق والوحي أن يذكر وصية الله تعالى له بالبر بوالدته ، ويأتي البر بالوالدة بعد الوصية بالصلاة والزكاة ...!!
5 ـ وما نطق به الطفل المبارك في المهد كان وحيا من السماء يخبر عن المستقبل ويعلن الحق للأجيال القادمة أنه عبد الله وليس إلاها أو إبنا لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، لذا قال جل وعلا بعدها : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) مريم ) ، وهو ما قاله عيسى عليه السلام لقومه: ( َإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) مريم ) ، ولكن إختلفوا ، قال جل وعلا : ( فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) مريم ).
ثانيا : أم موسى
1 : في سورة (القصص) يتلو ربنا جلا وعلا نبأ موسى وفرعون ، وتبدأ القصة بفساد فرعون واستضعافه لطائفة من سكان مصر يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم ، وفى المقابل فان التدبير الإلهي هو نجاة المستضعفين وأهلاك المفسدين ، والذي سيقوم بدور البطولة في التنفيذ هو طفل ينتظره قرار الذبح الفرعوني . ولكن التدبير الإلهي يجعل فرعون نفسه هو الذي يقوم برعاية الطفل وتنشئة ، ذلك الطفل هو الذي سيكون هلاك فرعون وجنده على يده. هى قاعدة إلاهية تقول : ( اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ).
2 : ويبدأ تنفيذ التدبير الإلهي بالوحي إلى أم موسى الخائفة على حياة رضيعها ويأتيها الوحي الإلهي بأوامر بعضها عادى والبعض الآخر عجيب :
2 / 1 : الأمر العادى فى الوحى لأم موسى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) فرضاعة الأم لوليدها طبيعى ، ولكن المقصد منه أن يتعود الرضيع على أُمّه ؛ على ملمس ثدييها ومذاق لبنها وعلى دفء أحضانها .
2 / 2 : العجيب فى الوحى فى قوله جل وعلا : ( فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ). لم يقل فإذا خفت علية فخذية في أحضانك ولكن الأمر بالقائه في ماء النيل.
3 : ووصف النيل وقتها ب ( اليمّ ) يعنى إنه كان وقت فيضان ، وأمواج النيل هادرة عالية . وجاء هذا أيضا فى سورة (طه ) : ( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ( 38 ) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ) 39 ).
3 / 1 : جدير بالذكر أن فرعون وقومه فى الغرق ابتلعتهم أمواج البحر الأحمر ، وهى أيضا موصوفة بنفس الوصف ، قال جل وعلا :
3 / 1 / 1 : ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ) ( 40 ) القصص )
3 / 1 / 2 :( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ) 40 ) الذاريات )
3 / 1 / 3 : ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ )( 78 ) طه )
3 / 1 / 4 : ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ) 136 ) الاعراف ).
4 ـ حين يكون موج النيل كأمواج البحر الأحمر ويأتى الوحى الالهى لأم موسى أن تلقى وليدها فى هذه الأمواج لا بد أن يرتجف قلبها ، لذا جاء فى الوحى لها : ( وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص ) هنا وعد يطمئنها ويهون عليها. ولأنّ من الطبيعي أن تخاف وان ترتعب من مجرد الفكرة فالوحي ينهاها ألا تخاف وألا تحزن ، وحتى تثق في نجاة ابنها الرضيع يأتيها الوعد الإلهي بأنه سيرجع الى أحضانها بل وسيكون من المرسلين . وأهمية التصريح هنا بما ينتظر المولود من مستقبل هو في زيادة الطمأنينة للأم اللهفى ولتتأكد أنه طالما سيكون ابنها نبيا مرسلا فان الله تعالى لن يتخلى عنة وسيمضى في تحقيق المهمة الموكلة إليه ، وان الوحي إليها هو وحى حقيقي من الله وهو جزء من تلك الرسالة الموعودة لذلك الطفل الموعود ، وما عليها إلا أن تتوكل على الله وتتشجع ، فإذا اقترب خطر الفرعون من ابنها سارعت بإلقائه في النيل . وتوكلت أم موسى على ربها وصدقت وعدة وعندما اقترب من بيتها زبانية الطاغية أسرعت فألقت ابنها في النيل..
5 ـ وجدير بالذكر أن سورة (طه) جاءت بتفاصيل أكثر عن الوحي الذي جاء إلى أم موسى ومنه أن الله سبحانه وتعالى أمرها أن تصنع له تابوتا وأخبرها بما سيكون من حال التابوت: ( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ( 38 ) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ) 39 ). إذن فالأوامر لم تكن فقط لام موسى وإنما كانت أيضا للنيل ، أن يحمل الهدية ويقوم بتوصيلها إلى قصر فرعون المطل على النيل .
6 ـ وحينئذ فلا بد أن يلتقطه آل فرعون : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص ). تعبير ( فَالْتَقَطَهُ ) يفيد أمرين :
6 / 1 : سرعة إلتقاطه ، لأن ( الفاء ) تفيد الترتيب والتعقيب السريع .
6 / 2 : إنه كان صعبا الحصول عليه . لوكان سهلا لقيل ( فأخذه ) ، لكن تعبير ( فَالْتَقَطَهُ ) يعنى الصعوبة ، لذا لم يكن شخصا واحدا الذى إلتقطه بل مجموعة قال جل وعلا عنهم ( آل فرعون ).
7 ـ ويصل التابوت والطفل في داخلة إلى زوجة فرعون – الفاضلة – فينشرح صدرها لمرآه ويتدفق من قلبها الحنان وتتوسل لزوجها غليظ القلب : ( وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) القصص ) لذا وافق فرعون وقومه ، وهم لا يشعرون الخطورة المستقبلية لهذا المولود الصغير . وبذلك تمت المرحلة الأولى من التدبير الإلهي وأصبحت لموسى أم بديلة هي زوجة فرعون نفسه ، وأصبح فرعون نفسه هو القائم على حماية موسى .. ويا لها من سخرية يصنعها المولى سبحانه وتعالى بالطغاة والمستبدين !!
8 ـ على أن التدبير الإلهي كان يشمل أم موسى أيضا ، صحيح أنها تؤمن بأن الله جل وعلا لا يخلف الميعاد إلا أن قلب الأم هو قلب الأم ، وهى لا تدرى أن نبضات قلبها وقلقها على صغيرها تقع في إطار التدبير الإلهي ، ولذلك فإنها أرسلت ابنتها لتتبع مسيرة التابوت في النيل. قال جل وعلا : ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11)القصص ) ، هم دائما ( لا يشعرون ). وظلت الأخت تتحسس أخبار القصر فعلمت أن الرضيع رفض المرضعات بعد أن تعود على صدر أُمه ، وهنا تتقدم الأخت بمرضعة جديدة هي أم موسى – فيلتقم ثديها وينقطع عن الصراخ وينام في أحضانها ويستريح فرعون وتستريح أكثر امرأة فرعون . قال جل وعلا : ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) ) القصص ) . تخيل طفلا رضيعا يرفض الرضاعة ويظل يصرخ رافضا المرضعات ، والجميع حوله ومنهم إمرأة فرعون فى قلق ولهفة ، لذا كان الترحيب بأن تستضيفه ( أمُّه ) الحقيقية .إذن تكفلت أم موسى وأبوه بابنيهما وذلك تحت رعاية الفرعون نفسه ، وعاد الطفل المبارك بعد رحلته السياحية إلى بيته وأحضان أمه وقد تزود من الطاغية بحصانة تحميه من الذبح ، بل تعطيه الرعاية والمأوى ، وفى وسط أهله وبيته حيث عرف كل شيء عن قومه المستضعفين .
9 ـ ظلت أمُّه هي الرابطة القوية التي تجمع موسى بأخيه "هارون" الذي جعله الله تعالى نبيا ووزيرا لموسى . وكان بينهما وُدُّ شديد نحسه من قول موسى لربة سبحانه وتعالى عنه : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) طه ) ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ) (34) القصص ). واستجاب له ربه جل وعلا : (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) طه ) ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ )(35) القصص )" . وهذه الأخوة الصادقة فزع إليها هارون حين أخذ الغضب موسى ، حين عبد القوم العجل . قال جل وعلا : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 150 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 151 ) الاعراف ). قال له هارون يا ابن أم ..!! أي ذكّره بأمة .. وفى سورة طه "( قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ( 94 ) . ويالها من أم عظيمة .. أنجبت اثنين من الأنبياء .. موسى وهارون .. عليهما السلام .